عربي21:
2024-10-02@00:02:36 GMT

صين القلق الدائم... والتدخل الناعم

تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT

هذا القلق الصيني على حاله من وتيرة التدخل الأميركي في موضوع تايوان. وأحْدث هذا التدخل السعي الدؤوب من جانب الإدارة الأميركية لجعْل الرئيس التايواني المنتخَب حديثاً وضمْن الأصول الديمقراطية (لاي تشينغ) رقماً في سعيها الدؤوب من أجْل عدم تمكين الصين من استعادة دولة لم يتم إلى الآن إعلان استقلالها ويتفادى الرئيس الجديد حسْم المطلب الاستقلالي كما الرئيسة السابقة (تساي إنغ وين) التي كانت سياستها أميركية الملامح والمواقف، ومن أجْل ذلك تزايدات التحديات الصينية جواً بهدف ألا تعلن الدولة الصينية أصلاً شعباً وثقافة استقلالها.

وبحذاقة متقنة في تسجيله للموقف من موضوع الاستقلال قال الرئيس الجديد: «ليس لدينا خطة لإعلان الاستقلال». في أي حال إن البال الصيني لن يهدأ ولن تتقلص التحشدات وتحليق الطائرات الحربية إلى أن يحدُث التفهم الأميركي من جانب الرئاسة الآتية بعد أسابيع وهضْم الحالة الراهنة لتايوان من جانب صين شي جينبينغ التي تتطلع إلى حضور قاري أكثر استقراراً، وتعبِّر عن هذا التطلع من خلال مواقف متأنية إزاء الصراعات الساخنة وأكثرها سخونة ما يجري من جانب إسرائيل نتنياهو ضد الشعب الفلسطيني عموماً وضد شعب غزة بحقد مضاعف، مستمتعاً بنيامينها الرئيس بإبادة غير مسبوقة في ظواهر إبادات بينها ما حدث في جنوب أفريقيا، الأمر الذي دفع بحكومتها إلى الشكوى الدولية التي يؤمل منها فرملة في الحد الأدنى لجنون التعامل المستمر من جانب إسرائيل نتنياهو منذ ثلاثة أشهر والواعد بأن هذه الجولات اليومية الإبادية ستتواصل حتى عام 2025. وهي ستتواصل ما دام المجتمع الدولي وبالذات الإدارة الأميركية والحكومات البريطانية والرئاسة الفرنسية والمستشارية الألمانية، وعلى رغم اعتراضات وتحفظات لافتة من جانب رموز عسكرية وسياسية في الحكومات الأربع، فسيبقى معتمداً موقف الممالئ المتعاطف مع القاتل ضد القتيل.

لعل الصين تقتحم الميدان الأممي بنسبة تفوق تحفظاتها الراهنة، فلا يقتصر تعاملها على التدخل الناعم بعد دور ملحوظ قامت به العام الماضي (2023) لتقريب الرؤى بين السعودية وإيران.
وعند الحديث عن التدخل الناعم، تستوقفنا حالة حدثت قبل أيام من جانب الصين في تونس التي يتأهب رئيسها قيس بن سعيد لولاية رئاسية ثانية. نرى وزير خارجية الصين وانغ يي يدشن يوم الاثنين 15 يناير (كانون الثاني) وبحضور الرئيس التونسي «الأكاديمية الدبلوماسية الدولية بتونس»، وكان الرئيس بن سعيد في غاية انشراح الصدر وقسمات المحيا وهو يزيح الستارة عن اللوحة التذكارية حول افتتاح الأكاديمية الفريدة من نوعها في العالم العربي.

ما جناه السودان من سياسة «التدخل الصيني الناعم» كان إنشاء مبنى يطل على النيل في الخرطوم أطلقت عليه صين ماوتسي تونغواستناداً إلى المعلومات، فإن هذه الأكاديمية الدبلوماسية هي الوحيدة من نوعها في دولة عربية، وأن الصين قدمت يد المساعدة في بنائها منذ البدء بالإنشاء عام 2019 بتمويل بلغ 29 مليون دولار أميركي، وأن تدشين مقر الأكاديمية تم بموازاة الذكرى الستين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين الصين وتونس.

من المحتمل أن تشكِّل هذه الخطوة من التدخل الناعم من جانب الصين في تونس دفعاً لمزيد من التعاون التجاري والاستثماري. كما من المحتمل أن تبدأ الأكاديمية تخريج عناصر من الدبلوماسيين التوانسة والمغاربة والجزائريين والموريتانيين يفيدون في بلورة العلاقة مع الصين وتنشيط الأواصر وفرص التعاون التجاري.

هذا التدخل الناعم من صين شي جينبينغ يذكِّرنا بتدخل ناعم من صين ماوتسي تونغ قبل 53 سنة في السودان، حيث إنه بعد زيارة قام بها الرئيس (الراحل) جعفر نميري إلى الصين واستقبله بحفاوة زعيمها ماوتسي تونغ، طلب نميري من الصين المساعدة في أمور يحتاجها السودان بما يعزز قدراته الدفاعية وتنمية قطاعاته الزراعية. ولقد فوجئ بأن ماوتسي تونغ قال رداً على أن السودان على استعداد لدفع أثمان ما يعزز قدراته الدفاعية أن الصين ستساعد في حدود المستطاع ودون مقابل؛ لأنها ليست تاجرة سلاح، تلميحاً إلى أن الاتحاد السوفياتي يتعامل مع العرب بأسلوب تاجر السلاح.


ما جناه السودان من سياسة «التدخل الصيني الناعم» كان إنشاء مبنى يطل على النيل في الخرطوم أطلقت عليه صين ماوتسي تونغ وسودان جعفر نميري اسم «قاعة الصداقة». وكانت هذه بمثابة القصر الجمهوري الثاني غير الرسمي للرئاسة. وكثيراً ما شهدت هذه القاعة اجتماعات بالغة الأهمية، كما شهدت القاعة المصالحة الأكثر تعقيداً بين نظام نميري والزعيم السوداني الصادق المهدي بعد طول اضطرابات ومطاردات. وفي سياق التدخل الناعم ساعد الصينيون الذين بدأوا يظهرون على السودانيين في الأسواق والمتاجر وعلى ضفاف النيليْن الأزرق والأبيض ويلقون الترحيب العفوي من الناس، في زراعة الأرُز في بعض المناطق وفي عملية صيد الأسماك في البحيرات، وكذلك في إنشاء طريق بين الخرطوم وبورتسودان وهي الطريق التي سلكها بسهولة تحت وطأة حرب الجنراليْن البرهان وحميدتي مئات سيارات الدبلوماسيين العرب والأجانب، إضافة إلى سودانيين مقتدرين غادروا جزعين إلى بورتسودان ونقلتْهم من مينائها بواخر إنقاذ سعودية. ثم ها هي بورتسودان تأخذ عثرة بعد عثرة من حرب الجنراليْن شكل أن تكون - إلى أن يقضي الله أمراً ما زال في عالم الغيب بانتظار أن يصبح مفعولاً.

ملامح التدخل الصيني الناعم في السودان لم تتوقف عند حد المساعدة في الزراعة وشق الطرق وأبحاث استخراج النفط، وإنما شملت بعض المفاصل المجتمعية حيث درب الصينيون بعض السودانيين على الطب الشعبي مثل الفوجاما ووخز الإبر الصينية وكاسات الهواء وخلاف ذلك. ولم تمض سنوات قليلة إلا وبات الطب الصيني رائجاً في السودان. وفي السياق المجتمعي نفسه كانت هنالك دورات صينية داخل الخرطوم لتدريب الأطفال والفتية على الأكروبات (الألعاب البهلوانية) وكانت هنالك بعثات مختارة من هؤلاء إلى الصين بدعوة من الجهات الرياضية المسؤولة لإعداد جيل من ممتهني هذه الرياضات على المستوى الدولي والأولمبي.

تلك بعض ملامح التدخل الصيني الناعم، ذاك أن هنالك في معظم دول القارة الأفريقية حالات من التدخل الناعم وهي مستقرة نسبياً قياساً بتدخل الدول التي ترى العلاقة مع الشعوب من خلال القواعد العسكرية، وبذلك تنتهي الأمور إلى صواعق على نحو ما حدث لفرنسا في النيجر. وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

خلاصة القول إنه بالتدخل الناعم تستقر العلاقات بين أصحاب الشأن من الكبار ومن الذين في مرتبة ثانية، وليس في القواعد العسكرية والتدخل الفظ على نحو ما تفعله على سبيل المثال روسيا بوتين في أوكرانيا، وكل من الولايات المتحدة وإيران بالعراق الذي لا يهدأ لشعبه بال ولا لحكوماته استقرار.

المصدر: الشرق الأوسط 

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الصيني غزة السودان روسيا امريكا السودان غزة الصين روسيا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من جانب

إقرأ أيضاً:

جلالة الملك مهنئاً الرئيس الصيني بالعيد الوطني: العلاقات نموذجية وحريص على تطويرها

زنقة20ا الرباط

بعث صاحب الجلالة الملك محمد السادس برقية تهنئة إلى رئيس جمهورية الصين الشعبية، فخامة السيد شي جين بينغ، وذلك بمناسبة العيد الوطني لبلاده.

وأعرب صاحب الجلالة، في هذه البرقية، للرئيس الصيني، عن أحر التهاني وأطيب المتمنيات بموفور الصحة والسعادة والهناء، وللشعب الصيني الصديق بمزيد التقدم والرقي والازدهار.

ومما جاء في برقية جلالة الملك “كما لا يفوتني بهذه المناسبة، أن أشيد بالمستوى الممتاز لعلاقات الصداقة النموذجية القائمة بين المملكة المغربية وجمهورية الصين الشعبية، والتي نحرص سويا على مواصلة تعزيزها وتطويرها على مختلف الأصعدة”.

وأضاف جلالته “وإنني لعلى يقين بأن المبادرات البناءة والمتكاملة التي يعتمدها بلدانا، في هذا الإطار، ستساهم في تقوية تعاوننا الثنائي، واستشراف آفاق جديدة لشراكتنا الاستراتيجية، تستجيب لطموحاتنا المشتركة”.

وفي هذا الصدد، جدد جلالة الملك التعبير عن عزمه القوي على المضي قدما بمعية الرئيس الصيني، وبنفس روح الصداقة والثقة المتبادلة، في ترسيخ الطابع الواعد والقوي للشراكة المغربية – الصينية، لما فيه خير الشعبين والبلدين.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الصيني يتعهد بإعادة توحيد الصين مع تايوان عشية الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الصين الشيوعية
  • جلالة الملك مهنئاً الرئيس الصيني بالعيد الوطني: العلاقات نموذجية وحريص على تطويرها
  • الرئيس الصيني: بكين ستواصل دائما تعزيز القيم المشتركة للإنسانية
  • الرئيس الصيني: على المواطنين أن يحترسوا من المخاطر المحتملة
  • مواقف الصين المعتدلة تجاه القضايا الدولية تجعل الدول العربية تميل أكثر إلى التعاون الصيني
  • الرئيس السيسي: مصر لا تعمل على تزكية الصراعات أو التدخل في شؤون الآخرين
  • رئيس مجلس النواب يهنئ نظيره الصيني بذكرى تأسيس جمهورية الصين
  • جلالة السلطان يهنئ الرئيس الصيني
  • أهداف وحصاد التدخل الدولي في السودان
  • الرئيس الصيني يؤكد التزام بلاده بحماية السلام العالمي