د. محمد عبود يكتب: يسألونك عن التهجير!
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
الزمان الأربعاء 2 يناير 2019، المكان شاشة القناة 14 الإسرائيلية، جلس وزير الأمن الداخلى الأسبق، «أفيجدور كهلانى»، مرتدياً ثياب الواعظين، وقال: «غزة قنبلة سكانية على وشك الانفجار، وكل ما أتمناه أن تنفجر فى اتجاه مصر»!
عبَّر «كهلانى» فى هذا اللقاء عن اتجاه تتسع رقعته فى أوساط اليمين الإسرائيلى ينادى بتهجير الفلسطينيين من غزة والضفة قسرياً أو طوعياً، والتخلص من «لعنة غزة» واحتلال أراض جديدة تسد احتياجات إسرائيل الديموغرافية والأمنية والاقتصادية!
لم تظهر فكرة التهجير فجأة فى الخطاب الإسرائيلى بعد «طوفان الأقصى»، لكن للفكرة جذور قديمة ينبغى الانتباه إليها، ففى عام 1904 طالب القيادى الصهيونى «يسرائيل زانجويل» بطرد العرب من فلسطين لتكون أرضاً بلا شعب، لشعب بلا أرض! وأيد البارون «دى روتشيلد» الدعوة، وأعلن عن استعداده لدفع الأموال للفلسطينيين لكى يهاجروا.
وعام 1937 كتب المنظر «زئيف جابوتينسكى»: «لو وافق الفلسطينيون على الهجرة الطوعية، فلن نأسى على ذلك»! وفى العام نفسه، أكد «بن جوريون» أنه وافق على تقرير لجنة «بيل» البريطانية للتحقيق فى أحداث الثورة العربية بسبب توصية التقرير بترحيل آلاف الفلسطينيين خارج حدود «الدولة اليهودية» المقترحة»!
وظلت جريمة التهجير القسرى تراود بن جوريون حتى صار أول رئيس وزراء لإسرائيل، وسعى لتنفيذها عبر مجازر شهيرة رافقت حرب 1948 مثل: دير ياسين واللد والرملة والطنطورة. ويرفض الأرشيف الإسرائيلى حتى اليوم الإفراج عن وثائق حكومية وقعها «بن جوريون» تأمر القوات الإسرائيلية بتهجير الفلسطينيين عبر عمليات ترويع وإبادة جماعية واغتصاب للنساء، وجرائم يندى لها الجبين.
وما زالت المؤسسات الإسرائيلية تنكل بالمؤرخين الجدد الذين يسعون للحصول على هذه الوثائق، وإعادة كتابة تاريخ النكبة.
بمرور السنين، وضع اليسار الإسرائيلى جرائم التهجير القسرى التى نفذها «بن جوريون» فى خانة المسكوت عنه، وتضاءلت دعوات التهجير فى الخطاب العام، وصارت حلماً يراود أوساط اليمين الاستيطانى على فترات.
ويظهر فى برامج أحزاب متطرفة مثل حزب «كاخ» بقيادة الإرهابى مئير كاهانا فى الـ80، وأحزاب يمينية ظهرت واختفت دون أثر يُذكر، أهمها حزب «الاتحاد القومى» بقيادة وزير السياحة الأسبق «رحبعام زئيفى» الذى دعا علانية لجريمة التهجير. وواجه هجوماً حاداً من اليسار، فكان رده: «إذا كان التهجير عملاً غير أخلاقى، فإن الصهيونية حركة غير أخلاقية لأنها نشأت وأسّست دولتها عبر تهجير قسرى شامل»!
اُغتيل رحبعام زئيفى عام 2001، وواجه اليسار الإسرائيلى دعوات التهجير بخمسة مخاوف رئيسية، هى: التشكك فى نجاح المخطط لتمسك الفلسطينيين بأراضيهم، الخوف من اتهام الرأى العام الغربى لإسرائيل بممارسة التطهير العرقى، تزايد عداء الرأى العام العربى لإسرائيل، اتهام دوائر غربية لإسرائيل بإغراق دولهم بالنازحين العرب، اعتداء النازحين العرب على المصالح الإسرائيلية فى الغرب.
ورغم أهمية هذه المخاوف ومنطقيتها، تسببت عملية «طوفان الأقصى» فى تحريك دعوات التهجير من الهامش إلى المتن فى إسرائيل. وراحت تتردد على ألسنة عسكريين ووزراء، وأعضاء كنيست، ونشطاء ومفكرين.
وهم يطرحون خمسة أسباب لتبنى المخطط: حل أزمة إسرائيل الديموغرافية دون الاضطرار لإقامة دولة فلسطينية، تحويل إسرائيل لدولة يهودية متجانسة، التخلص من فلسطينيى 48 باعتبارهم طابوراً خامساً، توفير الشقق للشباب الإسرائيلى بعد نزوح الفلسطينيين من ديارهم، تخفيض الميزانيات العسكرية والأمنية وإنعاش الاقتصاد الإسرائيلى!
هذه الأفكار العبثية التى كانت تُواجه باعتراضات القوى اليسارية، وسخرية الإعلام، ومسارعة الحكومة بالنفى والاستنكار، صارت بعد السابع من أكتوبر تُعرض على الشاشات، وتنشر فى الصحف، وتُناقش فى الإذاعات بحجة الغضب والانتقام من الزلزال الذى ضرب إسرائيل فى السابع من أكتوبر.
والحقيقة دون مبالغة أن هذه الدعوات الإجرامية والشهوة التوسعية لم يلجمها سوى الموقف الرسمى والشعبى المصرى الرافض لجريمة التهجير بكل أشكالها، والمشِّدد على إقامة دولة فلسطينية فى حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. ولن يقف فى وجهها سوى تحركات الدولة المصرية الرامية لخلق اصطفاف دولى وعربى وإقليمى ضد تصفية القضية الفلسطينية، وضد جريمة التهجير سواء قسرياً أو طوعياً.
هذه التحركات المصرية تعزز التماسك الفلسطينى وتشبث الغزاويين بتراب أراضيهم، وتؤثِّر فى الدوائر الإسرائيلية المعتدلة التى ستدرك، بمرور الوقت، أن دعوات التهجير هى أذى يُنذر بفتح جبهات جديدة بخلاف مستنقع غزة.
أستاذ الدراسات الإسرائيلية بجامعة عين شمس
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: فلسطين إسرائيل غزة التهجير دعوات التهجیر بن جوریون
إقرأ أيضاً:
أستاذ قانون دولي لـ «الأسبوع»: دعوات ترامب لتهجير الفلسطينيين جريمة حرب تستوجب المحاكمة
علق الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حول تهجير الفلسطينيين، مؤكداً أنها تعتبر امتدادا لسياسات تصفية القضية الفلسطينية، وانتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي.
وأضاف مهران، في تصريحات خاصة لـ «الأسبوع»، أن تصريحات ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والأردن غير مقبولة، مؤكدا أنها تمثل جريمة حرب منصوص عليها في المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وأكد أستاذ القانون الدولي، أن هذه التصريحات تكشف عن مخطط متكامل يهدف لاستمرار التصعيد في غزة لإجبار السكان على النزوح القسري، حيث يأتي استهداف البنية التحتية والمنشآت المدنية من قبل جيش الاحتلال في إطار سياسة ممنهجة لجعل الحياة مستحيلة في القطاع.
ترامب يسعى لتصفية القضية الفلسطينيةوأضاف الخبير الدولي، أن الهدف الحقيقي من دعوات التهجير يتمثل في تصفية القضية الفلسطينية من خلال إفراغ الأرض من سكانها الأصليين وتغيير التركيبة الديموغرافية للمنطقة، في محاولة لفرض واقع جديد يقوض حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وأشار مهران، إلى أن موقف القانون الدولي واضح وصريح في رفض التهجير القسري، حيث تصنفه المادة 85 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف كانتهاك جسيم يستوجب المحاكمة، كما تؤكد قرارات الشرعية الدولية على ضرورة حماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
ولفت مهران، إلى أن الشعب الفلسطيني أثبت خلال 7 عقود رفضه القاطع لكل مشاريع التهجير والتوطين، مشيراً إلى أن تمسك الفلسطينيين بأرضهم وهويتهم وحقوقهم المشروعة أفشل كل المخططات السابقة لتصفية قضيته العادلة.
كيف تنظر الأمم المتحدة لمقترح ترامب؟وحول موقف الأمم المتحدة من مقترح ترامب، لفت مهران، إلى أن المنظمة الدولية تؤكد باستمرار على عدم شرعية الاحتلال والاستيطان والتهجير القسري، وتشدد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، بل وطالبت في آخر قراراتها بضرورة انسحاب إسرائيل خلال عام من الأراضي المحتلة تنفيذًا لفتوى محكمة العدل الدولية التي أكدت علي عدم قانونية الاحتلال والاستيطان.
ونوه أستاذ القانون الدولي، إلى أن استمرار التصعيد في غزة يهدف لكسر إرادة الشعب الفلسطيني ودفعه للقبول بحلول تصفية قضيته، مؤكداً أن هذا يتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وأشاد مهران، بموقف مصر الثابت في رفض التهجير القسري، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني، مؤكداً أن هذا الموقف يستند إلى التزامات قانونية دولية وموروث تاريخي في دعم القضية الفلسطينية العادلة.
وأكد الخبير الدولي، أن مواقف الدول العربية الرافضة لمشاريع التهجير تتوافق مع القانون الدولي والشرعية الدولية، مشيراً إلى أن أي محاولة لفرض حلول قسرية ستزيد من حدة التوتر في المنطقة.
وشدد مهران، على أن المجتمع الدولي مطالب بموقف حازم تجاه هذه الدعوات العنصرية التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وضرورة العمل على تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفقاً لقرارات الشرعية الدولية.
عودة الفلسيطنيين لمنازلهم بعد مخطط ترامب للتهجير الرئاسة الفلسطينية ترفض مقترحات التهجيرمن جانبها أكدت الرئاسة الفلسطينية في بيان لها، أن مقترحات التهجير ومحاولة إحياء مشاريع الاستيطان مصيرها الفشل، مؤكدة أن تحقيق السلام والاستقرار لن يتم إلا من خلال تطبيق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وتجسيد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
وأضافت الرئاسة الفلسطينية، أن أية حلول سواء دولة ذات حدود مؤقتة أو تبادل للأراضي يؤدي إلى المساس بالحدود المعترف بها دوليا وفق قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة، مرفوضة ولن يسمح الشعب الفلسطيني بتمريرها على حساب نضاله وثوابته الوطنية ومقدساته.
وأكدت الرئاسة الفلسطينية، أن دولة مصغرة ومشاريع التهجير ومحاولة إحياء مشاريع الاستيطان المرفوضة سيكون مصيرها الفشل أمام صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته.
اقرأ أيضاًبعد مقترح ترامب.. مشاهد زحف الفلسطينيين نحو منازلهم المدمرة في غزة يملؤها الفرح والحزن معًا
ترامب يدعو الجمهوريين لدعم مقترحاته حول الهجرة وأمن الحدود
انتهاكًا للشرعية الدولية.. مجلس رؤساء محاكم الاستئناف يدين محاولات تهجير الفلسطينيين