هل السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين بدعة؟ دار الإفتاء ترد
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (يزعم بعض الناس أنَّ السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين؛ وذلك مثل شد الرحال لزيارة قبر نبينا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وغيره يُعدُّ بدعة؛ فنرجو منكم بيان الرأي الشرعي الصحيح في هذا الأمر؟
. الإفتاء: محدثة غير مذمومة زيارة قبور الأنبياء والصالحين
وقالت دار الإفتاء، إن دعوى أنَّ نية السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين مثل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وغيره بدعة، وأنَّ هذه زيارة غير شرعية، كلامٌ مبتدع ليس عليه دليل صحيح، ولا يؤيده معقول صريح، بل هو مذهب خالف به صاحبه ما تتابعت عليه الأمة سلفًا وخلفًا من تعظيم النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأن حرمته في حياته البرزخية كحرمته في حياته الدنيوية.
وأضافت دار الإفتاء، أن زيارة القبور مشروعة باتفاق الأئمة؛ فهي مستحبة باتفاق العلماء، وإنما كرهها مَن كرهها للنساء لرقة قلوبهن وعدم قدرتهن على الصبر؛ ودليل الاستحباب قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَزُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي رواية غيره: «زُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ»، ويُستَثنَى من كراهة زيارة النساء عند الجمهور زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه يُندَب لهن زيارتُه، وكذا قبور الأنبياء غيره عليهم الصلاة والسلام؛ لعموم الأدلة في طلب زيارته صلى الله عليه وآله وسلم.
أوضحت، أنه إذا كانت زيارة القبور مشروعة فإنَّ شدّ الرحال إليها بالسفر إلى أماكنها مشروع أيضًا؛ لأن وسيلة المشروع مشروعة، وشد الرحال كناية عن السفر والانتقال، والسفر في نفسه ليس عبادة ولا عملًا مقصودًا لذاته في أداء العبادات، وقد اتفق علماء الأصول على أن الوسائل لها أحكام المقاصد؛ فإذا كان الحج واجبًا فشد الرحال للحج واجب.
وإن كانت زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور الصالحين والأقارب وعموم المسلمين مستحبة فيتعين أن يكون شد الرحال لزيارتهم مستحبًّا، وإلا فكيف يُستَحبُّ الفعل وتحرُم وسيلتُه! وأمّا قوله صلى الله عليه وآله وسلم -المرويِّ في "الصحيحين" وغيرهما-: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى» فخاصٌّ بالمساجد؛ فلا تُشَدُّ الرحال إلا لثلاثة منها، بدليل جواز شد الرحال لطلب العلم وللتجارة.
آراء العلماءوقد اتفق العلماء على هذا الفهم، حتى عدُّوا ما نُقِل عن ابن تيمية من تحريم شد الرحال لزيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاذًّا مخالفًا للإجماع؛ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (3/ 66، ط. دار المعرفة): [وَالْحَاصِلِ أَنَّهُمْ أَلْزَمُوا ابْن تَيْمِيَةَ بِتَحْرِيمِ شَدِّ الرَّحْلِ إِلَى زِيَارَةِ قَبْرِ سَيِّدِنَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَنْكَرْنَا صُورَة ذَلِكَ.. وَهِيَ مِنْ أَبْشَعِ الْمَسَائِلِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ ابْن تَيْمِيَّةَ"، ثم قال: "قال بعض المُحَقِّقِينَ: قوله: "إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ" الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوف، فَإِمَّا أَنْ يُقَدِّرَ عَامًّا فَيَصِيرَ: لا تُشَدّ الرِّحَال إِلَى مَكَانٍ فِي أَيِّ أَمْرٍ كَانَ إِلَّا إِلَى الثَّلاثَةِ، أَوْ أَخَصّ مِنْ ذَلِكَ: لا سَبِيلَ إِلَى الأَوَّلِ؛ لإِفْضَائِهِ إِلَى سَدِّ بَابِ السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَغَيْرهَا، فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَالأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مُنَاسَبَة، وَهُوَ: لا تُشَدّ الرِّحَال إِلَى مَسْجِدٍ لِلصَّلاةِ فِيهِ إِلَّا إِلَى الثَّلاثَةِ، فَيَبْطُلُ بِذَلِكَ قَوْل مَنْ مَنَعَ شَدَّ الرِّحَال إِلَى زِيَارَةِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَغَيْره مِنْ قُبُورِ الصَّالِحِينَ والله أَعْلَمُ] اهـ.
وقال الشيخ سليمان بن منصور المشهور بـ"الجمل" في حاشيته المسمّاة "فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب" (1/ 360-361): [«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ» أي: للصلاة فيها، فلا ينافي شد الرحال لغيرها" إلى أن قال: "قال النووي: ومعناه: لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غير هذه المساجد الثلاثة، ونقله عن جمهور العلماء، وقال العراقي: من أحسن محامل الحديث أن المراد منه حكم المساجد فقط؛ فإنه لا تُشَدُّ الرحال إلى مسجد من المساجد غير هذه الثلاثة، وأما قصد غير المساجد: من الرحلة لطلب العلم، وزيارة الصالحين والإخوان، والتجارة، والتَّنَزُّه، ونحو ذلك، فليس داخلًا فيه، وقد ورد ذلك مصرَّحًا به في رواية الإمام أحمد وابن أبي شيبة بسندٍ حسنٍ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا: «لا يَنْبَغِى لِلْمَطِىِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إِلَى مَسْجِدٍ يَنْبَغِى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ والْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِى هَذَا».
وفي رواية: «لا يَنْبَغِى لِلْمَطِىِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إِلَى مَسْجِدٍ يَنْبَغِى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ والْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِى هَذَا»، قال السبكي: وليس في الأرض بقعة فيها فضل لذاتها حتى تُشَدَّ الرحالُ إليها لذلك الفضل غير البلاد الثلاثة، قال: ومرادي بالفضل ما شهد الشرع باعتباره ورتب عليه حكمًا شرعيًّا، وأما غيرها من البلاد فلا تُشَدُّ إليها لذاتها، بل لزيارة أو علم أو نحو ذلك من المندوبات أو المباحات.
وقد التبس ذلك على بعضهم؛ فزعم أن شد الرحال لمن في غير الثلاثة كسيدي أحمد البدوي ونحوه داخل في المنع، وهو خطأ؛ لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستَثنَى منه، فمعنى الحديث: لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد أو إلى مكان من الأمكنة لأجل ذلك المكان إلا إلى الثلاثة المذكورة، وشد الرحال لزيارة أو طلب علم ليس إلى المكان بل لمَن في المكان، فليُفهَم] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء قبور الأنبياء والصالحين صلى الله علیه وآله وسلم دار الإفتاء زیارة قبر ال م س ج د د الرحال ى الله ع لا ت ش د
إقرأ أيضاً:
هل يجب تبييت النية في صيام تاسوعاء و عاشوراء؟ .. دار الإفتاء تجيب
قالت دار الإفتاء المصرية، إن صيام تاسوعاء وعاشوراء سنة مستحبة ويكفر ذنوب السنة الماضية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» (رواه مسلم 1162).
وأضافت «الإفتاء» في إجابتها عن سؤال: «هل يجب تبيت النية في صوم التطوع كصيام يوم عاشوراء؟» أن جمهور الفقهاء ذهبوا إلى أنه لا يشترط تبييت النية من الليل في صوم التطوع، كصيام يوم عاشوراء، فيجوز لمن استيقظ قبل الظهر أن ينوي الصيام، بشرط ألا يكون فعل شيئا من المفطرات من أول طلوع الفجر إلى وقت إطلاق نية الصوم.
واستشهدت بما روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم «يا عائشة، هل عندكم شيء؟» قالت: يا رسول الله، ما عندنا شيء، قال: «فإني صائم» أخرجه مسلم في "صحيحه".
سبب صيام يوم عاشوراء
قالت دار الإفتاء المصرية إنه من المستحب التوسعة على الأهل يوم عاشوراء، كما نصحت بصيامه وهو موافق 10 محرم لأن صيامه يكفر ذنوب سنة ويستحب أن يصوم قبله يوم تاسوعاء.
وتابعت الإفتاء، عبر موقع التواصل الإجتماعى " فيسبوك"، أنه يستحب التوسعة على الأهل يوم عاشوراء؛ لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته» أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان"، قال ابن عيينة: قد جربناه منذ خمسين سنة أو ستين فما رأينا إلا خيرا.
فضل صيام يوم عاشوراء
عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» أخرجه مسلم، وأبو داود، والترمذي، وأحمد، والبيهقي .
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا من أسلم: «أن أذن في الناس: من كان أكل فليصم بقية يومه، ومن لم يكن أكل فليصم، فإن اليوم عاشوراء» أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، والدارمي، وابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، والبغوي في شرح السنة.
صيام يوم عاشوراء منفردا
يجوز صيام يوم عاشوراء منفردا دون صيام يوم قبله أو بعده، لعدم ورود النهي عنه، ولثبوت الفضل والأجر لمن صامه ولو منفردا، إلا أنه يستحب صوم يوم قبله أو بعده لمن استطاع، خروجا من الخلاف.