فى مكان ليس بغريب، وزمان ليس ببعيد، فالمكان لم يعد كما كان، وليس الزمان فى الحسبان، إنها مدرسة الأخلاق الحميدة منتصف اليوم الدراسى.
(الطالبات يتجاذبن أطراف الحديث بصوت منخفض)
أبلة جلنار: تعالِ يا بنت إنتِ وهى بتعملوا إيه وماشيين تتكلموا فى إيه؟
الطالبة إخلاص: مفيش حاجة يا أبلة، كنا عند استاذ طاهر بنسلم عليه علشان كان تعبان ومجاش حصص امبارح.
أبلة جلنار: خافى على نفسك يا أبلة إنتِ وهى.
الطالبة إخلاص: مش فاهمينك يا أبلة جلنار، نخاف من إيه وإحنا فى مدرستنا!!
أبلة جلنار: أنا شايفة وشك أحمر يا إخلاص، هو استاذ طاهر دايقك بكلمة ولا مد إيده عليكِ؟
الطالبة إخلاص: يا أبلة عيب كده، استاذ طاهر ده راجل محترم وبيخاف علينا، وعمره ما عمل حاجة وحشة، واحنا وأهالينا بنحبه وبنثق فيه.
أبلة جلنار: طيب خلاص يا بنات كإنى مقلتش حاجة والنبى.
(الطالبات بصوت منخفض: إحنا لازم نبلغ حضرة الناظر استاذ عادل باللى حصل من أبلة جلنار، إزاى تشوه صورة استاذنا وزميلها المحترم كده!!!)
كان هذا مشهداً درامياً فى أحد مسلسلات التليفزيون، ورغم أنه مجرد مشهد تمثيلى فإنه يعكس كثيراً من علاقات العمل بين الزملاء فى أماكن متنوعة، فالإنسان يقضى فى العمل معظم وقته، وربما يكون وجوده فى العمل مع زملائه أكثر بكثير من الوقت الذى يقضيه مع أسرته، لذا يجب أن تكون هذه العلاقات قائمة على المحبة والود واللطف، وحب الخير، وأن يسودها الاحترام والتبسط ودعم الزملاء، لا سيما الجدد وصغار السن منهم.
ونجاح زميلك فى العمل لا يعنى بالضرورة فشلك، فالشخص غير الذكى هو الذى يريد النجاح الفردى فى العمل، كما أن العلاقات القائمة على المحبة والتعاون بين الزملاء تسهم فى تنمية روح الفريق وتعزيزه، كما ينتج عنها زيادة فى الكفاءة والتقدم لكل المؤسسة، لذا يجب أن يكون دعمنا لزملاء العمل حاضراً ومتواجداً فى مفردات حياتنا اليومية، وينبغى أن نحافظ أثناء التواجد معهم على الابتسامة وبشاشة الوجه؛ لِما للابتسامة من أثرٍ كبير فى كسب قلوب الآخرين وودّهم.
كما أن المكائد التى تدبرها لزملائك فى العمل، ورميهم بالباطل، وتطاولك فى الحديث معهم أو عنهم، لن تضر إلا صانعها، فلا يبقى لك سوى السمعة السيئة، والحذر عند التعامل معك؛ الأمر الذى قد يصل فى كثير من الأوقات إلى تجنبك من الأساس، خوفاً من التعرض للأذى.
وفى النهاية مهما كانت أسبابك ودوافعك، وأياً كان موقعك فى العمل، فإن إساءة الظن أمر محرم لا يجوز؛ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثم {الحجرات:١٢}، وأعظم منه بهت زميلك باتهامه بما ليس فيه؛ قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا.{الأحزاب:٥٨}، فلا يحل لأحد أن يبهت غيره تحت أية ذريعة، وقد جاء الوعيد على هذا المنكر فيما أخرجه أبوداود وأحمد بإسناد صحيح، عن ابن عمر، رضى الله عنه، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «ومن قالَ فى مؤمنٍ ما ليسَ فيهِ أسْكنَهُ الله رَدغةَ الخبالِ حتَّى يخرجُ ممَّا قالَ»، وردغة الخبال: عصارة أهل النار.
أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب
جامعة المنصورة
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د أحمد عثمان الأخلاق الحميدة فى العمل
إقرأ أيضاً:
كتاب أبي الحواري إلى أبي زياد ومحمد بن مكرم
مرّ معنا فـي هذه السلسلة من قبل شيء من الوثائق التي علق عليها أبو الحواري محمد بن الحواري بن عثمان (ق3هـ)، ومن بينها وصية غالية بنت عمر التي وردت نصوص منها فـي جوابه، ومن بينها ذكر أموال لتلك الموصية فـي أدم والمضيبي وسني. ولعل المشترك بين تلك الوثيقة وهذه التي نتعرض لها اليوم مشترك فقهي -إذا جاز التعبير- فكلاهما مما أجاب عنه أو به أبو الحواري. والمشترك الآخر كذلك ورود اسم بلد «المضيبي» الذي قدمنا فـي تلك المقالة السابقة أنه لا يُدرى على وجه القطع إن كانت المضيبي التي بالشرقية قائمة حينذاك وهي المراد، أم أنها بلدة المضيبي التي من أعمال نزوى، وهي الأقرب إلى مسكن أبي الحواري ومقامه من بلدان الجوف من عُمان.
والوثيقة التي نتعرض لها هنا وردت فـي كتاب (جامع أبي الحواري) الذي جُمعت فـيه بعض جواباته وآثاره، وكذا وردت منقولة فـي الجزء التاسع والثلاثين من كتاب بيان الشرع، وهي رسالة طويلة جاء فـي ديباجتها: «ومن جواب أبي الحواري إلى أبي زياد ومحمّد بن مكرم، ومن معهما من أهل المضيبي، يسألونه عن أمر الفلج».
والحق أن أبا الحواري خَطَّ فـي هذا الجواب نظامًا شاملًا لأخلاقيات العمل فـي شق الأفلاج، ونقرأ فـي سطور الجواب بعض التفاصيل فـي مراحل شق الفلج، لذا نحسب أن هذا النص مهم فـي دراسات الأفلاج، فهو يرجع إلى القرن الثالث الهجري من العصر الإسلامي. وقد صَدَّرَ أبو الحواري جوابه بمقدمة أبان فـيها عن وصول كتاب السائلين إليه وفهمه ما ذكروا، ثم قال: «ووقفت على ما شاء الله من معرفة ذلك»، ولعل فـي هذه العبارة ما يفـيد تحرّيه عما ورد فـي كتاب السائلين، سواء أكان ذلك بإمعان النظر فـيه، أو أنه وقف على حقائق الواقع بطريق آخر. ثم قدّم أيضًا بقواعد عامة فـي مسائل الحقوق ومصالح الخاصة والعامة، وقد جاء فـي مقدمته: «سلام عليكم، أمّا بعد، وفّقكم الله، وإيّانا للعدل والصواب، وبلغ بنا وبكم إلى كريم الثواب، وآمننا وإيّاكم من شديد العقاب، وأليم العذاب، والحمد لله، وصلّى الله على محمّد النبيّ وآله وسلم. وصل إليّ كتابكم، وفهمت ما ذكرتم من أمر الفلج، ووقفت على ما شاء الله من معرفة ذلك، والله يعلم المفسد من المصلح، وقد يجبر النّاس على مصالحهم، وإقامة معايشهم، وكلّ ذلك بالحقّ والعدل. فذلك إذا كانوا شركاء فـي الأموال، فمن تفرّد بماله ولم يكن له فـيه شريك، كان له أن يفعل فـي ماله ما شاء، إذا كان صحيح العقل، لم يكن لأحد عليه سلطان فـيما يفعل فـي ماله من ضياع أو ذهاب، وما توجّهتم فـيه من مصالح الخاصة والعامة كان لكم الثواب فـي ذلك فـي إصابة الحق، وما أخذتم فـيه من طلب الحقّ فأخطأتم بغير مظلمة لأحد، رجونا لكم السلامة فـي ذلك إن شاء الله».
ثم شرع أبو الحواري فـي الجواب مفَصِّلًا فـي أحكام العلاقة بين أرباب الفلج والحفّار، مما يتصل بصيغة التعاقد، وكيفـية دفع الأجرة، وما هو مشروط فـي الاتفاق أو غير مشروط، وما فـيه ضمان على أرباب الفلج وما ليس فـيه ضمان، وكيفـية التعامل حال إخلال الحفّارين بالاتفاق أو خروجهم عن العمل قبل تمامه حال دفع الأجرة لهم من قبل، أو وقوع شيء من الغش فـي العمل. ثم استرسل فـي ذكر واجبات وحقوق الشركاء فـي الفلج، ومَيَّز فـي مسألة الواجبات تارة بين القوي والضعيف، وبَيّن بعض أحكام الأيتام والقُصَّر وذوي العاهات من الشركاء فـي الفلج، وكيف أن لجباه الفلج (أربابه) أن يؤجروا من يقوم ببعض الأعمال المساندة مثل من «يسفّ القفر» و«يقلد الحبال». كما ميّز بين أجرة العمل الكامل «المقاطعة» والعمل بالأجرة اليومية، وأنه لا رجعة للأجير ولا المُقاطِع إذا وقعت المقاطعة أي الاتفاق على العمل الكامل وأجرته. وفـي النص العديد من الألفاظ الحضارية منها: الفلج، والمسقى، والجباه، والقُفر (جمع قفـير)، والسَّف (صنع القفر من الخوص)، والقَلد (صنع الحبال)، والطناء (بيع ثمر النخل بالمزاد أو السوم).