كتب ماهر أبي نادر في موقع "180 بوست" المقال التالي: أثار الموقف الذي أطلقه رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، بشأن ربط وقف إطلاق النار في جنوب لبنان بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مواقف متناقضة بين من وصفه بالموقف الشجاع والعروبي وبين من اعتبره لا يمثل كل الطيف اللبناني وبالتالي حوّل حكومته إلى حكومة ناطقة باسم "محور الممانعة"! ليس خافياً أن "محور المقاومة"، ومنذ بداية العدوان على غزة وفتح جبهات المشاغلة في جنوب لبنان والعراق ولاحقاً في اليمن، حدّد مطلبه الأساس بالدعوة إلى وقف الحرب على غزة "فوراً"، ذلك أن وقف النار من دون أن تحقق "إسرائيل" أهدافها المعلنة للعدوان يعتبر هزيمة لها، وقد لخّص رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو هذه الأهداف منذ بدء الهجوم على غزة بثلاثة أمور أساسية: سحق "حماس"، إستعادة الأسرى "الاسرائيليين" من دون تفاوض، و"ضمان أنّ غزة لن تعود لتشكّل تهديدًا لإسرائيل في المستقبل"، على حد تعبير نتنياهو.
هل أغضب ميقاتي بموقفه الأخير الولايات المتحدة الأمريكية؟ ليس ميقاتي من ربط الحرب في جنوب لبنان بالحرب على غزة، بل هو واقع قام من دون التشاور معه أساساً، وهذا الواقع الناري مستمر أيضاً من دون التشاور معه، وبالتالي فإن هذا الربط الذي أعلنه ميقاتي هو قراءة موضوعية للواقع القائم، ولأنه كذلك فإن الخطورة الناجمة عن تداخل الجبهات وتعدّدها من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان مع قطاع غزة يُثير قلق الإدارة الأمريكية كونه يُهدّد بتدحرج الموقف إلى حرب إقليمية نتيجة اي ضربة غير محسوبة أو حسابات خاطئة وسوء تقدير من الطرف الآخر، وهذا الأمر لا تُريده واشنطن، ويُشكّل جوهر خلافها مع حكومة نتنياهو الذي يريد توسيع دائرة الحرب وجر واشنطن للانخراط فيها فقط لأن في ذلك مصلحة شخصية وحزبية له وتغطية لفشله في تحقيق الأهداف الثلاثة التي حدّدها منذ بدء العدوان على غزة. بهذا المعنى، فإن
موقف ميقاتي لا يتعارض مع جوهر موقف الولايات المتحدة المرتبط بمصالحها السياسية والاقتصادية في المنطقة، وخير دليل على ذلك ما نقلته شبكة "إن بي سي" عن مسؤولين أمريكيين أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أبلغ نتيناهو أن لا حل عسكرياً مع "حماس" وعلى إسرائيل الإعتراف بذلك، وذكر المسؤولون أن إدارة جو بايدن "تتطلع إلى ما بعد نتنياهو لتحقيق أهدافها في المنطقة".
وبماذا يختلف موقف ميقاتي عن موقف المملكة العربية السعودية؟ في تصريحات علنية لمسؤولين سعوديين، بينهم وزير الخارجية فيصل بن فرحان، دعا هؤلاء إلى وقف الهجوم الدموي والهمجي على غزة، وجاءت تطورات الاشتباك الأمريكي البريطاني مع "حركة أنصار الله" اليمنية لتزيد من رفع السقف السياسي السعودي في وجه واشنطن، إذ رفضت السعودية المشاركة في "تحالف حماية الإزدهار" الذي أنشأه الأمريكيون بهدف "حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب"، كما علّق بن فرحان على الغارات الأمريكية البريطانية على اليمن بدعوة جميع الأطراف "إلى ضبط النفس". السعودية تراقب كيف أن هذه الهجمات الغربية حوّلت الحوثيين إلى لاعب إقليمي أساسي في المنطقة.. وبطبيعة الحال فإن الموقف السعودي يُعبر عن رؤية لمصالح المملكة إزاء ما يجري في المنطقة، إذ أنها وبوساطة صينية توصلت في العام الماضي إلى مصالحة تاريخية مع إيران ترجمت بوقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن بعد ثماني سنوات من الحرب الضروس. ولأن السعودية تُدرك أن مشاعر اليمنيين في جنوب اليمن لا تقل تضامناً مع فلسطين ومقاومتها عن مشاعر جمهور الشمال، ناهيك بالتحول الحاصل في الشارع السعودي (نموذج مقاطعة المطاعم والشركات الأجنبية الداعمة إسرائيل) فإن موقفها يسعى إلى تخفيف حالات الاستقطاب الجماهيري التي يُحقّقها الحوثيون في المناطق الجنوبية، كما أن السعودية تعرف أكثر من غيرها أن ليس هناك أي افق للهجمات الأمريكية والبريطانية على اليمن، فقد جرّبت هي نفسها هذا الأمر في السنوات الماضية من حربها هناك ومع وجود جنودها على أرض اليمن ولم تحقق شيئاً، ناهيك عن تجارب سابقة للمملكة ودول أخرى مُنيت أيضاً بالفشل.
ما هي الإصابات التي حقّقها ميقاتي بموقفه؟ لم يصطد ميقاتي فقط ثلاثة عصافير بحجر واحد بل سرباً كاملاً من العصافير؛ فقد نال تقدير حزب الله الذي لا بد أن يكون بلغه عبر قنوات مختلفة، وفي هذا السياق، اصطاد أيضاً دعماً اكبر في مواجهته المفتوحة مع التيار الوطني الحر وزعيمه جبران باسيل في ما يخص مقاربة الوضع الحكومي، أضف إلى ذلك أنه بموقفه هذا شكل علامة فارقة في نادي رؤساء الحكومات لم يسبقه إليها إلا الرئيس الدكتور سليم الحص والرئيس الراحل رفيق الحريري. أما عن موقف قوى المعارضة منه، وفي مقدمتهم "القوات اللبنانية" فهم اختاروا أن يبتعدوا عنه منذ تشكيل الحكومة عندما رفضوا المشاركة فيها، ومضوا في خيارهم المعارض له منذ ذلك الحين. أما على المستوى الشعبي، فإن ميقاتي يعرف أن نبض الشارع الإسلامي اللبناني بصورة عامة والسني بصورة خاصة هو في صلب دعم المقاومة في فلسطين. وكانت دار الفتوى قد أصدرت أكثر من بيان في هذا الاتجاه، وبالتالي فإن تصدر ميقاتي، ومن موقعه كرئيس حكومة تلعب مجتمعة ايضا دور رئيس الجمهورية، المواقف الداعية لوقف العدوان على غزة يجعله يتصدر موقف الجمهور السني بلا منازع. وفي طرابلس، مسقط رأسه، هناك حالة من التعاطف الواسعة مع المقاومة الفسطينية، لذلك فان موقفه في موضوع وقف اطلاق النار في غزة هو تعبير صادق عن إرادة شارع لبناني عريض وخاصة في عاصمة الشمال. وكي لا يبدو الأمر وكأن ميقاتي قد خطّط في موقفه لاصطياد هذا السرب الكبير من العصافير لا بد أن يُعطي الرجل حقه المرتبط بقناعاته الشخصية، اذ وعلى ذمة أناس مقربين منه جداً، فإنه "رجل مؤمن بإسلامه حتى العظم ومؤمن بعروبته حتى النخاع وتعيش فلسطين في وجدانه بصورة جدية، وعلى الرغم من كونه يعمل في التجارة، فإن أمرين لا يمكن أن يتاجر بهما نجيب ميقاتي هما قناعاته العروبية والإسلامية وخير دليل عندما كان يتمنى أن يضع أي مسؤول لبناني توقيعه على اتفاق ترسيم الحدود البحرية.. ما عداه". في المحصلة، أرضى ميقاتي ضميره وقناعاته وحتماً أرضى "الثنائي الشيعي" ولا سيما حزب الله، وفي الوقت نفسه، لم يغضب الولايات المتحدة الأمريكية، وبقي تحت سقف الموقف السعودي عربياً.
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية:
فی المنطقة
فی جنوب
على غزة
من دون
إقرأ أيضاً:
أميركا تستخدم الفيتو ضد مشروع قرار بوقف إطلاق النار في غزة
استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار لمجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، يدعو إلى وقف إطلاق النار في حرب إسرائيل على قطاع غزة، وهو ما اعتبرته فصائل المقاومة الفلسطينية شراكة في حرب الإبادة ضد القطاع.
وكان مشروع القرار الذي أيدته 14 دولة وعارضته الولايات المتحدة فقط، يطالب "بوقف فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار يجب أن تحترمه كل الأطراف"، و"الإفراج الفوري وغير المشروط عن كل الرهائن".
وأكد المشروع المطالبة بامتثال الأطراف للالتزامات الواقعة على كاهلها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بالأشخاص الذين تحتجزهم، وبتمكين السكان المدنيين في قطاع غزة من الحصول فورا على الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة.
ورفض مشروع القرار، في الوقت نفسه، أي عمل يؤدي إلى تجويع الفلسطينيين، وطالب بتيسير دخول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع ومأمون ودون عوائق على نطاق واسع إلى قطاع غزة بجميع مناطقه، وإيصالها إلى جميع المدنيين الفلسطينيين الذين يحتاجون إليها، بما يشمل المدنيين الموجودين في شمال غزة المحاصر، الذين هم في أمس الحاجة إلى الإغاثة الإنسانية الفورية، وذلك بتنسيق من الأمم المتحدة.
ودعا مشروع القرار جميع الأطراف إلى الامتثال التام للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، لا سيما أحكامه المتعلقة بحماية المدنيين، خصوصا النساء والأطفال والأشخاص العاجزين عن القتال، وكذلك أحكامه المتعلقة بحماية الأعيان المدنية.
من جهتها، دانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) استعمال الولايات المتحدة الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار وقف إطلاق النار في غزة.
وقالت حماس إن الولايات المتحدة "تثبت مجددا أنها شريك مباشر في العدوان على شعبنا ومسؤولة عن حرب الإبادة".
في السياق ذاته، قالت حركة الجهاد الإسلامي إن استخدام واشنطن الفيتو بمجلس الأمن "يؤكد أنها تدير حرب الإبادة بحق شعبنا".
روبرت وود متحدثا في مجلس الأمن (الفرنسية) غضب أميركي وإسرائيلي
في سياق مواز، أوضح روبرت وود نائب السفيرة الأميركية ليندا غرينفيلد بعد التصويت "لقد كنا واضحين للغاية خلال جميع المفاوضات أننا لا نستطيع دعم وقف غير مشروط لإطلاق النار لا يتيح الإفراج عن الرهائن"، معتبرا أن المجلس كان سيوجه من خلال هذا القرار إلى حماس "رسالة خطيرة مفادها أنه لا داعي للعودة إلى طاولة المفاوضات".
وصوتت الولايات المتحدة وحدها ضد القرار، مستخدمة حق النقض بصفتها عضوا دائما في المجلس لمنع صدوره.
وندد السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دانون قبل التصويت مباشرة بالنص معتبرا أنه "ليس سوى خيانة"، وقال إنه يعول على واشنطن لمنع تبني القرار الذي سيعني "التخلي" عن الرهائن.
ومنذ بداية الحرب، حاول مجلس الأمن الدولي الخروج بموقف موحَّد لكنه اصطدم عدة مرات بفيتو أميركي، لكن أيضا من جانب روسيا والصين.
والقرارات القليلة التي سمح الأميركيون بتمريرها عبر الامتناع عن التصويت لم تتضمن الدعوة إلى وقف إطلاق نار غير مشروط ودائم.
وبدعم أميركي غربي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية في غزة، خلفت نحو 148 ألفا بين شهيد وجريح -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
وتواصل إسرائيل مجازرها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية، وتحسين الوضع الإنساني الكارثي في غزة.