"صرخة أمهات" .. هكذا كان اسم الحراك الشعبي المتزايد داخل إسرائيل، والمناهض للحرب في قطاع غزة، حيث يطالبون بانقاذ أبنائهم من مستنقع غزة، وكان من بين العدد الصغير ولكن المتزايد من الإسرائيليين الذين يحتجون على تلك الحرب، أمهات يعمل أبناؤهن جنوداً هناك في القتال بغزة، وهم يسمون مجموعتهم الجديدة صرخة الأمهات، ولكن الكثير منهم لا يملكون الشجاعة ليخبروا أبنائهم أنهم يحاولون بناء حركة وطنية لإعادتهم إلى الوطن، وذلك بحسب ما جاء بتقرير صحيفة NPR الأمريكية.

وتأتي تلك التحركات، بعد أن تمت تعبئة حوالي ثلث مليون جندي احتياطي إسرائيلي بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر،  ولم تحظ مبادرة الأمهات المناهضات للحرب إلا بالقليل من الاهتمام العام، ولكنهم يستلهمون حركة احتجاجية شعبية مماثلة لأمهات الجنود تسمى "الأمهات الأربع" ، والتي يرجع لها الفضل في التأثير على الرأي العام ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان وارتفاع عدد القتلى من الجنود، مما أدى إلى انسحاب القوات الإسرائيلية في عام 2000، وتقول راشيل مادبيس بن دور، إحدى قادة حركة الأمهات الأربع الداعمة للأمهات المناهضات للحرب: "كوني أما، فأنت تعرفين بالضبط ما يجب عليك فعله، فأنت هناك لإنقاذ الأرواح، بهذه البساطة".

 

 

أستاذة الرياضيات وابنها

 

 

تبدأ قصة تأسيس أستاذة الرياضيات الإسرائيلية ميشال برودي باركيت لمجموعة الأمهات المناهضة للحرب في اليوم السادس من حرب غزة، ففي 12 أكتوبر، كانت برودي-باريكيت تسير في وسط مدينة القدس، وهي تحمل لافتة مكتوبة بخط اليد، في طريقها لحضور أول مظاهرة احتجاجية تمت الدعوة إليها منذ بداية الحرب، وعندما وصلت، لم يكن هناك أحد، وكانت الشرطة قد فرقت المظاهرة، وتقول: "بعد ذلك، ألقى بي رجال الشرطة بقوة على الأرض، أنا ولافتتي"، ووجه لها إسرائيليون كانوا يمرون في الشارع تهديدات بالقتل.

وتقوم ميشال برودي-باركيت، وابنها جندي منتشر في غزة، بجمع أمهات الجنود وغيرهم من الإسرائيليين المعنيين للضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الحرب، وبسحب الصحيفة الأمريكية، فإن ما دعت إليه على اللافتة كان "المفاوضات من أجل إطلاق سراح الرهائن"، وهو بالضبط ما فعلته إسرائيل بعد شهر: فقد تفاوضت مع حماس من أجل إطلاق سراح حوالي نصف الرهائن.

 

 

"جرح كبير جداً في روحه"

 

 

وقد تم إرسال نجل برودي باركيت البالغ من العمر 21 عامًا مع وحدة القوات الخاصة التابعة له للقتال في غزة، فقد كان هناك في معظم فترات الحرب، وتقول: "في أسوأ أحلامي، لم أفكر قط في مثل هذا الوضع الذي سيتم فيه إرسال ابني إلى داخل غزة، كنت أتسلق الجدران، وكنت متوترة للغاية، وقد كانت مجموعته عدد جنودهها 16 جنديًا، وقد انخفض الآن إلى سبعة، حيث قُتل شخص على طول الحدود بين إسرائيل وغزة يوم 7 أكتوبر، وأصيب ثمانية آخرون خلال الغزو البري لغزة، بعضهم بنيران صديقة".

 

وفي إجازة قصيرة خلال عطلة حانوكا اليهودية، عاد ابنها إلى المنزل، نظر إليها وقال: "كم تريدى أن تسمعى؟" فقلت له : "تحدث، وتحدث معي، وكان لديه بعض القصص الفظيعة، لكنني لا أريد أن أرويها، وبالطبع سيكون لديه جرح كبير جدا في روحه، لما شاهده من فظائع، ففريقه قتل مقاتلين ومدنيين في غزة.

 

 

مجموعات معارضة من الأمهات

 

 

وتعرف برودي-باريكيت نفسها بأنها يسارية متطرفة تعارض الرد العسكري الإسرائيلي على هجوم حماس، وتقول: "كما لو أن مذبحة ضخمة في غزة يمكن أن تعوض ما حدث في طوفان الأقصى ولا أستطيع قبول ذلك"، فافتتحت برودي-باريكيت مجموعة دردشة على تطبيق واتساب، مع دعوة لسحب القوات البرية من غزة، وعرضت ست حجج رئيسية لانسحابهم:

دفعت إسرائيل بالفعل ثمنا باهظا من الضحايا والرهائن.لم يتمكن الجيش من ضرب قادة حماس، بينما أصيب الجنود بنيران صديقة.ولم يتمكن الجنود من التعامل بشكل صحيح مع أرض حماس الداخلية.لقد فشلت الحكومة الإسرائيلية في منع هجوم حماس، ولم تكن مجهزة لقيادة الحرب.وواصلت حماس ضرب الجنود الإسرائيليين على الرغم من الهجوم الإسرائيلي المدمر.إسرائيل في وضع يخسر فيه الجميع.

 

ودعت الآباء من وحدة جيش ابنها للانضمام إليها. لم يستجب أحد، وقد حضر الاجتماع الأول للمجموعة، في حديقة تل أبيب، سبع نساء، وشاركت بعض الأمهات ما قاله لهن أبنائهن عن تجاربهن في الخدمة كجنود في غزة، وتقول إحدى الأمهات، التي اكتفيت بذكر لقبها "تالي": "أخبرنا أن المدينة مثل هيروشيما، فقد صدم من الدمار، وإنه عديم الفائدة،  فإنه يؤدي إلى قتل أبنائنا، وهذا هو الشيء الوحيد الذي أراه."

 

 

كرة الثلج تتزايد طالما هناك حركة 

 

 

وتقول إيفي، وهي أم أخرى لجندي، طلبت أيضًا الكشف عن هويتها: "نريد تشجيع الحلول الأخرى، لكننا نشعر أن الأغلبية في حالة صدمة بعد أحداث 7 أكتوبر، لذا فهم غير قادرين على تقييم الأمور بموضوعي"، وإيفي مثل برودي باركيت، لا يريد الاثنان أن يعرف أبناؤهما عن احتجاجهما، خوفًا من أن يتركهما ذلك في حيرة من أمرهما في ساحة المعركة، وكذلك هناك يفاح سحر، التي يخدم ابنه في الجيش، والذي يقول إنهما دارت بينهما محادثة طويلة حول نشاطها المناهض للحرب، فهو جزئياً عن المجموعة، وقد أضافت: "إنه ليس مثلي، الذي يدعو إلى إخراج القوات من غزة، لكنه يعتقد أنه من أجل إخراج الرهائن، يجب أن يكون هناك وقف لإطلاق النار"، وقد ناقشت الأمهات في محادثة الواتساب الخاصة بهن كيفية دعم أبنائهن الذين يخدمون بالزي العسكري أثناء معارضة الغزو البري لغزة، وأعدادهم تتزايد طالما هناك فعاليات وحركة لتلك المجموعة.

 

ولكن هناك أيضا، مجموعة أخرى من أمهات الجنود، تدعى أمهات المقاتلين ، تدعو إلى العكس: تكثيف القتال في غزة ومقاومة الدعوات الأميركية لتقليص العمليات العسكرية، وصرخت رينا شامير عبر مكبر الصوت خارج فندق في تل أبيب حيث كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يقيم في زيارة قام بها مؤخرا: "دعونا ننتصر في الحرب"، ويقاتل زوج شامير وابنه في غزة، وقالت عن مجموعة الأمهات المناهضات للحرب: "لا أريد أن أحكم عليهم، ولكن هذا جنون، ولكننا سننتصر، وسنفوز بهذه المعركة".

 

 

الشرطة تقمع المظاهرات المناهضة للحرب

 

 

وسمحت الشرطة الإسرائيلية بتنظيم مظاهرات تطالب الحكومة بالتحرك من أجل إطلاق سراح الرهائن المتبقين في غزة، ولكن العديد من الوقفات الاحتجاجية التي دعت إلى وقف إطلاق النار أو التعبير عن التعاطف مع الضحايا الفلسطينيين في غزة، تم تفريقها من قبل الشرطة، وغالبًا ما كان ذلك باستخدام العنف، وقال رئيس الشرطة الإسرائيلية، يعقوب شبتاي، في مقطع فيديو منتصف أكتوبر: "نرحب بأي شخص يريد التماهي مع غزة، وسأضعه على متن الحافلات المتجهة إلى هناك الآن، وسأساعده على الوصول إلى هناك".

 

"في السنوات الأخيرة، هذا أمر غير مسبوق، فهناك قمع ضد حرية التعبير وحرية الاحتجاج لم يسبق له مثيل"، هكذا تحدثت نوعية ساتاث، مديرة جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل ، التي ناضلت بنجاح في المحكمة للحصول على تصاريح لمناهضي العنف، وتنظيم احتجاجات الحرب، وتقول:  "في كل حروب غزة لم يكن هناك شيء من هذا القبيل."

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فی غزة من أجل

إقرأ أيضاً:

كيف تبدو خريطة إسرائيل لـاليوم التالي في غزة؟

تعمل الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة ضمن ثلاثة أَسقُفٍ أو مستويات: أعلى، ووسط، وأدنى بحسب إمكانية التحقيق. وفي كل الأحوال، فإن المشترك، على ما يبدو، في الأسقف الثلاثة، أي الحد الأدنى المستهدف، هو أن تكون غزة بلا سلاح، وبلا حماس!!

أما السقف الأعلى فهو مرتبط بمشاريع احتلال قطاع غزة، وتهجير سكانه، وضمه أو ضمّ أجزاء منه، وإعادة تفعيل برامج الاستيطان، وحكمه بشكل مباشر أو غير مباشر.

وهو ما يعني ضمنًا القضاء على حماس، ونزع أسلحتها وأسلحة المقاومة. وثمة الكثير من الحديث حول هذا السقف في أوساط اليمين المتطرف والصهيونية الدينية، وهو مدعوم بغطاء أميركي حيث كرر ترامب الدعوة لتهجير سكان القطاع.

أما السقف الوسط، فيتضمن الإبقاء على نقاط سيطرة في القطاع، والتحكم الظاهر أو غير الظاهر في المعابر، واستباحة أجواء القطاع وإمكانية عمل اقتحامات وضربات محددة، كما يحدث في الضفة الغربية، وحكم غزة بوجود قوات عربية ودولية أو سلطة رام الله، ولكن بمعايير إسرائيلية. مع سحب فكرة التهجير والضم والاستيطان، وتسهيل دخول الاحتياجات الأساسية للقطاع، وبعض من مستلزمات إعادة الإعمار، وبوجود برنامج حثيث لنزع أسلحة المقاومة، وتحييد حماس عن المشهد السياسي ومشهد إدارة القطاع.

إعلان

سيسعى الطرف الإسرائيلي لتحقيق ما يمكن تحقيقه في السقفين؛ الأعلى والوسط، وفق ما يوفره الواقع الميداني والمعطيات على الأرض، غير أنه سيستخدم هذين السقفين كأدوات تفاوضية ضاغطة، إذا ما استمرت المقاومة في أدائها، سعيًا للوصول إلى الحد المستهدف، مع إيجاد بيئات ضاغطة دولية وعربية وحتى فلسطينية داخلية (وتحديدًا من سلطة رام الله ومؤيديها)، وربما محاولة المراهنة على اصطناع دائرة احتجاج ضد المقاومة في القطاع نفسه والسعي لتوسيعها؛ بحيث تتضافر حملات سياسية وإعلامية عربية ودولية لإظهار حماس وكأنها هي الطرف المتعنِّت والمُعطِّل للاتفاق، والمتسبِّب بمعاناة القطاع.

كما سيتمُّ تقديم وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من القطاع، ووقف مشروع التهجير، والفك الجزئي للحصار والسماح لإدارة فلسطينية (بمواصفات سلطة رام الله) باعتبارها "تنازلات" إسرائيلية كبيرة، وبالتالي محاولة "تبليع السكِّين" لحماس، وربط إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع بموافقة حماس والمقاومة على نزع أسلحتها، والخروج من المشهد السياسي والمؤسسي الفلسطيني.

تكمن خطورة هكذا إستراتيجية في السعي لتحقيق الهدف الأساس من الحرب، مع محاولة إظهاره في الوقت نفسه كمطلب عربي ودولي، وإظهاره وكأنه "إنجاز" وطني وقومي للدول العربية المطبّعة الرافضة للتهجير، التي تتقاطع في الوقت نفسه، مع الإسرائيليين والأميركان، في العداء لخط المقاومة ولتيار "الإسلام السياسي". كما تُظهر سلطة رام الله وكأنها بديلٌ يُنهي معاناة الفلسطينيين.

أبرز عناصر الإستراتيجية الإسرائيلية

من خلال القراءة الموضوعية والتحليلية لما صدر عن الجانب الإسرائيلي من تصريحات ومواقف، ومن خلال استقراء سلوك نتنياهو وحكومته وجيشه على الأرض، يمكن استخلاص النقاط التالية، كأبرز عناصر الإستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع قطاع غزة ومستقبله:

إعلان محاولة استعادة الصورة التي فقدها الاحتلال الإسرائيلي، نتيجة الضربة القاسية التي تعرضت لها نظرية الأمن الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفقدان قوة الردع، وتزعزُع ثقة التجمع الاستيطاني الصهيوني بها. محاولة إعادة تسويق الدور الوظيفي للاحتلال، كقلعة متقدمة وعصا غليظة للنفوذ الغربي في المنطقة؛ وكقوة جديرة بالثقة والاعتماد عليها لدى دول التطبيع العربي، خصوصًا في إدارة صراعها مع منافسيها في البيئة الإقليميّة. محاولة إحداث أقسى حالة "كي وعي" لدى الحاضنة الشعبية في قطاع غزة ولدى المقاومة، عبر استخدام القوة الساحقة الباطشة والمجازر البشعة للمدنيين، والتدمير الشامل للبيوت والبنى التحتية والمؤسسات الرسمية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس والمزروعات وآبار المياه.. وغيرها؛ بعيدًا عن أي معايير قانونية أو أخلاقية أو سياسية، لمحاولة ترسيخ "عقدة" عدم تكرار هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول. استغلال بيئة الحرب لفرض تصورات "اليوم التالي" لحكم القطاع، وفق المعايير والضوابط الإسرائيلية. السعي للاستفادة من بيئة الحرب، لتمرير وتسريع مشاريع التهويد والتهجير في الضفة الغربية وقطاع غزة. السعي لتوسيع النظرية الأمنية الإسرائيلية، لتشمل في إطارها الرادع الفعَّال المحيط الإستراتيجي للكيان الصهيوني، لضمان استقرار الكيان وديمومته، حتى بعد إغلاق الملف الفلسطيني، حيث سبق أن كرر نتنياهو هذه الرؤية أكثر من مرة. رفع السقف التفاوضي مع المقاومة إلى مديات عالية جدًا، وإن لم يكن من الممكن تحقيقها، بهدف استخدامها كأدوات ضغط، وتوظيفها في العملية التفاوضية. محاولة تخفيف تأثير قضية الأسرى الصهاينة على الأثمان المدفوعة للمقاومة قدر الإمكان، سواء بمحاولة تحريرهم، أم بإطالة أمد التفاوض عليهم، أم بالتركيز على المنجزات المحتملة من استمرار الحرب، ولو تسبب ذلك بخسارة المزيد من الأسرى. الاستفادة من النفوذ والغطاء الأميركي قدر الإمكان، في البيئة الدولية ومجلس الأمن، وفي البيئة العربية، وفي الدور كوسيط، وفي مجالات الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي والإعلامي. الاستفادة قدر الإمكان من الضعف والخذلان العربي، وتقاطع عدد من الدول العربية مع التوجهات ضد المقاومة وضد "الإسلام السياسي"، وكذلك الاستفادة من عدم فاعلية البيئة الدولية ومؤسساتها وفشلها، لتمرير الأجندة الإسرائيلية. إطالة أمد الحرب ما أمكن، سعيًا لتحقيق أكبر منجز ممكن ضد المقاومة، وكذلك للإبقاء على تماسك الائتلاف المتطرف الحاكم لكيان الاحتلال، وتمرير أجنداته الداخلية، والتّهرب من السقوط وإمكانية المحاسبة. تعمد إخفاء الخسائر الحقيقية للجيش الإسرائيلي، واصطناع أكاذيب عن منجزاته، ومحاولة التعمية عن حالات التهرب الواسعة من الخدمة لدى قوات الاحتياط، والأزمات المرتبطة بالتجنيد وغيرها؛ سعيًا للإبقاء على بيئة داخلية داعمة للحرب. تعمُّد نقض العهود والاتفاقات مع المقاومة، واستخدام ذلك في الابتزاز العسكري والسياسي والاقتصادي، والاستفادة من حالة الإنهاك والمعاناة في القطاع؛ لتشديد الحصار لتحقيق مكاسب إستراتيجية وتفاوضية، خصوصًا على حساب المقاومة. إعلان نزح سلاح المقاومة

كثر الحديث في الأيام الماضية عن ربط ترتيبات "اليوم التالي" في القطاع بنزع أسلحة حماس وإخراجها من المشهد السياسي، وتحدث عن ذلك قادة أوروبيون مثل الرئيس الفرنسي ماكرون بالرغم من إظهار حماسته لحل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية.

كما حاول بعض المحسوبين على سلطة رام الله استغلال حالة المعاناة الهائلة للحاضنة الشعبية في القطاع، ومحاولة تنفيس الغضب باتجاه حماس وقوى المقاومة وتحميلها المسؤولية، بدلًا من الاستمرار في تحميل الاحتلال مسؤولية عدوانه وجرائمه.

التصعيد الإسرائيلي بخرق الهدنة، وإحكام الحصار على القطاع، ومنع دخول أي من الاحتياجات الضرورية، تبعها عدوان دموي ومجازر وحشية كان معظم ضحاياها من النساء والأطفال، وأعاد احتلال أجزاء من القطاع، مع إعادة تهجير أعداد كبيرة من أبناء القطاع المنهكين أصلًا والمستنزفين في دمائهم وأموالهم ومساكنهم، ليرفع وتيرة الضغط إلى مديات لا تكاد يحتملها إنسان؛ مع إعادة الحديث عن أجنداته بسقوفها العليا.

غير أن المقاومة عادت لتفاجئ العدو بتفعيل أدائها العسكري المؤثر، ولتقوم بحملة سياسية موازية تؤكد صلابتها في الثوابت، كما تؤكد مرونتها القصوى في ملفات تبادل الأسرى وغيرها، بما يحقن دماء الشعب الفلسطيني، وينهي الحرب، ويضمن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع.

سلاح المقاومة خط أحمر

أمام هذه الإستراتيجية "الصفرية" لنتنياهو وحكومته المتطرفة، لا تبدو ثمة بوادر حقيقية لإنهاء الحرب والانسحاب الكامل من القطاع وفك الحصار (على الأقل إعادة الوضع على ما كان عليه قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول)، وفتح المجال لإعادة الإعمار، إلا إذا صمدت المقاومة وواصلت استنزاف الجيش والاقتصاد والأمن الإسرائيلي، والدفع لإيجاد بيئات داخلية إسرائيلية أكثر قوة وضغطًا، ورفع الأثمان التي يدفعها الاحتلال إلى مديات لا يستطيع احتمالها.

إعلان

وقد قطعت المقاومة شوطًا كبيرًا في ذلك، مع تزايد المأزق الإسرائيلي، خصوصًا بعد استئناف المقاومة عملياتها النوعية، واعتراف رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير بأن الحرب في غزة قد تأخذ شهورًا أو سنوات.

كما أن طبيعة ترامب النَّزقة والمتقلبة والمستعجلة للإنجاز لا توفر لنتنياهو وقتًا مفتوحًا لاستمرار الحرب، يترافق معها حاجة ترامب لتحقيق اختراقات في ملفات التطبيع في المنطقة، وفي الملف النووي مع إيران. كما يترافق ذلك مع بيئة عربية قلقة تحمل بذور التغيير والانفجار، وبيئة دولية تآكل فيها الدعم للكيان إلى حده الأقصى، حتى في محيط حلفائه الأوروبيين.

وليس ثمة ترف خيارات أمام المقاومة في خوض هذه المعركة "الصفرية" التي تستهدف اجتثاث الشعب الفلسطيني وقضيته، وبالتالي تظل المراهنة على المقاومة وسلاحها شرطًا أساسيًا وخطًا أحمر في مواجهة الاحتلال وإفشال مشاريعه.

والتجربة التاريخية طوال أكثر من مائة عام تشهد أن الشعب الفلسطيني تمكن من إفشال عشرات المشاريع التي تستهدفه، وقادر أيضًا، بعون الله، على إسقاط هذه الإستراتيجية وعلى إفشال هذا العدوان.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • أزمة تعصف بجيش الاحتلال ودعوات للعصيان المدني
  • عاجل - إلياس حنا: قرار الجيش الإسرائيلي بإلزام الجنود بالبقاء يعكس عجزه عن حسم الحرب في غزة
  • أزمة عسكرية تعصف بجيش الاحتلال: تمديد خدمة للجنود بلا إجازات
  • هآرتس: خسائر الجيش تكشف مأزق إسرائيل عسكريا وسياسيا
  • وفد حماس يصل إلى القاهرة لبحث مقترح صفقة شاملة مع إسرائيل
  • عاجل - وفد من حركة حماس يصل القاهرة لبحث إنهاء الحرب وتبادل الأسرى
  • خبير عسكري: المقاومة تقوم بحرب عصابات واستنزاف لجيش إسرائيل المرهق
  • كيف تبدو خريطة إسرائيل لـاليوم التالي في غزة؟
  • إجلاء 4 جنود وضباط مصابين إلى مستشفى إيخيلوف في تل أبيب
  • جيش الاحتلال يزعم نجاح حركة حماس بإدخال أموال إلى غزة