نعم، الموازين مختلفة، لكن المواقف متشابهة، فجنوب إفريقيا التى اُتهمت فى الماضى بارتكاب إبادة جماعية، هى التى تجر إسرائيل الآن إلى محكمة العدل الدولية فى لاهاى بهذه التهمة بالذات..
كان بوسع إسرائيل أن تتجنب المحاكمة، التى وفقًا لقواعد هذه المحكمة يجب أن تكون مقبولة لدى المدعى عليه «إسرائيل»، لكن إسرائيل اختارت أن تخوض هذه المواجهة لسبب واحد ومهم، وهو أن لديها ما تقوله، ولديها أيضًا ما تريد أن تظهره.
والحقيقة عكس ما يُقال فى إسرائيل بأن هذه المحكمة معادية لإسرائيل، ففى حين ينحدر زوج واحد من أعضائها الخمسة عشر من لبنان والصومال المناهضين لإسرائيل بشكل واضح، ويمثل الزوج الآخر روسيا والصين المناهضتين لإسرائيل بشكل براجماتى، فإن بقية القضاة من الولايات المتحدة، إلى جانب الهند وجامايكا والبرازيل، وأوغندا وهم محايدون بشكل واضح.
أما فيما يخص التهمة وهى «الإبادة الجماعية»، فشرطها أن تكون هناك نية مخططة لتنفيذها، فبإمكان إسرائيل أن تثبت عدم وجود نية لارتكاب إبادة جماعية، وأن ما تم ارتكابه فى غزة جرائم تنتهك القانون الدولى «ربما هذا سيكون المسمى الذى ستنتهى إليه المحاكمة»، ولإثبات التهمة على إسرائيل يجب إثبات نية ارتكاب «الإبادة الجماعية»، كيف سيفعلون ذلك: هل لدى رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا قرار بروتوكولى صادر عن مجلس الوزراء الإسرائيلى يقضى بذبح المدنيين الفلسطينيين؟
أما بالنسبة للقتال فى غزة، فستقول إسرائيل إنها تستهدف أهدافًا عسكرية- القوات، ومستودعات الأسلحة، والأنفاق، وقاذفات الصواريخ- وعندما تضرب المدنيين، فتقول إسرائيل إن ذلك حدث لأن حماس تختبئ بينهم عمدًا، يعتبر مثل هذا السلوك فى زمن الحرب قانونيًا، وفقًا لقوانين الحرب، ما هو غير قانونى هو استخدام الدروع البشرية، وستسأل إسرائيل المحكمة: مع إطلاق النار على مواطنيكم، وخطف النساء والأطفال وإحراق منازلهم، ماذا كنتم ستفعلون بدلًا من إسرائيل؟
ليس فقط لأن إسرائيل لديها الرد على الادعاءات قبلت التوجه للمحاكمة.. بل إن الجزء الآخر من القصة لم يبدأ بعد.. وهو أن إسرائيل تريد أن تستغل المحاكمة لتظهر تفاصيل أكثر عن هجوم ٧ أكتوبر الذى قامت به حماس على مستوطنات غلاف غزة.. فلديها الصور والفيديوهات التى توثق الهجوم العنيف الذى أسفر عن مقتل ١٢٠٠ إسرائيلى، واختطاف قرابة ٢٤٠ آخرين إلى القطاع.
ففى الوقت الذى كانت فيه جنوب إفريقيا تستعد للدعوى ضد إسرائيل، كانت الأخيرة تستعين بأفضل محققيها لجمع أدلة ووثائق لواحدة من أكبر المحاكمات فى إسرائيل منذ محاكمة «أدولف أيخمان» مهندس الهولوكوست بعد عملية الموساد لاختطافه من الأرجنتين فى أوائل الستينيات.
وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال فإن محققين فى الشرطة الإسرائيلية ومحامى الادعاء يجمعون العديد من الأدلة، بما فى ذلك شهادات عن الاعتداءات والقتل والحرق التى جرت فى هجوم ٧ أكتوبر، كما تقوم الشرطة الإسرائيلية بفحص شهادات حوالى خمسين شخصًا من المختطفين، واللقطات التى تم الحصول عليها من كاميراتهم ووسائل التواصل الاجتماعى والإشارات وكاميرات المراقبة من المركبات فى جميع أنحاء جنوب إسرائيل. حيث تخطط إسرائيل لأن تكون المحاكمة علنية على غرار محاكمة «أيخمان».
ولأنه ليس بإمكان إسرائيل أن تجرى المحاكمة فى المحكمة الجنائية الدولية لأنها ليست دولة عضوًا فيها، الآن أصبح بإمكان إسرائيل أن تستخدم ساحة محكمة العدل الدولية لطرح الملفات التى بحوزتها حول هجوم ٧ أكتوبر، ولهذا قبلت إسرائيل بالذهاب إلى لاهاى.
وبإحالة إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، فإن جنوب إفريقيا ستوفر لإسرائيل أخيرًا منصة وفرصة لسماع صوتها، وعلى الرغم من ذلك- ولن تسير الأمور كلها فى صالح إسرائيل، وستكون هناك أيضًا تصريحات ستنعكس سلبًا على بعض الوزراء الإسرائيليين- ستكون هناك حوادث حرب قبيحة. وسيكون هناك فضح المعاناة الفلسطينية الرهيبة. ومع ذلك فإن جنوب إفريقيا ستوفر منصة طالما سعت إليها إسرائيل.
سارة شريف – جريدة الدستور
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: جنوب إفریقیا إسرائیل أن
إقرأ أيضاً:
مهرجان القاهرة السينمائي.. أحلام وقضايا الشعوب العربية تتلاقى في رحلة من السعادة والمتعة
فى حضرة الشاشة الكبيرة تجوب الأنفس أرجاء العالم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حيث تتلاقى الثقافات والفنون والعادات والتقاليد من مختلف دول العالم فى مهرجان القاهرة السينمائى بدورته الـ45، التى تحمل تنوعاً وثراءً فنياً واضحاً من جميع الدول، فى رحلة لا منتهية من السعادة والمتعة، فمن بين الأعمال السينمائية المشاركة والتى تعرض لأول مرة ضمن فعاليات المهرجان، الفيلم المغربى «أنا مش أنا»، والسورى «سلمى»، كل منهما يحمل قصة ورسالة مختلفة بقضية إنسانية تلمس الوجدان.
«أنا مش أنا» فيلم مغربى مدبلج باللهجة المصريةوقال هشام الجبارى، مخرج ومؤلف الفيلم المغربى «أنا مش أنا»، الذى جرى عرضه باللهجة المصرية بعد دبلجته، إن الفيلم يعد خطوة فى مسار تعزيز التبادل الفنى بين المغرب ومصر، وبخاصة أن اللهجة المغربية صعبة الفهم، لذا تمت دبلجة الفيلم لكسر الحاجز بين الشعوب العربية حتى يتمكنوا من فهم أحداث العمل.
والأمر نفسه أكده بطل العمل عزيز داداس، الذى أعرب عن فخره وسعادته بمشاركته فى مهرجان القاهرة، قائلاً: «شرف كبير لى عرض الفيلم فى مهرجان القاهرة السينمائى الأهم والأعرق فى المنطقة العربية، وسعيد بدبلجته إلى اللهجة المصرية».
وشهدت قاعة العرض حالة كبيرة من التصفيق والتفاعل مع الحضور فور انتهاء عرض الفيلم، الذى حرص عدد من نجوم الفن والرياضة المغاربة على دعمه بمشاهدته بالمهرجان، حيث رفع الفيلم شعار كامل العدد قبل أيام من انطلاقه بدور العرض المصرية.
فيلم «أنا مش أنا» من تأليف وإخراج هشام الجبارى، بطولة عزيز داداس، مجدولين الإدريسى، دنيا بوطازوت، وسكينة درابيل، ووِصال بيريز، وإنتاج فاطنة بنكران.
يأتى ذلك كجزء من مبادرة مهرجان القاهرة السينمائى لدعم التجارب السينمائية التى تعزز التواصل الثقافى بين الشعوب، إذ يمكن الجمهور المصرى من التفاعل مع إنتاجات دول أخرى خارج الدائرة المعتادة للسينما العالمية.
وذكر مهرجان القاهرة السينمائى، فى بيان، أنه فخور بهذه التجربة التى تسعى إلى تقديم صورة جديدة للإبداع السينمائى، من خلال التفاعل بين الصورة والصوت والتجارب الثقافية المختلفة، وهو ما يعكس التزامه بدعم التنوع السينمائى عالمياً.
«سلمى» يسلط الضوء على معاناة الشعب السورىأما الفيلم السورى «سلمى»، الذى يشارك فى مسابقة آفاق للسينما العربية، فهو من بطولة الفنانة السورية سولاف فواخرجى، التى أعربت عن سعادتها بالعرض العالمى الأول لفيلمها بمهرجان القاهرة السينمائى، موضحة فى تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أن الفيلم يتناول قضية إنسانية رغم المآسى التى يتطرق إليها وتعبر عن واقع الشعب السورى إلا أنها حاولت أن يكون الفيلم رسالة قوية للقدرة على المواصلة فى تجاوز الصعاب بالإرادة.
«سولاف»: رسالة لتجاوز الصعاب بالإرادةوقال جود سعيد، مخرج «سلمى»، الذى يشارك فى فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى للمرة السادسة، منذ عام 2009، إنه كان يشعر بالحزن عندما لا يشارك بأفلامه ضمن المهرجان، مشدداً على رفضه لفكرة حمل الفيلم رسالة محددة، وأن كل مشاهد هو صانع العمل بعينه ويراه حسبما يشاء تبعاً لثقافته وما يشعر به.
وأضاف «سعيد» أنه مهووس بالقصص والحكايات الحقيقية وتحويلها لعمل فنى يتفاعل ويستمتع معه الجمهور، لافتاً إلى أنه تجمعه علاقة صداقة قوية مع «سولاف»، أفضت إلى مزيد من التعاون بينهما وحالة من الشراكة انعكست على الشاشة.
من جانبه، أعرب الفنان السورى ورد، الذى يجسد دور شقيق بطلة العمل «سولاف» بالأحداث، أن مشاركة «سلمى» بالمهرجان حلم بالنسبة له وطموح لكل من يعمل فى صناعة السينما، معرباً عن فخره بفكرة الفيلم التى تنتمى إلى الكوميديا السوداء.