الفكر الحضاري عند السلطان هيثم
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
لا يمكن أن ينسينا الاهتمام بالشأن الاقتصادي والمالي الداخل في دائرة الأحداث اليومية خلال السنوات الأربع الماضية أن المشروع «النهضوية» لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مشروع دولة متكامل الأركان، تسير فيه كل قطاعات بناء الدولة إلى جوار بعضها البعض، ولا يبرز قطاع على آخر إلا بمقدار حاجة ذلك القطاع إلى مزيد من الجهد والعمل، الأمر الذي يجعله، أحيانا، في واجهة الأخبار أكثر من غيره.
ولذلك فإن مشاريع حفظ التاريخ وتوثيقه والمشاريع الثقافية والاهتمام المتواصل بوسائل الإعلام وما ينشر فيها، على سبيل المثال، تسير جنبا إلى جنب مع المشاريع الاقتصادية ومع المشاريع الاجتماعية ـ التي تهتم بأدق تفاصيل حياة الإنسان اليومية ـ في فكر البناء لدى عاهل البلاد المفدى.. بل إن فكر جلالته يذهب إلى أبعد من ذلك عندما يناقش المواطنين في لقاءات مفتوحة حول خطر وسائل التواصل الاجتماعي على تربية الأبناء، وتأكيده المستمر على أهمية الحفاظ على «السمت» العماني.. وهذا النوع من فكر القيادة أكبر بكثير من القيادة السياسية، إنها قيادة حضارية تسمو فوق السياسي/ اليومي إلى البناء الحضاري المستدام الذي يحافظ على عظمة تاريخ الدولة والتأسيس لمسارات مستقبلها.
وتأكيدا لهذا البعد الحضاري في بناء الدولة العمانية يتفضل اليوم حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- أعزه الله- ويضع حجر الأساس لمشروع بناء مجمع عُمان الثقافي.. وهو معلم ثقافي بارز من معالم عُمان سيساهم في تعظيم تاريخها ومكانتها الثقافية والحضارية ويكون أحد أهم معالم محافظة مسقط.
وإذا كانت مسقط مليئة بالمعالم التاريخية والثقافية التي تشكل مجتمعة جانبا مهما من الحضارة العمانية مثل القلاع والحصون والمتاحف ودار الأوبرا السلطانية ودار الفنون.. إلخ فإن مجمع عمان الثقافي سيكون مركز إشعاع حضاري استثنائي في عُمان حيث سيضم المكتبة الوطنية التي طال انتظارها، وكذلك المسرح الوطني، وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية التي تملك كنوزا ضخمة لا تقدر بثمن والتي تتمثل في الوثائق والمخطوطات التي تكشف عن بعض تفاصيل التاريخ العماني الضارب في القدم، ودور العمانيين في المساهمة في الحضارة الإنسانية.
وقد تشرفت بمتابعة هذا المشروع، صحفيا، منذ توقيع اتفاقية الخدمات الاستشارية لتصميم المشروع في عام 2009 بمكتب جلالته في وزارة «التراث والثقافة» في ذلك الوقت. وأنقل هنا تصريح جلالته بعد تفضله بالتوقيع على الخرائط حينما تكرم ورد على أسئلتي وزملائي الصحفيين: «يعد المشروع الثقافي الأول المتكامل في السلطنة، وسيكون فريدا من نوعه وفي طابعه وسيضم بين جنباته المسرح الوطني والمكتبة الوطنية ومبنى دار الوثائق والمخطوطات». وكان جلالته فخورا بالمشروع وهو يتحدث عنه لما سيضيفه للمشهد الثقافي في سلطنة عُمان من دور في حفظ جوانب مشرقة من تاريخها العريق. لكن الأزمة المالية التي أثرت على العالم أجمع أثرت على المشروع وساهمت في تأجيله كما أجلت الكثير من المشاريع الأخرى. وفي عام 2015 حينما كان جلالة السلطان المعظم يحضر حفل افتتاح المتحف الوطني سألتُ وزميلي الصحفي فيصل العلوي جلالة السلطان عن المشروع، فرد- أعزه الله- بكثير من التأثر أن المشروع تأجل بسبب الظروف المالية الحالية «في ذلك الوقت» التي تمر بها سلطنة عمان ودول العالم بسبب انهيار أسعار النفط إلا أنه أكد أن المشروع سيبقى قائما وضمن أولويات الدولة نظرا لأهميته بالنسبة لسلطنة عمان ولتاريخها ومكانتها الحضارية.
ورغم أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر منذ ذلك التاريخ وجلبت معها جوائح صحية وأزمات مالية وتحولات بنيوية في العالم على كل المستويات أكبر بكثير من الأزمة التي كانت قائمة في عام 2015 إلا أن فكر جلالة السلطان الذي يُعلي من مكانة الثقافة في بناء الدولة تمسك بالمشروع ورأى فيه عُمان بكل تاريخها وحضارتها وعراقتها وعظمة إنسانها.. ولذلك فإن جلالته يضع بنفسه حجر أساس المشروع وفي هذا تأكيد لا يخفى عن أحد على أهمية المشروع، ورعايته الكاملة من لدن عاهل البلاد المفدى.
ولا شك في أن مشروع مجمع عُمان الثقافي أكبر بكثير من مبنى يضم مجرد مرافق ثقافية، إنه مشروع ستستقر فيه الكثير من كنوز تاريخ عُمان وحضارتها وهي كنوز لا تقدر بثمن، أو أن ثمنها يعادل أكثر من عشرة آلاف سنة من مساهمة العمانيين في الحضارة الإنسانية: فكرا وإبداعا. وهذه الكنوز هي التي تشكل اليوم الجانب المهم في ثراء الثقافة العمانية وفي بناء وعيهم وفكرهم وتمسكهم بقيمهم ومبادئهم العريقة. والمشروع بهذا المعنى هو أحد معالم القوة الناعمة التي تتمتع بها سلطنة عمان اليوم والتي نحتاج إلى تفعيلها في بناء الصورة الذهنية الحديثة عن بلادنا ومنجزها عبر التاريخ.
لكن هذا المشروع لن يكون الأخير في سلسلة بناء المعالم الثقافية والحضارية العمانية فهناك مشاريع كثيرة قادمة في الطريق مثل متحف عُمان البحري الذي سيخرج من العاصمة مسقط إلى مدينة صور كما خرج متحف عمان عبر الزمان، ومتاحف أخرى ستعلن عنها الجهات المعنية في حينها.
وفي أحلامنا التي تجد طريقا لها في هذا النور الذي يضيء عُمان هناك الكثير من المشاريع التي ننتظرها وفي مقدمتها المراكز البحثية التي تُعنى بالدراسات العمانية والتاريخية والسياسية والاقتصادية والاستراتيجية. ومركز عُمان للترجمة الذي يمكن أن يقوم بدور تنويري ليس في عُمان وحدها ولكن في العالم العربي سواء عبر نقل المعارف والعلوم من لغات العالم إلى اللغة العربية أو عبر ترجمة المنجز الثقافي العماني والعربي إلى مختلف اللغات العالمية عبر بناء شراكات مع دور نشر في مختلف دول العالم.
وفي طابور الأحلام الكثير من المشاريع الكفيلة بجعل عُمان في صدارة المشهد الحضاري العالمي، وفي تاريخ هذا البلد العظيم ما يساهم في تذليل كل العقبات التي يمكن أن تظهر في مسيرته نحو المستقبل. كما أن في حاضر هذا البلد ما يجعلنا أكثر تفاؤلا أن هذه الأحلام سترى النور قريبا، أعني بذلك فكر جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي يُعنى بالثقافة وبالتاريخ وبالعلم عناية كبيرة وفائقة تجعلنا نُعوّل كثيرا على مشاريع السنوات القادمة في بناء مشهد مختلف تماما لعُمان المستقبل.
عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة «عمان»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جلالة السلطان الکثیر من بکثیر من فی بناء
إقرأ أيضاً:
الخديعة الكبرى التي اجتاحت العالم .. شحوم المواشي علاج للبشر ام كارثة على البشرية
ثمة «ثورة» تجتاح العالم الآن بعد نشر أبحاث تقول بأن الأمراض التي ضربت البشرية خلال سبعة عقود كانت نتاج كذبة كبيرة سوّقت لها شركات الغذاء الكبرى والتي اعتمدت على الانتاج الصناعي ومنها «الزيوت المهدرجة والسكر الصناعي» واعتمدت على أبحاث طبية مزيفة للتخويف من الأغذية الطبيعية، والترويج لأخرى صناعية، والهدف اقتصادي؟
الأطباء الذين بدأوا يرفعون الصوت عالياً أن الدهون الطبيعية خطر على الحياة وأنها سبب رئيس للكوليسترول، كذبة كبيرة، فالدهون أساس طبيعي للبقاء في الحياة، وأن ما يمنعونك عنه يتوازع في كل جسمك بما فيه المخ، وأن ما قيل عن خطر الدهون المشبّعة كانت نتاج نقل عن بحث لبرفيسور أمريكي كتبه في نهاية الخمسينيات، حيث عملت الشركات الغذائية الكبرى على سدّ الحاجات البشرية من الغذاء بعد أنّ حصل نقص كبير في الثروة الحيوانية بعد الحرب العالمية الثانية، ولهذا تمّ تلفيق هذه الكذبة الكبيرة، وقد مُنع الصوت الآخر، بل وصل الأمر كما يقول الأطباء المخدوعون: إنهم كانوا يدرسون ذلك كحقيقة علمية، بل إنّهم لا يتوارون عن تحذير مرضاهم من الدهون الطبيعية، في حين أنّ الأمراض التي ضربت البشرية خلال العقود السابقة كانت نتيجة الزيوت المهدرجة، والسكر الصناعي، والوجبات السريعة..
والحل الطبيعي بإيقاف تلك الأطعمة الصناعية، ومنتجات تلك الشركات، والعودة للغذاء الطبيعي، وتناول الدهون الطبيعية بكل أنواعها والإقلال من الخبز والنشويات، ويضيف المختصون : أنّ جسد الإنسان مصمم لعلاج أي خلل يصيبه ذاتيًا، ولكنّ جشع الإنسان في البحث عن الأرباح الهائلة دفع البشرية إلى حافة الهاوية، فكانت متلازمة المال «الغذاء والدواء» والاحتكار لهما، وهكذا مضى العالم إلى أن القوى العظمى من تحوز على احتكار وتجارة ثلاثة أمور وجعل بقية العالم مستهلكاً أو نصف مستهلك أو سوقاً رخيصة للإنتاج، وهي الدواء والغذاء والسلاح، فضلاً عن مصادر الطاقة، ولعل ذلك بات ممثلاً بالشركات عابرة القومية بديلاً عن السيطرة المباشرة من الدول العظمى!
ثمة تخويف للعالم من الكوليسترول، وما يسببه من جلطات وسكر، تخويف ساهم الإعلام فيه، حيث استخدم الإعلام « السلاح الخفي للشركات العملاقة» لتكريس الكذبة بوصفها حقيقة، وهناك من استخدم الإعلام للترويج للزيوت المهدرجة والمشروبات الغازية، على أنّها فتح للبشرية، دون أن يعلم خطورتها، فقد ارتبط بقاء الإعلام بالدعاية للشركات الكبرى حتى يستطيع القائمون عليه تمويله، وبدل أن يقوم الإعلام بكشف تلك الكذبة باتت الشركات الكبرى تفرض عقوبات على كل من لا يغني على هواها بأن تحرم تلك الوسيلة وغيرها من مدخول الإعلان الهائل فيؤدي ذلك لإفلاسها وإغلاقها!
قبل سنوات، وفي مؤتمر عالمي للقلب في الإحساء في المملكة العربية السعودية، قال البرفيسور بول روش إن الكوليسترول أكبر خدعة في القرن العشرين، أو كما يقول د. خالد عبد الله النمر في مقال له بجريدة الرياض في 31 ديسمبر 2014 :
(في مؤتمر عالمي للقلب بالأحساء بالسعودية نظمه مركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز لأمراض القلب فجّر الدكتور الأمريكي بول روش رئيس المعهد الأمريكي لأبحاث التوتر العصبي بواشنطن مفاجأة حيث أعلن أن الكولسترول أكبر خدعة في القرن الماضي والحقيقة: أن الطعام الدسم بشحوم الأغنام وتناول دهون الأبقار (سمن البقر) هو الذي يقوم بإخراج السموم من الجسم وإعطاء الليونة والمرونة للشرايين والجلد وتغذية الكبد والأمعاء وكافة الأجهزة بالجسم والدفع بالطاقة لأعلى مستوياتها وهو بريء من كولسترول الدم أو الإصابة بالنوبات القلبية والمتهم الحقيقي هو الزيوت المهدرجة دوار الشمس والذرة وغيرهم والسمن الصناعي من: المارجرين وغيره)
فهل نحن أمام خديعة كبرى قتلت ومازالت ملايين البشر؟ ولصالح من؟ وهل كانت قيادة الإنسان الغربي للبشرية قيادة صالحة وإنسانية أم إن ما قاله العلامة الهندي أبو الحسن الندوي قبل خمسة وسبعين عاماً مازال القاعدة وليس الاستثناء. يقول الندوي: «إنّ الغرب جحد جميع نواحي الحياة البشرية غير الناحية الاقتصادية، ولم يعر غيرها شيئاً من العناية، وجعل كل شيء يحارب من أجله اقتصادياً!» وقد شهد شاهد من أهله إذا يذكر إدوارد بيرنيس أخطر المتلاعبين بالعقل البشري في عام 1928 في كتابه الشهير «بروبوغندا» ما يؤكد ما ذهب إليه الندوي. وكان بيرنيس المستشار الإعلامي للعديد من الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين، وهو من أحد أقرباء عالم النفس الشهير سيغموند فرويد. ويتباهى بيرنيس في مقدمة كتابه الشهير ويعترف فيه بأن الحكومات الخفية تتحكم بكل تصرفات البشر بطريقة ذكية للغاية دون أن يدري أحد أنه مجرد رقم في قطيع كبير من الناس يفعلون كل ما تريده منهم الحكومة الخفية بكامل إرادتهم. ويذكر بيرنيس كيف نجح مثلاً في دفع الأمريكيين ومن بعدهم الأوربيين إلى تناول لحم الخنزير قبل حوالي قرن من الزمان. وهنا يقول إن تجارة الخنازير في أمريكا كانت ضعيفة جداً، وكان مربو الخنازير يشكون من قلة بيع اللحوم، فعرض عليهم بيرنيس خطة جهنمية لترويج لحوم الخنازير. ويذكر الكاتب أنه اتصل بمئات الأطباء والباحثين وأقنعهم بأن يكتبوا بحوثاً تثبت أن الفطور التقليدي للأمريكيين وهو الحبوب والحليب ليس صحياً ولا مغذياً، وبالتالي لا بد من استبداله بفطور جديد يقوم على تناول لحوم الخنزير بأشكالها كافة. وفعلاً نشر بيرنيس كل البحوث التي طلبها من الأطباء والباحثين في معظم الصحف الأمريكية في ذلك الوقت، وبعد فترة بدأ الناس يتهافتون على شراء لحم الخنزير ليصبح فيما بعد المادة الرئيسية في فطور الأمريكيين ومن بعدهم الأوربيين بشكل عام. وقد ازدهرت تجارة الخنازير فيما بعد في الغرب لتصبح في المقدمة بعد أن اكتسحت لحوم الخنازير المحلات التجارية وموائد الغربيين.
هل كانت نصيحة بيرنيس للأمريكيين بتناول لحم الخنزير من أجل تحسين صحة البشر فعلاً أم من أجل تسمين جيوب التجار والمزارعين وقتها؟ وإذا كان الغرب الرأسمالي يتلاعب بعقول وصحة الغربيين أنفسهم، فما بالك ببقية البشرية؟