مذكرات رجل دخل جهنم ؟!
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
بقلم: فراس الغضبان الحمداني ..
بعد شد وجذب مع عزرائيل لم يستطع صديقي أن يقاوم كثيراً فتم إنتزاع روحه بسرعة ونقلت جثته الباردة إلى المقبرة وكان الحضور كالعادة يتوزع بين نساء باكيات وصغار في ذهول وكبار واجمين يبحثون عن فرصة لتداول حديث غير واضح بهمهمات يتردد صداها الباهت في أفق المقبرة المظلم والموحش بينما كان الدفان يحفر أكثر وأكثر ويضرب بمعوله طبقة أحجار هشة تناثرت وسرعان ما جاء أحدهم بمجرفة لرفع التراب حتى كبرت الحفرة رويداً وتعمقت ثم جيء بالجسد الملفوف بخرقة بيضاء ووضع في دهليز ضيق داخل زاوية من الحفرة المسماة القبر ووضع بعض الحجر المتصلب ليمنع التراب من النزول على الجسد وليكون حائلاً بين المكان الذي وضعت فيه الجثة وبقية القبر .
قبل تلك اللحظات التي أهيل فيها التراب على الجسد المتهالك كان جمع من الرجال قد حملوا الجنازة إلى المغتسل ووضعوها على دكة ونزعت عنها الثياب ووضع الماء عليها بالسدر والكافور ثم كفنت وجاء جمع آخر من الرجال وحملوها إلى القبر عند غروب الشمس وتليت الصلوات والدعوات ثم وريت الثرى إلى الأبد .
رأيته في المنام بعد عدة أيام وكان وجهه مكفهراً مسوداً ، وتبدو عليه علامات عدم الرضا والخوف والرعب وكأنه خرج للتو من حفلة تعذيب قاسية بالسياط والكابلات التي حولت جسده العاري إلى خيوط حمراء على مستوى الظهر والصدر وعلى الأيدي والأفخاذ ، وقد بدت على جسده آثار الكي بالسياخ التي تستخدم في الشواء وهي تشبه البقع الشمسية وتساءلت في سري ترى ما بال صديقي قد جرى ما جرى عليه من ويل وعذاب وكيف سيكون الحال معي وأنا الذي كنت أسايره فيما يعمل وأذهب معه حيث يذهب وكنا نأكل سوية ونشرب ونمارس الرذائل ونتآمر على الناس ونتحدث بطريقة بشعة عن الأعراض ؟ كانت هذه الأسئلة تراودني وأنا أنظر في وجهه المكفهر منتظراً منه كلمة وكأنني في مشهد لإستحضار الأرواح الطائرة .
قلت له ، ما بالك ياصديقي وما جرى عليك من أهوال الآخرة والقبر تحدث لي بربك عن تلك المشاهد لعلي أتجنب مصيرك الأسود ؟ فرد بسرعة وقد إنفرجت شفتاه عن إبتسامة خبيثة أو يائسة وقال لن تتجنب ولن تكون حالك بأحسن مني وسوف يكون مصيرك مثلي حتما فقد كنت شريكي في البلاوي التي عملتها والفرق إن ورقتك لم تأت بعد ولم تنزل أوامر السماء بإجتثاث روحك من جسدك لكنني على أية حال في الإنتظار وسنرى كيف يكون المصير فهناك المزيد من العذاب ينتظرني وينتظرك معي وقد تجاوزتك بعدة أيام .
حكي لي عن العذاب الذي تلقاه وكيف جاءه الملكان الكريمان وأخذا يدققان في الأسئلة ولا يغادرن صغيرة ولا كبيرة إلا وقد بحثا فيها وعرضا على وثيقة تتعلق بها ليكون الدليل علي ولم تنفع إعتذاراتي ولا إنكاري فكلما أنكرت شيئاً جاءني الدليل الدامغ حتى إعترفت بكامل ما علي وتقرر أن أكون من أهل النار وسيق معي المجرمون زمراً زمراً وكأن ملائكة النار يضربون أظهرنا بغضب كبير في السياط الساخنة والحديد الذي يتطاير منه الشرر الذي يشوي لحومنا .
نظر إلي بخبث أكبر وقال ، أنا بإنتظارك ياصديقي فراس الحمداني .
Fialhmdany19572021@gmail.com
فراس الغضبان الحمداني
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
من وحي مذكرات الرئيس السادات
كتب الأستاذ الجامعي د. محمد عبد الحميد
في الأيام الماضية أستمتعتُ كثيراً بقراءة مذكرات الرئيس المصري الراحل أنور السادات (البحث عن الذات - قصة حياتي)... وقد ساقني شغفٌ خاص بتلك المذكرات أن وعيي السياسي لم يكن قد تفتق بعد عند اغتياله المؤلم.. فقد كنت في ميعة الصبا لا أحفل بمَنْ قُتِل ومَنْ قَتَلَ ومَنْ أعتلى العرش ومَنْ ترجل عنه، فقد كنت أنعم بالأحضان الدافئة للأسرة التي لم تكن قد تهدمت أركانها برحيل أركانها، وحيث لم يكن العالم يتعدى حدود ساحات اللعب بالميادين الفسيحة والأشجار الوارفة ومياه النيل الدافقة. فقد نبع إهتمامي بالمذكرات النهاية التراجيدية لرجل حكم أهم دولة عربية في أهم مرحلة تاريخية حيث لُقِب ب (بطل الحرب والسلام).
كما إنصب اهتمامي بقراءة مذكراته من جهة أخرى بعد أن صدف وقرأت وأنا أقارن بين النظري والعملي في السياسة بين الأمم عندما كنت طالباً في العلاقات الدولية في بداية التسعينات من القرن الماضي مذكرات سايروس فانس وزير خارجية أمريكا إبان رئاسة جيمي كارتر.. فقد صور فانس السادات في مذكراته كشخصية كثيرة التردد، عالية النزق مفرطة العصبية إبان هندسة الإتفاقية في منتجع كامب ديفيد، غير أنه وبعد فراغي من هذه المذكرات الممتعة للرئيس الراحل وجدته رجل ثابت الجَنان، عظيم الإعتداد بذاته وأمته وشعبه وبالطبع بآرائه، فقد كان راسخ القناعة بضرورة المُضي قدماً في السلام مع إسرائيل مهما كلفه ذلك. وقد كانت نظرته متفائله حين أملَّ في ضرورة تحرير الأراضي العربية المحتلة خاصة في فلسطين وذكر نصاً أنه( مستعد ان يذهب لآخر العالم في سبيل السلام) بعكس ما حاول أن يصوره الخواجة في مذكراته.
غير أن ما لفت نظري حقاً ما ورد في المذكرات في الصفحة ٩٠ حول إشتراك السادات الفعلي في مقتل الوزير أمين عثمان الذي كان موالياً للانجليز في العام ١٩٤٦م فقد أورد في المذكرات حوارا مع أحد الضباط عندما كان رهن الاعتقال حين حثه الضابط بالإعتراف بدوره في الاغتيال وقد عجبت للهجة السادات التي طغت على نبرة حديثه للضابط وكم المفاخرة التي أقر بها اشتراكه في عملية الاغتيال.. فقد يبدو أنه ومع غليان دم الشباب في عروقه ومشاعره الوطنية اللاهبة التي دفعته ليشترك في الاغتيال بذلك التطرف المنفلت العِقال حيث ذكر
:(قلت: وهل عندك أدنى شك في أننا قتلنا أمين عثمان؟ نعم قتلناه لأنه خائن ويستحق الذبح).
قال مستنكرا : أمرك غريب والله.. هل نسيت أن في البلد قانونا؟.
قلت : أعرف ان هناك قانونا ولكنه لا يسري على الخونة ولذلك يتحتم علينا أن نتولى نحن أمرهم.
عندها تخيلت ما ألهب مشاعر خالد الأسلامبولي ذلك الإسلامي المتطرف الذي نفذ عملية اغتيال السادات. وقد تلبسته ذات العاطفة الجياشة التي ترددت في كلمات السادات التي قالها بحق أمين عثمان. وسألت نفسي بأسى هل تكون مبررات الخيانة كافية لإراقة الدماء والحكم بالقتل غيلة على الخصوم السياسيين مهما كان تصورنا لمستوى خيانتهم؟!!
أم أن عدالة السماء قد أقرت في موازين حكمها بالقسط منذ الأزل أن سفك الدماء يجوز عليها أيضاً قاعدة (كما تدين تُدان؟؟!!)
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com