جمال بن ماجد الكندي

تمثل 100 يوم في الأعراف الديمقراطية، المدة المعيارية لتقييم الأوضاع لسياسة الدول تحت قيادة رؤسائها، وهذا التقييم مهم من ناحية معرفة ما تم تحقيقه تحت سقف المائة يوم، خصوصاً بأنها تسبق بدعاية إعلامية بتحقيق وعود الناخبين.

من هنا سنستخدم هذه الوسيلة لتقييم ما تمَّ تحقيقه من نتائج في حرب غزة من قبل العدو الصهيوني، والمقاومة الفلسطينية الباسلة، على أن تكون هذه النتائج ذات بعد استراتيجي من الناحية السياسية والعسكرية والإعلامية والإنسانية، وسنحاول في هذا المقال الخروج بهذه النتائج، ومعرفة مدى تأثيرها على الجانب الفلسطيني والإسرائيلي.

أولا الجانب العسكري: وقبل الحديث عن نتائج هذا الجانب لابُد لنا أن نذكر بالأهداف الاستراتيجية التي أعلنت عنها إسرائيل في هذه الحرب، وهي: القضاء على حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وتحرير الأسرى، وقتل قادة حماس وعلى رأسهم القائد يحيى السنوار، وتهجير الغزاويين، وإقامة منطقة عازلة في شمال غزة.. فهل تحققت هذه الأهداف؟!

وفي المقابل أهداف المقاومة الفلسطينية تتمثل في: الثبات على الأرض، وتكبيد العدو الصهيوني خسائر استراتيجية لم يخسرها منذ حرب 1973 بالعتاد والجنود، والاستمرار في تهديد الكيان الصهيوني بصواريخ المقاومة.

بعد المائة يوم لم يُحقق الجيش الإسرائيلي النصر الاستراتيجي في هذه المعركة حسبما يزعم، وفشل حتى الآن في السيطرة على شمال غزة، وفي الكشف عن أنفاق المقاومة الفلسطينية الاستراتيجية وتدميرها، وفي تحييد القوة الصاروخية التي تخرج من غزة، فبعد أكثر من 100 يوم ما زالت هذه الصواريخ تخرج من شمال غزة وتضرب عمق أراضي فلسطين المحتلة، والعدو الإسرائيلي يحاول الهروب من خيبته العسكرية إلى الأمام بقوله إنه في المرحلة الثالثة، وهو مازال يتلقى الضربات الصاروخية والمقاومة في شمال غزة والتي من المفروض حسب أهدافه المزعومة بأنه انتهى منها وأصبحت تحت سيطرته، ولكن المشهد العسكري يكذب ذلك عبر وسائل إعلامه التي تذكر بأن الجيش الإسرائيلي ما زال يُعاني في شمال غزة، وأن حماس والجهاد عادوا للسيطرة على الشمال من جديد، وهذه انتكاسة عسكرية كبيرة للجيش الإسرائيلي.

المقاومة الفلسطينية ثابتة على الأرض وتنشر عملياتها العسكرية بالصوت والصورة، وتُظهر كيف تقوم بتدمير الدبابات الإسرائيلية والآليات الأخرى وحسب الإحصائيات الفلسطينية التي يذكرها الناطق العسكري لكتائب القسام "أبو عبيدة" فإن خسائر العدو الصهيوني بلغت أكثر من 1000 آلية عسكرية، وهذا العدد كبير جدًا بالمقاييس العسكرية في مدة بسيطة وهي المائة يوم.

الجانب العسكري يُظهر التفوق الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية في أنها أجبرت هذه العدو لسحب بعض قواته خارج غزة، وبالمحافظة على قدرتها في استخدام صواريخها في الوقت الذي تقرره، وهذا الأمر له أبعاده الاستراتيجية في رسم صورة الهزيمة لدى مجتمع الكيان الصهيوني، وبأن الجيش الإسرائيلي بعد 100 يوم وأكثر لم يحقق أهم هدف استراتيجي وهو إيقاف سقوط صواريخ المقاومة الفلسطينية على مدن الكيان الصهيوني.

ثانيًا الجانب السياسي: تغيُّر التعاطي السياسي لمعركة غزة، فبعد التوافق الغربي لصالح الكيان الصهيوني في بداية المعركة، وتبني الرواية الإسرائيلية تجاه ما حصل في السابع من أكتوبر، نجد إسرائيل اليوم بعد 100 يوم وحيدة هي وأمريكا في التصريحات السياسية التي تدافع عن مجازرها في غزة؛ بل حتى أمريكا في بعض الأحيان حادت عن ربيبتها، وأعلنت عبر رئيسها بأن إسرائيل تمادت في حربها وفي ردة فعلها، اتجاه أهل غزة، الذين وصل شهدائهم إلى أكثر من 24 ألف شهيد، وهذا الرقم يسبب إحراجاً لأمريكا أمام المجتمع الدولي، مع ذلك كانت الدولة الوحيدة بين 15 دولة في مجلس الأمن التي تستخدم حق النقض "الفيتو" لقرار وقف إطلاق النار، حتى إن بريطانيا التي تتبنى دائما قرارات أمريكا امتنعت عن التصويت ضد أو مع القرار، وهذا في السياسة له مدلولاته الخاصة.

هذا التحول الاستراتيجي في السياسة الغربية اتجاه إسرائيل، تُرجِمَ بتقديم دولة جنوب إفريقيا دعوة قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جريمة "الإبادة الجماعية" ضد الشعب الفلسطيني في غزة، ومرافعات الفريق القانوني لجنوب أفريقيا كانت قوية ولها أدلتها الواقعية المستندة إلى الوثائق والأرقام وتصريحات السياسيين الإسرائيليين، التي تظهر نية الكيان الصهيوني عبر قادته العسكريين والسياسيين لفعل الإبادة الجماعية في غزة، بالمقابل كان الدفاع الإسرائيلي ضعيفاً ومرتبكاً، ومها كانت نتيجة المحكمة فإن مثول الكيان الصهيوني لها هو نصر استراتيجي فلسطيني سيبقى في ذاكرة التاريخ، وستكون له مدلولاته السياسية مستقبلاً، فهي المرة الأولى التي تمثل فيها إسرائيل في محكمة العدل الدولية بصفة مدان بجرائم الإبادة الجماعية.

الجانب الإعلامي والإنساني: بعد 100 يوم من معركة غزة تغير التعاطي الإعلامي والإنساني لمعركة طوفان الأقصى، وهو في الحقيقة تغير منذ بدايات المعركة، خاصة بعد المجازر اليومية للكيان الصهيوني في غزة. فبعد أن تكشفت لوسائل الإعلام الغربية قبل العربية زيف الادعاءات الإسرائيلية بأن حماس قتلت الأطفال واغتصبت النساء في 7 كتوبر، تغيرت صورة النقل الإعلامي لهذه الحرب لا سيما بعد ما رأى العالم تعامل المقاومة الفلسطينية مع الأسرى والمحتجزين لديها بكل رفق ولين، عكس ما يعامل به العدو الصهيوني الأسرى الفلسطينيين، وربما تكون من المفارقات النادرة أن نرى الأسير الإسرائيلي يودع من أسره بابتسامة وتلويح اليدين.

ما قامت به المقاومة الفلسطينية في إظهار الجانب الإنساني في طريقة تعاملها مع الأسرى الإسرائيليين كان له بعد استراتيجي في تثبيت فكرة أن المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها في غزة تدافع عن قضية محورية إنسانية غيبها الإعلام الغربي وبعض الإعلام العربي المتصالح مع إسرائيل وهي التحرر الوطني الفلسطيني، وأن ما تقوم به المقاومة هو من أجل قضية فلسطين، وإعادة هذه القضية المغيبة إلى الإعلام الغربي.

إن معركة طوفان الأقصى وضعت هدفًا استراتيجيًا تمثل في تذكير العالم بالقضية الفلسطينية، والأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما حققته هذه المعركة بتذكير العالم بالحق الفلسطيني بأن تكون له دولة حرة مستقلة على أرضه التاريخية، وهذا نصر إعلامي إنساني ذو بعد استراتيجي تم تحقيقه، وثمنه كان غاليًا؛ لتبقى القضية الفلسطينية حاضرةً لا تغيب.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مظاهرات حاشدة تعم الأردن رفضا للتوسع الإسرائيلي بالمنطقة

عمّان- عمت مظاهرات حاشدة مختلف المحافظات الأردنية، اليوم الجمعة، رفضا لاستئناف الاحتلال الإسرائيلي -بدعم مباشر من الولايات المتحدة– حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة و"للتعبير عن شدة الخطر الداهم الذي تواجهه الأمة العربية عبر سعي حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتوسع في المنطقة واستهداف دول الجوار الفلسطيني، وفي مقدمتها الأردن".

ودعت الحركة الإسلامية، والملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الأردن، إلى هذه المسيرات تحت عنوان "الأمة في خطر.. نكون أو لا نكون" وهو الشعار ذاته الذي رفعه المشاركون فيها بمحافظات الكرك والعقبة وإربد ومخيم البقعة، منددين بالمشروع الإسرائيلي القائم على تهجير الفلسطينيين من وطنهم والعمل على تصفية القضية الفلسطينية.

وأعرب المتظاهرون عن غضبهم تجاه سياسات واشنطن الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، رافعين لافتات كُتب عليها "لا مساس بالأردن ولا تنازل عن فلسطين، والتهجير خط أحمر، ولا للوطن البديل".

مسيرة حاشدة

وفي العاصمة عمّان، انطلقت مسيرة شعبية حاشدة، ظهر الجمعة، من وسط البلد شارك فيها الآلاف من المتظاهرين، رددوا خلالها هتافات تحيّي المقاومة الفلسطينية على صمودها الأسطوري بوجه آلة العدوان الإسرائيلية، مؤكدين أن "غزة والضفة الغربية وصمود الشعب الفلسطيني فيهما هم خط الدفاع الأول عن الأردن وكل الدول العربية والإسلامية في وجه مخططات التوسع الصهيونية".

إعلان

ودعا المتظاهرون الأمة العربية والإسلامية إلى الوحدة، والخروج في فعاليات نصرة لغزة للضغط على العالم وعلى الحكومات من أجل وقف شلال الدم المتواصل بحق الفلسطينيين، مطالبين بضرورة وجود خطوات عملية بعيدا عن سياسة الإدانة والشجب والاستنكار، واتخاذ المزيد من المواقف الجادة والحاسمة لوقف "غطرسة حكومة نتنياهو".

آلاف الأردنيين هتفوا للمقاومة الفلسطينية على صمودها الأسطوري بوجه آلة العدوان الإسرائيلية (الجزيرة)

وأكد المتحدثون في المسيرة أن المقاومة خيار الشعوب وسلوكها ولا أحد يستطيع سلبها هذا الحق، وأن الشعب الأردني لا يتضامن مجرد تضامن مع قضية غزة بل هي قضيته، وأن هذه الجموع أتت تعلن تأييدها للمقاومة الفلسطينية وخياراتها في مواجهة المشروع الإسرائيلي.

كما شددوا على أن الدماء البريئة والصامدين على أرض غزة "أقاموا الحجة على الأمة التي عليها واجب نصرة فلسطين في مواجهة ما تتعرض له من جرائم حرب وإبادة".

ودان المتظاهرون ما وصفوه بـ"تواطؤ وتخاذل" الأنظمة العربية عن نصرة غزة، ونددوا بموقف الولايات المتحدة التي لم تتوقف عن إمداد الاحتلال الإسرائيلي بالأسلحة الفتاكة، وتوفير الغطاء السياسي لعمليات الإبادة.

العضايلة أكد أن الأردن موحد شعبا ودولة وقيادة على رفض مخططات تهجير الفلسطينيين (الجزيرة) معركة الضفة

من جانبه، قال المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين بالأردن مراد العضايلة إن الأردن موحد شعبا ودولة وقيادة على رفض مخططات الوطن البديل والتهجير الذي يشكل خطرا وجوديا على الدولة وسيادتها وهويتها.

واعتبر في حديثه للجزيرة نت أن "معركة الأمة القادمة في الضفة الغربية سيكون عنوانها تهجير الشعب الفلسطيني، مما يتطلب دعم المقاومة التي تشكل عنوان دعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه والتصدي للمخططات الصهيونية".

وأكد العضايلة أن "الاحتلال هو عنوان الأزمة، وليست المقاومة التي تشكل ردا طبيعيا ومشروعا على الاحتلال كفلته القوانين الدولية وكممثل عن الشعب الفلسطيني، وأن دعمها هو عنوان دعم صمود الشعب الفلسطيني".

وتابع "البعض يتحدث عن اليوم التالي في غزة، ونحن نعتقد ونؤكد أنه يوم فلسطيني ولا بديل عن أهل فلسطين ومقاومتها ولن يقبلوا بديلا لإدارة غزة أو غيرها" لافتا إلى أنه إذا كان هناك تدخل عربي في قطاع غزة فهو لإعادة الإعمار بهدف تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه مع مطالبة الاحتلال بالتعويض عما ألحقه من دمار فيه" رافضا "مقايضة سلاح المقاومة بالإعمار".

المتظاهرون انتقدوا الصمت العربي تجاه ما يحدث لغزة والضفة (الجزيرة) خطة مدروسة

بدوره، قال الأمين العام للحزب الوطني الدستوري أحمد الشناق إن "استمرار الحرب الوحشية الإسرائيلية على غزة، وتشكيل قيادة عسكرية إسرائيلية لإدارة القطاع هدفه تسهيل عملية التهجير وبدعم أميركي، ما هو إلا رد على الخطة المصرية العربية، وقرارات قمة القاهرة من إعادة الإعمار وعدم التهجير".

إعلان

وأكد للجزيرة نت أن الخطة الإسرائيلية الأميركية القادمة ستطال مستقبل الضفة الغربية بضم 60% من أراضيها لدولة الاحتلال وفرض السيادة الإسرائيلية عليها كجزء من الكيان المحتل. وأشار إلى أن "الاحتلال سيجد المبررات لعملية تهجير سكان المخيمات الفلسطينية من داخل الضفة".

وحسب الشناق، تجد الإستراتيجية الإسرائيلية في الديموغرافيا الفلسطينية ذات الأغلبية السكانية على أرض فلسطين التاريخية تهديدا وجوديا للكيان، وما تقوم به من إبادة جماعية ضد الفلسطينيين وتحويل مناطقهم إلى أرض غير قابلة للحياة، إنما هو مخطط مدروس وفق إستراتيجية تفريغ الأرض من أصحابها.

ويعتبر الأردنيون أن مشاركتهم في الفعاليات التضامنية مع أهل غزة واجب وطني وإنساني، وأولوية تتقدم على أية التزامات أخرى، حيث يشهد الأردن باستمرار مظاهرات ومسيرات ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمر منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

مقالات مشابهة

  • اليمن وغزة في مواجهة العدوان الأمريكي الصهيوني
  • حركة حماس تحيي صمود أبناء الشعب الفلسطيني في غزة
  • حماس تدين مصادقة العدو الإسرائيلي على مشروع استيطاني جديد
  • حركة حماس تؤكد: وافقنا على مقترح الوسطاء ونأمل ألّا يعطله العدو الصهيوني
  • خليل الحية: وافقنا على مقترح الوسطاء ونأمل ألّا يعطله العدو الصهيوني
  • تداعيات سقوط نظام الأسد على القضية الفلسطينية.. قراءة في ورقة علمية
  • المقاومة الفلسطينية بين حرب التحرير وتغريدة البجعة
  • مظاهرات حاشدة تعم الأردن رفضا للتوسع الإسرائيلي بالمنطقة
  • مسيرات شعبية في عدة محافظات تؤكد التمسك بخيار المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني
  • تقويض الجبهة الداخلية الفلسطينية