إسرائيل عالقة في الفشل.. فقط بايدن ونتانياهو يمنعان إنهاء الحرب
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
لم يتوقف التيار العربي «المتصهين» منذ ٧ أكتوبر عن الجزم القاطع بأن إسرائيل ستحقق كل أهدافها في الحرب وأن قرار متى وكيف تنتهي هذه الحرب هو في يدها وحدها بلا منازع وبالتحديد في يد قائدها السياسي بنيامين نتانياهو.
الآن وبعد مرور نحو ١١٠ أيام على الحرب نستطيع أن نقول بقدر من الاطمئنان إن انبهارهم بالعدو واستسلامهم لسردية تفوقه الذي لا يقهر سقط كما سقطت بالضبط هيبة هذا العدو في وحل غزة.
فلأول مرة منذ بدء الحرب يمكننا القول إن تطورا نوعيا سيطر على مسار الأزمة ألا وهو أن احتمالات وقف وإنهاء هذه الحرب باتت متعادلة مع احتمالات استمرارها، والأهم أنه ثبت أن قرار هذه الحرب ليس بيد نتانياهو وحده وإنما تؤثر فيه قوى وعناصر أخرى.
لم يحدث ذلك بسبب موقف عربي جماعي حازم ولا بسبب تدخل صيني - روسي يوازن الانحياز الأمريكي المطلق ولكن بسبب صمود المقاومة الفلسطينية وإفسادها الأسطوري للحملة الإسرائيلية الأمريكية الأطلسية ومنعها من تحقيق هدف واحد من أهدافها حتى الآن.
أفشلت المقاوم الهدف الرئيسي المعلن من تل أبيب وواشنطن وهو محو المقاومة عسكريا فما زالت حماس والجهاد محافظتَين على جزء أساسي من قوتها البشرية وحتى من قوتها الصاروخية وقوة النيران. ولم تصل يد جيشها التي يراها المتصهينون العرب طويلة إلى قادة حماس الكبار الخمسة ولا إلى ربع عدد الأنفاق. حققت إنجازات تكتيكية توغلت في شمال ووادي غزة ووسطها وجزء بسيط من الجنوب لكنها تدفع ثمنا باهظا يوميا من ضباطها وجنودها وعتادها «هناك حديث عن نحو عشرة آلاف جندي إسرائيلي معوق كليا أو جزئيا منذ ٧ أكتوبر».
سقط مع الإخفاق العسكري هدفان كبيران للتخطيط الإسرائيلي -الأمريكي للحرب؛ الأول هو الحلم الكاذب بقلب الحاضنة الشعبية في غزة على المقاومة سواء بسبب مرارة فقدهم لأحبتهم بسبب مقتلهم والإبادة الوحشية للفلسطينيين أو دفعهم للنزوح نحو الجنوب حيث لا تكفي الخدمات لنحو مليونين من البشر وبالتالي توقع هذا التخطيط أن نقص الغذاء والماء والدواء سيقود إلى انتفاضة شعبية ضد حماس لكن آمالهم خابت.
والهدف الثاني للمخطط هو دفعهم جزئيا أو كليا للهجرة إلى سيناء المصرية لكنهم تشبثوا بأرضهم ورفضوا أن يتركوها للمحتل.
لم يعد في بنك الأهداف الإسرائيلية سوى تحرير الأسرى المختطفين لدى المقاومة وهنا كان الفشل أعظم فلم تنجح إسرائيل في تحديد مكان أو تحرير رهينة واحدة منهم بل قتلت بالقصف الجوي والمدفعي عشرات من أبنائها بأيديها بعمليات طائشة وفاشلة للجيش.
باختصار أصبحت إسرائيل عالقة في الحرب وعاجزة عن تحقيق أي هدف استراتيجي. وهنا حدث التحول النوعي فقد تحولت الأصوات الفردية لرؤساء وزراء سابقين وجنرالات وقادة المعارضة الذين رأوا مبكرا أن الحرب وصلت إلى طريق مسدود إلى تيار جارف يضم تقريبا الأكثرية في نخبة الأمن والعسكرية والسياسة في إسرائيل.. نحن نتحدث عن إيهود باراك وإيهود أولمرت ويوسي كوهين وموشيه ايالون. الجديد حقا والمثير هو الانضمام المثير لأهم قائدين عسكريين حديثين نسبيا ولهما تأثير ممتد حتى الآن على قادة الجيش الحاليين والوزيرين في حكومة الوحدة الوطنية و«كابينت» الحرب غادي آيزنكوت وبيني غانتس إلى هذا التيار. يقول آيزنكوت: «لا يوجد سبب للاستمرار في الحرب بالطريقة نفسها كالعميان ونحن في وقت حرج ويجب التوقف عن الكذب وإظهار الشجاعة بالتوجه إلى صفقة كبيرة تعيد المحتجزين». ويقول إيهود باراك: حماس لم تُهزم، وغياب هدف واقعي سيُغرق إسرائيل في مستنقع غزة. هذا التيار من النخبة الذي يملك وجوهه تأثيرا على الرأي العام الإسرائيلي التحم بتيار آخر انضم إلى حملة أهالي الـ١٣٦ أسيرا إسرائيليا لدى المقاومة في غزة التي تضغط على الحكومة تحت شعار واحد بالغ القوة والتأثير موجه لنتانياهو شخصيا: وهو لا تخسر كل شيء، وإذا لم تستطع تحقيق هدف.. لا تضيع الأهداف كلها فإذا كنت قد فشلت في محو حماس واغتيال قادتها في غزة فعلى الأقل أعِد المخطوفين إلى أهاليهم. هؤلاء المخطوفين الذين يمثلون التزاما أخلاقيا فبعد فشلك في حمايتهم لإخفاق أمنك وجيشك في توقع هجوم ٧ أكتوبر وبعد فشلك في استعادتهم بالقوة عليك أن ترضخ وتعيدهم بالتفاوض مع حماس كما فعلت في الهدنة السابقة.
يلخص محلل إسرائيلي أمني بارز التحول النوعي الضاغط لوقف الحرب وانتزاع قرارها من نتانياهو: حماس لن تختفي، ولا حتى في السنة القريبة القادمة، وإطلاق الصواريخ أيضا سيستمر بهذه القوة أو تلك. فلتحرروا المخطوفين على الأقل عن طريق الوسطاء والمفاوضات.
ويقول آخر إن على القيادة السياسية أن تضع مصلحة الشعب اليهودي قبل مصالحها وأن تأخذ فورا قرارات صعبة ومريرة تبدأ بالوقف الفوري للحرب وإعادة أبنائنا الأسرى إلى عائلاتهم حتى لو كان المقابل هو إفراغ السجون من كل الأسرى الفلسطينيين. الشعار المتنامي «أوقف الحرب الآن وأعد الرهائن يا نتانياهو» كان بوسعه تغيير مسار الأزمة ويتجه نحو إنهاء الفصل العسكري فيها كما هو حال الحروب التي تخفق في تحقيق أهدافها السياسية. وعلى عكس ما تروّج النخبة السياسية العربية الموالية لواشنطن من أن الرئيس بايدن يضغط على نتانياهو لوقف الحرب فإن حقيقة الأمر هي أن المصالح السياسية للرئيس الأمريكي جو بايدن ولمؤسسة الأمن القومي الأمريكي قبل مصالح بنيامين نتانياهو هي العقبة الرئيسية التي تمنع وقف الحرب رغم أنها عالقة منذ أشهر.
حسم بايدن الأمر بنفسه أمس الأول عندما قال في محادثة هاتفية مع بنيامين نتانياهو إننا لا نزال ضد وقف الحرب لأنها ستصب في مصلحة حماس. الرئيس بايدن أحد أطول أعضاء الكونجرس الأمريكي ونائب الرئيس أوباما ثم الرئيس الحالي هو ابن قديم وبار للمؤسسة الأمريكية وابن قديم وبار للصهيونية السياسية كما يتفاخر دائما. مؤسسة الأمن القومي الأمريكية ترى أن استمرار المقاومة الفلسطينية في حلف إيران هي العقبة الكؤود أمام مشروعه في التطبيع الإقليمي وإقامة تحالف عربي إسرائيلي ضد طهران ولا بد من محوها حتى يكمل مشروعه، وبالتالي يدفع في اتجاه ضرورة الاستمرار في الحرب على غزة. والصهيونية السياسية تدفع المرشح بايدن، أيضا، لاختيار الانحياز الأعمى لإسرائيل لكي يفوز بدعم اللوبي اليهودي في انتخابات الرئاسة التي تجري نهاية العام الحالي خاصة إذا نازله فيها ترامب صاحب صفقة القرن والذي يتعهد لإسرائيل واللوبي اليهودي بمواقف منحازة أكثر بكثير من مواقف الإدارة الحالية إذا أعطوه أصواتهم وعاد للبيت الأبيض.
صحيح أن نتانياهو يراوغ ويماطل ويمتنع عن الاستجابة لتيار وقف الحرب وإعادة المخطوفين خوفا على مستقبله السياسي الذي سينتهي تماما بعد الحرب لكن هذه الحرب يمكن أن تتوقف الآن لو أن بايدن أمره بصرامة وحزم بوقفها فورا.
حسين عبدالغني إعلامي وكاتب مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذه الحرب وقف الحرب فی الحرب
إقرأ أيضاً:
شالوم حماس.. ماذا تخفي إسرائيل في حربها الجديدة؟
في 5 مارس/ آذار الجاري، وجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذيرًا شديد اللهجة لحركة حماس عبر منصته "تروث سوشال"، مستهلًا رسالته بعبارة "شالوم حماس"، موضحًا أن الكلمة تعني "مرحبًا ووداعًا" في آن واحد. وطالب ترامب حينها الحركة بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن وإعادة جثث القتلى، مهددًا بأن عدم الامتثال سيؤدي إلى "نهايتهم".
كما أشار إلى أن الولايات المتحدة ستقدم لإسرائيل كل ما تحتاجه "لإنهاء المهمة"، محذرًا من أن أي عضو في حماس لن يكون في مأمن إذا لم يتم تنفيذ مطالبه. ودعا ترامب قيادات الحركة إلى مغادرة غزة قبل فوات الأوان، مؤكدًا أن مستقبلًا مشرقًا ينتظر سكان القطاع إذا تم الإفراج عن الرهائن، وإلا فإن العواقب ستكون وخيمة.
ولم تكد يمضي أسبوعان على ذلك التهديد، حتى أمطرت الطائرات الإسرائيلية سماء غزة وأرضها بالقنابل والقهر، وذلك في هدأة السحور الرمضاني، حيث لم تكد غزة بعد قد لملمت جراحها من عدوان ضروس استمر قرابة العام والنصف.
هل تفعلها إسرائيل؟مع كل تصعيد عسكري إسرائيلي ضد غزة، يتكرر التساؤل: هل هذه حرب تكتيكية لإضعاف المقاومة، أم خطوة في مخطط استراتيجي طويل الأمد لتغيير الخريطة السكانية والسياسية في فلسطين؟
هل تفعلها إسرائيل هذه المرة: التهجير؟
يبدو للوهلة الأولى أن التصعيد الإسرائيلي الجديد هدفه إحداث اختراق في ملف الأسرى والعض على أصابع حماس لتحرير الجنود الإسرائيليين ومن معهم من مواطني الرئيس الأميركي ترامب مزدوجي الجنسية.
وفي نطاق أوسع، فإن البعض يرى في هذه الحرب مجرد "ردع"، فيما يعتقد آخرون أنها جزء من خطة أشمل تسعى إسرائيل لتنفيذها منذ عقود، مستفيدة من ضعف النظام الإقليمي وتغير أولويات القوى الكبرى، فهل نحن أمام حرب جديدة أم محاولة لصياغة معادلة مختلفة بالكامل؟
غايات إسرائيل العسكرية والسياسيةتسعى إسرائيل من خلال عملياتها العسكرية في غزة إلى تحقيق مجموعة من الأهداف العسكرية والسياسية، تتراوح بين القضاء على المقاومة الفلسطينية أو إضعافها بشكل كبير، وبين استخدام الحرب كأداة داخلية لتخفيف الضغط عن الحكومة الإسرائيلية. ومنذ بداية العدوان، كرر المسؤولون الإسرائيليون أن الهدف الأساسي هو القضاء على حماس، وهو شعار يتكرر منذ عام 2008، لكنه لم يتحقق فعليًا في أي من الحروب السابقة. وتبدو العمليات الإسرائيلية في هذه الجولة أكثر عنفًا واتساعًا، إلا أن التساؤل يظل قائمًا حول ما إذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لإنهاء المقاومة بالكامل، أم أن التوازنات الدولية تفرض على إسرائيل سقفًا معينًا لحملتها العسكرية، بحيث لا تصل إلى نقطة تؤدي إلى تداعيات دبلوماسية وأمنية غير محسوبة.
إلى جانب ذلك، هناك تزايد في الحديث عن مخطط محتمل لتهجير سكان غزة إلى سيناء أو مناطق أخرى، لكن دون وجود وثائق رسمية تؤكد تبني إسرائيل لهذه الاستراتيجية بشكل معلن. ويرى مؤرخون ومحللون أن التاريخ العسكري الإسرائيلي شهد عمليات تهجير قسرية واسعة النطاق منذ نكبة 1948، كما أن هناك سياسات مستمرة تهدف إلى "التضييق المعيشي" لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة الطوعية، عبر فرض حصار مشدد، وتدمير البنية التحتية، وجعل الحياة في غزة شبه مستحيلة.
إعلانومع ذلك، فإن تنفيذ عملية تهجير قسرية بشكل مباشر قد يؤدي إلى ردود فعل دولية غير محسوبة، خاصة إذا قررت بعض الدول الكبرى التدخل سياسيًا أو فرض عقوبات على إسرائيل. ورغم الضعف العربي الحالي، فإن هناك إدراكًا إسرائيليًا بأن إجبار الفلسطينيين على مغادرة أرضهم بالقوة قد يخلق أزمة دبلوماسية واسعة، قد لا تتحملها تل أبيب في هذه المرحلة.
وعلى الصعيد الداخلي، تواجه حكومة بنيامين نتنياهو واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، حيث تعاني من احتجاجات داخلية حادة، وخلافات بين الأجهزة الأمنية، إضافة إلى الضغوط السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالحرب. في هذا السياق، يستخدم نتنياهو التصعيد العسكري كأداة سياسية داخلية لإعادة توحيد الشارع الإسرائيلي خلف حكومته، وتحويل الاهتمام عن الأزمات الداخلية، خصوصًا في ظل صراعه مع المحكمة العليا وأزمات الفساد التي تحيط بحكومته. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا حول مدى نجاح هذه الاستراتيجية على المدى البعيد، وما إذا كانت ستؤدي بالفعل إلى تعزيز موقفه السياسي، أم أن التكاليف العسكرية والسياسية ستتجاوز الفوائد المتوقعة، مما قد يؤدي إلى تآكل دعم الشارع الإسرائيلي له بدلًا من تحقيق أهدافه السياسية.
تلعب البيئة الإقليمية والدولية دورًا حاسمًا في تحديد مسار الحرب الدائرة في غزة، حيث تعكس المواقف العربية والدولية توازنات القوى والمصالح المتشابكة في المنطقة. وفي العالم العربي، تواجه الأنظمة معضلة مزدوجة؛ فمن جهة، لا تستطيع تحمل عبء مواجهة إسرائيل سياسيًا أو عسكريًا في ظل الأوضاع الداخلية الهشة والانقسامات الإقليمية، ومن جهة أخرى، فإن أي قبول ضمني لمخطط التهجير القسري للفلسطينيين قد يتحول إلى كارثة سياسية، قد تهدد شرعية هذه الأنظمة أمام شعوبها. وبينما تبنت الدول الأكثر ارتباطًا بالقضية الفلسطينية، مثل مصر، الأردن، مواقف رافضة لسيناريو التهجير، فإن هذه المواقف لا تزال تندرج في الإطار اللفظي دون امتلاك أدوات فاعلة أو قرارات حاسمة لوقفه إن حدث.
إعلانعلى الجانب الأوروبي، تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية نتيجة لانشغال القارة بالصراع الأوكراني، الذي بات أولوية السياسة الخارجية والدفاعية للدول الغربية. وقد أدى ذلك إلى فتور واضح في مواقف العواصم الأوروبية تجاه التصعيد الإسرائيلي في غزة، حيث تظهر ازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمات العالمية؛ ففي حين يتم دعم أوكرانيا ضد روسيا تحت شعار "الحق في الدفاع عن النفس"، يتم في الوقت ذاته تبرير الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين تحت الذريعة ذاتها. ورغم ذلك، بدأت بعض الدول الأوروبية، مثل إسبانيا وأيرلندا، في انتقاد السياسات الإسرائيلية بشكل أكثر صراحة، إلا أن هذه التحركات لم تصل بعد إلى مستوى التأثير الحقيقي على مجريات الصراع أو السياسات الإسرائيلية.
أما الولايات المتحدة، فتواصل دعمها التقليدي لإسرائيل، لكنها في الوقت ذاته تتعامل مع الحرب بحسابات استراتيجية دقيقة. فالتصريحات الأميركية تؤكد أن واشنطن لا تزال الراعي الأكبر لتل أبيب، لكن دون منحها تفويضًا مفتوحًا، إذ لا تريد الإدارة الأميركية أن تتحول الحرب في غزة إلى أزمة إقليمية كبرى قد تستنزف نفوذها في الشرق الأوسط. ومع تصاعد عمليات المقاومة في البحر الأحمر، يبدو أن توقيت التصعيد الإسرائيلي قد يكون جزءًا من مخطط أوسع لإبقاء إسرائيل قوة رادعة أمام القوى المناوئة للولايات المتحدة في المنطقة، مما يرسّخ التحالف الأمني الأمريكي-الإسرائيلي في ظل إعادة تشكيل موازين القوى الإقليمية.
مستقبل الحرب.. إلى أين تتجه الأمور؟مع استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة، يظل التساؤل قائمًا حول مدى إمكانية تحقيق "الحسم "في هذه الحرب. ومنذ عام 2008، أثبتت التجربة العسكرية الإسرائيلية أن الحروب المتكررة على غزة لا تؤدي إلى حسم نهائي، وإنما تعيد تشكيل ميزان القوة مؤقتًا، دون القضاء الكامل على المقاومة. حتى في حال إضعاف القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية، فإن البنية التحتية للمقاومة لطالما أظهرت قدرة على إعادة بناء نفسها خلال فترة قصيرة، كما حدث في جولات الصراع السابقة. وبالتالي، فإن أي انتصار إسرائيلي سيكون محدودًا زمنيًا، وقد لا يغير المعادلة الاستراتيجية على المدى البعيد.
إعلانأما فيما يخص سيناريو التهجير القسري، فبالرغم من وجود مؤشرات على محاولات إسرائيلية لدفع سكان غزة إلى الخروج، فإن تطبيق هذا السيناريو بشكل واسع النطاق يواجه تحديات ضخمة. وعلى المستوى السياسي، سيؤدي التهجير إلى تفجر أزمة دبلوماسية دولية غير مسبوقة، خاصة إذا رُفض استقبال اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة، مما قد يزيد الضغط الدولي على إسرائيل. أما على المستوى اللوجستي، فإن تهجير أكثر من مليوني فلسطيني يحتاج إلى بنية تحتية وموافقات دولية معقدة، وهو أمر غير متاح بسهولة. لذلك، قد تبقى فكرة التهجير مجرد أداة ضغط نفسي وسياسي أكثر من كونها خطة قابلة للتنفيذ في الواقع القريب. ولعل أكثر الجهات التي ستتحمل الضغوطات هي الدول العربية التي ستدقع فاتورة إعادة إعمار غزة، وذلك على طريقة ترامب في الصدمة والترويع حيث يرفع سقف المطالب في التفاوض ليحصل أقصى ما يستطيع من المنافع.
من جهة أخرى، ورغم التكاليف البشرية الهائلة، فإن المقاومة الفلسطينية أثبتت قدرتها على الصمود والاستمرار، مما يجعل من الصعب على إسرائيل تحقيق أهدافها بالكامل. وإذا فشلت إسرائيل في تحقيق "نصر استراتيجي"، فقد تتحول هذه الحرب إلى عامل تحفيزي لمزيد من التجنيد في صفوف المقاومة، بدلاً من إضعافها. في هذه الحالة، لن يكون الحسم العسكري سوى وهم قصير الأمد، وستظل غزة تمثل تحديًا استراتيجيًا دائمًا للحسابات الإسرائيلية، بغض النظر عن شدة القصف أو اتساع العمليات العسكرية.
بين الواقع والتوقعاتمع استمرار العدوان على غزة، يظل الغموض محيطا بمصير هذه الحرب، إذ لا يبدو أن هناك سيناريو واضحًا للحسم، سواء عسكريًا أو سياسيًا، لصالح أي من الأطراف. رغم القوة التدميرية الهائلة التي تستخدمها إسرائيل، إلا أن القضاء التام على المقاومة الفلسطينية لا يبدو احتمالًا واقعيًا، في ظل قدرتها المتكررة على إعادة بناء نفسها وإعادة التكيف مع الظروف المتغيرة.
إعلانأما سيناريو التهجير، ورغم أنه يبقى احتمالًا قائمًا في الخطاب السياسي الإسرائيلي، إلا أنه لا يزال غير محسوم، نظرًا للتعقيدات اللوجستية والسياسية التي تعترض تنفيذه. التحدي الأساسي يكمن في أن أي محاولة لترحيل سكان غزة قسرًا قد تؤدي إلى أزمة دبلوماسية كبرى، مما يجعل إسرائيل أكثر حرصًا على تحقيق "التهجير الطوعي" عبر التضييق الاقتصادي والمعيشي، بدلًا من اللجوء إلى ترحيل مباشر قد يشعل ردود فعل غير محسوبة إقليميًا ودوليًا.
في المقابل، لا تزال الدول الكبرى تستخدم الصراع لخدمة أجنداتها الأوسع، حيث تتعامل معه كأداة ضغط أو مساومة ضمن سياسات إقليمية ودولية أكثر تعقيدًا. وبينما تتغير الحسابات السياسية والعسكرية، تبقى غزة هي الضحية الرئيسية لهذه التوازنات الدولية، حيث يدفع المدنيون الفلسطينيون الثمن الأكبر لهذا التصعيد المستمر.
جاءت الجولة الجديدة من العدوان بتهديد ووعيد من ترامب حين تحدث بلسان عبري وقال "شالوم حماس". وإن دخول سيد البيت الأبيض في تفاصيل تكتيكات الحرب النفسية والإعلامية يجعل السيناريوهات المستقبلية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.