لجريدة عمان:
2024-10-05@13:48:01 GMT

نوافذ: صديق الملكة

تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT

في مقدمة كتابه «لولا الكتب» الصادر عن مجلة نزوى عام 2015م، يكتب زاهر المحروقي فقرة ذات مغزى، دون أن يعلم - حينئذ - أنها بعد عدة سنوات ستنطبق على قارئه الأول؛ الذي هو كاتب هذه السطور. يكتب زاهر: «هناك كتب لا تكتفي بتغذية عقلك بالأفكار والرؤى، بل تتغلغل إلى داخل روحك وتجبرك بعد الانتهاء من قراءتها على الذهاب مباشرة إلى القلم، أو إلى لوحة مفاتيح الكمبيوتر، لتخبر الجميع بما تشعره لحظتها من نشوة ومتعة ورغبة عارمة في إعلام الجميع بحبك لما قرأتَ».

هذا بالضبط ما حدث لي وأنا أقرأ النصوص السردية التي تضمنها كتاب المحروقي الجديد «صديق الملكة» الذي يصدر الشهر القادم خلال معرض مسقط الدولي للكتاب ضمن منشورات الجمعية العُمانية للكتّاب والأدباء بالتعاون مع دار (الآن ناشرون) الأردنية. يقدم هذا الكتاب وجهًا كتابيًّا آخر لزاهر المحروقي الذي عرفناه في كتبه السابقة كاتب مقالات بارزًا، مهمومًا بالشأنين السياسي والاجتماعي، وقارئًا نهِمًا لما يقع تحت يديه من كتب. هذا الوجه الجديد هو وجه الأديب، الذي يتبدى من خلال سرده لحكايات مدهشة حصلتْ له، أو لأناس التقاهم أو عايشهم أو سمِع عنهم.

وإذا كان أورهان باموك - الأديب التركي الحائز على نوبل - يعرّف الأدب بأنه «موهبة أن نحكي حكايتنا الخاصة كما لو كانت تخص آخرين، وأن نحكي حكايات الآخرين كما لو كانت حكايتنا الخاصة» فإنّ هذا ما يجعل من نصوص «صديق الملكة» أدبًا. إذ التقط المحروقي برهافة، شخصيات مُدهشة من محيطه وأخضعها لمجهر الكتابة، متأملًا إياها، ومُصغِيًا لأحاسيسها وهواجسها وأحلامها، حتى لَيبدو أنها خرجت من بطن رواية مدهشة لا من واقع مَعيش. في «صديق الملكة» مثلًا نشاهد الرجل العائش في الأوهام الذي يصنع بالخيال واقعًا آخر غير الذي يعيشه. وفي «آسفة.. أرفض هذه الكرامة» نندهش من المرأة المبتلاة بمعرفة ماذا يدور في ضمائر الآخرين قبل أن ينطقوه، وفي نصّ «في الوقت نفسه: أصلّي وأقرأ النشرة!» يسرد لنا حكايتَه هو شخصيًّا وقد شوهِد في اللحظة نفسها في مكانين مختلفين متباعدين، أما في «مطعم الأوهام العجيبة» فلا يملك القارئ إلا الابتسام وهو يقرأ حكاية المجانين الذين فرّوا من المستشفى، ثم عادوا إليه بعدد أكبر من الذي هرب! وفي «البيوت أسرار» يحبس أنفاسنا بحكاية «الباصر» (هل أقول المشعوذ!) الذي تمكن من شفاء آلام مبرحة في الظهر بمجرد كشفه غطاء صينية أمامه! وغيرها من الحكايات التي اقتنصها المحروقي ووظف فيها قدرته الفائقة على تحليل تصرفات الشخصيات وبواعث أفعالها، وهذه واحدة من أهم مزايا الأدب، وأزعم أنها قدرة يتحلى بها المؤلف حتى قبل أن يدخل عالم الكتابة سنة 2007م، فلطالما سمعتُ منه طوال فترة تزاملنا في الإذاعة حكايات مدهشة لا ينقصها - بطريقة سرده الممتعة وتحليله المتعمّق لأبطالها- سوى أن توضع على الورق.

وبما أنني قارئ جيد لكل ما كتب زاهر، فيجدر بي أن أشير إلى أنّ نزعة الأدب لديه ليست جديدة، وليس هذا الكتاب تدشينَها الأول؛ فقد قرأنا له من قبل نصوصًا هي أقرب إلى الأدب منها إلى أيّ شيء آخر في كتابه السِيَري «سارق المنشار»، أذكر منها على سبيل المثال نصه المدهش «ميرسو في الإذاعة» الذي يسرد فيه حكاية أحد زملائه في قسم الأرشيف التابع لدائرة الأخبار والشؤون السياسية بإذاعة سلطنة عُمان، ويقارن بين شخصيته وشخصية «ميرسو» الشهيرة في رواية «الغريب» لألبير كامو.

لا تقدم نصوص زاهر المحروقي في «صديق الملكة» نفسها بمباهاة ولا بتحذلق. لا تقول لقارئها: «انظر إلى جمال لغتي، ومدهش تشبيهاتي». إنها أقرب إلى نصوص عفوية هدفها في المقام الأول الحكاية، نصوص تذكرنا بعبارة إرنستو ساباتو - الكاتب الأرجنتيني الشهير - بأنّ «الكاتب الجيد يُعبّر عن أمورٍ كبيرة بكلمات بسيطة، ونقيض ذلك الكاتب السيئ الذي يقول أشياء تافهة بكلمات طنَّانة. البساطة تتركُ انطباعًا بأنها طبيعية ولا تَكلُّف فيها، في حين أنها، في الواقع، لا تُحرَز إلّا بجهودٍ كبيرة». لكن زاهر وهو في سعيه لسرد الحكاية يُدخلنا في عالم من التحليلات النفسية، ونقد الواقع، وتأمل الحياة، واستشراف المستقبل، بحيث لا تغدو الحكاية مجرد «حدوتة» تنتهي من قراءتها وتذهب لسواها. إنها حكاية تبعث على التفكير والتأمل وطرح التساؤلات في معنى الحياة والإنسان والوجود.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

"الأدب والحرب" لقاء في احتفالات الثقافة بالفيوم بذكرى نصر أكتوبر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نظم فرع ثقافة الفيوم عددا من الأنشطة الثقافية والفنية، ضمن أجندة فعاليات الهيئة العامة لقصور الثقافة بإشراف الكاتب محمد عبد الحافظ ناصف، نائب رئيس الهيئة، ضمن احتفالات وزارة الثقافة بالذكرى الحادية والخمسين لنصر أكتوبر.

وقد نظمت مكتبة الطفل والشباب بسنورس، التابعة للفرع  لقاء بعنوان "الأدب والحرب"، شارك به الأديبان أحمد طوسون، أحمد قرني، والكاتب أحمد حلمي.

واستهل "طوسون" اللقاء متحدثا عن انعكاسات الحرب في كتابات الأدباء على المستويين العالمي والمحلي، قائلا: عالميا لا يمكننا تجاهل كتابات تولستوي، همنجواي، وأندريه مارلو، وجورج أورويل، أما عربيا نتذكر في الرواية والقصة كتابات جمال الغيطاني الذي عمل كمراسل حربي خلال حرب أكتوبر ومجموعته الفريدة "حكايات الغريب"، وهناك "الحرب في بر مصر" ليوسف القعيد، بخلاف العديد من النصوص القصصية والروائية للكتّاب فؤاد حجازي، سمير عبد الفتاح، قاسم مسعد عليوة، سمير الفيل، وأحمد ربيع الأسواني، وغيرهم  ممن تناولوا تفاصيل الحرب وتداعياتها الإنسانية.

واختتم حديثه متناولا بعض أعماله من قصص قصيرة وقصص للأطفال والتي فازت بجوائز في مسابقات أدب الحرب التي نظمتها مجلة النصر الصادرة عن الشئون المعنوية للقوات المسلحة بمناسبة نصر أكتوبر، ومنها "رحلة لؤلؤة إلى أرض الفيروز"، "حكاية الجندي همام والفانوس السحري"، و"زهرة حب لمن يستحقها".

وواصل الأديب أحمد قرني اللقاء بالحديث عن الروايات والكتابات التي تناولت الجانب الإنساني والاجتماعي ومنها كتابات يوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، ومجيد طوبيا.

وأشار الكاتب أحمد حلمي أن الانسان عرف الحرب منذ فجر التاريخ وسعى إلى تسجيلها، وأقدم أشكال التسجيل ما تركه المصرى القديم على جدران المعابد تخليدا لانتصاراته، وكذا ما تركه الشاعر هوميروس في ملحمتيه "الإلياذة والأوديسا".

وأضاف أن الأدباء العرب كتبوا أشعارا كثيرة ترصد الحروب وتاريخها، أهمها حرب أكتوبر التي تركت أثرا في العصر الحديث.

وأعقب ذلك عرض فيلم "بطل من سيناء"، بالتعاون مع قسم السينما إشراف إميل الفنس، وبحضور الأدباء د.عمر صوفي، عبد التواب عبد الغني، منصور أبو شوشة، ومحسن أبو زيد، ولفيف من الشعراء والمثقفين.

واستمرارا للأنشطة المقامة بإقليم القاهرة الكبرى الثقافي، برئاسة لاميس الشرنوبي، والمنفذة بفرع ثقافة الفيوم، برئاسة سماح كامل، نظمت مكتبة مطرطارس احتفالية بحضور طلاب مدرسة الشهيد ربيع محمد كاسب الابتدائية، ومعهد مطرطارس الأزهري البنين، تضمنت محاضرة بعنوان 
"أكتوبر المجد والعزة" تحدث خلالها محمد نادي، مدير المكتبة، عن ذكرى النصر، وبسالة الجندي المصري، مؤكدا على أهمية الاحتفال بتلك المناسبة لتعزيز قيم الانتماء وحب الوطن لدى النشء.

كما شهدت الاحتفالية مسابقات ثقافية، إلقاء قصائد وطنية، وتصميم لوحات فنية، ومجسم دبابة بالفوم بالتعاون مع قسم التمكين الثقافي.

وأعدت مكتبة الفيوم العامة يوما ثقافيا تضمن عرض مسرح عرائس بمصاحبة لغة الإشارة، مسابقة ترفيهية، تصميم مجلة حائط بمشاركة طلاب مدرسة الأمل للصم والبكم، وأخرى تنفيذ رضوى علي، مشرف قسم البيئة.

IMG-20241005-WA0005 IMG-20241005-WA0006 IMG-20241005-WA0007 IMG-20241005-WA0008

مقالات مشابهة

  • "الأدب والحرب" ضمن احتفالات ثقافة الفيوم بذكرى نصر أكتوبر 
  • "الأدب والحرب" لقاء في احتفالات الثقافة بالفيوم بذكرى نصر أكتوبر
  • أحمد زاهر يحصل على جائزة أفضل ممثل عن دوره بـ نعمة الأفوكاتو
  • تعرف على نصوص صلاة القديس فرنسيس الأسيزي في ذكراه
  • الفريق أشرف زاهر: الأكاديمية العسكرية الجديدة تجسد إنجازًا تاريخيًا لمصر
  • مكتبة الإسكندرية تطلق حكايات العم قطامش
  • إيزابيل أدرياني: اتمني تجسيد الملكة حتشبسوت .. وأحب الأكلات المصرية | فيديو
  • حصان الملكة إليزابيث يحصل على أرفع وسام بريطاني
  • بيراميدز يعلن التعاقد مع صديق إيجولا «صور»
  • "الأدب من الشفاهية إلى الرقمنة" في مناقشات مؤتمر قصور الثقافة بالمنيا