في مقدمة كتابه «لولا الكتب» الصادر عن مجلة نزوى عام 2015م، يكتب زاهر المحروقي فقرة ذات مغزى، دون أن يعلم - حينئذ - أنها بعد عدة سنوات ستنطبق على قارئه الأول؛ الذي هو كاتب هذه السطور. يكتب زاهر: «هناك كتب لا تكتفي بتغذية عقلك بالأفكار والرؤى، بل تتغلغل إلى داخل روحك وتجبرك بعد الانتهاء من قراءتها على الذهاب مباشرة إلى القلم، أو إلى لوحة مفاتيح الكمبيوتر، لتخبر الجميع بما تشعره لحظتها من نشوة ومتعة ورغبة عارمة في إعلام الجميع بحبك لما قرأتَ».
هذا بالضبط ما حدث لي وأنا أقرأ النصوص السردية التي تضمنها كتاب المحروقي الجديد «صديق الملكة» الذي يصدر الشهر القادم خلال معرض مسقط الدولي للكتاب ضمن منشورات الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء بالتعاون مع دار (الآن ناشرون) الأردنية. يقدم هذا الكتاب وجهًا كتابيًّا آخر لزاهر المحروقي الذي عرفناه في كتبه السابقة كاتب مقالات بارزًا، مهمومًا بالشأنين السياسي والاجتماعي، وقارئًا نهِمًا لما يقع تحت يديه من كتب. هذا الوجه الجديد هو وجه الأديب، الذي يتبدى من خلال سرده لحكايات مدهشة حصلتْ له، أو لأناس التقاهم أو عايشهم أو سمِع عنهم.
وإذا كان أورهان باموك - الأديب التركي الحائز على نوبل - يعرّف الأدب بأنه «موهبة أن نحكي حكايتنا الخاصة كما لو كانت تخص آخرين، وأن نحكي حكايات الآخرين كما لو كانت حكايتنا الخاصة» فإنّ هذا ما يجعل من نصوص «صديق الملكة» أدبًا. إذ التقط المحروقي برهافة، شخصيات مُدهشة من محيطه وأخضعها لمجهر الكتابة، متأملًا إياها، ومُصغِيًا لأحاسيسها وهواجسها وأحلامها، حتى لَيبدو أنها خرجت من بطن رواية مدهشة لا من واقع مَعيش. في «صديق الملكة» مثلًا نشاهد الرجل العائش في الأوهام الذي يصنع بالخيال واقعًا آخر غير الذي يعيشه. وفي «آسفة.. أرفض هذه الكرامة» نندهش من المرأة المبتلاة بمعرفة ماذا يدور في ضمائر الآخرين قبل أن ينطقوه، وفي نصّ «في الوقت نفسه: أصلّي وأقرأ النشرة!» يسرد لنا حكايتَه هو شخصيًّا وقد شوهِد في اللحظة نفسها في مكانين مختلفين متباعدين، أما في «مطعم الأوهام العجيبة» فلا يملك القارئ إلا الابتسام وهو يقرأ حكاية المجانين الذين فرّوا من المستشفى، ثم عادوا إليه بعدد أكبر من الذي هرب! وفي «البيوت أسرار» يحبس أنفاسنا بحكاية «الباصر» (هل أقول المشعوذ!) الذي تمكن من شفاء آلام مبرحة في الظهر بمجرد كشفه غطاء صينية أمامه! وغيرها من الحكايات التي اقتنصها المحروقي ووظف فيها قدرته الفائقة على تحليل تصرفات الشخصيات وبواعث أفعالها، وهذه واحدة من أهم مزايا الأدب، وأزعم أنها قدرة يتحلى بها المؤلف حتى قبل أن يدخل عالم الكتابة سنة 2007م، فلطالما سمعتُ منه طوال فترة تزاملنا في الإذاعة حكايات مدهشة لا ينقصها - بطريقة سرده الممتعة وتحليله المتعمّق لأبطالها- سوى أن توضع على الورق.
وبما أنني قارئ جيد لكل ما كتب زاهر، فيجدر بي أن أشير إلى أنّ نزعة الأدب لديه ليست جديدة، وليس هذا الكتاب تدشينَها الأول؛ فقد قرأنا له من قبل نصوصًا هي أقرب إلى الأدب منها إلى أيّ شيء آخر في كتابه السِيَري «سارق المنشار»، أذكر منها على سبيل المثال نصه المدهش «ميرسو في الإذاعة» الذي يسرد فيه حكاية أحد زملائه في قسم الأرشيف التابع لدائرة الأخبار والشؤون السياسية بإذاعة سلطنة عُمان، ويقارن بين شخصيته وشخصية «ميرسو» الشهيرة في رواية «الغريب» لألبير كامو.
لا تقدم نصوص زاهر المحروقي في «صديق الملكة» نفسها بمباهاة ولا بتحذلق. لا تقول لقارئها: «انظر إلى جمال لغتي، ومدهش تشبيهاتي». إنها أقرب إلى نصوص عفوية هدفها في المقام الأول الحكاية، نصوص تذكرنا بعبارة إرنستو ساباتو - الكاتب الأرجنتيني الشهير - بأنّ «الكاتب الجيد يُعبّر عن أمورٍ كبيرة بكلمات بسيطة، ونقيض ذلك الكاتب السيئ الذي يقول أشياء تافهة بكلمات طنَّانة. البساطة تتركُ انطباعًا بأنها طبيعية ولا تَكلُّف فيها، في حين أنها، في الواقع، لا تُحرَز إلّا بجهودٍ كبيرة». لكن زاهر وهو في سعيه لسرد الحكاية يُدخلنا في عالم من التحليلات النفسية، ونقد الواقع، وتأمل الحياة، واستشراف المستقبل، بحيث لا تغدو الحكاية مجرد «حدوتة» تنتهي من قراءتها وتذهب لسواها. إنها حكاية تبعث على التفكير والتأمل وطرح التساؤلات في معنى الحياة والإنسان والوجود.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الملكة رانيا تزور مركز تمكين المجتمعات التابع لمؤسسة نهر الأردن وتلتقي شباب وأفراد من المجتمع المحلي في العقبة
الديوان الملكي الهاشمي
زارت جلالة الملكة رانيا العبدالله اليوم في العقبة مركز الملكة رانيا العبدالله لتمكين المجتمعات التابع لمؤسسة نهر الأردن، واطلعت على نشاطات المركز والتقت عدداً من أصحاب المشاريع المستفيدين من المركز وعدداً من أفراد المجتمع المحلي.
واستمعت جلالتها إلى عرض موجز حول برنامج بيت صغير التابع لبرنامج حماية الطفل من الاساءة والذي يهدف إلى نشر وزيادة المعرفة والوعي بالمفاهيم الرئيسية المتعلقة بحماية الطفل من الإساءة، وشاهدت جانبا من جلسة علاج باستخدام الفن للسيدات.
واطلعت جلالتها على عروض 10 مشاريع ريادية تم دعمها من قبل مؤسسة نهر الأردن، ضمن لكل مشروع لعرض فكرة ومنتجات المشروع واستمعت من المستفيدين الى شرح عن افكار مشاريعهم وقصص التشبيك بين المشاريع وفرص العمل التي وفرتها مشاريعهم.
كما التقت جلالتها بمجموعة من الشباب المستفيدين من نشاط "غرفة التكنولوجيا" لمساحة الابتكار الاجتماعي المخصصة للشباب، والتي تهدف إلى ربط محتوى التدريبات والأنشطة التي يقدمها المركز للطفل بما يخص الوقاية والحماية من الإساءة والعنف عبر توظيف وسائل التكنولوجيا التي تخاطب اهتمامات وثقافة هذه الفئة العمرية.
وضمن الزيارة، التقت جلالتها بحضور مدير مركز الملكة رانيا العبدالله لتمكين المجتمعات في العقبة أحمد غنيمات أفراد من المجتمع المحلي، من بينهم رؤساء جمعيات وأصحاب مشاريع من العقبة والقرى المحيطة بها، وتبادلت الحديث معهم حول البرامج والانشطة التي يقوم بها مركز الملكة رانيا العبدالله لتمكين المجتمعات في العقبة، وما يقدم من منح ودعم لأصحاب المشاريع المدرة للدخل.
وزارت جلالتها مشروع المستفيد صهيب العموري المتخصص في صناعة الأكياس الورقية والمطبوعات، حيث قدم لجلالتها عرضاً عن مشروعه الذي بدأ من المنزل بمعدات بسيطة ومواد أولية محلية لصناعة الأوراق والأكياس، وحصل على منحة وتدريبات متخصصة ساعدته في تطوير مشروعه وزيادة معدلات وجودة إنتاجه، وساهم الدعم الذي قدمته الملكة رانيا العبدالله في تحقيق تحول كبير بحجم وعوائد المشروع بعد أن حصل على معدات صناعية حديثة مما ادى الى توسع المشروع واستيعاب 9 موظفين من أهالي المجتمع المحلي بالعقبة.
تابعونا على مواقع التواصل:InstagramFBTwitter© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com)
هبة الزغيلات مترجمة ومحررةعضو في فريق محرري موقع البوابة الإخباري النسخة العربية، تعمل على إثراء قسم "اختيار المحرر" عن طريق رصد ومتابعة الأحداث المنوّعة والغريبة على مدار الساعة من المصادر العامة المتعددة كوكالات الأنباء العربية والعالمية، حيث تقوم هبة، الحاصلة على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية، بترجمة الخبر الأجنبي إلى اللغة العربية حتى يتسنى للقارئ العربي الحصول على المعلومة كاملة.
الأحدثترند الملكة رانيا تزور مركز تمكين المجتمعات التابع لمؤسسة نهر الأردن وتلتقي شباب وأفراد من المجتمع المحلي في العقبة شاهد...غارة إسرائيلية على بلدة القصير السورية الحدودية كليب أغنية Disease.. عودة أسطورية لـ ليدي غاغا بعد إخفاقها في فيلم Joker 2 الصحة الفلسطينية: ارتفاع شهداء جنين إلى 5 برصاص الاحتلال الإسرائيلي بالطيران المسير...المقاومة العراقية تستهدف مواقع إسرائيلية Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا فريقنا حل مشكلة فنية اعمل معنا الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTubeاشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن
© 2000 - 2024 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter