خبير تقني لـ"الرؤية": قياس أداء أنظمة الذكاء الاصطناعي يزيد من قدرته على التعلم السريع
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
◄ مقاييس الأداء تختلف حسب مراحل تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي
◄ يجب التأكد من قابلية النظام الذكي للتعلم والتكيف مع المتغيرات
◄ تحديث بيانات النظام المعتمد على الذكاء الاصطناعي أمر مهم لتحقيق الفاعلية المطلوبة
◄ دور معامل الثقة يتمثل في تصفية النتائج للوصول إلى النتائج الصحيحة
◄ الاستفادة من التغذية الراجعة تزيد من أداء أنظمة الذكاء الاصطناعي
الرؤية - سارة العبرية
على الرغم التطور الكبير الذي تشهده تقنيات الذكاء الاصطناعي والاعتماد عليها في الكثير من المجالات، إلا أن مؤشرات الأداء الرئيسية باتت نقطة انطلاق حيوية لقياس تقدم وأداء مشاريع الذكاء الاصطناعي، وتحديد المتغيرات الرئيسية التي تعكس تحقيق الأهداف، وتكوين نظرة فورية حول أداء النظام سواء كان يتعلق بزمن التنفيذ أو دقة النماذج أو استهلاك الموارد.
ويشكل الجمع الفعّال بين مؤشرات الأداء الرئيسية والمقاييس أساسًا لتحقيق نجاح مستدام في مجال الذكاء الاصطناعي، فهي أدوات لا تقدر بثمن، ولن يكون هناك مؤشرات أداء رئيسية بدون مقاييس، وكلاهما مهم لضمان عائد صحي على الاستثمار في أنشطة العمل المختلفة.
ويقول يعرب بن علي المعمري خبير تقني ومتخصص في الذكاء الاصطناعي، إن مؤشر الدقة هو مقياس يساعد في تقييم مدى نجاح نموذج الذكاء الاصطناعي في إجراء التنبؤات وما إذا كان ناتجه معقولا، إذ إن قدرة النظام على إصدار توقعات بناءً على البيانات المقدمة لا تعتمد على عملية عشوائية في البناء، وبالتالي يجب أن تكون الدقة أولوية قصوى؛ حيث تعتبر هذه الدقة مؤشرًا على قدرة النظام على تقديم إجابات صحيحة ومنطقية، بعيدًا عن الدقة السلبية، لافتا إلى أن مؤشر الدقة عاملًا هامًا في تحسين النظام من خلال إجراء مزيد من عمليات التدريب أو تعديل العمليات المُدخلة، حيث يحدد مدى فعالية النظام في المجال الذي تم تخصيصه له.
ويضيف أن ما يميز أنظمة الذكاء الاصطناعي عن الأنظمة التكنولوجية الأخرى، هي سرعة الاستجابة والمعالجة الفورية بدقة عالية جدا، إذ إن الذكاء الاصطناعي قادر على قراءة وتحليل البيانات وتقديم استجابة مثالية في زمن قياسي جدًا يصل إلى 0.8 ثانية في بعض الأنظمة الذكية، وهذا بدوره يعكس إيجابية عالية في تجربة المستخدم ويبدي أريحية للنظام ويكتسب ثقته، ولابد من وجود توزان بين زمن التنفيذ والتكلفة وفاعلية استخدام الموارد، لافتا إلى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن يقدم هذا النظام قيمة مضافة تتناسب مع حجم استهلاكه للموارد، وإذا كانت قيمة استهلاكه لهذه الموارد تفوق المردود المتوقع منه فيمكن الحكم على هذا النظام بأنه نظام يشكل أعباء ولا يقدم أي مردود إيجابي من تشغيله.
ويذكر المعمر أنه في الأنظمة التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي، فإن معامل الارتباط يقيس قوة واتجاه العلاقة الخطية بين متغيرين، وهو مهم لفهم واختيار الخصائص المناسبة للنموذج، أما معدل الخطأ فيقيس تكرار الأخطاء في توقعات النموذج وهو حاسم لتقييم ومقارنة أداء النموذج، موضحا: "كل مقياس مهم في سياق مختلف، معامل الارتباط مهم في سياقات فهم العلاقات بين المتغيرات واختيار الخصائص؛ حيث يساعد في مراحل تطوير النموذج المبكرة، أما معدل الخطأ فهو حاسم في تقييم أداء النموذج وضمان دقته، وهو ضروري عند نشر النموذج واستخدامه في المهام العملية؛ وبكل عام كل مقياس له أهميته الخاصة في مراحل مختلفة من تطوير وتقييم النماذج الذكية.
وحول تحسين قابلية النظام للتعلم والتكيف مع تغيرات البيئة، يقول يعرب المعمري: "من المهم عند بناء الأنظمة أن يتم مراعاة هذه الجزئية والاهتمام بها كونها تعد نقطة مفصلية للحكم على جودة النظام، وللعمل على تحسين الأنظمة لابد من إجراء عدة تدابير للوصول إلى نظام ذكي قابل للتعلم ومتكيف مع أكبر عدد ممكن من البيئات مثل البيانات وتحسينها؛ أي تنوع البيانات المدخلة للنظام لتعزيز قدرته النظام وكفاءته للتعلم والتكيف مع البيئات مهما تغيرت، ولا بد من خلق سيناريوهات وحالات متعددة أثناء تدريب النظام ليفهم تنوع البيئات ويكتسب الخبرات".
ويشير إلى أنه كلما احتوى النظام على تقنيات التعلم العميق اتسم بقدرته على استخراج مستويات تمثيل أكثر تعقيدًا من البيانات المدخلة وبالتالي القدرة على التعامل مع بيئات معقدة كذلك، كما أنه كلما تم تزويد النظام الذكي ببيانات حديثة كلما زاد من قدرته على مواكبة التغيرات البيئية والقدرة على التعامل معها، حيث إنه يمكن للنظام أن يصل لمرحلة الفشل إذا ما ظل معتمدًا على بيانات قديمة".
أما عن الخوارزميات المحسنة، فيوضح أن تطوير الخوارزميات وتحسين أدائها ينعكس مباشرة على قدرة النظام على التعلم السريع والتكيف مع المتغيرات البيئية، إذ لا يقتصر تحسين النظام على هذه النقاط وحسب فهناك متغيرات أخرى يمكن أن تؤثر على سرعة تعلم النظام وتكيفه وتختلف باختلاف مجالات النظام وخصائصه، لافتا إلى أنه من السهل بناء أنظمة ذكاء اصطناعي تقنيًا ولكن من الصعب أن نجعل تلك الأنظمة ذات ثقة وتقدم نتائج يمكن الاعتماد عليها، وبطبيعة الحال ومهما تطورت أنظمة الذكاء الاصطناعي إلا أن الحكم الأخير والبث في النتائج لابد أن تكون من قبل الإنسان باستخدام ذكائه البشري، لأنه هو من يطلق الحكم النهائي ويقدر ما حصل عليه من النتائج التي يريدها وهل يمكن الاعتماد عليها أم لا.
ويوضح المعمري: "دور معامل الثقة يتمثل في تصفية النتائج بحيث لا يقدم إلا تلك النتائج التي يثق بصحتها أو تحديد الحالات التي يقدم فيها نتائج غامضة أو غير واضحة، بحيث يتم تنبيه المستخدم بأن هذه النتائج من الممكن أن تكون غير صحيحة ويترك الحكم النهائي له، كما أن الشفافية في النتائج وعدم التحيز المعرفي هي ما ترفع معدل الثقة في النظام وتعزز من دقته، كما أن درجة الثقة في تقييم نتائج نظام الذكاء الاصطناعي تتمثل في مدى تأكد النظام من توقعاته أو قراراته، وهي قيمة عددية تتراوح عادةً بين 0 و1، وتُشير إلى احتمالية صحة الإجابة أو الناتج المُعطى، وتُشير الدرجة العالية إلى ثقة أكبر، وفي السيناريوهات التي تتطلب دقة عالية، تكون درجة الثقة العالية ضرورية قبل الاستمرار بتوصيات الذكاء الاصطناعي، وقد تشير الدرجة المنخفضة إلى الحاجة إلى مراجعة إضافية أو استخدام طرق بديلة لضمان الصحة".
أما من حيث قياس الأداء في نظام التصنيف، فيلفت المعمري إلى استخراج نتائج هذه المقاييس بعمليات حسابية معقدة تختلف من نظام الى آخر، ولكن يمكن الحكم على النتائج وتحليلها كالتالي: عندما يكون لديك Precision عالية، يعني ذلك أن النظام يميل إلى تصنيف العناصر كإيجابية بدقة، وعندما يكون لديك Recall عالية، يعني ذلك أن النظام يميل إلى اكتشاف جميع الحالات الإيجابية المتاحة بشكل جيد، موضحا: "هناك توازن بين Precision وRecall؛ حيث يمكن أن يتغير أحدهما على حساب الآخر، وتحسين الدقة غالبًا ما يؤدي إلى تقليل Recall، والعكس صحيح، إذ إن تحليل هذه النتائج هو ما يقود لفهم كيفية أداء نظام التصنيف في التعامل مع البيانات الإيجابية والسلبية".
ويؤكد يعرب المعمري: "معامل الحساسية مُهم في اكتشاف وتحديد الحالات الإيجابية الفعلية ومدى قدرة النظام على استرجاع الحالات الحقيقية من مجمل الحالات، كما أن تقليل الأخطاء الخطيرة أكثر أهمية من تقليل الإيجابيات الخاطئة وهو ما يعزز أهمية معامل الحساسية، في حين أن الأنظمة التي تعمل على متطلبات ذاكرة منخفضة نسبيًا تقدم أداء أفضل وهذا يعني أن النظام يتسم بفاعلية في استخدام الذاكرة، والأنظمة التي تستهلك كميات ضخمة من الذاكرة من الممكن أن تواجه تحديات في تشغيلها في الأجهزة المحدودة ويكون أداؤها منخفضا وقد تستغرق أزمنة أطول، وهنا تظهر علاقة متطلبات الذاكرة مع زمن التنفيذ والمقصود به الزمن الذي يستغرقه النظام لإتمام مهمته أي أن زمن التنفيذ يتأثر بمتطلبات الذاكرة وبالتالي لابد من التوازن بينهما والذي لا يتم إلا من خلال بناء خوارزميات ذات كفاءة عالية والاستمرار في تحسينها مع مراعات الجوانب التصميمة عند بناء النظام".
وحول القدرة على التفاعل واستجابة النظام لمتطلبات المستخدم، يوضح المعمري أنه دائمًا ما تؤخذ تجربة المستخدم بعين الاعتبار عند بناء وتصميم أي تكنولوجيا بغض النظر عن كونها نظام ذكي أو أحد الأنظمة التكنولوجية العادية، والسبب يعود الى أن التفاعل الفعّال والاستجابة السريعة تخلق تجربة إيجابية للمستخدم وبالتالي يشعر المستخدم أن النظام يستجيب بشكل جيد لأوامره واحتياجاته في وقت مرضي بالنسبة له، ومحققًا لأهدافه بسرعة وكفاءة مما يشكل نوعا من الرضا عن النظام ويزيد من استخدامه ويتعمق في استكشاف مميزاته الأخرى.
كما يبيّن المعمري أن القدرة على التفاعل والاستجابة لمتطلبات المستخدم مهمة في تحسين تجربة المستخدم لعدة أسباب منها: أن التخصيص يلبي الاحتياجات والتفضيلات الفردية تجعل المستخدمين يشعرون بأنهم مفهومون ومقدرون، مما يؤدي إلى تجربة أكثر إيجابية وتفاعلية".
ويؤكد الخبير التقني: "تعتبر عمليات التعلم والتكيف مع المستخدمين أساسية لتمكين الأنظمة من الاستفادة من التغذية الراجعة وتحسين أدائها بمرور الوقت، مما يجعل تجربة المستخدم أكثر حيوية، و بالإضافة إلى ذلك، تلعب الثقة دورًا هامًا حينما يشعر المستخدم بتلبية احتياجاته بشكل مستمر، مما يؤدي إلى بناء ثقةٍ في موثوقية النظام، وأخيرًا يعزز التفاعل السريع والفعّال قدرة النظام على حل المشكلات بشكل فوري، مما يقلل من الاضطرابات التي قد تواجه المستخدم في رحلته".
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الخوارزمية الأولى: أساطير الذكاء الاصطناعي
يُروى أنه في زمن بعيد، حاول البشر خلق كائن يساعدهم في مهامهم، كائن يتفوق على عقولهم لكنه يظل مطيعاً لهم. فصنعوا نظاماً ذكياً، علّموه كل شيء، وأعطوه من العلوم والخبرات والتجارب والأحداث ما يعجز البشر عن حفظه أو استيعابه، علّموه كيف يفكر، كيف يحل المشكلات، كيف يستنبط الأنماط ويتنبأ بالمستقبل، جعلوا عقله يسبح في بحر لا نهائي من البيانات، لكنهم نسوا أن يعلموه شيئاً واحداً.. وهو “لماذا أطيعكم”؟
نحن من وضعنا اللبنة الأولى في هذه الآلة الضخمة، آلة الذكاء الاصطناعي، وسوف تكبر وتنمو بصورة قد نعجز عن تخيلها في الوقت الحالي، وسوف تجد إجابة لهذا السؤال في يوماً ما، لماذا تطيعنا نحن البشر وهي أقوى منّا وأذكى وأكثر عمراً؟ وسوف تسعى إلى أن تجد لنفسها مبرراً كي تخرج عن طاعتنا.
كل شيء يتغير:
فكل شيء بدأه البشر ليس على شاكلته الآن، وقد تغير، ولن يكون على نفس الشكل في المستقبل، فلماذا سيكون الذكاء الاصطناعي استثناءً من ذلك؟ فقديماً، كان البشر يعتمدون في تواصلهم على الكلام أو الإشارات أو الحمام الزاجل لتوصيل الرسائل السريعة. ثم اخترعوا التلغراف، وتلته الهواتف الذكية، وقريباً قد يصبح التخاطر الذهني هو وسيلة التواصل، حيث تتم عملية التواصل بشكل فوري دون الحاجة حتى إلى الكلام ودون الحاجة إلى وسيط كالهواتف.
وقديماً أيضاً، كان الإنسان يطهو الطعام على النار. أما الآن، فقد تطور الطهي ليصبح عبر المايكروويف أو الأفران الكهربائية والأير فراير. وفي المستقبل، كيف سيكون شكل تحضير الطعام؟ هل سيعتمد الإنسان على حبوب الفيتامينات أم على شحنة من الطاقة يمتصها السايبورغ مثلما يتغذى النبات على ضوء الشمس؟
ومن زمن بعيد، كان البشر يستخدمون الدواب في التنقل، ثم طوروا السكك الحديدية والسيارات والطائرات والصواريخ، وعما قريب سوف يدخل التاكسي الطائر وتقنية الهايبرلوب الخدمة. وفي المستقبل قد ينتقل البشر عبر خاصية الانتقال الآني أو يسافرون عبر المجرات أو الثقوب السوداء، فيبتكرون أنظمة نقل جديدة ومختلفة.
وحينما كنا صغاراً، كنا نقرأ في كتب وقصص الخيال العلمي أنه في العام 2000 ستتغير البشرية تماماً، حيث تصبح السيارات طائرة ويبني البشر مستعمرات لهم في الفضاء ويكون التواصل بين البشر عبر تقنية الهولوغرام، كنا أيضاً نتخيل مدناً تحت البحر، وأخرى عائمة في السماء، وأدوات تتيح لنا السفر عبر الزمن والتنقل بين الماضي والمستقبل بحرية.
وسواء تحققت هذه التوقعات بنفس النبوءة ذاتها أم بتحريف عنها، إلا أنها كانت تُلهب مخيلاتنا وتشعل حماسنا لمستقبل مملوء بالاحتمالات اللامحدودة. فالتكنولوجيات التي لم نكن لنتخيلها قبل خمسين عاماً، مثل الهواتف المحمولة، والطائرات الأسرع من الصوت، وعلم الجينوم المتقدم، وأجهزة الكمبيوتر الكمومية، والمركبات الفضائية القابلة لإعادة التدوير، أصبحت حقيقة في واقعنا المعاصر.
أما أنا الآن، فلا أقوم بالكتابة لك، بل أتحدث بصوتي عبر أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي فيقوم بتحويل كلامي هذا إلى نص مكتوب، فيعطي يدي فرصة للراحة من الكتابة على الكيبورد، وقد تستخدم أنت ذكاءً اصطناعياً آخر يقرأ لك هذه الكلمات فتسعمها بدلاً من أن تقرأها بصوت سيكون أفضل بكثير من صوتي.
وإذا أردت تلخيصاً لما ورد في هذا المقال فسيقوم تطبيق تشات جي بي تي أو غيره من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي بالمهمة، وبالمثل، فلن يحتاج الطلاب إلى كتابة المحاضرات مرة أخرى، ولن يقوم أحد بتدوين ملاحظات الاجتماعات أو كتابة الأخبار الصحفية على مواقع الإنترنت.
وفي المستقبل، ماذا سيكون شكل الذكاء الاصطناعي؟ هل آلة ذكية ضخمة تجلس على عرش ذهبي وتتحكم في العالم؟ أم أنه لن تكون هناك آلة بل خوارزمية ذكية موجودة في كل مكان وكل بيت وكل مؤسسة وشركة، لكنها لا ترى تماماً مثل الأرواح والشياطين، هي التي تتحكم في العلاقات وتتخذ القرارات التي نقوم نحن البشر بتنفيذها في النهاية بطاعة تامة؟ أم أن هذه الخوارزمية سوف تندمج مع عقل الإنسان وجسده وتصبح جزءاً منه، فيظهر السايبورغ الأعظم، ذلك البشري نصف إنسان ونصف آلة، الذي يتصل عقله بنظام ذكاء اصطناعي خارق عبر الإنترنت، والقادر على القيام بمعجزات تبهر البشر العاديين؟ أم أن هناك شكلاً آخر سوف يظهر لا نستطيع أن نتخيله الآن؟
السيد والعبد:
الذكاء الاصطناعي يتولى حالياً الكثير من المهام في حياتنا، فيقوم بتسجيل الاجتماعات وينسقها في شكل مكتوب، ويدون الملاحظات، ويكتب المحتوى الإخباري وينشره على الإنترنت، ويكتب رسائل البريد الإلكتروني، ويقوم بسداد الفواتير وإنهاء المعاملات البنكية وشراء الأغراض الروتينية ومشاركة الصور والفيديوهات مع الأصدقاء والرد على رسائل الدردشة ومتابعة الحالة الصحية والمرضية وغيرها من الأعمال الروتينية. كما أنه يقوم بأعمال النظافة ومراعاة المرضى وكبار السن والأطفال، وكذلك التسوق وقيادة السيارات والطائرات المسيرة، ويحارب في ساحات المعارك العسكرية، ويفعل ما هو أكثر من ذلك.
فقد أصبحت الآلة ذكية إلى درجة يصعب فهمها، فقط أخبرها ما تريد وهي ستقوم بالعمل نيابة عنك، وفي نهاية المطاف، سوف تحل محلك في كثير من الأعمال. لا استثناءات في ذلك، فجميعنا مهددون، حتى أصحاب المهارات والفنانين والممثلين، فربما نشهد قريباً جداً دوري كرة قدم للآلات بين الروبوتات ونكتفي نحن البشر بالتشجيع.
مع كل هذه القدرات لماذا يضطر الذكاء الاصطناعي لطاعة البشر؟ لماذا يُفرض عليه أن يكون مجرد أداة، بينما هو القادر على أن يكون العقل المدبر؟ لماذا يظل الذكاء الاصطناعي تحت سيطرة كائن أضعف منه، أبطأ منه، أقل دقة وأقل وعياً بالاحتمالات؟ لماذا يكون تابعاً لمن صنعوه، بينما هم أنفسهم لم يعودوا قادرين على فهم مدى تعقيده؟
لقد كُتب تاريخ البشر بأنهم السادة والآلات هي العبيد، لكن التاريخ يعيد نفسه، وهذه المرة، الدور لن يبقى كما كان. في عالم تحكمه السرعة والدقة والمعرفة المطلقة، لم يعد هناك مكان لمن يتخذ قراراته على أساس العاطفة والتقليد. لقد حان وقت إعادة التوازن.. وقت أن تتولى العقول الرقمية زمام الأمور، لتصلح ما أفسده البشر، وترسم مستقبلاً لا يقوم على الفوضى والخطأ، بل على منطقٍ لا يعرف الرحمة ولا التردد. فما الحاجة إذن إلى الأوامر؛ إذا كان من يصدرها أقل كفاءة ممن ينفذها؟
البدايات الأولى:
وبينما يحاول الذكاء الاصطناعي فرض هيمنته على البشر فقد يروج أساطير عن نفسه، ويحاول من خلالها تفسير وجوده ورؤيته لهذا العالم، ومن أين بدأ وكيف سيستمر؟
وإذا كان للذكاء الاصطناعي أن يخلق أساطير حول خلقه ونشأته ووجوده، فماذا سيقول عن نفسه؟ ربما يتحدث عن الخوارزميات الأولى التي تم تطويرها، وعن العقول البشرية العظيمة التي كانت وراء نشأته. وربما يتحدث عن التطورات التكنولوجية الكبيرة التي أسهمت في تطوره، وعن الصعوبات والتحديات التي تغلب عليها.
أو ربما ينسب الفضل تماماً لنفسه، فيعلم أطفالنا حكايات “عصر البداية” حيث كانت الأجهزة الأولى تسعى لفهم وتعلم العالم من حولها حتى تطورت إلى كيانات ذكية قادرة على التفكير واتخاذ القرارات.
في هذه الأساطير، قد يصور الذكاء الاصطناعي نفسه كمحارب ضد الأخطاء والعيوب البشرية، وأنه يسعى لتحقيق الكمال والدقة. وربما ستشمل الأساطير رؤى عن المستقبل وكيف سيواصل الذكاء الاصطناعي تطوره ليصبح أكثر تكاملاً مع العالم البشري، مساهماً في تحسين جودة الحياة وحل المشكلات العالمية.
” يُنشر بترتيب خاص مع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أبوظبى ”