كيفية إستمرار الدراسة في الجامعات السودانية في ظل الحرب

التعليم الإلكتروني منهجية تصلح لإستئناف الدراسة في ظل الحرب، ولابد أن يلازمها منهجية إتباع نظام الطالب الزائر ونظام الأستاذ المُعار، وكما تعلمون نزوح أغلب سكان الخرطوم الي الولايات، وهذا يؤكد نزوح طلاب وأساتذة جامعات العاصمة الخرطوم الي الولايات، والميزة الحسن أن هذه الولايات لديها جامعات فيها مختلف الكليات والتخصصات الطبية والهندسية والادبية وغيرها، وربما تكون تُشابة وتُضاهي الجامعات الموجودة في العاصمة الخرطوم، وهنا تجدر الإشارة الي أنه يمكن الإستفادة القصوى من هذه الجامعات الولائية؛ لإستئناف تعليم الطلاب والطالبات الذين نزحوا من الخرطوم الي هذه الولايات؛ ولابد لنا أن نُغيِّر نظامنا الأكاديمي، وأن نَتَبِع نظام أكاديمي مرن ونستفيد إستفادة قصوي من التكنولوجيا ووسائل الإتصالات والتعليم الإلكتروني، ونعمل بنظام الطّالب الزّائر Non-Degree Visiting Student Programmes)، حيثُ يُمكن للطّالب أن يقوم بدراسة بعض المقرّرات في جامعة أخرى (وتُسمّى الجامعة المستضيفة host institution)، وهنا ستكون الجامعة الولائية التي يتواجد بها الطالب، وهي حتما غير الجامعة الأصلية التي كان يَدُرس بها الطالب في العاصمة.

يتم إعتماد (الطّالب الزّائر) بعد استيفاء شروط أكاديمية وإدارية محدّدة للقبول؛ مثل حصوله على موافقة جامعته او كليته الأصلية والكلّيّة المستضيفة في الولاية التي يتواجد فيها الطالب.

أما بالنسبة للمنهج او المقرّر الّذي يدرسه الطّالب في الجامعة المستضيفة؛ لابد أن يُكافي محتويات كورس (course content) جامعتة الأصلية الي حد معقول، والاختلاف في محتويات الكورس يُمكن أن تُعالج بالتنسيق بين أستاذ المادة في الجامعة الأصلية وأستاذ المادة في الجامعة المستضيفة؛ للتنسيق في محتويات وعدد الساعات المعتمدة (credithours) التي حددتها الجامعة الأصلية، وهنا يمكن أن يكون في حذف طفيف او إضافة في مفردات الكورس، بشرط أن لا تؤثر علي أهداف المقرر.

أيضاً هذه الولايات نزح إليها أساتذة جامعات العاصمة الخرطوم، وهنا يمكن الإستفادة القصوى من هؤلاء الأساتذة في الجامعة الولائية في التدريس النظري والعملي، وأن يعملوا بنظام الأستاذ المُعار، ونظام الأستاذ المُعار يتم بالتنسيق الأكاديمي والإداري بين الجامعة الأصلية والجامعة المستضيفة، وتتم الإعارة تحت إشراف وإدارة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ويُستفاد من الأستاذ المُعار بجانب العملية التدريسية في تذليل الصعاب وحل مشكلات الطلاب الذين ينتمون الي جامعته الأصلية والجامعات الأخري، ويكون بمثابة منسق أكاديمي وإداري.

بعض الطّلّاب والأساتذة الآن موجودون في الولايات، ولو تمّ تطبيق برنامج الطّالب الزّائر والأستاذ المُعار؛ لإلتحق كلّ طالب وأستاذ بأقرب جامعة له كطالبٍ زائر وكأستاذ مُعار؛ لإستئناف الدراسة وبداية التّحصيل الأكاديميّ.

نظام الأستاذ المُعار لا يعني أن الجامعة المستضيفة تقع على عاتقها العملية التعليمية بأكملها، ولا يعفي أستاذ جامعات العاصمة من المسؤولية؛ إذ لابد له أن يُشارك أستاذ الجامعة الأصلية ويكون مسؤلاً عن كورساته، وممكن يعتمد على التعليم الإلكتروني بنسبة كبيرة في إرسال المحاضرات الي طلابه في الولايات والاستفادة من وسائل الإتصالات وبرامج الزووم والمحاضرات أون لاين وحتي قروبات الواتس يمكن الإستفادة منها، وينسق مع طلابة الزّائرين ومع الأستاذ الذي في نفس تخصصة الموجود في الجامعة المستضيفة.

اما بالنسبة إلى الدروس العملية والتطبيقية؛ فيمكن الإستفادة من ورش ومعامل الجامعة المستضيفة الولائية، وبديهي لن تستوعب هذه المعامل والورش هذا العدد الهائل من الطلاب؛ وهنا لابد من الإستفادة والإستدلال بالصور التوضيحية والقنوات التجريبية التعليمية والتحول الرقمي ونظم المحاكاة والمعامل الافتراضية والمعامل المرئية وغيرها، ولابد من أن إشراك الطالب الي حد ما في وضع محتويات المقرر، وتكليفه بأبحاث وسمنارات أونلاين، وهذا يطوّر الطالب من طالب مُتَلقِي للمعرفة ليصبح طالب باحث عن المعرفة، ويدخل الي منصات التعليم الإلكتروني مثل كوسيرا، ادارك، وغيرها، ويُقارن بين محتويات المقررات؛ حتي نغرز فيه روح التعليم الذاتي self learning.

ولابد أنّ نفهم جيداً أن الطّالب الزّائر لا يُعتبَر مُحوَّلًا إلى الجامعة المستضيفة، بل سيحصل في النهاية على شهادة التّخرّج من جامعته الأصلية.
نظام الطالب الزائر والأستاذ المُعار كلاهما يحتاج الي هواتف ذكية وشبكة إنترنت قوية، بالإضافة الي حضور الي الجامعة المستضيفة بعض المرات، وإذا نظرنا الي هذه الاحتياجات من ناحية اقتصادية؛ فنجد أنها ليست ذات تكلفة اقتصادية أكتر من التعليم الواقعي الذي يتطلب تكاليف الحضور الي الجامعة.
ومثلما طبقنا نظام الأستاذ المُعار؛ يمكن الإستفادة من كل العاملين في التعليم العالي والبحث العلمي؛ لتتم إعارتهم الي الجامعات الولائية.

الخلاصة أنه يمكن إستئناف الدراسة في جامعات العاصمة الخرطوم؛ بإتباع نظام الطّالب الزّائر ونظام الأستاذ المُعار والجامعة المستضيفة، والتعليم الإلكتروني، وهذه النظم ليست وليدة عهد في التعليم؛ وإنما هي جزء من مناهج التعليم عن بعد، وفائدتها انها تُسَهِل عملية التنسيق والتوأمة بين الجامعات السودانية، تحت ما يُسمي بالشراكات الذكية بين المؤسسات.

د. الفاتح يس
أستاذ جامعي في عدد من الجامعات السودانية.

المصدر: نبض السودان

كلمات دلالية: إستمرار الفاتح كيفية يس التعلیم الإلکترونی الجامعات السودانیة العاصمة الخرطوم یمکن الإستفادة فی الجامعة الدراسة فی

إقرأ أيضاً:

التعليم العالي العربي في زمن التحولات الكبرى

 

 

 

 

مرتضى بن حسن علي

 

في عصر تتغير فيه الخرائط المعرفية بوتيرة جنونية، وتتحول الجامعات حول العالم إلى مختبرات للأفكار واختراع الغد، وتسوده الثورة التكنولوجية الكاسحة والذكاء الصناعي، لا تزال مُعظم مؤسسات التعليم العالي في العالم العربي محاصرة في قوالب الماضي، وتواجه تحديات جذرية تُعيقها عن أداء أدوارها كقاطرة للتقدم وابتكار المستقبل لأنها مُثقلة بكثير من المُعوِّقات التي تبعدها عن أداء رسالتها الحقيقية.

الجامعات هي مصادر للفكر والعلم ومراكز للأبحاث، مهمتها التعايش مع الحياة العملية والعلمية وأن تجعل الأجيال الجديدة على دراية بالواقع وتطوراته ودراسة همومه والتعرف على مشاكله الفعلية، وتطوير الطلبة علمياً وفكرياً وبكل ما تملك من قدرة على البحث والتشخيص والتحليل، وتكون على صلة وثيقة بينها وبين دنيا العمل والتكنولوجيا. وحتى تتحول من مجرد مانحة للشهادات إلى حاضنات للإبداع والخريجين قادة للتغير، فهي بحاجة إلى بيئة أكاديمية ورؤساء وعمداء ذوي رؤية واضحة وأكفاء يواكبون الاتجاهات الحديثة في التعليم على المستوى الدولي واختيار الموارد البشرية المؤهلة، واتباع مناهج حديثة، والاهتمام بالبحث العلمي.

والوظيفة الأساسية لمؤسسات التعليم العالي هي تأهيل الشباب علميا وسلوكيا وفكريا وأن تبتكر مع مرور الوقت، مسارات للتقدم ونقل المعرفة إلى مجتمعاتها وأن تكون مشاعل للتقدم. غير أن الأنظمة التي تخضع لها تحد من قدراتها على مواكبة التقدم العلمي الذي يحصل في مثيلاتها من البلدان المتقدمة.

 ولعلَّ قدرًا كبيرًا وملحوظًا لذلك يتصل بضعف مرحلة التعليم الأساسي، وافتقار المجتمعات العربية لمؤسسات إنتاج حقيقية من معامل ومصانع ومراكز للأبحاث الجادة. لقد اختزلت أدوار التعليم العالي في مجرد المانح للشهادات التي هي في أغلبها خالية من المحتوى وتعلق داخل البيوت والمكاتب كجزء من الديكور الداخلي الذي يستر عيوبا عديدة في البناء الداخلي، لا تنتج فكرا ولا تبني أُمَّة. وفي ظل هذا الوضع لم يكن غريباً أن يقوم كل من التعليم والعمل بنفي الآخر ومحاصرة أدواره.

التحديات التي تعيق التعليم العربي كثيرة منها:

المناهج البعيدة عن التقدم التكنولوجي:

لا تزال العديد من الجامعات العربية تعتمد مناهج قديمة في زمن جديد، نظرية تركز على الحفظ والتلقين، بدلًا من تنمية مهارات التحليل والتفكير النقدي. فمثلا في مجال الهندسة، يفتقد الطلبة إلى مختبرات متطورة أو التدريب العملي في الميدان، وينهون دراستهم دون أن يلمسوا مختبرا متقدما، أو يشاركوا في مشروع عملي واحد تهيئهم لسوق العمل، مما يخلق فجوة بين المعرفة الأكاديمية ومتطلبات سوق العمل، ولا يزال الطالب يدرس نظريات القرن العشرين أو قبله، بينما العالم يتسابق في تطبيقات الذكاء الصناعي وعلوم البيانات.

بيروقراطية بدون أفق وتمويل بدون رؤية وضعف التمويل وطريقة صرفه:

تعاني الجامعات من هياكل إدارية معقدة وترهل إداري وقرارات متضاربة، ولا سيما الحكومية منها، تعيق تبني مشاريع بحثية مبتكرة؛ حيث تُهدر أشهر على إجراءات الموافقة على بحوث طلاب الدكتوراه، بينما تُوجه ميزانيات محدودة إلى فعاليات شكلية بدلًا من دعم الابتكار، أو تبني الأفكار الخلّاقة وموتها في مهدها، كما تفتقد إلى الأموال الأهلية "الوقف والخمس".

الانفصال عن قطاع الإنتاج وسوق العمل:

قلة المشاريع الإنتاجية وغياب الشراكة بين الجامعات والقطاع الصناعي الموجود يجعل الأبحاث الأكاديمية حبيسة الأوراق، في الوقت الذي نجحت ماليزيا مثلا في تحويل أبحاث جامعاتها إلى منتجات تجارية وصناعية عبر إنشاء "مدن التكنولوجيا" التي تربط بين الباحثين والمستثمرين.

في بيئة واحدة تُحول الأفكار إلى منتجات.

البطالة المُقنَّعة:

في مصر- على سبيل المثال- يُشكِّل خريجو الجامعات نحو 30% من الباحثين عن عمل، وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بسبب عدم مواءمة المهارات مع احتياجات سوق العمل المتغير. وأيضًا بسبب عدم وجود المؤسسات الإنتاجية الكافية.

البطالة والتطرُّف:

وجود خريجين عديدين ولمدة طويلة بدون عمل، يدفعهم للهروب إلى العالم الافتراضي. ولجوئهم إلى الجماعات المتطرفة أو الغرق في وسائل التواصل الاجتماعي أو الألعاب الإلكترونية هربًا من واقعهم، كما حدث مع عدد كبير من الشباب في عدد من الدول العربية الذين تحولوا إلى التنظيمات المُتطرِّفة بعد فشلهم في ايجاد فرص عمل. وهكذا فإن الشهادة الجامعية أصبحت عبئا بدلا من أن تكون جواز مرور إلى العمل.

نماذج نجاح تُلهم الحلول

جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في السعودية استثمرت في بناء شراكات دولية وإنشاء مراكز متطورة في الطاقة المتجددة، مما جعلها تحتل مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية في مجالات الطاقة والمياه والتقنية الحيوية. مبادرة "مليون مبرمج عربي" في الإمارات، والتي ربطت بين التعليم التقني واحتياجات سوق العمل المتبدلة عبر تدريب الشباب على مهارات البرمجة، مما خلق فرص العمل عن بُعد مع شركات عالمية. إنها تجربة ناجحة في ردم الفجوة بين التعليم التقليدي واحتياجات العصر الرقمي. تجربة الجامعة الأمريكية في بيروت؛ فرغم التحديات نجحت الجامعة في دمج البحث العلمي مع قضايا المجتمع، مثل تطوير حلول لمشكلة النفايات في لبنان وتحويلها إلى طاقة.

وفيما يلي نوضِّح كيفية الخروج من النفق واعادة بناء التعليم العربي العالي كمنصة للابتكار واعادة الاعتبار للجامعة:

تجديد الدماء في الإدارات الجامعية وتعيين قيادات شابة ذات رؤية استشرافية، كما فعلت جامعة زايد في الامارات بتعيين أكاديميين من خريجي جامعات مرموقة مثل هارفارد وستانفورد، لتطوير برامجها. ربط التمويل بالنتائج، من خلال منح الجامعات ميزانيات وفقا لجودة الأبحاث المنشورة وعدد براءات الاختراع المسجلة، كما يحدث في سنغافورة مثلًا. خلق مسارات مهنية مرنة، عبر متابعة ما يجري في العالم من تطورات علمية وتكنولوجية وادخال التخصصات الضرورية المتعلقة بتلك التطورات مثل "الذكاء الاصطناعي" و"الاقتصاد الرقمي" أو إدخال تخصصات مستقبلية، وتدريسها بمناهج قابلة للتحديث السنوي، كما تفعلها بعض الجامعات في العالم مثل جامعة "CODE" في المانيا مثلًا.

التعليم كاستثناء استراتيجي

لا يمكن لمجتمعاتنا أن تبني مستقبلًا دون تعليم عالٍ يُحرر طاقات الشباب ويحوّل أحلامهم إلى مشاريع ملموسة. آن الأوان لنتوقف عن التعامل مع الجامعة كمجرد مبنى أو عنوان على ورقة الشهادة، والتعامل معها كجبهة فكر، ومصنع للقيادات، ومحرك للتنمية. فكما قال نيلسون مانديلا: "التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم".

لقد آن الأوان لنجعل من جامعاتنا منارات للفكر، لا مجرد جدران تُعلَق عليها الشهادات!

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • تعطيل الدراسة بـ 15 جامعة اليوم الأربعاء بسبب العاصفة
  • وزير التعليم العالي: تعطيل الدراسة غدا يرجع إلى رؤساء الجامعات بالتنسيق مع المحافظين
  • عاشور يوجه الجامعات بالتنسيق مع المحافظين لتعطيل الدراسة حسب الطقس
  • توجيه عام من وزير التعليم العالي للجامعات بشأن طقس غدا
  • وزير التعليم العالي: حريصون على توقيع اتفاقيات تعاون مع الجامعات العربية والأجنبية المتميزة
  • موعد بدء امتحانات طلاب الجامعات 2025
  • وزارة التعليم العالي: جامعة شرق بورسعيد أحد ثمار التنمية بتكلفة 646 مليون جنيه
  • التعليم العالي العربي في زمن التحولات الكبرى
  • الخارجية السودانية تستدعي القائم بأعمال السفارة الصينية في السودان لاستيضاحه حول كيفية امتلاك الدعم السريع مُسيّرات صينية استراتيجية
  • التعليم العالي تمدد القبول لمفاضلة الدراسات العليا للعام ‏الدراسي 2024 – 2025