ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (يزعم بعض الناس أنَّ السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين؛ وذلك مثل شد الرحال لزيارة قبر نبينا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وغيره يُعدُّ بدعة؛ فنرجو منكم بيان الرأي الشرعي الصحيح في هذا الأمر؟

دار الإفتاء: زيارة قبور الأنبياء والصالحين قناديل فى الأرض تشع أنوارا وصلاحا هل توزيع الصدقات عند القبور بدعة محرمة؟.

. الإفتاء: محدثة غير مذمومة زيارة قبور الأنبياء والصالحين

وقالت دار الإفتاء، إن دعوى أنَّ نية السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين مثل نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وغيره بدعة، وأنَّ هذه زيارة غير شرعية، كلامٌ مبتدع ليس عليه دليل صحيح، ولا يؤيده معقول صريح، بل هو مذهب خالف به صاحبه ما تتابعت عليه الأمة سلفًا وخلفًا من تعظيم النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأن حرمته في حياته البرزخية كحرمته في حياته الدنيوية.

وأضافت دار الإفتاء، أن زيارة القبور مشروعة باتفاق الأئمة؛ فهي مستحبة باتفاق العلماء، وإنما كرهها مَن كرهها للنساء لرقة قلوبهن وعدم قدرتهن على الصبر؛ ودليل الاستحباب قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فَزُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي رواية غيره: «زُورُوا الْقُبُورَ؛ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ»، ويُستَثنَى من كراهة زيارة النساء عند الجمهور زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه يُندَب لهن زيارتُه، وكذا قبور الأنبياء غيره عليهم الصلاة والسلام؛ لعموم الأدلة في طلب زيارته صلى الله عليه وآله وسلم.

أوضحت، أنه إذا كانت زيارة القبور مشروعة فإنَّ شدّ الرحال إليها بالسفر إلى أماكنها مشروع أيضًا؛ لأن وسيلة المشروع مشروعة، وشد الرحال كناية عن السفر والانتقال، والسفر في نفسه ليس عبادة ولا عملًا مقصودًا لذاته في أداء العبادات، وقد اتفق علماء الأصول على أن الوسائل لها أحكام المقاصد؛ فإذا كان الحج واجبًا فشد الرحال للحج واجب.

وإن كانت زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبور الصالحين والأقارب وعموم المسلمين مستحبة فيتعين أن يكون شد الرحال لزيارتهم مستحبًّا، وإلا فكيف يُستَحبُّ الفعل وتحرُم وسيلتُه! وأمّا قوله صلى الله عليه وآله وسلم -المرويِّ في "الصحيحين" وغيرهما-: «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى» فخاصٌّ بالمساجد؛ فلا تُشَدُّ الرحال إلا لثلاثة منها، بدليل جواز شد الرحال لطلب العلم وللتجارة.

آراء العلماء

وقد اتفق العلماء على هذا الفهم، حتى عدُّوا ما نُقِل عن ابن تيمية من تحريم شد الرحال لزيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاذًّا مخالفًا للإجماع؛ قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (3/ 66، ط. دار المعرفة): [وَالْحَاصِلِ أَنَّهُمْ أَلْزَمُوا ابْن تَيْمِيَةَ بِتَحْرِيمِ شَدِّ الرَّحْلِ إِلَى زِيَارَةِ قَبْرِ سَيِّدِنَا رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَنْكَرْنَا صُورَة ذَلِكَ.. وَهِيَ مِنْ أَبْشَعِ الْمَسَائِلِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ ابْن تَيْمِيَّةَ"، ثم قال: "قال بعض المُحَقِّقِينَ: قوله: "إِلَّا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ" الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوف، فَإِمَّا أَنْ يُقَدِّرَ عَامًّا فَيَصِيرَ: لا تُشَدّ الرِّحَال إِلَى مَكَانٍ فِي أَيِّ أَمْرٍ كَانَ إِلَّا إِلَى الثَّلاثَةِ، أَوْ أَخَصّ مِنْ ذَلِكَ: لا سَبِيلَ إِلَى الأَوَّلِ؛ لإِفْضَائِهِ إِلَى سَدِّ بَابِ السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ وَغَيْرهَا، فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَالأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ مَا هُوَ أَكْثَرُ مُنَاسَبَة، وَهُوَ: لا تُشَدّ الرِّحَال إِلَى مَسْجِدٍ لِلصَّلاةِ فِيهِ إِلَّا إِلَى الثَّلاثَةِ، فَيَبْطُلُ بِذَلِكَ قَوْل مَنْ مَنَعَ شَدَّ الرِّحَال إِلَى زِيَارَةِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَغَيْره مِنْ قُبُورِ الصَّالِحِينَ والله أَعْلَمُ] اهـ.

وقال الشيخ سليمان بن منصور المشهور بـ"الجمل" في حاشيته المسمّاة "فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب" (1/ 360-361): [«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ» أي: للصلاة فيها، فلا ينافي شد الرحال لغيرها" إلى أن قال: "قال النووي: ومعناه: لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غير هذه المساجد الثلاثة، ونقله عن جمهور العلماء، وقال العراقي: من أحسن محامل الحديث أن المراد منه حكم المساجد فقط؛ فإنه لا تُشَدُّ الرحال إلى مسجد من المساجد غير هذه الثلاثة، وأما قصد غير المساجد: من الرحلة لطلب العلم، وزيارة الصالحين والإخوان، والتجارة، والتَّنَزُّه، ونحو ذلك، فليس داخلًا فيه، وقد ورد ذلك مصرَّحًا به في رواية الإمام أحمد وابن أبي شيبة بسندٍ حسنٍ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعًا: «لا يَنْبَغِى لِلْمَطِىِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إِلَى مَسْجِدٍ يَنْبَغِى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ والْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِى هَذَا».

وفي رواية: «لا يَنْبَغِى لِلْمَطِىِّ أَنْ تُشَدَّ رِحَالُهُ إِلَى مَسْجِدٍ يَنْبَغِى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ والْمَسْجِدِ الأَقْصَى وَمَسْجِدِى هَذَا»، قال السبكي: وليس في الأرض بقعة فيها فضل لذاتها حتى تُشَدَّ الرحالُ إليها لذلك الفضل غير البلاد الثلاثة، قال: ومرادي بالفضل ما شهد الشرع باعتباره ورتب عليه حكمًا شرعيًّا، وأما غيرها من البلاد فلا تُشَدُّ إليها لذاتها، بل لزيارة أو علم أو نحو ذلك من المندوبات أو المباحات.

وقد التبس ذلك على بعضهم؛ فزعم أن شد الرحال لمن في غير الثلاثة كسيدي أحمد البدوي ونحوه داخل في المنع، وهو خطأ؛ لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستَثنَى منه، فمعنى الحديث: لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد أو إلى مكان من الأمكنة لأجل ذلك المكان إلا إلى الثلاثة المذكورة، وشد الرحال لزيارة أو طلب علم ليس إلى المكان بل لمَن في المكان، فليُفهَم] اهـ.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: دار الإفتاء قبور الأنبياء والصالحين صلى الله علیه وآله وسلم دار الإفتاء زیارة قبر ال م س ج د د الرحال ى الله ع لا ت ش د

إقرأ أيضاً:

متى يجب التوقف عن الصيام في شعبان؟.. احذر هذه الأيام

متى يجب التوقف عن الصيام في شعبان ؟ سؤال يشغل ذهن الكثيرين ونجيب عنه في التقرير التالي، حيث ورد في السؤال: لماذا نهى النبي عن صيام النصف الثاني من شعبان؟

ويتساءل الكثيرون عن جواز صيام النصف الثاني من شعبان اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فما حكم ذلك وهل يجوز صيام شعبان كاملا أم لا؟

متى يجب التوقف عن الصيام في شعبان؟

صيام النصف الأول من شعبان لا اختلاف على جوازه أو صيام الاثنين وخميس، ويأخذ عليه الصائم أجر المتابعة والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، أما النصف الآخر ففيه قولان الأول إما شخص معتاد على الصيام فيجوز له ذلك لأن النبي استثناه من النهي، أما الشخص غير معتاد، فلا يجوز له الصيام لأن النبي قال عنه :"إذا انتصف شعبان فلا تصوموا".

وفي صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشهر شعبان قال: ورد عن النبي أحاديث عدة منها حديث السيدة أم سلمة: “ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان”، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:"لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم مِنْ شهر أكثر من شعبان، فإنّه كان يصوم شعبان كله. وفي رواية: كان يصوم شعبان إلا قليلا ".

أما عن الحكمة من إكثار النبي الصيام في شعبان، وهو ان النبي صلى الله عليه وسلم كان معتادا على الصيام، وكان صلوات الله وسلامه عليه يختم كتابه وشعبان هو ختام العمل والكتاب.

متى يجب التوقف عن الصيام في شعبان؟

وفي جواب سؤال: لماذا نهى النبي عن الصيام بعد نصف شعبان ؟، قالت دار الإفتاء المصرية، إنه إذا انتصف الشهر فلا صوم في تلك الفترة حتى يستريح الشخص استعدادًا لرمضان، حيث إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الصيام في النصف الثاني من شهر شعبان ، وأن الصوم بعد نصف شعبان يجوز في حالات معينة ومنها: «العادة، مثل صيام يومي الاثنين والخميس والقضاء والكفارات والنذر».

وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا»، رواه أبو داود (3237) والترمذي (738) وابن ماجه (1651)،: فإذا اعتاد أحد صيام الاثنين والخميس فليصم وإذا كان أحد يقضي ما فاته فعليه أن يقضي ولا حرج في النصف الثاني من شهر شعبان.

ولفتت إلى أن شهر شعبان تهيئة لرمضان فيجب استغلاله جيدًا، داعيًا الجميع إلى المواظبة على التصدق في هذا الشهر مع الصيام، كما أن شهر شعبان يغفل عنه كثير من الناس، وقد نبهنا إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث وقع فيه الخير للمسلمين من تحويل القبلة ففيه عظم الله نبينا واستجاب لدعائه.

مقالات مشابهة

  • ثلاثون عاما لِيَقَترب من وَهَجٍ عبقريته! "2"
  • كهاتين في الجنة
  • حكم الخُلع وهل يحتسب طلقة واحدة أم ثلاث.. أمين الإفتاء يوضح
  • متى يجب التوقف عن الصيام في شعبان؟.. احذر هذه الأيام
  • أمين الفتوى بدار الإفتاء يكشف عن 5 أعمال تقرب العبد إلى الله في رمضان
  • لصائمي النصف من شعبان .. دعاء الرسول عند الإفطار
  • الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: جاه سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم (1)
  • هل يجوز صيام النصف من شعبان اليوم الجمعة فقط؟
  • إمام مسجد عمرو بن العاص: شعبان شهر ترضية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا السبب
  • بدعة أم سنة.. اعرف حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان