لجريدة عمان:
2024-10-02@01:15:56 GMT

معادلة النصر والحرية في غزة

تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT

أكتب هذا المقال في خضّم تشابك الأحداث في غزة وتعقّدها، ويمكن أن يعدّ كثيرون هذا المقال بأنه يطرق باب السياسة وقضاياها المعقدة، إلا أنني أولا لا أدّعي وصلا -كبيرا- بالسياسة وتحليلاتها الشائكة، وثانيا لا أجد أن قضية غزة والكتابة عنها تتطلب مني أن أكون متخصصا في الشأن السياسي أكثر من تطلّبها أن أكون ذا ضميرٍ حيٍ يملك المشاعرَ الإنسانية اتجاه قضايا أمته التي يَألم لألمها ويحس بأوجاعها؛ فهذا حق أيّ كاتب وأديب وشاعر ومشتغل في الحقل العلمي والثقافي أن يكون له رأيٌ في قضايا الإنسانية بشكل عام وقضايا أمته بشكل خاص، وأن يسهم بما يجود به قلمه وفكره.

تجاوز العدوان على غزة أيامه المائة منذ أن بدأ، ونرى -بكل أسى- معاناة شعب غزة والظلم الذي يقع عليهم من الكيان الصهيوني الذي جاهر بجرائمه وأكّد عليها قولا وعملا أمام مَرْأى العالم ومسمعه؛ مسجلا بذلك إحدى أعظم جرائم الإبادة الجماعية التي عرفها التاريخ، وأمام كل هذا الظلم الذي يصيب أهل غزة مع تكالب حكومات الغرب المساندة لهذا الكيان الذي يصحبه ضعف الموقف العربي وتضعضعه تتشكّل لنا -في خضّم هذه المِحن- ما يمكن أن أطلق عليها «معادلة النصر والحرية» الخاصة بغزة وحدها دون أحد غيرها؛ إذ تتفرد غزة بمعادلة لا يمكن أن نفهمها بمفاهيم الرياضيات وقوانين الفيزياء، ولا يمكن للجيوش العسكرية وكلياتها إدراك هذه المعادلة وفكّ شفراتها لتحولها إلى نظريات قابلة للتطبيق.

تتفاعل معادلة النصر والحرية في غزة وفقا لعدة محاور أهمها الإيمان -الذي تمكّن في قلوب رجال المقاومة وأهل غزة عامة- الذي يجسّد معنى الكرامة والحرية والشهادة والصبر؛ فكل شيء دون هذه المعاني الإيمانية يهون تضحيةً لمحور الإيمان ومعانيه؛ فنجد المقاوم الفلسطيني يحملُ عقيدةً صُلبة تتجاوز كل مراتب الحياة وزخارفها يترجمها الواقع في نصرٍ أو استشهاد، ويحمل عامّة الشعب في غزة هذه المعاني دون أن تتزعزع مواقفهم رغم الألم والمحن، ولا يمكن أن يُفقه هذا المبدأ الإيماني دون وجود التربية الروحية التي تصقل النفس وتبارك عزيمتها، ولنقترب من محور آخر لهذه المعادلة هو انتفاض شعوب العالم الحرّ -بكل أعراقها وأديانها- ومساندتهم لغزة وشعبها واستنكارهم للظلم الذي يحلّ عليهم، وهذه سابقةٌ لم نرَ لها مثيلا من قبل من حيثُ اليقظةُ الإنسانية التي تحولت إلى أداة ضغط تُرجم بعضها لتكون وسيلةً للضغط على القرارات الحكومية، وفي حالات نادرة تُحيلَ المؤيدَ منها للكيان الصهيوني إلى ناقدٍ لهذا الكيان ومستنكرٍ لجرائمه -ولو على حياء بغطاء سياسي مدروس يُراد به إخمادُ نارِ الشعوب الغاضبة- أو على الأقل ناء بنفسه عن المشهد -وإن كان ظاهره يخفي باطنه المتمسك بدعم الظلم، ولكن انتفاض شعوبه قاده ليُظهرَ وجها آخر-، وتُرجم أيضا إلى أسلوب ضغط على الشركات التجارية الداعمة للكيان عبر سياسة المقاطعة التي لم يسبقْ أن يصل تأثيرها كما وصل الآن، ومن محاور هذه المعادلة كشف زيف حكومات الغرب وبيان نفاقهم الذي خيّب آمال شعوبهم قبل شعوب العالم التي ذاقت من ويلات هذه الدول الغربية المرارة والظلم في شكل استعمار أو حروب أو تدخلات سافرة في شؤونهم الداخلية لا تفضي إلا إلى الخراب ونهب الثروات، ولا عجب -حينها- أن نجدَ دولةً مثل جنوب أفريقيا -التي سبق أن عانت ويلات الفصل العنصري والظلم- أن تتحرك مُصّوبةً مدافعها القانونية ضد هذا الكيان الصهيوني عبر محكمة العدل الدولية.

أمام هذه المحاور -المذكورة آنفا- التي حددت عناصر هذه المعادلة التي جعلت من غزة أيقونة للنصر والحرية في العالم أجمع لا نحتاج إلى كلفة في التحليل السياسي والعسكري لنستنتج من سينتصر ومن سيخسر؛ فالنصر لا يقاس بالدماء قدر ما يقاس بنيل الحرية والكرامة الذي يعكسه الصمود على الأرض رغم الدماء التي تراق، وهذا الصمود -مع تكلفته الباهظة والمؤلمة- يغيض الظالم -الكيان الصهيوني- الذي لم يعدْ يُجيد إخفاء جرائمه التي لم تطلْ سوى العُزّلِ من عامة الناس في حين أنه فشل في تحقيق هدف عسكري واحد، ولم يعدْ يجد ما يقدّمُهُ لشعبه المخدوع سوى أكاذيب واهية باتت أضحوكة إعلامه الداخلي قبل الإعلام الخارجي في العالم؛ فولّد ذلك الانقسامَ داخل مؤسساته العسكرية والحكومية والمجتمعية؛ ليصبح هشا من الداخل وأوهن من بيت العنكبوت، أوما يكفيه ما يعانيه من خسائر اقتصادية ومالية لم يسبق أن عاش مرارتها؟ أوما يكفيه أن المقاومة تُذِيقُهُ كل يوم -على الميدان عبر قتل جنوده وتدمير آلياته- ما يؤلمه ويحاول كبته دون جدوى؟ أوما يكفيه سقوط قناعه أمام العالم؛ فتضاعف عدد كارهيه؛ فأضحى الغالبية يرونه سفاحا يهدد حياة الإنسان وحضارته؟ يتضح من كل هذه الشواهد والمشاهدات أننا أمام مرحلة جديدة أعطت لـ«معادلة النصر والحرية» واقعيتها المعقولة؛ فتُمكّننا أن نعاينَ نصرا قريبا يلوح في الأفق مُؤذِنا بسقوط مدوٍ للظلم والظالمين ويمنح الحرية المسلوبة لفلسطين أجمعها؛ فتقدّم غزة هذه التضحية التي تتطلبها معادلة النصر والحرية بكل جدارة؛ لتكون غزة عنوانها في القرن الواحد والعشرين.

أكرر مجددا أن هذا المقال لا يحاول أن يتجسّدَ الدور السياسي عبر التحليل المُفضِي إلى خبرٍ يحتمل الخطأ والصواب أو إلى إنشاءٍ يُدغدغ عقولَ الساسة والعامّة، ولكنه مقال يحمل آمال كاتبه وتفاؤله عبر شواهد تُؤسّس لما أُطلقُ عليه «معادلة النصر والحرية»، ولا يمكن أن أرى بعين ذاتية مجرّدة من الواقع الملموس؛ فالرؤية تنبثق من مفردات وأفعال موضوعية مثل التي ذكرتها في الفِقرات السابقة، ولا يمكن أن أهمل الدور المشرّف لبعض الدول تجاه هذه القضية مثل جنوب أفريقيا، وكذلك الدور العُماني -الذي يمثلني ويمثّل كل عُماني- المتمثل في مواقف الجانب الحكومي لسلطنة عُمان وتفاعل الشعب العُماني تجاه القضية الفلسطينية عموما وقضية حرب غزة حاليا الذي يعكس تجربةً -سجّلها التاريخ وأوثق رباطَ شواهدها- في النضال وعدم التضعضع لأيّ معتد وظالم؛ لتُسجّل سلطنة عُمان -حكومة وشعبا- مواقفها الثابتة لقضايا الإنسانية عموما وقضايا الأمة خصوصا. تبقى هذه المعادلة فعّالة لدى جميع الشعوب الحرّة صاحبة الحق المتمسكة بعناصر المعادلة وأهمها الإيمان ومعانيه التطبيقية، ولا أجد -في عصرنا- أقدر من غزة وأهلها في تحقيق هذه المعادلة رغم كل التحديات المؤلمة.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه المعادلة لا یمکن أن ولا یمکن ع مانی فی غزة

إقرأ أيضاً:

توكل كرمان من لاهاي أمام تجمع عالمي: العالم يواجه الآن خطراً خطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية

قالت الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان إن العالم يواجه الآن خطراً جديداً وخطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية، التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية، مما يؤثر على المجتمعات على مستوى العالم.

جاء في كلمة لها عن السلام والعدالة خلال تجمع عالمي بعنوان "ما بعد 125 عامًا: تأمين مستقبل عالمنا الرقمي"، في قصر السلام بمدينة لاهاي في هولندا، نظمته مدينة لاهاي ومعهد السلام السيبراني" (CyberPeace) والتحالف السيبراني العالمي.

وأضافت توكل كرمان: يشكل ارتفاع الهجمات السيبرانية خطراً كبيراً، وبعد 125 عاماً، يتعين علينا أن نواجه هذا العصر الجديد من الصراع.

وتابعت كرمان: إن الحرب السيبرانية لا يرتكبها القراصنة أو المنظمات الإجرامية فحسب؛ بل أعتقد أنه تنفذها الحكومات أيضًا. ونحن بحاجة إلى معالجة هذه التحديات بشكل جماعي وإيجاد طرق لحماية مجتمعاتنا من هذا التهديد المتطور.

وأوضحت كرمان أن أحد العوامل الرئيسية التي تدفع إلى ارتكاب الجرائم والهجمات السيبرانية هو إساءة استخدام التكنولوجيا من قبل الحكومات كجزء من سياساتها الحربية أو ضد شعوبها.

وقالت كرمان: أستطيع أن أتحدث من تجربتي الشخصية؛ فقد كنت ضحية لهجوم سيبراني حكومي في ظل دكتاتورية عبد الله صالح.

وأشارت كرمان إلى أنه غالبًا ما يستخدم الدكتاتوريون أدوات الإنترنت للتجسس على مواطنيهم، وانتهاك خصوصيتهم، وقمع المعارضة، لافتة إلى أنها واجهت مثل هذه الهجمات، وواجهها العديد من الآخرين أيضًا.

وأفادت كرمان: على سبيل المثال، نفذت سلطات الإمارات العربية المتحدة برامج مراقبة تستهدف الأفراد، بما في ذلك الناشطون والمعارضون.

وقالت كرمان: لقد تصاعد استغلال الفضاء الإلكتروني، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الافتقار إلى المساءلة والخبرة المستخدمة لإيذاء الأبرياء. وقد حدث موقف مماثل مع صديقي جمال خاشقجي، الذي استُهدف أيضًا بهذه الطريقة، مشددة على ضرورة الحاجة إلى معالجة هذه القضايا ومحاسبة المسؤولين عنها.

واعتبرت كرمان أن المشكلة الرئيسية في استخدام هجمات الجرائم الإلكترونية ضد دول أخرى هي أنه لا يوجد إعلان رسمي للحرب، وهذا يؤثر على العديد من الناس، مضيفة: كنت أحد ضحايا هجوم إلكتروني حكومي. لقد استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لمهاجمتي وتقويض خصوصيتي. كنت أحد الضحايا في ذلك الوقت.

وبيّنت كرمان أن الحكومات الأجنبية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لديها خبرة في هذه التكتيكات الإلكترونية، مستدركة بالقول: هذه الخبرة لا تُستخدم لحماية الناس ولكن للدفاع عن النظام. نفس الشيء حدث لصديقي.

وأكدت كرمان أن الأمر لا يتعلق بمنع البلدان من استخدام هذا النوع من الحرب؛ إنه يتعلق بالاعتراف بأننا لا نريد الحرب على الإطلاق. أنا شخص يحب العالم أجمع ويؤمن بالوحدة.

وشددت كرمان على أن الحل لا يتعلق فقط باللوائح؛ بل يتضمن أيضًا ضمان احترام حقوق الأفراد. لا ينبغي فرض شروط على حقوق الأفراد في التعبير. هذا أمر بالغ الأهمية، وخاصة في مشهد الأمن السيبراني اليوم، حيث قد تستخدم الحكومات الاحتجاجات لتقويض الحقوق الخاصة. إننا بحاجة إلى التركيز على حماية هذه الحقوق مع تعزيز نهج أكثر شمولاً وسلمية.

وقالت توكل كرمان: يمكن اعتبار معاهدة الجرائم الإلكترونية بمثابة سيف ذو حدين. فمن ناحية، قد تنتهك الحقوق الحصرية والابتكارات؛ ومن ناحية أخرى، تقدم فرصة للتغيير الإيجابي. ونحن بحاجة إلى التركيز على استخدام التكنولوجيا ليس فقط كتهديد، بل كوسيلة لتعزيز السلام.

وأعربت كرمان عن اعتقادها بأن المستقبل يمكن أن يكون مشرقًا، وخاصة مع الأفراد المخلصين الذين يتحملون مسؤولية خلق عالم أفضل. يجب ألا نغفل عن وطننا وقيمنا وقيادتنا. من الأهمية بمكان تعزيز التعاون وضمان خدمة بعضنا البعض بمسؤولية.

وتابعت كرمان: تقع علينا مسؤولية كبيرة لوقف الحروب وتعزيز السلام في عالم يتأثر بشكل متزايد بقضايا الإنترنت. يجب أن تكون حماية الخصوصية ومنع الصراع في طليعة جهودنا. ومع ذلك، فإن معالجة هذه التحديات من خلال المعاهدات والإجراءات الصحيحة هي قضية معقدة نواجهها جميعًا معًا.

وشددت كرمان على الحاجة إلى إصلاحات جوهرية توضح من هو المسؤول عن خدمة الصالح العام. وهذا أمر ضروري لتقدمنا الجماعي. وبالإضافة إلى ذلك، تقع علينا مسؤوليات كبيرة، وخاصة في منع الصراعات. ولا ينبغي النظر إلى وقف الحروب باعتباره عملاً تقليدياً فحسب؛ بل يتطلب الأمر اتباع نهج مبتكر لحماية الخصوصية ومعالجة التهديدات السيبرانية مع السعي أيضاً إلى منع الصراعات في المستقبل.

وقالت كرمان إن مجلس الأمن نفسه يتطلب الإصلاح من أجل حماية الناس بشكل أفضل من أشكال مختلفة من انعدام الأمن. وفي الوقت الحالي، غالباً ما يخدم مجلس الأمن مصالح خمس دول أعضاء فقط، وهو ما يحد من فعاليته. ونحن بحاجة إلى تمكين المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من منظمات العدالة التي تعمل من أجل السلام والعدالة، وضمان حصولها على السلطة اللازمة للتصرف دون تدخل من الدول القوية.

وأكدت كرمان وجوب أن تكون هذه المنظمات مجهزة بالكامل للعمل بشكل مستقل، مما يسمح لها بعبور أي حواجز في مهمتها دون الحاجة إلى إذن من سلطات خارجية. إن معالجة هذه الإصلاحات تشكل تحدياً كبيراً يتعين علينا جميعاً مواجهته معاً

 

مقالات مشابهة

  • توكل كرمان من لاهاي أمام تجمع عالمي: العالم يواجه الآن خطراً خطيراً يتمثل في الحرب السيبرانية التي قد تؤدي إلى تقويض الأمن والخصوصية
  • بيان جديد بشأن مراكز الايواء التي يمكن أن تستقبل النازحين
  • السفير حسام زكي: غزة واجهت كارثة ستظل وصمة عار على جبين العالم الذي وقف عاجزاً أمامها
  • أغلى أنواع الأرز في العالم.. أسراره وفوائده التي ستدهشك!
  • من واشنطن.. بوريطة يبرز أن دحر الإرهاب في العالم يمر حتما عبر تحقيق النصر في إفريقيا
  • الوزير صباغ: لا يمكن فصل جرائم سلطات الاحتلال الإسرائيلي وعدوانها المستمر على سورية عن الدور التخريبي الذي انتهجته بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث واصلت تلك الدول انتهاك سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها عبر استمرار وجود قوات
  • هل تتغير معادلة حزب الله وميليشيات إيران في سوريا؟
  • نائب يلمح الى اسم خليفة نصر الله.. المعادلة ستتغير بعد الهجوم البري
  • ‎موعد إعلان نتيجة المعادلة كلية هندسة 2024 لطلاب الشهادات الفنية
  • فيفا يكشف عن ملاعب كأس العالم للأندية 2025 التي ستقام في أمريكا