ـ تربوين: ضرورة دراسة المتغيرات الاجتماعية وتعزيز الهوية الوطنية

عرف العماني منذ القدم بسمته وأخلاقه بين الأمم، ويمثل هذا السمت مرجعاً أصيلاً في تربية الأبناء وغرس القيم الأصيلة، وقد أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ أن "تربية الأبناء لا تتم عبر شبكات التواصل، تربية الأبناء هي جزء من أصل المجتمع العماني" كما أكد جلالته - حفظه الله ورعاه - أهمية"ترسيخ الهوية الوطنية، والقيم والمبادئ الأصيلة، إلى جانب الاهتمام بالأسرة، لكونها الحصن الواقي لأبنائنا وبناتنا من الاتجاهات الفكرية السلبية، التي تخالف مبادئ ديننا الحنيف وقيمنا الأصيلة، وتتعارض مع السمت العماني الذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنية".

وفي عالمنا المعاصر حيث تهيمن وسائل التواصل الاجتماعي وتتداخل الثقافات حذر أكاديميون من انحسار السمت العماني بسبب تأثيرات هذه المنصات على النشء، وطالبوا بأهمية وجود مؤسسة مستقلة تعنى بتعزيز الهوية، وتخصيص حصص في المدارس لغرس آداب السمت العماني في النشء وإتاحة المجال لكبار السن للتحدّث للطلبة وتعليمهم العادات والتقاليد الأصيلة، و دراسة تأثيرات الظواهر الاجتماعية على الأسرة.

دور الأسرة

وقال البروفيسور سعيد بن سليمان الظفري، رئيس كرسي اليونسكو في علم النفس التربوي بجامعة السلطان قابوس: إن جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وجَّه باهتمام كبير نحو موضوع الأسرة ودورها الريادي في تنشئة الأولاد وخاصة في هذا الوقت الذي توجد فيه مؤثرات كثيرة جدا داخلية وخارجية تؤثر في شخصية الأولاد وقيمهم واتجاهاتهم، لذلك من المهم جدا أن تقوم الأسرة بدورها المتوقع منها في العناية بأطفالها بدءا من المراحل العمرية المبكرة التي تتشكل فيها شخصية هؤلاء الأطفال والتي يمكن استثمارها بتوجيه هؤلاء الأطفال التوجيه الصحيح بما يحقق أهداف التنشئة الإسلامية والعمانية الصحيحة وهنا لا بد أن ننبّه بأن تنشئة الأولاد لا بد أن تخطط الأسرة لها، لا أن تكون جهودا عشوائية، ولا أن ينشغل الوالدان عن تنشئة أولادهم، بل يكون هذا من الأولويات المهمة للأسرة والتي يمكن أن تستثمر في أولادها لأن بناء الأفراد ليس كبناء أي شيء، ولا تقوم الأمة إلا على التربية الصحيحة لهذه الأجيال التي يتوقع منها أن تخدم لاحقا أوطانها وأمتها والبشرية جمعاء، لذلك من المهم جدا أن يكون هناك تضافر في الجهود بين الأسرة والمؤسسات التربوية المختلفة التي تعنى بالتربية بدءا بالمدرسة والمسجد والأندية والمؤسسات الإعلامية والمؤسسات المجتمعية والأهلية، إذ لا بد أن يكون هناك تضافر في الجهود بين هذه المؤسسات كلها من أجل توفير البيئة الصحية والغنية والنفسية التي تهيئ لهؤلاء الأطفال الحياة الكريمة، وهنا لا بد أن نركز أن السمات العمانية أو العادات والتقاليد العمانية الأصيلة التي تعكس الحضارة الإسلامية والعمانية الممتدة في جذور التاريخ والتي هي نتاج تجارب متتالية للعمانيين عبر العصور، وهذه العادات والتقاليد والسمات لا بد من غرسها من أجل تعزيز الهوية والمواطنة في نفوس النشء وتعزيز الانتماء لهذا الوطن مما يتولد عنه الدفاع عن هذا الوطن والافتخار به وتمثيله التمثيل الصحيح أينما كان هذا الطفل أو هذه الفتاة.

وأشار إلى أهمية وجود مؤسسة تعنى بتعزيز الهوية الوطنية رغم أن هذه المهمة تجب على كل المؤسسات لكن أرى أن هذا مشروع وطني يجب أن تخصص له مؤسسة مستقلة يكون نصب عينيها توجيه الاهتمام وتنسيق الجهود من أجل تحقيق الأولوية هذه التي هي من أولويات الرؤية، إذ إن الجهود رغم وجودها ليس بذلك القدر من الكفاية نظرا لتشتت هذه الجهود، لذا وجود مؤسسة تعنى بالهوية الوطنية ترى كعين الرقيب على جميع المستويات سواء كنا نتحدث عن مستويات بحثية أو تشريعية أو الحياة العامة أو البرامج التي تقوم بها المؤسسات المختلفة وكذلك الخطط التي تضعها هذه المؤسسات، وهذا كله يجب أن تكون له نظرة علوية تقوم بها هذه المؤسسة المستقلة التي ندعو إلى إنشائها لكي تكون معنية بذلك، إلى جانب الدعوة لفتح مراكز بحثية تعنى بالقضايا المجتمعية والمواطنة ومنها إحياء المرصد الاجتماعي الذي كان أحد مشاريع مجلس البحث العلمي السابق ونراه ضرورة واسعة لتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية وتوجيه البحث العلمي الذي يمكن من خلاله أن ننطلق لتكون قراراتنا الاجتماعية مبنية على دراسات علمية واسعة.

وأضاف: نتوقع أن هناك قضايا كثيرة بدءا من مواقع التواصل الاجتماعي وما أفرزته من آثار إيجابية وسلبية وكيفية توظيف هذه الوسائل في خدمة المجتمع والأفراد، وفي مجالات التعليم وغيرها من المجالات المختلفة، وهذه إحدى المواضيع المهمة جدا إلى جانب المنظومة القيمية ككل؛ فاليوم تتأثر هذه المنظومة بكثير من المؤثرات الخارجية إذ نحتاج إلى دراسات توجه إلى دراسة واقع المنظومة القيمية المستمدة من الإسلام والتاريخ العماني عبر دراسة مركزة، إضافة إلى كيفية تفعيل أدوار المؤسسات المختلفة التي نحتاج إلى دراسة فيها من خلال العمل المشترك والتعاوني والجمعي الذي يمكن أن يسهم في خدمة الفرد العماني أينما كان، وهناك بلا شك مواضيع أخرى.

إرث حضاري

وقال الدكتور سيف بن سالم الهادي، محاضر بكلية التربية بجامعة السلطان قابوس: إن السمت أن يظهر الإنسان على درجة من السكينة والوقار والاحترام، سواء كان هذه الاحترام لذاته وشخصه كأن يكون مظهره لائقا باستمرار كما قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا خذوا زينتكم عند كل مسجد"، والاحترام للآخرين في اختياراتهم وتصرفاتهم، والاحترام مبدأ خُلق عام تحرص عليه جميع الشعوب البشرية لكن عند العمانيين ظاهرٌ بشكل كبير؛ لأنه نتيجة فعلية للسمت العماني تاريخيا، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلّم أهل عمان بقوله: "لو أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك"، وهذا يدل على أن ظاهرة السمت عند العمانيين معلومة قديما لأنها إرث حضاري، إذ إن عمان كانت حضارة ولديها صلات ثقافية وتجارية مع الأمم المحيطة بها وذكرها قانين قبل 600 عام قبل الميلاد والذي زارها من الصين وسماها "عمان" وذكرها بطليموس وتيتوروس بـ"عمانا" في القرن الأول الميلادي، ولذلك عمان تتمتع بإرث حضاري ومن ضمن ما تتمتع به عمان هو الاحترام للاختيارات الفكرية إذ كان كل منطقة في عمان لديها اختيارات فكرية معينة سواء كانت دينية أو ثقافية ولكن يشعر كل واحد منهم بالانتماء لهذا الوطن، وهذه الصفات الرائعة في هذا المجتمع العماني جعلته محط أنظار الآخرين ولذلك كل الرحالة الذين زاروا عمان يصفون أهلها بالأخلاق والسمت، والآن هذه الصفات الرائعة مهددة بالانحسار بسبب الانفتاح غير المنضبط على الثقافات الأخرى عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهذا ما يسمه علماء النفس بقابلية التأقلم الجماعي، والإنسان قد لا يجد من والديه الاهتمام الكافي لتعليمه مجموعة كبيرة من القيم والتي يكتسب كثيرا منها من خلال المجالس التي يصطحب فيها الآباء أبناءهم إليها، مما يؤدي إلى لجوء الأبناء إلى شبكات التواصل الاجتماعي والعالم المفتوح التي لا ينتمون إليها وإنما هي ثقافات متعددة ولكن الغالب والمسيطر عليها هي الثقافة الغربية ذات المضامين المادية البحتة التي تسعى إلى تسليع الإنسان ليكون مادة خصبة لصناعة الكيانات السياسية أو صناعة البؤر الاقتصادية.

وأشار إلى أن الخطورة تكمن في أن هذا السمت العماني الذي يكتسب من خلال التربية المباشرة من الوالدين وكذلك من خلال الاحتكاك المباشر مع المجتمع مهدد بالانحسار وعلينا جميعا أن نتبنّى استراتيجية تسعى إلى لفت انتباه الأسر إلى ضرورة أن يعطوا قدرا جيدا من الاهتمام بأبنائهم، وأن يجعلوا تعاملهم مع شبكات التواصل الاجتماعي محدودا جدا عبر تنظيم الساعات التي توفرها التقنية نفسها، إضافة إلى حرص الآباء على اصطحاب أبنائهم إلى المجالس العامة أو الخاصة التي يقفون فيها على الآداب والأخلاق ويكتسبون من المجتمع صفاته التي ورثها عبر التاريخ، وخاصة الصفات الإسلامية التي يعاير بها إيمان إسلام الإنسان العماني.

الوعي والثقافة

وقالت إيمان بنت عبدالله الكيومية، أخصائية إرشاد وتوجيه في مركز الإرشاد الطلابي بجامعة السلطان قابوس: تتكامل الأدوار أسريا ومجتمعيا ومؤسساتيا لمواجهة الأفكار الدخيلة على المجتمع وخاصة منها العابرة للحدود عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث إن هذه المواقع أصبحت واقعًا لا مناص منه ولذلك لا بد من التعامل الإيجابي معها من أجل مواجهتها والتصدي لآثارها السلبية على المجتمع وعلى الناشئة؛ لذلك فنحن نثمّن جهود المؤتمرات والملتقيات والندوات التي تعنى بالأساليب التربوية الفعّالة للتنشئة الوالدية والتي تهتم بالتوعية بتأثيرات التعرض لمواقع التواصل الاجتماعي، وما تحمله من أفكار وتصورات قد يكون لها خطر كبير على سلامة توجهات وسلوكيات الناشئة، ولا شك بأن الجهود التي تبذل من خلال البحث العلمي تعد إحدى القنوات المهمة التي نستشف من خلالها هذا الخطر ونتعرف على آلية التصدي له من خلال التعرف على هذا الآثار ومتابعة التوصيات والمقترحات العلمية والعملية التي تخرج من خلال الأوراق العلمية المختلفة؛ لذلك هناك ضرورة لمواكبة البحث العلمي لمختلف القضايا المجتمعية المستجدة على الساحة العالمية ومتابعة البحث في هذا القطاع لأن الأفكار الدخيلة في تجدد وطرق بثها تختلف من وقت لآخر، كما أن الأسرة تقع عليها مسؤولية أن يكون لها الوعي والثقافة بهذه الآثار، ومتابعة الأبناء والتواصل الإيجابي المستمر معهم والتعرف على ما يستجد في حياتهم والتحاور معهم حول أية أفكار قد تحمل الشبهات أو التي قد تكون لها آثار سلبية، كما أن المؤسسات التربوية والتعليمية والمجتمعية ليست ببعيدة عن هذه المسؤولية فعليها هي الأخرى دور كبير ومؤثر، وتمتلك قنوات ولديها أنشطة يمكن من خلالها أن تنشر الوعي بهذه الأفكار الدخيلة وآثارها وآليات التعامل الآمن معها.

وقالت عائشة بنت عامر النظيرية، أخصائية نفسية واستشارية علاقات أسرية: عندما نتحدث عن مسؤولية الأسرة في التنشئة فيجب أن نركز على الصحة النفسية للطفل، فالأسرة تنشئ ابنها تنشئة اجتماعية عندما تقدم له الحب وترعاه نفسيا بالشكل الصحيح، ومنها ينشأ الطفل تنشئة اجتماعية جيدة، ويجب أن نتذكر دائما أن الأسرة هي المدرسة الاجتماعية الأولى للطفل ومنها يخرج للمجتمع، وكلما كانت لدى الأسر إمكانيات تضيق الفروقات في أعين الطفل وتجعله يثق في نفسه بشكل إيجابي وتهتم فيها من النواحي الصحية والتربوية إضافة إلى ضبط سلوكه بتعليم الصواب من الخطأ، وغرس الحب في قلبه أولا لله سبحانه وتعالى، يسهّل ذلك على الطفل تقبّل المجتمع بشكل إيجابي، والتنشئة تبدأ من البيت من دون حماية زائدة أو تدليل زائد حتى يكون لدى الطفل ثقة عالية بنفسه ومنها يستطيع استيعاب المجتمع وعاداته وتقاليده بشكل إيجابي.

وأشارت إلى أن تنشئة الطفل تنشئة إيجابية ومحاولة زرع المواطنة والهوية فيه ستجعله تلقائيا محبا للتعرف على العادات والتقاليد في المجتمع، والطفل منذ طفولته لا بد أن يُغرس فيها انتمائه إلى وطنه وبيئته ودون تعصّب، وسيؤدي ذلك إلى تقبّل الطفل للآخرين، ونلاحظ التنشئة في البيئات الصحراوية والقروية يكون فيها الطفل أكثر جرأة في تعلم العادات والتقاليد، مقارنة بالطفل الذي يعيش في المدن، فلا بد من غرس الهوية منذ الطفولة في النشء وتعليمه منذ الطفولة المبكرة كيفية السلام على كبار السن بتقبيل اليدين والمبادرة بالسؤال عن الحال، ومن ثم يأتي دور المدرسة، مشيرةً إلى أن للمدرسة دورا مهما في التنشئة ولذا سمعت بعض كبار السن يقترحون تخصيص حصة في مختلف المدارس يتحدث فيها رجل أو امرأة من المجتمع لتعليم الفتيان والفتيات طريقة السلام والمحادثة وأسلوب الدخول إلى المجالس أو "السبلة" وأوقات الجلوس مع النساء، وغيرها من العادات الأصيلة التي ستخلق فرقا في التنشئة لدى الأطفال وإحساسهم بالمسؤولية والتحدث بأدب مع الناس، وكذلك أهمية الالتزام في المسجد والنادي ومؤسسات المجتمع المدني، ورأيت بعض المؤسسات تقوم بمبادرات رائدة في تعليم الأطفال السمت العماني وهذه الأمور تحبب الطفل بعاداته وتقاليده.

وأضافت: إن تنشئة الأطفال بالتحبيب وليس بالإرغام، حيث ستكون لديهم هوية ومواطنة مما سيقلل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي الهدام على الأبناء وسيرغب الطفل في تعلم أمور جديدة؛ إذ إن الحياة الاجتماعية تبدأ من نعومة أظافرهم، إلى جانب انعكاس السلوكيات الإيجابية للآباء على الأبناء، فنحن القدوة لهم، ونحن بحاجة ماسّة للتواصل الفعال أسريا واستقطاع الوالدين جزءا من أوقاتهم للأبناء ويكمن هذا التواصل في جودته وليس في الكم، بالسؤال عن أحوالهم وعلاقتهم بزملائهم مما يفتح عقل الطفل لاستيعاب السلوكيات الإيجابية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العادات والتقالید التواصل الاجتماعی الهویة الوطنیة شبکات التواصل البحث العلمی إلى جانب لا بد أن من خلال أن یکون من أجل

إقرأ أيضاً:

أمطار وتحذيرات من ضباب كثيف.. العراق على موعد مع كتلة باردة

أمطار وتحذيرات من ضباب كثيف.. العراق على موعد مع كتلة باردة

مقالات مشابهة

  • أمطار وتحذيرات من ضباب كثيف.. العراق على موعد مع كتلة باردة
  • غدا.. "الأحمر العماني" في مواجهة قوية أمام "العنابي" ضمن منافسات خليجي 26
  • السودان واستغلال الفرص
  • شرطة دبي توعي 200 عامل بالحقوق والواجبات
  • أستاذ علوم سياسية: على العالم التدخل لإنقاذ حالة التجويع التي تشهدها غزة
  • شرطة دبي تنظم فعالية “عناية ورعاية” لأكثر من 200 عامل
  • مشيرة خطاب تطالب بتعديل المادة 80 من الدستور لتحديد سن الطفل
  • ما قصة والد الطفلة إقبال والنوادي الليلية التي أصبحت حديث الشارع التركي؟
  • مستقبل وطن سوهاج ينظم ندوة تثقيفية حول «أساليب التنشئة الاجتماعية السليمة»
  • مختصون: السمت العماني .. هوية راسخة لمجتمع أصيل