الحصان «الأسود والأحمر والأصفر»
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
يروق الإطراء للبعض ويشيع داخله الثناء -وإن في غير محلِه- بمشاعر من السرور والبهجة حتى يكاد ينسى حقيقة أن المادح أفّاق يقول ما يرغب فقط في سماعه.
بين هؤلاء من يعشق المديح ويتوسّله ويستجديه وهو بالنسبة له مِلح الحياة والمطية التي يصل على ظهرها إلى غاياته وأهدافه.
الجيل الجديد يُطلق على المجاملات في غير موضعها بالعامية «تسليك» وعندما نقول فلان «يسلِك» لفلان، أي يسايره فيما يعلم أنه مخالف للحقيقة بهدف إرضائه أو كسب وده أو اتقاء شره.
عمومًا أنا لست هنا الآن بصدد الحديث عن الوجه القبيح للمجاملات أو «النفاق الاجتماعي» بصفتهما ظاهرتي العصر ولهما ممتهنوهما، فهذا موضوع آخر، بل بصدد نقاش «تسليك» من نوع مختلف يتصل بإطلاق «الألقاب الرنانة» ليس على الأشخاص إنما على الفِرق الرياضية.
أقول «رنانة»؛ لأنها لا تلزم الفِرق الكبيرة التي نسمع جعجعتها فنرى طحينًا، إنما على الفِرق التي لا تُنجز والفِرق محدودة الإنجازات، التي إذا ما حققت إنجازًا يتيمًا ينطبق عليها المثل الشعبي «عورا ودخلت خيط ف برة» ولا يربطها بالبطولات سوى ارتداء القمصان ذات الماركات العالمية و«المخاسير» التي كان أولى أن يُستفاد منها في البناء والتنمية.
منذ سنٍ مبكرة، وأنا أتابع البطولات الرياضية العالمية المُتاحة حينها على شاشة التلفزيون المحلي قبل عملية احتكار هذه البطولات عندما كانت الرياضة للمتعة وليست للاستثمار واستغلال الفقراء.
كنت أشعر بالحماس والإثارة وأنا أتعرف يومًا بعد يوم وبطولة بعد بطولة على مسميات جديدة للفِرق من مختلف قارات العالم فهناك مثلًا: «الأزوري» و«المانشفت» و«التانجو» و«السامبا» ثم بعد ذلك «الحصان الأسود» و«أُسود الأطلس» و«نسور قرطاج» و«التنين» و«الساموراي» و«الفيلة» و«الثعالب» و«الفهود» و«المحاربون» و«النجوم السوداء»، وهي في الغالب مسميات للون من العلم الوطني أو حيوانات كاسرة أو طيور جارحة أو تقليد استنبط من تراث وثقافة البلد الذي يتسمى به، وهدفها «رياضيًّا» إلقاء الرعب في قلوب الخصوم.
ولأن هذه الفترة تزدحم بالبطولات الكروية القارية كتصفيات الأمم الآسيوية والإفريقية، أعاد المعلقون والمحللون الرياضيون إلى ذهني هذه المسميات غير أن وقَعها عليّ بات ضعيفًا لا يثير حماسي ولا يدفعني نحو متابعة الفِرق التي تتسمى بها، فوصولها إلى منصات التتويج محدود لا يتجاوز محيطها ولا تحقق ألقابًا عالمية.
حتى اليوم لم «تزأر» الأسود أو «تنهم» الفيلة أو «تُصفر» النسور أو «تُقعقع» الصقور، فتحقق لنا النسبة العالية من المتعة الكروية التي تقدمها لنا الفِرق والمنتخبات العالمية المحترفة كالأزوري والتانجو والسامبا.. لم تقبض على كأس العالم وإن استضافت تصفياته.
هذه الفرق « تتعنتر» على جاراتها ويُشارك بعضها «من أجل المشاركة» في بطولات مهمة كبطولة كأس العالم، فلماذا تقبل على نفسها مثل هذه التسميات؟ لماذا لا تتنازل عنها وتشتغل على الاحتراف باعتبار الرياضة أداة من أدوات الاستثمار والدعاية السياحية والترويج لبلدانها؟
في دول العالم المتقدم يعتبرون الرياضة وسيلة من وسائل الترفيه وأداة مهمة جدًا من أدوات جلب الأموال ودعم الدخل القومي ولذلك لا تعنيهم كثيرًا المسميات.. أما في الدول التي تُطلق على نفسها أسماء رنانة «لا ترعب أحدًا» من باب «التسليك»، فيفرحون إذا ما نُعتوا بالحصان «الأسود والأحمر والأصفر»!
آخر نقطة ..
يقولون: «لفلوس تغير النفوس»، لكنّ هذه «الفلوس» عجزت عجزًا بائنًا عن تغيير حال كرة القدم في كثير من البلدان الثرية، مما يؤكد أن المسألة لا تتعلق بالمال إنما بنواح أخرى، واسألوا الدول الإفريقية الفقيرة التي قدمت نجومًا كبارًا للكرة العالمية وبلغت فِرقها مرات عديدة أدوارًا متقدمة في بطولة كأس العالم لكرة القدم إن كنتم لا تعلمون.
عمر العبري كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أسوشيتيد برس: الصحة العالمية تدعو العالم للضغط على واشنطن للتراجع عن الانسحاب من المنظمة
دعا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم جيبريسوس، الزعماء العالميين للضغط على واشنطن للتراجع عن قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من المنظمة التابعة للأمم المتحدة، وحذر في اجتماع مغلق مع دبلوماسيين من أن الولايات المتحدة ستفتقد معلومات بالغة الأهمية حول تفشي الأمراض حال أقدمت على تنفيذ قرارها.
مع ذلك، كشفت وكالة أنباء "أسوشيتيد برس" الأمريكية، اليوم /الإثنين/، أن الدول ضغطت أيضًا على منظمة الصحة العالمية في اجتماع ميزانية مهم انعقد /الأربعاء/ الماضي، حول كيفية تعاملها مع خروج أكبر مانح لها، وفقًا لمخرجات الاجتماع التي حصلت عليها "أسوشيتد برس" بشكل حصري، مع الإشارة إلى تصريح المبعوث الألماني بيورن كوميل بأن: "الموقف مشتعل، ونحن بحاجة إلى إيقاف الحريق في أسرع وقت ممكن".
وأشارت الوكالة إلى أن الولايات المتحدة تعد، بالنسبة لعامي 2024-2025، أكبر مانح لمنظمة الصحة العالمية بفارق كبير، حيث قدمت ما يقدر بنحو 988 مليون دولار، أي ما يقرب من 14% من ميزانية منظمة الصحة العالمية البالغة 6.9 مليار دولار.
وأظهرت وثيقة الميزانية التي عُرضت في الاجتماع أن برنامج الطوارئ الصحية لمنظمة الصحة العالمية يعتمد بشكل كبير على الأموال الأمريكية. وكانت "وظائف التأهب" في مكتب المنظمة داخل أوروبا تعتمد بنسبة تزيد على 80% على 154 مليون دولار تساهم بها الولايات المتحدة.
وقالت الوثيقة، إن التمويل الأمريكي "يشكل العمود الفقري للعديد من عمليات الطوارئ واسعة النطاق لمنظمة الصحة العالمية"، ويغطي ما يصل إلى 40%. وأضافت أن الاستجابات في الشرق الأوسط وأوكرانيا والسودان معرضة للخطر، بالإضافة إلى مئات الملايين من الدولارات المفقودة بسبب برامج القضاء على شلل الأطفال وفيروس نقص المناعة البشرية.
وتابعت أن الولايات المتحدة تغطي أيضا 95% من عمل منظمة الصحة العالمية في مجال مكافحة مرض الإيدز في أوروبا، وأكثر من 60% من جهود مكافحة نفس المرض في إفريقيا وغرب المحيط الهادئ وفي مقر الوكالة في جنيف.
وفي اجتماع خاص منفصل حول تأثير خروج الولايات المتحدة انعقد أيضًا يوم الأربعاء الماضي، قال مدير الشئون المالية في المنظمة جورج كيرياكو "إذا أنفقت الوكالة بمعدلها الحالي، فإن المنظمة ستكون في وضع صعب للغاية عندما يتعلق الأمر بتدفقاتنا النقدية، خاصة في النصف الأول من عام 2026". وأضاف أن المعدل الحالي للإنفاق هو "شيء لن نفعله"، وفقًا لتسجيل حصلت عليه "أسوشيتد برس".
وأوضح كيرياكو، أن المنظمة حاولت، منذ الأمر التنفيذي لترامب، سحب الأموال من الولايات المتحدة لتغطية نفقات سابقة، لكن معظمها "لم يتم قبولها".. وأضاف أن الولايات المتحدة لم تسدد بعد مساهماتها المستحقة لمنظمة الصحة العالمية لعام 2024، مما وضع الوكالة في موقف العجز.
وفي الأسبوع الماضي، صدرت تعليمات لمسئولي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة بالتوقف عن العمل مع منظمة الصحة العالمية على الفور. وقال تيدروس أدهانوم جيبريسوس للحاضرين في اجتماع الميزانية، تعليقًا على القرار، إن الوكالة لا تزال تزود العلماء الأمريكيين ببعض البيانات على الرغم من أنه ليس معروفًا ما هي هذه البيانات.
وأضاف تيدروس: "نستمر في تزويدهم بالمعلومات لأنهم بحاجة إليها"، وحث الدول الأعضاء على الاتصال بالمسئولين الأمريكيين، قائلًا "سنكون ممتنين إذا واصلتم الضغط والتواصل معهم لإعادة النظر".
ومن بين الأزمات الصحية الأخرى، تعمل منظمة الصحة العالمية حاليًا على وقف تفشي فيروس ماربورج في تنزانيا وإيبولا في أوغندا وموكسيفلوكساسين في الكونغو.
ودحض تيدروس الأسباب الثلاثة التي ذكرها ترامب للانسحاب من الوكالة في الأمر التنفيذي الذي وقعه في 20 يناير الماضي، وكان أول يوم لترامب في منصبه. ففي الأمر، قال ترامب إن منظمة الصحة العالمية أساءت التعامل مع جائحة "كوفيد-19" التي بدأت في الصين وفشلت في تبني الإصلاحات اللازمة، وأن عضوية الولايات المتحدة تتطلب "مدفوعات باهظة بشكل غير عادل".
وقال تيدروس، ردًا على ذلك، إن منظمة الصحة العالمية نبهت العالم في يناير 2020 إلى المخاطر المحتملة لفيروس كورونا وأجرت عشرات الإصلاحات منذ ذلك الحين، بما في ذلك الجهود المبذولة لتوسيع قاعدة المانحين.. وتابع أيضًا أنه يعتقد أن رحيل الولايات المتحدة "لا يتعلق بالمال" بل يتعلق أكثر بـ "الفراغ" في تفاصيل تفشي المرض وغيرها من المعلومات الصحية الحاسمة التي ستواجهها الولايات المتحدة في المستقبل.. وقال للحاضرين في الاجتماع: "إن إعادة الولايات المتحدة ستكون مهمة للغاية. وأعتقد أنكم جميعًا يمكنكم لعب دور في هذا الصدد".