لم يتوقف التيار العربي «المتصهين» منذ ٧ أكتوبر عن الجزم القاطع بأن إسرائيل ستحقق كل أهدافها في الحرب وأن قرار متى وكيف تنتهي هذه الحرب هو في يدها وحدها بلا منازع وبالتحديد في يد قائدها السياسي بنيامين نتانياهو.

الآن وبعد مرور نحو ١١٠ أيام على الحرب نستطيع أن نقول بقدر من الاطمئنان إن انبهارهم بالعدو واستسلامهم لسردية تفوقه الذي لا يقهر سقط كما سقطت بالضبط هيبة هذا العدو في وحل غزة.

فلأول مرة منذ بدء الحرب يمكننا القول إن تطورا نوعيا سيطر على مسار الأزمة ألا وهو أن احتمالات وقف وإنهاء هذه الحرب باتت متعادلة مع احتمالات استمرارها، والأهم أنه ثبت أن قرار هذه الحرب ليس بيد نتانياهو وحده وإنما تؤثر فيه قوى وعناصر أخرى.

لم يحدث ذلك بسبب موقف عربي جماعي حازم ولا بسبب تدخل صيني - روسي يوازن الانحياز الأمريكي المطلق ولكن بسبب صمود المقاومة الفلسطينية وإفسادها الأسطوري للحملة الإسرائيلية الأمريكية الأطلسية ومنعها من تحقيق هدف واحد من أهدافها حتى الآن.

أفشلت المقاوم الهدف الرئيسي المعلن من تل أبيب وواشنطن وهو محو المقاومة عسكريا فما زالت حماس والجهاد محافظتَين على جزء أساسي من قوتها البشرية وحتى من قوتها الصاروخية وقوة النيران. ولم تصل يد جيشها التي يراها المتصهينون العرب طويلة إلى قادة حماس الكبار الخمسة ولا إلى ربع عدد الأنفاق. حققت إنجازات تكتيكية توغلت في شمال ووادي غزة ووسطها وجزء بسيط من الجنوب لكنها تدفع ثمنا باهظا يوميا من ضباطها وجنودها وعتادها «هناك حديث عن نحو عشرة آلاف جندي إسرائيلي معوق كليا أو جزئيا منذ ٧ أكتوبر».

سقط مع الإخفاق العسكري هدفان كبيران للتخطيط الإسرائيلي -الأمريكي للحرب؛ الأول هو الحلم الكاذب بقلب الحاضنة الشعبية في غزة على المقاومة سواء بسبب مرارة فقدهم لأحبتهم بسبب مقتلهم والإبادة الوحشية للفلسطينيين أو دفعهم للنزوح نحو الجنوب حيث لا تكفي الخدمات لنحو مليونين من البشر وبالتالي توقع هذا التخطيط أن نقص الغذاء والماء والدواء سيقود إلى انتفاضة شعبية ضد حماس لكن آمالهم خابت.

والهدف الثاني للمخطط هو دفعهم جزئيا أو كليا للهجرة إلى سيناء المصرية لكنهم تشبثوا بأرضهم ورفضوا أن يتركوها للمحتل.

لم يعد في بنك الأهداف الإسرائيلية سوى تحرير الأسرى المختطفين لدى المقاومة وهنا كان الفشل أعظم فلم تنجح إسرائيل في تحديد مكان أو تحرير رهينة واحدة منهم بل قتلت بالقصف الجوي والمدفعي عشرات من أبنائها بأيديها بعمليات طائشة وفاشلة للجيش.

باختصار أصبحت إسرائيل عالقة في الحرب وعاجزة عن تحقيق أي هدف استراتيجي. وهنا حدث التحول النوعي فقد تحولت الأصوات الفردية لرؤساء وزراء سابقين وجنرالات وقادة المعارضة الذين رأوا مبكرا أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود إلى تيار جارف يضم تقريبا الأكثرية في نخبة الأمن والعسكرية والسياسة في إسرائيل.. نحن نتحدث عن إيهود باراك وإيهود أولمرت ويوسي كوهين وموشيه ايالون. الجديد حقا والمثير هو الانضمام المثير لأهم قائدين عسكريين حديثين نسبيا ولهما تأثير ممتد حتى الآن على قادة الجيش الحاليين والوزيرين في حكومة الوحدة الوطنية و«كابينت» الحرب غادي آيزنكوت وبيني غانتس إلى هذا التيار. يقول آيزنكوت: «لا يوجد سبب للاستمرار في الحرب بالطريقة نفسها كالعميان ونحن في وقت حرج ويجب التوقف عن الكذب وإظهار الشجاعة بالتوجه إلى صفقة كبيرة تعيد المحتجزين». ويقول إيهود باراك: حماس لم تُهزم، وغياب هدف واقعي سيُغرق إسرائيل في مستنقع غزة. هذا التيار من النخبة الذي يملك وجوهه تأثيرا على الرأي العام الإسرائيلي التحم بتيار آخر انضم إلى حملة أهالي الـ١٣٦ أسيرا إسرائيليا لدى المقاومة في غزة التي تضغط على الحكومة تحت شعار واحد بالغ القوة والتأثير موجه لنتانياهو شخصيا: وهو لا تخسر كل شيء، وإذا لم تستطع تحقيق هدف.. لا تضيع الأهداف كلها فإذا كنت قد فشلت في محو حماس واغتيال قادتها في غزة فعلى الأقل أعِد المخطوفين إلى أهاليهم. هؤلاء المخطوفين الذين يمثلون التزاما أخلاقيا فبعد فشلك في حمايتهم لإخفاق أمنك وجيشك في توقع هجوم ٧ أكتوبر وبعد فشلك في استعادتهم بالقوة عليك أن ترضخ وتعيدهم بالتفاوض مع حماس كما فعلت في الهدنة السابقة.

يلخص محلل إسرائيلي أمني بارز التحول النوعي الضاغط لوقف الحرب وانتزاع قرارها من نتانياهو: حماس لن تختفي، ولا حتى في السنة القريبة القادمة، وإطلاق الصواريخ أيضا سيستمر بهذه القوة أو تلك. فلتحرروا المخطوفين على الأقل عن طريق الوسطاء والمفاوضات.

ويقول آخر إن على القيادة السياسية أن تضع مصلحة الشعب اليهودي قبل مصالحها وأن تأخذ فورا قرارات صعبة ومريرة تبدأ بالوقف الفوري للحرب وإعادة أبنائنا الأسرى إلى عائلاتهم حتى لو كان المقابل هو إفراغ السجون من كل الأسرى الفلسطينيين. الشعار المتنامي «أوقف الحرب الآن وأعد الرهائن يا نتانياهو» كان بوسعه تغيير مسار الأزمة ويتجه نحو إنهاء الفصل العسكري فيها كما هو حال الحروب التي تخفق في تحقيق أهدافها السياسية. وعلى عكس ما تروّج النخبة السياسية العربية الموالية لواشنطن من أن الرئيس بايدن يضغط على نتانياهو لوقف الحرب فإن حقيقة الأمر هي أن المصالح السياسية للرئيس الأمريكي جو بايدن ولمؤسسة الأمن القومي الأمريكي قبل مصالح بنيامين نتانياهو هي العقبة الرئيسية التي تمنع وقف الحرب رغم أنها عالقة منذ أشهر.

حسم بايدن الأمر بنفسه أمس الأول عندما قال في محادثة هاتفية مع بنيامين نتانياهو إننا لا نزال ضد وقف الحرب لأنها ستصب في مصلحة حماس. الرئيس بايدن أحد أطول أعضاء الكونجرس الأمريكي ونائب الرئيس أوباما ثم الرئيس الحالي هو ابن قديم وبار للمؤسسة الأمريكية وابن قديم وبار للصهيونية السياسية كما يتفاخر دائما. مؤسسة الأمن القومي الأمريكية ترى أن استمرار المقاومة الفلسطينية في حلف إيران هي العقبة الكؤود أمام مشروعه في التطبيع الإقليمي وإقامة تحالف عربي إسرائيلي ضد طهران ولا بد من محوها حتى يكمل مشروعه، وبالتالي يدفع في اتجاه ضرورة الاستمرار في الحرب على غزة. والصهيونية السياسية تدفع المرشح بايدن، أيضا، لاختيار الانحياز الأعمى لإسرائيل لكي يفوز بدعم اللوبي اليهودي في انتخابات الرئاسة التي تجري نهاية العام الحالي خاصة إذا نازله فيها ترامب صاحب صفقة القرن والذي يتعهد لإسرائيل واللوبي اليهودي بمواقف منحازة أكثر بكثير من مواقف الإدارة الحالية إذا أعطوه أصواتهم وعاد للبيت الأبيض.

صحيح أن نتانياهو يراوغ ويماطل ويمتنع عن الاستجابة لتيار وقف الحرب وإعادة المخطوفين خوفا على مستقبله السياسي الذي سينتهي تماما بعد الحرب لكن هذه الحرب يمكن أن تتوقف الآن لو أن بايدن أمره بصرامة وحزم بوقفها فورا.

حسين عبدالغني إعلامي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الحرب وقف الحرب فی الحرب

إقرأ أيضاً:

ولي لابيد: نتنياهو يقوم بتغليب الاعتبارات السياسية على إعادة المختطفين

سرايا - اتهم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، الأحد، الحكومة بإحباط التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى في غزة، وقال إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "يقوم بتغليب الاعتبارات السياسية على إعادة المختطفين (الأسرى بغزة) وأمن إسرائيل".

وقال لابيد في مقابلة مع هيئة البث الإسرائيلية الرسمية: "أتمنى ألا يحدث مثلما حدث في السابق عدة مرات، في نيسان وتموز وهو أنه كلما اقتربنا من صفقة وضعت حكومة نتنياهو شروطا جديدة وأحبطت العملية".

وأضاف: "لا أفهم الحديث برمته، عن صفقة جزئية، لماذا لا نذهب إلى صفقة شاملة، لماذا لا نعيد جميع المختطفين ونوقف الحرب".

وقال لابيد: "ليس لدينا ما نبحث عنه بعد الآن في غزة، وعلينا أن نبدأ في الاستعداد لليوم التالي للحرب، وإعادة 100 مختطف إلى الوطن".

وتابع: "سيكون بإمكاننا دائما بعد نهاية الحرب دخول قطاع غزة وأن نفعل ما نريد (..) الآن يجب وقف الحرب وإبرام صفقة وإعادة جميع المختطفين".

واتهم لابيد نتنياهو "بمحاولة إفساد الصفقة لأنه لا يريد وقف الحرب، ويخشى أنه عندما تتوقف الحرب فسوف تسقط الحكومة".

وأضاف: "نتنياهو يقوم بتغليب الاعتبارات السياسية على إعادة المختطفين وأمن إسرائيل".





تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا


طباعة المشاهدات: 818  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 22-12-2024 05:16 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
قصة فتاة سعودية أبلغت سلطات ألمانيا عن منفذ حادثة الدهس الولايات المتحدة .. رجل يرتكب "جريمة وحشية" بحق ابنه الرضيع خطط لاستهداف السفير السعودي .. منفذ حادثة ألمانيا عرض مكافأة لتحديد موقعه "موظف ملكي" يكشف عن سبب عدم عودة ميغان ماركل إلى بريطانيا تقارير : تجميد أموال الاسد في روسيا وأسماء تطلب الطلاق القبض على مشعوذ هتك عرض امرأة بزيت الزيتون بحجة... الحكومة: "لن نستغني عن أي موظف .. ولكن!" هل يُصبح “نيولوك” الجولاني مذهب مُجاهديه للحُكم؟ ..... الحكومة تتوقع إقرار تعديلات الإجازة بدون راتب خلال... وزير إسرائيلي يدعو لصفقة "شاملة" لإعادة...غانتس: نتنياهو يخرّب مفاوضات صفقة تبادل الأسرى من جديدالشرع التقى الشرع في دمشق .. تفاصيل ارتفاع حصيلة شهداء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةالمجاعة تهدد 40 مليون شخص في غرب أفريقيا ووسطهاالشرع:" تحرير سوريا أنقذ المنطقة من حرب عالمية..."والدتها تشجعها" .. تقارير تتحدث عن طلب...بايدن: سوف أحضر حفل تنصيب ترامبالشرطة الجنائية بألمانيا: دوافع المتهم في واقعة... أيشواريا راي وزوجها يحسمان جدل انفصالهما بظهور مفاجئ كزبرة:"أنا كوميديان ولست تافها .. وأحزن... أول تعليق من هالة صدقي بعد براءتها من "قضية... بعد 3 زيجات .. رانيا يوسف تكشف عن سبب انفصالها... بشنب وأسنان ضخمة .. ياسمين عبد العزيز تطل بشكل مفزع تعديلات على المناصب الرئيسية لادارة نادي الوحدات طاقم حكام أردني لإدارة مباراة كأس السوبر الإماراتي القطري فليك: الهزيمة أمام أتلتيكو ستقودنا للنجاح غوارديولا في ورطة .. الإصابات تعصف بمانشستر سيتي "يتحرش باللاعبات" .. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه جيف بيزوس يستعد لزفافه بحفل تكلفته 600 مليون دولار - تفاصيل بعد مقتل مراهق .. ألبانيا تحظر تيك توك لمدة عام دواء يتسبب بإدمان بريطاني على المراهنات .. وتعويض مالي لصالحه "ساعات العمر" .. توظيف علامات الدم للتنبؤ بالصحة وعمر الإنسان شبان يصفعون البلوجر "سوزي الأردنية" في مصر أمام والدها - (صورة) مدرسة أمريكية تطيح المعلمين لصالح الذكاء الاصطناعي من منا لا يكذب؟ علامات قد تفضحنا بثوانٍ! بالفيديو .. شاهد واحد من أكبر مصانع "الكبتاغون" المخدر في سوريا ارتفاع حصيلة قتلى عملية الدهس في ألمانيا إلى 5 و205 مصابين بينهم حالات خطرة .. (فيديو) عصابات تخطف البنات .. "كوافيرة" تفجر حالة ذعر ورعب في مصر

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

مقالات مشابهة

  • أنباء عن تقلص الفجوات في اتفاق تبادل الأسرى.. النقاط الحاسمة عالقة
  • آخر التطورات في مفاوضات غزة
  • ولي لابيد: نتنياهو يقوم بتغليب الاعتبارات السياسية على إعادة المختطفين
  • غانتس يتهم نتانياهو بتدمير صفقة الرهائن
  • أستاذ في العلوم السياسية: الحرب والعقوبات وراء ارتفاع التضخم الاقتصادي في روسيا
  • البابا يدعو لوقف الحرب في أوكرانيا
  • عائلات المحتجزين بغزة: إنهاء الحرب ليس إخفاقا والأهم عودة أبنائنا
  • في رسالة لذوي الأسرى.. القسام تنشر صورة نجل نتنياهو على شواطئ ميامي
  • شرط قديم جديد..نتانياهو: لن أوقف الحرب في غزة قبل القضاء على حماس
  • "تسير على المسار الصحيح".. آخر تطورات صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس وإسرائيل