السمت العماني ومنصات التواصل
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً إلى حيٍّ من أحياء العرب، فسبوه وضربوه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أنَّ أهل عُمانَ أتيتَ، ما سبُّوك ولا ضربوك). صدق رسول الله، هذا الحديث الشريف يحفظه كل عُماني عن ظهر قلب، ويضعه وسام فخر واعتزاز على جبينه، ويحمله في قلبه يتمثله في كل لحظة وحين، كيف لا وهي شهادة من سيد البشر وخير خلق الله تعالى، ومن ضرب الله به مثلًا في حسن الخلق (وإنِّك لعلى خلق عظيم).
هذا الحديث اشتمل على منظومة من القيم التي تميز بها العماني، وعند الإبحار في معاني هذا الحديث الشريف تتجلى هذه القيم الأصيلة، إن من أهم ما يتضمنه الحديث الشريف من صفات لأهل عمان هي حسن التعامل، واتباع الحق، وإكرام الضيف، ورجاحة العقل، والإحسان، وحسن التدبير، وحسن التخلق مع الناس، والصدق، والنبل، والتأني، وعدم الإيذاء، والرفق في التعامل، والترفع عن السب والقذف والشتم، ولقد جاء هذا الوصف من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليشكل منظومة خلقية متكاملة أصبحت سمة مُميزة للعماني على مدى الزمان، والشواهد التاريخية كثيرة جدًا بدءًا من تعامل جيفر وعبد مع رسول رسول الله، وقصة مازن بن غضوبة، وسيرة عمرو بن العاص، وشهادة سيدنا أبوبكر الصديق.
السمت الذي يتمتع به العماني هو نتيجة منظومة متكاملة من القيم ميزت كل فرد من أبنائه، ورغم التأثيرات الكثيرة خصوصًا في الوقت الحاضر، إلّا أن هذا السمت سوف يظل هو العنوان الأبرز للعماني، وقد كنت أشرت إلى ذلك في مقال سابق بعنوان "المجتمع ومنظومة القيم"، وذكرت أن الحفاظ على هذه المنظومة هو مسؤولية مشتركة للمجتمع والأسرة والمدرسة ممثلة في مؤسساتها.
إن ما نشاهدة اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي يجعلنا نقف كثيرًا حول بعض التصرفات التي باتت قريبة أن تجرنا كعمانيين إلى المربع الذي يرغب مخالفونا في أن نصل إليه، ألا وهو فقدان سمتنا ورزانتنا وأخلاقنا، ومن المؤسف أن نجد بعضًا منِّا ينجر إلى ذلك بدون وعي وربما إفراطًا في حماسته واعتقادًا منه أنه يدافع عن وطنه، أو عن رمز من رموز الوطن؛ سواء كان رمزًا سياسيًا أو دينيًا أو اجتماعيًا أو غيره، وهو في حقيقة الأمر يعتاد ذلك حتى يصبح غير قادر على التوقف عن ممارسة هذا السلوك الذي لا يمثل عمانيتنا ولا يزيد من قيمتنا؛ بل على العكس تمامًا، فهو ينقص منَّا ويهدم ما بناءه الأجداد والآباء وقادة هذا الوطن وعلماؤه من عادات وتقاليد وقيم.
لقد أنجرَّ البعض منا وراء وسائل التواصل الاجتماعي لدرجة أنك تظنه مقيمًا فيها لا يغادرها، وأسهب في تتبع كل ما يقال ويكتب، وجند نفسه وصيًا على الوطن ومحاميًا للدفاع عنه لدرجة أصبح هو ذاته مسيئًا من حيث لا يدري، ونسي أن للوطن حماة ومؤسسات هي كفيلة بالرد عندما تصل الأمور إلى حدها، وأن هناك حيزًا لقبول الآراء مهما اختلفت، وأن التعاطي مع الإساءة بالإساءة هو إساءة للوطن بحد ذاته، وربما يكون كل ذلك من سوء تقدير الفرد لما يقوم به، ولكنه ليس عذرًا في الاستمرار.
في وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الآراء والمنطلقات والخلفيات التي تهدف إلى أمور ليست كما تبدو في ظاهرها، وفي أي بلد هناك من يعمل لمصالحه الخاصة فيثير مواضيع تخلق الجدل وتفت من لحمة أبنائه ولذلك نجد من بيننا من يتحدث عن المذهبية والطائفية ويروج لأكاذيب وإدعاءات بعيدة عن الواقع لأهداف شخصية، وهذا أمر حاصل في كل العالم، ولكن ولله الحمد فإن المجتمع يملك من الوعي ما يمكنه من تميز السمين من الغث، ومعرفة من يملك أجندة خاصة وينفذ توجيهات معينة، ومن هو محب لوطنه حريص على مصلحته ووحدته وسلامته، وهناك الكثير ممن يختبئون خلف أسماء مستعارة يهدفون من وراء ذلك لخلق حالة من الارتباك بين أبناء الوطن الواحد، أو الضرب في علاقات سلطنة عمان الخارجية، وعلينا أن ندرك ذلك جيدًا وأن نلتزم بأخلاقنا وقيمنا وسمتنا الذي عرف عنَّا.
لقد أسرف البعض للدرجة التي جعلتهم نماذج سيئة لأبنائهم وأسرهم في المقام الأول، وأبناء وطنهم في المقام الثاني، وفقدوا معاني التقدير والاحترام بسبب ما ينشرونه في حساباتهم وما يقولونه في مساحاتهم الصوتية، ووصلوا لمرحلة متقدمة من فقدان تقديرهم لذاتهم فهم مقيدون بما جنته أيديهم بسبب تعاملهم اللا محسوب مع منصات التواصل الاجتماعي، وإنغماسهم فيها لدرجة تأثر سلوكياتهم فترى مربيا قدوة يسب ويقذف ويقدح، وترى مؤثرا يملك آلاف المتابعين ينشر محتوى مبتذلا ضاربًا بالقيم والعادات عرض الحائط، متسببًا لنفسه ومجتمعه ووطنه بوضع لا يليق بهم، غير مدرك أن صفات الشعوب تؤخذ من جملة سلوكيات أفراده.
لم يكن أبناء هذا الوطن يومًا سوى محل إشادة وثناء من القاصي والداني، مترفعين عن سفاسف الأمور، متحلين بالأخلاق الحميدة، متبعين منهج الله تعالى في حسن التعامل، وسيرة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في حسن الخلق، متأسين بأخلاق السابقين من حكام وعلماء وصالحين من أبناء هذا الوطن الضاربة جذوره في أعماق التاريخ البشري، متمسكين بالسمت العماني الموسوم بهم خاصة من دون غيرهم، حاملين لواء الدين الذي يدعو لأحسن الأخلاق، فقد سُئِلَ الرسول صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل إيمانا؟ قال صلى الله عليه وسلم: "أحسنهم أخلاقًا".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أدعية تفتح باب الرزق من القرآن والسنة.. رددها في كل وقت
الرزق هو من النعم التي ينعم بها الله على عباده، وهو لا يقتصر على المال فقط، بل يشمل الصحة، والذرية الصالحة، والتوفيق في العمل، والنجاح في الدراسة، والسعادة في الحياة. ولأن الله هو الرزاق، فقد شرع لعباده أن يسألوه من فضله بالدعاء، فهو أقرب طريق لجلب الخير ودفع الشر.
ولكي يكون الدعاء مستجابًا، لا بد من الإخلاص لله، والإلحاح في الدعاء، واليقين بالإجابة، وتحري أوقات الاستجابة مثل الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ويوم الجمعة. ومن الأدعية الواردة في السنة النبوية والقرآن الكريم والتي توسّع الرزق وتباركه ما يلي:
أدعية تفتح باب الرزق من القرآن الكريمدعاء سيدنا نوح عليه السلام للاستغفار الذي يجلب الرزق:
قال الله تعالى في كتابه الكريم:
"فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا، يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويمددكم بأموال وبنين، ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا" (نوح: 10-12).
فهذه الآية تدل على أن الاستغفار سبب في نزول الرزق وزيادته، سواء كان مالًا، أو أبناء، أو خيرات أخرى.
دعاء سيدنا موسى عليه السلام عند الحاجة:
عندما كان سيدنا موسى في أشد الحاجة إلى الرزق والمأوى، دعا الله قائلًا:
"رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ" (القصص: 24).
فجاءه الرزق على الفور، وأكرمه الله بالمأوى والعمل والزواج.
دعاء جامع لسؤال الخير كله:
قال الله تعالى:
"وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا" (الإسراء: 80).
فهذا الدعاء يشمل التوفيق في كل مجالات الحياة، سواء في العمل، أو السفر، أو العلاقات، أو غيرها.
دعاء النبي ﷺ لكفاية الدين والرزق الواسع:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
"اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك" (رواه الترمذي).
فهذا الدعاء يعين العبد على الاعتماد على الرزق الحلال، والابتعاد عن أي مصدر مشبوه.
دعاء النبي ﷺ لرفع الهم وسعة الرزق
قال رسول الله ﷺ:
"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال" (رواه البخاري).
فمن أكثر من هذا الدعاء، أزال الله عنه الهموم، ووسع له في رزقه، وقضى عنه ديونه.
دعاء النبي ﷺ عند الضيق وقلة الرزق
كان النبي ﷺ يقول:
"يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين" (رواه النسائي).
فمن دعا بهذا الدعاء، يفتح الله له أبواب الخير، وييسر له أموره كلها.
كثرة الاستغفار:
فقد قال النبي ﷺ:
"من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب" (رواه أبو داود).
فمن داوم على الاستغفار، نال الرزق الوفير والراحة في حياته.
قول: لا حول ولا قوة إلا بالله:
قال رسول الله ﷺ:
"أكثروا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة" (رواه البخاري).
وهي من الأذكار التي تجلب البركة في المال والصحة والعمل.
التوكل على الله:
قال النبي ﷺ:
"لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا" (رواه الترمذي).
فالتوكل على الله سبب رئيسي في زيادة الرزق وتيسير الأمور.
صلة الرحم:
قال رسول الله ﷺ:
"من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه" (رواه البخاري).
أي أن من يصل رحمه، يبارك الله له في عمره ورزقه.
الصدقة:
قال النبي ﷺ:
"ما نقص مال من صدقة" (رواه مسلم).
فالصدقة سبب لزيادة المال والبركة فيه.
بر الوالدين:
فقد جاء رجل إلى النبي ﷺ وقال:
"يا رسول الله، إني أريد الغزو، فقال له النبي ﷺ: أحيٌّ والدك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد" (رواه البخاري).
فبر الوالدين سبب للبركة في العمر والرزق.
إن الرزق بيد الله وحده، ولا يُطلب إلا منه، ولا يأتي إلا بالاعتماد عليه والتوكل الصادق، مع الأخذ بالأسباب المشروعة. وعلى المسلم أن يُكثر من الدعاء، ويستغفر الله، ويتحرى الحلال في كل شيء، ويبتعد عن الحرام، فإن الله سبحانه وتعالى قد وعد عباده بقوله:
"ومن يتق الله يجعل له مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب" (الطلاق: 2-3).
نسأل الله أن يرزقنا جميعًا من واسع فضله، ويبارك لنا في أرزاقنا، ويجعلنا من الشاكرين.