صين القلق الدائم... والتدخل الناعم
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
هذا القلق الصيني على حاله من وتيرة التدخل الأميركي في موضوع تايوان. وأحْدث هذا التدخل السعي الدؤوب من جانب الإدارة الأميركية لجعْل الرئيس التايواني المنتخَب حديثاً وضمْن الأصول الديمقراطية (لاي تشينغ) رقماً في سعيها الدؤوب من أجْل عدم تمكين الصين من استعادة دولة لم يتم إلى الآن إعلان استقلالها ويتفادى الرئيس الجديد حسْم المطلب الاستقلالي كما الرئيسة السابقة (تساي إنغ وين) التي كانت سياستها أميركية الملامح والمواقف، ومن أجْل ذلك تزايدات التحديات الصينية جواً بهدف ألا تعلن الدولة الصينية أصلاً شعباً وثقافة استقلالها.
لعل الصين تقتحم الميدان الأممي بنسبة تفوق تحفظاتها الراهنة، فلا يقتصر تعاملها على التدخل الناعم بعد دور ملحوظ قامت به العام الماضي (2023) لتقريب الرؤى بين السعودية وإيران.
وعند الحديث عن التدخل الناعم، تستوقفنا حالة حدثت قبل أيام من جانب الصين في تونس التي يتأهب رئيسها قيس بن سعيد لولاية رئاسية ثانية. نرى وزير خارجية الصين وانغ يي يدشن يوم الاثنين 15 يناير (كانون الثاني) وبحضور الرئيس التونسي «الأكاديمية الدبلوماسية الدولية بتونس»، وكان الرئيس بن سعيد في غاية انشراح الصدر وقسمات المحيا وهو يزيح الستارة عن اللوحة التذكارية حول افتتاح الأكاديمية الفريدة من نوعها في العالم العربي.
ما جناه السودان من سياسة «التدخل الصيني الناعم» كان إنشاء مبنى يطل على النيل في الخرطوم أطلقت عليه صين ماوتسي تونغواستناداً إلى المعلومات، فإن هذه الأكاديمية الدبلوماسية هي الوحيدة من نوعها في دولة عربية، وأن الصين قدمت يد المساعدة في بنائها منذ البدء بالإنشاء عام 2019 بتمويل بلغ 29 مليون دولار أميركي، وأن تدشين مقر الأكاديمية تم بموازاة الذكرى الستين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين الصين وتونس.
من المحتمل أن تشكِّل هذه الخطوة من التدخل الناعم من جانب الصين في تونس دفعاً لمزيد من التعاون التجاري والاستثماري. كما من المحتمل أن تبدأ الأكاديمية تخريج عناصر من الدبلوماسيين التوانسة والمغاربة والجزائريين والموريتانيين يفيدون في بلورة العلاقة مع الصين وتنشيط الأواصر وفرص التعاون التجاري.
هذا التدخل الناعم من صين شي جينبينغ يذكِّرنا بتدخل ناعم من صين ماوتسي تونغ قبل 53 سنة في السودان، حيث إنه بعد زيارة قام بها الرئيس (الراحل) جعفر نميري إلى الصين واستقبله بحفاوة زعيمها ماوتسي تونغ، طلب نميري من الصين المساعدة في أمور يحتاجها السودان بما يعزز قدراته الدفاعية وتنمية قطاعاته الزراعية. ولقد فوجئ بأن ماوتسي تونغ قال رداً على أن السودان على استعداد لدفع أثمان ما يعزز قدراته الدفاعية أن الصين ستساعد في حدود المستطاع ودون مقابل؛ لأنها ليست تاجرة سلاح، تلميحاً إلى أن الاتحاد السوفياتي يتعامل مع العرب بأسلوب تاجر السلاح.
ما جناه السودان من سياسة «التدخل الصيني الناعم» كان إنشاء مبنى يطل على النيل في الخرطوم أطلقت عليه صين ماوتسي تونغ وسودان جعفر نميري اسم «قاعة الصداقة». وكانت هذه بمثابة القصر الجمهوري الثاني غير الرسمي للرئاسة. وكثيراً ما شهدت هذه القاعة اجتماعات بالغة الأهمية، كما شهدت القاعة المصالحة الأكثر تعقيداً بين نظام نميري والزعيم السوداني الصادق المهدي بعد طول اضطرابات ومطاردات. وفي سياق التدخل الناعم ساعد الصينيون الذين بدأوا يظهرون على السودانيين في الأسواق والمتاجر وعلى ضفاف النيليْن الأزرق والأبيض ويلقون الترحيب العفوي من الناس، في زراعة الأرُز في بعض المناطق وفي عملية صيد الأسماك في البحيرات، وكذلك في إنشاء طريق بين الخرطوم وبورتسودان وهي الطريق التي سلكها بسهولة تحت وطأة حرب الجنراليْن البرهان وحميدتي مئات سيارات الدبلوماسيين العرب والأجانب، إضافة إلى سودانيين مقتدرين غادروا جزعين إلى بورتسودان ونقلتْهم من مينائها بواخر إنقاذ سعودية. ثم ها هي بورتسودان تأخذ عثرة بعد عثرة من حرب الجنراليْن شكل أن تكون - إلى أن يقضي الله أمراً ما زال في عالم الغيب بانتظار أن يصبح مفعولاً.
ملامح التدخل الصيني الناعم في السودان لم تتوقف عند حد المساعدة في الزراعة وشق الطرق وأبحاث استخراج النفط، وإنما شملت بعض المفاصل المجتمعية حيث درب الصينيون بعض السودانيين على الطب الشعبي مثل الفوجاما ووخز الإبر الصينية وكاسات الهواء وخلاف ذلك. ولم تمض سنوات قليلة إلا وبات الطب الصيني رائجاً في السودان. وفي السياق المجتمعي نفسه كانت هنالك دورات صينية داخل الخرطوم لتدريب الأطفال والفتية على الأكروبات (الألعاب البهلوانية) وكانت هنالك بعثات مختارة من هؤلاء إلى الصين بدعوة من الجهات الرياضية المسؤولة لإعداد جيل من ممتهني هذه الرياضات على المستوى الدولي والأولمبي.
تلك بعض ملامح التدخل الصيني الناعم، ذاك أن هنالك في معظم دول القارة الأفريقية حالات من التدخل الناعم وهي مستقرة نسبياً قياساً بتدخل الدول التي ترى العلاقة مع الشعوب من خلال القواعد العسكرية، وبذلك تنتهي الأمور إلى صواعق على نحو ما حدث لفرنسا في النيجر. وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
خلاصة القول إنه بالتدخل الناعم تستقر العلاقات بين أصحاب الشأن من الكبار ومن الذين في مرتبة ثانية، وليس في القواعد العسكرية والتدخل الفظ على نحو ما تفعله على سبيل المثال روسيا بوتين في أوكرانيا، وكل من الولايات المتحدة وإيران بالعراق الذي لا يهدأ لشعبه بال ولا لحكوماته استقرار.
المصدر: الشرق الأوسط
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الصيني غزة السودان روسيا امريكا السودان غزة الصين روسيا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من جانب
إقرأ أيضاً:
نائب الرئيس الصيني يدعو الشركات الأمريكية لتوثيق العلاقات مع بكين
حث نائب الرئيس الصيني هان تشنج الشركات الأمريكية على اغتنام الفرصة لتعميق العلاقات الاقتصادية مع الصين، وفقما أوردت الاثنين وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا).
ونقلت الوكالة أن هان الموجود في الولايات المتحدة لحضور تنصيب دونالد ترامب الاثنين التقى الملياردير الأمريكي إيلون ماسك وممثلي شركات أعمال أميركيين آخرين يوم الأحد.
أخبار متعلقة بوتين: منفتح على الحوار مع ترامب وتحقيق سلام دائم مع أوكرانياخطة إيطالية لتعزيز الحوار بين الاتحاد الأوروبي وأمريكاشعبية ماسك في الصينماسك، وهو أغنى شخص في العالم والرئيس التنفيذي لشركتي تيسلا وسبايس إكس والمالك الأكبر لمنصة إكس، أصبح أحد أقرب حلفاء ترامب، وأسهم بملايين الدولارات لدعم حملته الرئاسية.
ويحظى ماسك بشعبية واسعة في الصين، وهي سوق رئيسية لشركة تيسلا، إذ تمتلك الشركة أحد مصانعها العملاقة وتتنافس مع الشركات المصنعة المحلية سريعة النمو.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } ماسك يحظى بشعبية واسعة في الصين - South China Morning Post (أرشيفية)
في حديثه إلى ماسك، حث هان شركة تيسلا والشركات الأمريكية الأخرى على اغتنام الفرصة والمشاركة في قطف ثمار التنمية في الصين، وتقديم إسهامات جديدة وأكبر في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، وفقا لوكالة شينخوا.
قال ماسك إن تيسلا حريصة على تعميق التعاون الاستثماري مع الصين، فضلًا عن لعب دور نشط في التجارة بين البلدين، حسب شينخوا.
وهدد ترامب في حملته الانتخابية الصين وشركاء تجاريين آخرين للولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية جديدة، لكنه قال أيضًا إنه منفتح على المحادثات مع الرئيس شي جين بينج.
وتحدث الزعيمان هاتفيًا يوم الجمعة، وتعهدا بتحسين العلاقات بين البلدين المتنافسين.
كما التقى هان يوم الأحد نائب الرئيس المنتخب جيه دي فانس، حسب شينخوا.