ما بعد الحرب.. هل من إمكانية للدولة الفلسطينية؟
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
منذ عملية 7 أكتوبر عاد الحديث السياسي والدبلوماسي، أكثر مما سبق، حول خيار حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، الذي كانت نواته القرار 242 الذي أصدره مجلس الأمن في أعقاب نكسة 1967 والتي احتلت فيها إسرائيل ما تبقى من الأراضي الفلسطينية في القدس والضفة الغربية وغزة إلى جانب هضبة الجولان على الأراضي السورية وشبه جزيرة سيناء على الأراضي المصرية.
ولم تُحدث اتفاقيات السلام التي عُرفت بالاتفاقيات الإبراهيمية أي تغييرات على الوضع الفلسطيني أو موقع إسرائيل في المنطقة، بل كانت من منطلق العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية الثنائية مع إسرائيل. ولم يعُد الحديث حول تحريك المياه الراكدة في الوضع الفلسطيني إلا مع استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي كانت تريد تخفيف أعباء مسؤولية الشرق الأوسط عليها، بتحقيق استقرار في المنطقة عبر تحقيق سلام (سعودي-إسرائيلي) بين أهم الحلفاء لها. ومن بين الشروط التي أعلنها الطرف السعودي مقابل السلام هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة عودةً لحل المبادرة العربية والقرارات الدولية، وهو ما أبدت عليه الحكومات الإسرائيلية السابقة والحالية موقفا رافضا له رغم إعلان الولايات المتحدة قبولها به.
ورغم مضي المفاوضات برعاية الولايات المتحدة فإنها لم تفضِ حتى 7 أكتوبر عن نتائجها وعن شكل التطبيع الذي ستكون عليه العلاقات السعودية مع إسرائيل. وتوقفت مؤقتا في أعقاب حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة والعنف المتصاعد في الضفة الغربية، إلا أن الدول العربية، ومعها المملكة العربية السعودية، لم تخل بياناتها ولقاءاتها الرسمية منذ 7 أكتوبر من التأكيد على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة لوقف تكرار أشكال المعاناة الإنسانية التي يمر بها الفلسطينيون على الأراضي المحتلة المرتبطة بالوضع السياسي الحالي للفلسطينيين تحت الاحتلال. فهل من إمكانية لتحقيق الشرط السعودي، والعربي من ورائه، وتحقيق حل تاريخي في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي رغم الرفض الشعبي المتزايد لكافة أشكال التطبيع مع إسرائيل؟
من الصعب التنبؤ القطعي بطبيعة اليوم الذي يلي الحرب وخاصةً أن الحرب لم تضع أوزارها بعد وما تبديه جميع الأطراف من تناقضات وتغيرات في المواقف مع استمرار الحرب، لكن بقدر ضرورة الحديث عن وقف إطلاق النار ووقف الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل، فإنه من الضروري أيضا الحديث عن المسار السياسي الذي يلي الحرب على الصعيد الفلسطيني خصوصا والعربي عموما، والذي يحكم بدوره ترتيب العلاقات الفلسطينية-الفلسطينية والفلسطينية-الإسرائيلية وحتى العربية-الإسرائيلية وما تحمله من تأثيرات كبيرة على مصير وحياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة بعد الحرب. ومع غياب الهدف والمسار السياسي لحماس من عمليتها، إلا أنها أبدت استعدادها على لسان أعضاء من المكتب السياسي في أكثر من لقاء لقبول برنامج منظمة التحرير القائم على الاعتراف بإسرائيل وإقامة الدولة الفلسطينية، والاستعداد لتجاوز الانقسام الداخلي الفلسطيني مع عدم إمكانية القبول بإقصاء حماس من أي ترتيب فلسطيني داخلي. وأبدت أصوات في منظمة التحرير الموقف ذاته باعتبار حماس جزءا من النسيج الوطني الفلسطيني الذي لا يمكن إقصاؤه. وهذا ما لا ترغب فيه إسرائيل التي تشن هجوما بريا وجويا ليس فقط للقضاء على حماس عسكريا في قطاع غزة بحسب ما تُعلن حكومة الحرب الإسرائيلية -والذي تفشل حتى الآن في تحقيقه- بل حتى للقضاء عليها سياسيا آنيا ومستقبلا، وتؤيدها الولايات المتحدة في ذلك، بما قد يحمله من مؤشر لفشل إسرائيل في تحقيق أهدافها. ولا ينفصل اغتيال القيادي صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في لبنان عن هدفها في توجيه ضربة قاصمة من خلال قياداتها الفاعلة في القرار السياسي والعسكري للحركة. ورغم ذلك فإن ترتيب البيت الفلسطيني الذي ترعاه مصر عبر لقاءاتها التشاورية مع جميع الأطراف الفلسطينية يمضي على قدم وساق، مع تأكيد وزير الخارجية للولايات المتحدة أنتوني بلينكن في زيارته الأخيرة ولقائه مع الرئيس الفلسطيني على ضرورة القيام بإصلاحات في السلطة الفلسطينية وعلى تصورات الولايات المتحدة للدولة الفلسطينية وبنية السلطة الفلسطينية لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وهذا ما يلاقي رفضا عربيا وفلسطينيا كونه يتناسب مع المصلحة الإسرائيلية والأمريكية التي لا تعطي للفلسطينيين استقلالهم أو حقهم في تقرير المصير، ودون أن تبدي أي مؤشرات لوقف إطلاق النار ما دامت الحكومة الإسرائيلية مستمرة في تنفيذ باقي مراحل حربها على القطاع. وبات الطرف السعودي ودبلوماسيوه، يؤكدون أكثر مما سبق على رؤيتهم لتحقيق الاستقرار بالسلام مع إسرائيل مقابل الدولة الفلسطينية، الذي قد تقدِّم فيه الحكومة الإسرائيلية تنازلا عن غطرستها وتقبل به في ظل عدم تحقيقها أيا من أهدافها الاستراتيجية في الحرب على غزة، بما يضمن لها تسجيل انتصار سياسي بإقامة علاقات مع دولة ذات ثقل استراتيجي وجيوسياسي في المنطقة، والذي قد يفتح لها باب التطبيع مع باقي الدول العربية والإسلامية. وقد يصطدم هذا الخيار مثلما اصطدم طيلة العقود الماضية بعدم القبول الرسمي والشعبي -اليميني واليساري- الإسرائيلي بأي حلول أو أنصافها قد يغير طبيعة الوجود السياسي الفلسطيني لصالح الفلسطينيين، وتحديدا مع توسع بناء المستوطنات في الضفة الغربية الذي ينم عن موقف إسرائيلي في عدم القبول بأي تغيير في العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية والرغبة في القضاء على الوجود الفلسطيني لتكريس يهودية الدولة مع احتفاظها بسيطرتها العسكرية والأمنية للمناطق التي لا تخضع لها بشكل مباشر بإبقاء شكل الحكم الذاتي للفلسطينيين عبر السلطة الفلسطينية. ومن الممكن أن تقبل إسرائيل بتوسيع صلاحيات السلطة ومناطق إدارتها لتشمل غزة، تحت الضغط الأمريكي والإقليمي الذي يتنصل من مسؤولية الإدارة وإعادة الإعمار في غزة ما دامت إسرائيل تُبدي الموقف نفسه في التعاطي الإبادي مع الفلسطينيين في الضفة وغزة.
وعلى العموم، ما زالت التغييرات السياسية في مجمل العلاقات لم تحمل شكلها النهائي لما يفرضه استمرار الحرب من معطيات ومتغيرات جديدة ذات تأثيرات متغيرة على جميع الأطراف الفلسطينية والإقليمية والدولية، لكن المؤكد أن الواقع الفلسطيني والعربي وطبيعة التحالفات السياسية والأمنية في المنطقة بعد 7 أكتوبر مختلفة عما سبقه، وقد يحمل بذور الدولة الفلسطينية المستقلة وصولا للدولة الواحدة.
سهى العبرية كاتبة وباحثة مهتمة بالشأن الفلسطيني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدولة الفلسطینیة المستقلة وإقامة الدولة الفلسطینیة الفلسطینی الإسرائیلی السلطة الفلسطینیة الولایات المتحدة الضفة الغربیة فی المنطقة مع إسرائیل فی الضفة
إقرأ أيضاً:
الصحة الفلسطينية: ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة لـ 45361 شهيدًا
أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، اليوم الأربعاء، ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 45361 شهيدًا وإصابة 107803 آخرين، منذ 7 أكتوبر من العام الماضي.
وأكدت الصحة الفلسطينية، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي ارتكبت نحو 3 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، مما راح ضحيتها 23 شهيدًا و39 مصابًا خلال الـ24 ساعة الماضية.
وأوضحت الصحة الفلسطينية في تقريرها اليومي، أنه لايزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
يذكر أن، حركة حماس بدأت عملياتها العسكرية «طوفان الأقصى» ضد الاحتلال الإسرائيلي، يوم السبت الموافق 7 أكتوبر 2023، وجاء ذلك كرد فعل على كافة الأعمال الإجرامية والمجازر المتنافية للقوانين الدولية التي ترتكب ضد المدنيين الفلسطينيين.
وفي منتصف تلك الأحداث نفذت هدنة بين طرفي الصراع لمدة 7 أيام تقريبًا، وتم ذلك بوساطة جهود مصرية قطرية أمريكية، وشملت هذه الهدنة وقف إطلاق النار داخل قطاع غزة والحفاظ على أرواح الأطفال والمدنيين، بالإضافة إلى تبادل الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين المتواجدين في أيدي المقاومة والاحتلال الصهيوني.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة لليوم الـ 445 ردًا على عملية طوفان الأقصى، مما أسفر عن وقوع أكثر من 54 ألف شهيد وآلاف المصابين والمفقودين.
اقرأ أيضاًالصحة الفلسطينية تناشد المجتمع الدولي لإدخال المساعدات إلى مستشفى كمال عدوان
الصحة الفلسطينية تدين اقتحام الاحتلال الإسرائيلي لمركز طوارئ «سلواد»
الصحة الفلسطينية تعلن ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة لـ 43985 شهيدا