أمرٌ أمني دقيق تكشفه حادثة البازورية.. سيناريو بارز لـعملية الخرق
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
دلالاتٌ خطيرة جداً كشفتها عملية إغتيال إسرائيل لقياديين بـ"حزب الله" في البازورية – قضاء صور، أمس السبت. ميدانياً، القصف الذي حصل في عمق الجنوب، يؤكد أنَّ إسرائيل باتت فعلاً تُوسع نطاق الإستهدافات في أكثر من منطقة، وبالتالي ستكون قادرة على "إصطياد" أي هدفٍ تريده أينما كان.
ماذا يعني ذلك؟ وماذا كشفت عمليّة الأمس؟
جغرافياً، يعتبر إستهداف البازورية، وهي بلدة الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، الأول من نوعه منذ حرب تموز عام 2006.
في الواقع، لا يختلف وضع البازورية عن الضاحية، فالمنطقتان تمثلان بيئة حاضنة للحزب أولاً وثانياً لفصائل فلسطينية أساسيّة مثل "حماس". وعليه، فإنّ القصف الذي حصل يشيرُ إلى أن إسرائيل قد تتمادى في توسيع بنك المناطق الجغرافية التي ستبادر إلى التأسيس لقصفها، فبالأمس قُصفت الضاحية من أجل عملية إغتيال، والآن قُصفت البازورية، ويوم غد قد تُقصف مناطق أخرى فيها مسؤولون لـ"حماس" أو لـ"القسام" أو حتى قيادات فلسطينية أخرى.
أمرٌ أمني خطير
ما يظهر بشكلٍ أو بآخر هو أنّ إسرائيل تسعى من خلال عمليات الإغتيال للتأكيد مُجدداً على عمق الخروقات الإستخباراتية. من الضاحية إلى البازورية وصولاً إلى مكان آخر، يبدو الأمرُ غير عاديّ بتاتاً، وما يتبين هو أن هناك شبكة من الجواسيس باتت ترصدُ التحركات، وهنا المنعطف الأكثر خطورة.
الأساس الذي يتبين هنا هو أنّ هناك عملاء يقدمون إحداثيات غير سهلة، ومن الممكن أن تكون لحظة الإستهداف قد تقرّرت في لحظتها وليس في أوقاتٍ سابقة. أحد التقارير الإسرائيلية سلط الضوء على هذه النقطة وتحديداً عبر موقع "calcalist" الذي تحدّث عن أن تحرك الطائرات الحربية أو التجسسية المخولة بتأدية عملية قصف، قد يكون مستنداً لمعلومة طارئة عن هدفٍ متنقل يجري تحديده آنيا. وعليه، من الممكن أن يكون الخرق الذي طال راكبي سيارة البازورية قد حصل في الآن نفسه. بمعنى آخر، يمكن أن يكون تحديد الهدف قد حصل في ذات لحظة إنطلاق السيارة من مكانها الأساسي، ومن الممكن أن يكون التسريب تمّ منذ لحظة سيرها، أي من دون عملية مُخططة مسبقاً. وبذلك، فإن تحرك طائرة الإستطلاع فوق صور قبل القصف قد لا يكون بغرض الإستهداف، لكن معلومة طارئة تصل إلى غرفة التحكم قد تدفع تلك المسيرة لتنفيذ العملية المطلوبة.
السيناريو هذا قائم بشدة في حال قمنا بتفكيك مضمون التقرير العسكريّ الإسرائيلي بشأن أمر "تحركات الطائرات"، ما يعني أنّ أي عملية إغتيال قد تكون مفاجئة، وهذا الأمر يُشكل تحدياً كبيراً لأمن "حزب الله" من جهة ولأمن "حماس" من جهةٍ أخرى لتفكيك رموز أو إحباط أي عملية إغتيال عبر عملٍ أمنيّ إستباقيّ.
صحيحٌ أن ما حصل في البازورية تزامن مع عملية قصفٍ إستهدفت حي المزة في دمشق وطالت قادة إيرانيين. في الواقع، الحادثان لا يمكن فصلهما فالرسائل منهما متلازمة. الرسالة الأولى هنا هي أن إسرائيل باتت تكثّف حملتها ضد قادة إيرانيين ومعنيين بفصائل المقاومة، أما الرسالة الثانية فتتصل بوجود قدرات إستخباراتية مكنت تل أبيب من خرق أماكن هؤلاء الأشخاص أينما كانوا. أما الرسالة الثالثة فتقولُ إنّ إسرائيل باتت تسيطر جوياً على كل المجالات التي يتواجد فيها قادة إيرانيون أو مسؤولون تابعون لـ"حزب الله" أو "حماس" أو "الجهاد الإسلامي". وبذلك، فإنّ حجم الإستهدافات عبر الطائرات المسيرة سيعتبرُ خطيراً ويمثل منعطفاً حاسماً في الصراع القائم.
أمام كل ذلك، يمكن أن يكون الكلام الإسرائيليّ عن توسيع آفاق وسقوف المعركة ضد لبنان مُقترناً بـ"تصعيد الحرب الإستخباراتية" وليس بالضرورة تفعيل العمل العسكري الميدانيّ. وهذا النوع من الحرب، أي الحرب الإستخباراتية، هو الأخطر.. ففي المعارك المفتوحة، ستكون الإجراءات أكثر تشدداً بالنسبة للقادة الميدانيين ومن الممكن ألا تحقق إسرائيل أهدافها من الإغتيالات الإجرامية. أما الآن، فالميدان في العمق اللبناني هادئ، وهذا الأمر قد يكون مفتاحاً يساعد إسرائيل على التمادي أكثر.. السر هنا خطير ويمكن التوقف عنده، والسؤال الأساس: ماذا سيفعل "حزب الله" لتدارك تلك الحرب؟ ما هي خطواته المستقبلية؟ ما هي العدة التي سيعتمدُها للمواجهة؟ المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: عملیة إغتیال من الممکن حزب الله أن یکون حصل فی
إقرأ أيضاً:
هل باتت القدس أبعد؟
– مع كل احتفال سنوي لإحياء يوم القدس كنا نقيس المدى الذي يفصلنا عن القدس ونقول إنها باتت أقرب، ونحن نشهد تنامي قوة المقاومة في لبنان وفلسطين، خصوصاً بعد ظهور محور المقاومة إلى حيّز الوجود، وتحوله إلى محور حقيقي، ظهرت ملامح تبلوره كجبهة مقاتلة موحّدة بعد طوفان الأقصى. وها نحن اليوم مع الإحياء السنوي ليوم القدس نجد السؤال يطرق أبوابنا، وقد حوصرت المقاومة في العراق حتى أقفلت الإسناد واضطرت للبحث عن كيفية حماية حضورها من الحصار، بينما المقاومة في لبنان قد أصيبت بجراحات بالغة خسرت معها كثيراً من كبار قادتها، وعلى رأسهم قائد محور المقاومة السيد حسن نصرالله، الذي أتاح اغتياله لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن يقول إن المحور انتهى باغتيال السيد نصرالله، وصولاً إلى سقوط سورية من موقعها في محور المقاومة وخياراتها، وإقفالها كقاعدة لقوى المقاومة وإغلاق مسارات الإمداد التي كانت تمثلها لهذه القوى، فهل يجب أن نستنتج أن القدس باتت أبعد ونحن نرى غزة تواجه حرب الإبادة منفردة، لولا يمن عزيز بقي وحيداً يساندها.
– بالعودة إلى عناصر قرب القدس وبُعدها ثمة معياران يشكل اجتماعهما مصدر الجواب، الأول هو درجة حضورها كقضية ساخنة تُلهب المشاعر وتستنهض الهمم في وجدان شعوب الأمتين العربية والإسلامية، والثاني هو درجة تأثير كل عناصر القوة التي تمثلها المقاومة في بنية كيان الاحتلال وجيشه وجبهته الداخليّة، ودرجة بلوغ هذا التأثير الحد الذي يجعل المأزق الوجودي أشدّ عمقاً وحضوراً. وكي نستطيع فهم المشهد بعقل بارد، لأن المشاعر الحارة تفسد هنا القدرة على الملاحظة والاستنتاج، بحجم الخسائر التي لحقت بقوى المقاومة ودرجة حرارتها الحارقة للقلوب والمشاعر، لأن هذه الحرب بما تمثل من تصادم وارتطام كبير لقوّتين متعاكستي الاتجاه بكل القوة والسرعة، تركت خراباً على ضفتي التصادم، وإذا كنا نلاحظ ونستشعر ما حلّ بالضفة التي نقف عليها، فما يهمّ هو رؤية ما لحق بالضفة المقابلة؟
– إذا كانت القدس ترمز في ما ترمز للقضية الفلسطينية، فإن الأعداء أنفسهم لا ينكرون أن ما جرى خلال عام ونصف نقل القضية الفلسطينية إلى مرتبة ومكانة ما كانتا لها في يوم من الأيام، وقد صارت استحقاقاً سياسياً وأخلاقياً ودبلوماسياً واستراتيجياً لا مفرّ منه بالنسبة لكل دول العالم وشعوبه وحكومات المنطقة وشعوبها. وبالتوازي فإن شعور شعوب العرب والمسلمين بالتقصير والخزي بسببه مع فقدان الثقة بأن تفعل الحكومات شيئاً زاد من تطلّع الشعوب نحو قوى المقاومة، ولعل أبرز مثال على ذلك هو مقارنة مكانة اليمن في عيون العرب قبل الطوفان وجبهات الإسناد وبعدهما، وقد صار اليمن قدوة الجميع في الحديث عن الشرف والنخوة والشهامة ومقياس العروبة والتقيّد بأحكام الإسلام. وفي الجواب على السؤال من هذه الزاوية، فإن القدس باتت أقرب بكثير مما كانت عليه من قبل، وأن يوم القدس صاحب أفضل في مراكمة الوعي وشحن الذاكرة لإبقاء القدس حاضرة عصيّة على النسيان.
– في حال كيان الاحتلال، رغم صخب الحرب ومظاهر القوة التي يُبديها قادة الكيان إلى حد التوحّش، ومن خلفهم كل القدرات الأميركية العسكرية والسياسية والمالية والدبلوماسية، فإن النظر إلى المشهد داخل الكيان، ومتابعة خطابات قادته، يكشف لنا بوضوح أن الحديث يجري عن كيفية تفادي خطر الحرب الأهلية، وعن وجود أكثر من “إسرائيل” يجب أن تضمحل إحداهما كي تبقى الأخرى على قيد الحياة، وأن الفشل في التخلص من حركات المقاومة، يجعل المأزق الوجودي حاضراً بقوة، بدليل رفض نازحي مستوطنات الشمال والجنوب العودة إلى مستوطناتهم، بينما رفض الانضمام إلى الخدمة العسكرية يتسع بصورة تصيب القادة بالذهول، والهجرة المعاكسة من الكيان بلغت أرقاماً قياسية مع التحفظ على العودة، ولا أحد يجرؤ من القادة العسكريين على التحدث عن كفاءة القوات البرّية للفوز في جبهات لبنان وغزة، ولا عن كفاءة القبّة الحديدية أمام صواريخ اليمن وطائراته المسيّرة، وأمام أي احتمال للعودة إلى المنازلة مع المقاومة في لبنان، وفرضيّة الحرب مع إيران.
– تستمرّ الحرب أساساً لأن إقفالها يعني تكريس الفشل الاستراتيجي لمشروع اسمه “إسرائيل”، ولذلك يجهد قادة الكيان ومن خلفهم الغرب كله كي تنتهي بصورة تتيح للكيان الاحتفال بصورة نصر يتفادى بها كتعويذة بقاء خطر التفكك، لكن الحرب لم تنته بعد ولا يبدو في الأفق أن الكيان يستطيع الحصول على التعويذة المنشودة لإنهائها، وعندما يضطر لإنهاء الحرب بغير شروط تتيح الحصول على تعويذة البقاء بمزاعم النصر، سوف نكتشف كم جعلتنا هذه المتغيّرات، رغم الجراحات وآلامها، أقرب إلى القدس.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية