ودائع اللبنانيين و«المسؤولية الثلاثية»
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
ودائع اللبنانيين.. و«المسؤولية الثلاثية»
تجمع التقارير اللبنانية والدولية على أن مسؤولية تراكم الدين الكبير تتحملها ثلاثة أطراف: الدولة المقترضة؛ مصرف لبنان؛ المصارف التجارية.
تم احتكار القرار بيد حاكم مصرف لبنان، متجاوزاً المجلس المركزي، ومفوض الحكومة، ولذلك أبلغ الأثر في تعميق الأزمة المالية وتداعيات كارثية.
مؤشرات إيجابية تبقى محدودة، مقارنة بفجوة الخسائر البالغة 72 مليار دولار، والتي يشترط صندوق النقد «تصفيرها» قبل تقديم المساعدة.
يرى صندوق النقد أن وضع لبنان «إفلاس» وليس «تعثر». ويستوجب شطب معظم خصوم المصارف وما يقابلها من أصول، للتأكد من قدرة البلد على سداد دينه للصندوق.
* * *
على الرغم من الانكماش الاقتصادي المتواصل، وارتفاع التضخم، وعدم حل أي من أزمات القطاع المصرفي، واستمرار تفاقم مشكلة الودائع، وتعميم «دولرة» الاقتصاد.. فقد نجح مصرف لبنان في الحفاظ على استقرار سعر صرف دولار بيروت بحدود 89500 ليرة. وهو ينتظر إقرار موازنة الدولة للعام الحالي، لتوحيد السعر وإعلانه رسمياً، تلبيةً لنصيحة صندوق النقد الدولي.
وبلغة الأرقام، فقد سجل «المركزي» عدة مؤشرات إيجابية عكستها ميزانيته في نهاية ديسمبر الماضي، وأهمها: أولاً، زيادة احتياطاته بالعملات الأجنبية بـ748 مليون دولار لتصل 9.32 مليار دولار، خلال خمسة أشهر، أي منذ تسلم وسيم منصوري الحاكمية بالإنابة في أغسطس الماضي، خلفاً للحاكم السابق رياض سلامة. ويعود ذلك لأسباب عدة:
- أولها وقف استنزاف «منصة صيرفة»، والتحضير للاشتراك في منصة «بلومبيرغ» الإلكترونية، والتشدد في تمويل الدولة وتغطية حاجاتها بالعملة الأجنبية.
- وثانيها، انكماش السيولة المتداولة بالليرة، إذ انخفض النقد المتداول من 58.9 تريليون إلى 58 تريليون ليرة، وكان يناهز 80 تريليون ليرة في بداية العام.
- وثالثها، ازدياد قيمة احتياطات الذهب بنحو 2.18 مليار دولار إلى 19.16 مليار، نتيجة ارتفاع سعر الأونصة بنسبة 14.6% إلى 2078.4 دولار. لكن يبدو أن كل هذه المؤشرات تبقى محدودة، مقارنة بفجوة الخسائر المقدرة بنحو 72 مليار دولار، والتي يشترط صندوق النقد «تصفيرها» قبل تقديم المساعدة.
ويبرر موقفه بأن الوضع القائم في لبنان هو حالة «إفلاس» وليس حالة «تعثر». ويستوجب شطب معظم خصوم المصارف وما يقابلها من أصول، للتأكد من قدرة البلد على إعادة خدمة دينه للصندوق من دون «تعثر»، في حين أن الواقع يؤكد أن مصرف لبنان والدولة ليسا «مفلسين»، ولديهما الكفاية من الأصول بما يفوق التزاماتهما.
لذا فالأزمة القائمة هي أزمة سيولة فقط، ويتطلب حلها تحقيق توازن مالي خلال فترة وجيزة بإجراءات تؤدي إلى ارتفاع الإيرادات بعد تحرير سعر الصرف، و«خصخصة» بعض مؤسسات القطاع العام، ولجم الإنفاق غير المجدي ومكافحة الفساد، إضافة إلى الاستفادة من إعادة جدولة دين الدولة وفوائده. فيما المطلوب، وبإلحاح، هو البدء بإصلاح البنك المركزي بكل تشوهاته.
وبالفعل فقد بدأ البحث مع الصندوق حول إعادة النظر في السياسة المحاسبية والتقارير والإفصاحات المالية، للتأكيد على أفضل مبادئ الحوكمة، وإدخال التعديلات المناسبة على قانون النقد والتسليف، في ضوء تقارير دولية أبرزها تقارير صندوق النقد وشركة «الفاريزأند مارسال» التي وضعت تقرير التدقيق الجنائي وشركات تدقيق عالمية أخرى (مثل «أوليفروايمان» و«كي بي أم جي»)، وكلها انتقدت احتكار القرار بيد الحاكم، متجاوزاً المجلس المركزي، ومفوض الحكومة، وكيف أن لذلك أبلغ الأثر في تعميق الأزمة المالية وإيصالها إلى تداعيات كارثية.
وبما أن المشكلة الأساسية المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات، تكمن في هدر أموال المودعين، وحلها يتطلب إعادة الودائع لأصحابها حتى لا يكون «ضياعها» -وفق الدراسات القانونية- «سرقة موصوفة»، السارق فيها هو الدولة التي استدانت من المصارف التجارية ومصرف لبنان نحو 92 مليار دولار و«أهدرتها»! وكان رئيس جمعية المصارف السابق فرنسوا باسيل قد حذّر في عام 2014 من تمويل «دولة سياسية فاسدة».
وتقدمت الجمعية مؤخراً بمذكرة «ربط نزاع» موقعة من 11 مصرفاً، إلى وزارة المالية تطالبها بتحصيل 67.9 مليار دولار ديوناً على الدولة لمصلحة مصرف لبنان، وذلك بوصفها دائنة له، وهو كان يقرضها للدولة.
بينما تجمع التقارير اللبنانية والدولية على أن مسؤولية تراكم هذا الدين الكبير تتحملها ثلاثة أطراف:
- الدولة المقترضة، والتي أهدرت الأموال خدمةً للمنظومة السياسية؛
- ومصرف لبنان الذي ارتكب مخالفات عدة مخترقاً قانون النقد والتسليف،
- وأخيراً المصارف التجارية التي شاركت في المخالفات طمعاً بالفوائد المرتفعة، علماً أن عوائد «الهندسات المالية» فقط وفرت لها أرباحاً بنحو 30 مليار دولار.
*عدنان كريمة كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية
المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الدين دولرة التضخم الانكماش الاقتصادي مصرف لبنان المصارف التجارية ملیار دولار صندوق النقد مصرف لبنان
إقرأ أيضاً:
صندوق النقد يتوصل لاتفاق على مستوى الخبراء مع مصر يتيح الحصول على 1.2 مليار دولار
أعلن صندوق النقد الدولي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لبرنامج التسهيل الممدد، مما سيمكن مصر من الحصول على حوالي 1.2 مليار دولار، عقب موافقة مجلس إدارة الصندوق.
وذكر الصندوق، في بيان اليوم الأربعاء أن السلطات المصرية واصلت تنفيذ السياسات الرئيسية للحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، على الرغم من التوترات الإقليمية المستمرة، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط، والتي أدت إلى انخفاض حاد في إيرادات قناة السويس.
وأشار إلى أن السلطات المصرية طلبت تعديل أهدافها المالية على المدى المتوسط، وذلك في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة، التي تشمل ارتفاع التضخم العالمي وأسعار الفائدة، ومن المتوقع أن يصل الفائض الأولي للميزانية (باستثناء عائدات التخارج من الشركات الحكومية) إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2025 - 2026، ثم يرتفع إلى 5% في السنة المالية 2026 - 2027، ويهدف هذا التعديل إلى تحقيق توازن بين ضمان الاستدامة المالية وتوفير مساحة أكبر للبرامج الاجتماعية لدعم الفئات الأكثر احتياجاً، ومع ذلك، فإن الحفاظ على الانضباط المالي لا يزال ضرورياً لخفض تكاليف الدين وتعزيز الاستقرار المالي.
وأكد الصندوق أنه من الضروري مواصلة جهود ضبط المالية العامة للحفاظ على استدامة الدين وخفض تكاليف الفائدة المرتفعة والاحتياجات التمويلية المحلية الإجمالية، وسيتم التركيز على احتواء المخاطر المالية الناشئة عن الشركات المملوكة للدولة في قطاع الطاقة، وتطبيق حد أقصى للإنفاق الحكومي بصرامة، بما في ذلك النفقات الرأسمالية المرتبطة بالكيانات العامة التي تعمل خارج الموازنة العامة للحكومة.
وأشاد الصندوق بخطط السلطات المصرية لتبسيط النظام الضريبي، مشيرًا إلى أهمية تبني مزيد من الإصلاحات لتعزيز جهود تعبئة الإيرادات المحلية، مثمنًا التزام السلطات المصرية بتنفيذ مجموعة من الإصلاحات الهيكلية تهدف إلى زيادة نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2% على مدى العامين المقبلين، مع التركيز على إلغاء الإعفاءات الضريبية بدلاً من زيادة معدلات الضرائب.
ولفت الصندوق إلى أن هذه العملية تتطلب حزمة إصلاح شاملة لضمان إعادة بناء هوامش الأمان المالي لمصر، مما يسهم في خفض مخاطر الدين، وتوفير مساحة إضافية لزيادة الإنفاق الاجتماعي، خاصة في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
واتفق خبراء الصندوق والسلطات المصرية على ضرورة تسريع الإصلاحات لتحسين بيئة الأعمال وضمان أن يصبح القطاع الخاص المحرك الرئيسي للنمو، وفي هذا الصدد، هناك حاجة إلى جهود أكثر حزماً لتعزيز تكافؤ الفرص، تقليص دور الحكومة في الاقتصاد، وزيادة ثقة القطاع الخاص لجذب الاستثمارات الأجنبية وتطوير الإمكانات الاقتصادية الكاملة لمصر.
وأوضح الصندوق أنه في ظل التحديات التي تواجهها مصر بسبب الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة، تم الاتفاق على أهمية تسريع برنامج التخارج من الشركات الحكومية، وأكدت السلطات المصرية التزامها بتكثيف جهودها في هذا المجال لدعم نمو القطاع الخاص وخفض عبء الدين المرتفع.
ولفت إلى أن البنك المركزي أكد مجدداً التزامه بالحفاظ على نظام سعر الصرف المرن لحماية الاقتصاد من الصدمات الخارجية، واستمرار السياسات النقدية المتشددة لخفض الضغوط التضخمية، إلى جانب تحديث عملياته تدريجياً لتحقيق الانتقال إلى نظام استهداف التضخم الكامل، كما يعد تعزيز مرونة القطاع المالي، وممارسات الحوكمة، وزيادة المنافسة في القطاع المصرفي على رأس الأولويات.
اقرأ أيضاًخلال العام المالي القادم.. صندوق النقد الدولي يتوقع تحقيق موازنة مصر العامة فائضا بنسبة 4%
محافظ البنك المركزي يشارك في الاجتماع السنوي عالي المستوى لصندوق النقد العربي
«صندوق النقد»: نراقب الوضع عن كثب في سوريا ومن السابق إجراء تقييم اقتصادي