لجريدة عمان:
2025-04-27@02:48:55 GMT

اتجاهات النموذج التنموي العُماني

تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT

بحلول الذكرى الرابعة لتولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - أيدهُ الله - مقاليد الحكم في البلاد، والسنة الثالثة لشروع العمل بتطبيق مسارات الرؤية الوطنية (عُمان 2040)؛ يمكن القول إن هذه اللحظة التاريخية مهمة للتفكير والتأمل فيما تحقق من منجز تنموي خلال السنوات الفائتة؛ ليس فقط على مستوى أداء الاقتصاد وديمومته (كعنصر أساس لقراءة أي نموذج تنموي)، وإنما على مستوى أبعاد متعددة، منها: مستجدات العلاقة بين الدولة والمجتمع، ومسارات تطوير آليات العمل الحكومي، وممارسات التنموية النوعية قطاعيًا وجغرافيًا، وآليات تعزيز التنافسية الوطنية والعالمية، وانعكاسات البرامج والمشروعات التنموية على مستوى نوعية وجودة ورفاه الحياة الاجتماعية.

كل هذه الأبعاد في تقديرنا مهمة لتشخيص المنجز التنموي. ويمكن القول إن السنوات المنقضية كانت مختبرًا موسعًا لكشف التحديات التي تواجه أداء المالية العامة، والبرامج الاقتصادية، بالإضافة إلى نسق إدارة المواد العامة. وقد استطاعت الدولة عبر ما يتوفر من مؤشرات تصاعدية من إرساء منظومة واضحة للإصلاح المالي، واتخذت بعض السياسات الأولية المعينة على حفز أداء الاقتصاد، وتنشيط القطاعات العاملة فيه. إلا أن ما يلفت في المنجز المتحقق؛ هو الاتجاه الواضح لعمل الدولة من فكرة (التنمية الشمولية) إلى فكرة (التنمية النوعية) وعلامات ذلك تتركز في عدة عناصر:

-التركيز على القطاعات النوعية القاطرة للتنمية، وإيجاد محور للتنمية الاقتصادية يقوم على تلك القطاعات: ومن دلالات ذلك توجيه الاستثمار الاقتصادي نحو الطاقة المتجددة بمختلف مشروعاتها وبرامجها.

-التركيز على الاستفادة من البنى الأساسية المتحققة، والتركيز على القيمة الاقتصادية القصوى لها: ولعل من أهم دلالات ذلك التركيز السياسي والاقتصادي على البنى الأساسية لمحافظة مسندم، وتطويرها، واستكمال دورتها الاقتصادية تماشيا مع المخطط لها في الاستراتيجية الوطنية للتنمية العُمرانية.

-ربط العملية الاقتصادية ببرامج واضحة للعمل الاجتماعية تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية: وأهم ما يدلل على ذلك وجود نظام شمولي للحماية الاجتماعية، يشتمل الفئات الأكثر احتياجًا ويطور مساراته المستقبلية لمواجهة المخاطر الاجتماعية.

ويتأتى السؤال هنا: ما هي المسارات المطلوبة راهنًا لهذا النموذج التنموي، أو ما هي المرحلة التالية التي يمكن أن يركز عليها عمل آليات الدولة لاستدامة هذا النموذج وتعزيزه؟ وهنا يمكن الإجابة على هذا السؤال من خلال ما تضعه بعض تقارير المراكز والمؤسسات المتخصصة بشأن استشراف المستقبل. في الواقع وقبل الحديث عن التوقعات، لابد من التنبيه إلى نقطة مهمة، وهي أن عملية الاستشراف تأثرت بشكل منهجي وموضوعي بتداعيات جائحة كورونا (كوفيد 19)، فما كان يرصد ويتم التنبؤ به من مسار للمجتمعات والحكومات والعالم - ونحن في خضم الجائحة - بات اليوم يتراجع نسبيًا. وتعود بعض التحليلات إلى شق أكثر موضوعية في شأن نظرتها لمسار الحركة العالمية. إلا أن هناك سبعة متغيرات أساسية تجمع عليها أغلب التقارير في شأن طبيعة العالم بين الفترة (2024 - 2030) وهي: (القلق من الاضطرابات في التركيبات السكانية - تراجع الأسرة - إضراب هياكل العولمة وآلياتها - سلطة المناخ وإعادة التفكير في الاقتصاد الأخضر - اضطراب علاقة الدول بالمجتمعات - إعادة هيكلة سلوك الاقتصاد والمجتمع نحو مسارات الاستدامة وضبط التحضر - امتداد الاضطرابات السياسية نحو تأثيرات واسعة على بنى المجتمعات). يكاد لا يخلو أي تقرير من الإشارة إلى هذه العناصر - بعضها أو مجتمعة - وهي تُعرف بالمتغيرات الكبرى Major changes التي تشترك في القلق العالمي. لكن هناك متغيرات دقيقة وجب التنبه لها كونها تعمل على إحداث نقلات شمولية العالم، فإذا ما أخذنا على سبيل المثال متغير أنه في عام 2030 من المتوقع أن يكون 12% من سكان العالم في النطاق العمري أكبر من 65 عاماً، مقارنة بنحو 8% اليوم فإن ذلك يعني تأثر الاقتصاد بتقلص قوى العمل - الحاجة إلى أنماط جديدة من طب الشيخوخة - تقييم منظومة الاستثمار في الشيخوخة النشطة - تنشيط الاقتصادات الفضية - التعرف على القوى التكنولوجية الصديقة للشيخوخة - مراجعة أنظمة الحماية الاجتماعية لتتسق مع هذا التحول الديموغرافي.

ما يقود العصر الجديد حسب بعض التوقعات أيضًا هو انعدام الثقة في آلية المؤسسات الدولية، وتقلص الثقة في آليات التعاون الدولي – حسب تقرير Atlantic Council – وهو ما يعني صعودًا للتكتلات الجديدة، وبناء أنظمة جديدة للتعاون المجزأ، وصعود قواطر عالمية جديدة للتعاون في شكل دول أو مؤسسات أو هيئات ومبادرات. تتأتى التوقعات والتنبؤات الأخرى نحو زيادة الجدل بشأن تأثيرات الذكاء الاصطناعي والتفاوتات التي سيولدها استثماره في آليات عمل الحكومات، حتى اللحظة لا يوجد يقين عالمي واضح بشأن ميثاق عالمي للتواكب مع استخدام الذكاء الاصطناعي. تتوقع التقارير كذلك أن التأثير الأكبر لموجات التغير المناخي وللصراعات سيكون في انعدام الأمن الغذائي عن قطاعات واسعة من السكان في العالم وهو ما يستدعي عملًا عالميًا موحدًا للحد من هذا التدهور المتوقع.

إذن ماذا عن المستوى المحلي، في الواقع هناك ثلاثة محكات أساسية ينبغي التسريع في العمل عليها لاكتساب مرونة أكبر للانخراط في هذا العالم المتقلب، أولها التسريع في استصدار السياسة السكانية، وربطها مباشرة بالبرامج الاقتصادية والعُمرانية. هذه السياسة في تقديرنا هي محدد محوري ليس فقط لفهم محكات النمو السكاني واتجاهاته وضبط التعامل معه، بل لفهم الكتلة السكانية ككل ككتلة اقتصادية ومعرفية ومهارية وصحية وسياسية ومجتمعية. أما المحك الآخر فهو الانخراط الفاعل في تكوين الشبكات الدولية عبر قيادة المبادرات المحورية للمجالات التي تتميز فيها سلطنة عُمان، وتعتبر من خلالها كميزة عالمية تنافسية، سواء كان في المجالات الثقافية أو الاقتصادية أو غيرها من المجالات. إن قيادة مثل هذه المبادرات يعني انخراطًا نوعيًا في العمل الدولي، واستثمارًا أمثل في المقوم المحلي، وتجسيرا للتعاون والتفاهمات الدولية وتسويقًا وإقناعًا بالمواقف العُمانية. المحك الثالث هنا يكمن في دمج أكبر للمواطنين في صنع القرار الحكومي، وهنا لا نتحدث عن مجرد إشراك المواطنين في الإعلام بالقرار الحكومي، أو مجرد الاستماع للمطالبات بالخدمات العامة، وإنما إيجاد آلية حكومية أكثر ديمومة ومنهجية تربط المؤسسات العامة بالأفراد في صنع أجندة التنمية في مراحلها الأولى، وتوسيع نطاق المشاركة، والخروج من النخبوية والتكنوقراط إلى ملامسة النطاق الأوسع للمجتمع، وهو ما سيعزز دون شك الاتصال والثقة المباشرة بين الدولة والمجتمع.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية في سلطنة عمان

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«المشاط»: معدلات التشغيل وتنمية مهارات الشباب أحد أكبر التحديات التي تواجه قارة أفريقيا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ألقت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ومحافظ مصر لدى مجموعة البنك الدولي؛ كلمة محافظي مجموعة الدول الأفريقية لدى البنك، وذلك خلال اجتماع المجموعة مع أجاي بانجا، رئيس مجموعة البنك الدولي. جاء ذلك خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي والمنعقدة بواشنطن حتى 26 أبريل الجاري. 


التحديات التي تواجه أفريقيا

وفي كلمتها، أشارت الدكتورة رانيا المشاط إلى أحد أكبر التحديات التي تواجه أفريقيا، وهي ضرورة ضمان وجود مسارات رئيسية لخلق فرص العمل وتجهيز القوى العاملة بالمهارات اللازمة التي تتطلبها السوق، لافتة إلى أن نحو ثلث الأفراد في سن العمل الذين لا يمتلكون وظائف يعيشون في أفريقيا.

وقالت «المشاط»، إنه بالرغم من الجهود التي تقوم بها مجموعة البنك الدولي لخلق فرص عمل، إلا أننا بحاجة لحجم أكبر من تلك الوظائف بما يتناسب مع التحديات الحالية، ولذلك، نحث مجموعة البنك الدولي على تعزيز أجندة الوظائف والتحول الاقتصادي من خلال بعض المسارات الحيوية، ومنها تمويل البنية التحتية المادية والرقمية، من خلال تقديم مجموعة البنك دعم إضافي في بناء وتجديد وتوسيع وتحديث السكك الحديدية، والطرق، والجسور، والموانئ والمطارات، وأنظمة إمداد المياه، ومعالجة مياه الصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، أنظمة الري وغيرها من البنى التحتية في مجال التكنولوجيا الزراعية، وشبكات الاتصالات الرقمية وخدمات الإنترنت، المنصات، الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا، ومراكز الابتكار التي ستفتح الفرص في قطاعات التكنولوجيا والخدمات.

أهمية تمويل التصنيع المحلي

كما أشارت "المشاط" إلى أهمية تمويل التصنيع المحلي، مطالبة كذلك بدعم مجموعة البنك الدولي لتطوير مناطق اقتصادية وتجارية وصناعية، وتعزيز الصناعات المحلية مثل المنسوجات، والإلكترونيات، والكيماويات، وكذلك المصانع الخاصة بمكونات الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية، والتوربينات الهوائية والمائية، وأنظمة القياس.

وأكدت أن تعزيز الصناعات ذات القيمة المضافة تمثل كذلك فرصة رئيسية، فمن الممكن أن يقوم البنك أيضًا بدعم تلك الأنشطة، خاصة في القطاعات الاستخراجية، الزراعية، والطاقة لمعالجة المواد الخام محلياً للحفاظ على القيمة المحلية؛ وكذلك في مجالات السياحة البيئية وإدارة النفايات لتوليد فرص العمل مع الحفاظ على الأهداف البيئية، هذا فضلًا عن أهمية تمكين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومبادرات ريادة الأعمال في أفريقيا، والتي يمكن دعمها من خلال الدعم المالي، والائتمان الميسر، والمصادر التمويلية البديلة (مثل رأس المال الاستثماري) التي يمكن أن تساعد الشركات على توسيع فرص العمل، وتمكين رواد الأعمال الأفارقة الشباب من الحصول على الأدوات اللازمة لبدء وتطوير أعمالهم الخاصة.

تقرير "مستقبل الوظائف 2025"

وحول تقرير "مستقبل الوظائف 2025" الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يسلط الضوء على التركيز المشترك على المهارات المعتمدة على التكنولوجيا والقدرات البشرية؛ قالت "المشاط" إنه من المهم أن تكون تدخلات مجموعة البنك الدولي في مجال رأس المال البشري متعددة القطاعات وفعالة في الاستفادة من نهج التعاون المتكامل داخل مجموعة البنك الدولي، من خلال تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، موضحةً أنه بالنظر إلى أن خلق فرص العمل يتطلب قوة عاملة ماهرة، لذا من الضروري أن تقوم مجموعة البنك بتمويل برامج التدريب المهني والإرشاد لتمكين الأفراد والمجتمعات من تلبية احتياجات الصناعة، مما سيحول الوظائف غير الرسمية إلى رسمية، ويعزز الديناميكية الاقتصادية.

وأوضحت "المشاط"، أنه من الضروري معالجة الحاجة إلى جمع وتحليل بيانات دقيقة وقوية لدعم اتخاذ القرارات السياسية والتنموية، مطالبة مجموعة البنك الدولي بتسريع تنفيذ وتقديم البيانات والتحليلات الجديدة ضمن "جدول أعمال المعرفة" لمواكبة التطورات الاقتصادية وتحقيق أهداف التنمية. ولفتت إلى أنه استنادًا إلى تحليل مجموعة البنك الدولي نفسه، يجب أن نأخذ في الاعتبار نتائج تقرير التنمية العالمية لعام 2023 حول "المهاجرين، واللاجئين، والمجتمعات" للتأكيد على الحاجة إلى إدارة فعالة للهجرة الاقتصادية للمساعدة في موازنة التباينات السكانية وضمان التنمية المستدامة.

وفي ختام كلمتها؛ أكدت "المشاط"، أن نجاح هذه المسارات يتطلب التعاون القوي، معربة عن تأييد مجموعة محافظي الدول الأفريقية استمرار تعاون مجموعة البنك الدولي مع "مختبر استثمارات القطاع الخاص" و"المجلس الاستشاري رفيع المستوى المعني بالوظائف" لتطوير وتنفيذ الأدوات المبتكرة وأدوات تقليل المخاطر، مع ضمان تحديثات منتظمة وتواصل شفاف، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات والفرص للتعاون والتكامل من خلال منصات التمويل المشتركة الحالية والجديدة.

مقالات مشابهة

  • ركائز قوية لأهداف الرؤية السعودية.. إستراتيجيات متكاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية
  • وزارة الموارد البشرية تمكّن المستفيدين وتوسع أثر الخدمات الاجتماعية
  • وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تواصل مساهمتها في تحقيق مستهدفات رؤية 2030 في تنمية رأس المال البشري
  • “الموارد البشرية” تواصل تعزيز تنمية رأس المال البشري وتمكين الفئات الاجتماعية
  • ما هي الإمتيازات التي كانت تدافع عنها د. هنادي شهيدة معسكر زمزم
  • الأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة الاجتماعية على خلفية فقدان 60 في المائة وظائفهم
  • «المشاط»: معدلات التشغيل وتنمية مهارات الشباب أحد أكبر التحديات التي تواجه قارة أفريقيا
  • الصين تؤكد دعمها للتعددية وتنسيق العمل العالمي لمواجهة التحديات الاقتصادية
  • “المستقبل” يشارك في “أبوظبي الدولي للكتاب” 2025 بإصدارات جديدة
  • ساديو ماني على أعتاب تمثيل الأهلي المصري في كأس العالم للأندية