واشنطن بوست: المسؤول الإيراني الذي قتل بالمزة هو العقل المدبر للهجمات ضد القوات الأميركية
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
واشنطن بوست: المسؤول الإيراني الذي قتل بالمزة هو العقل المدبر للهجمات ضد القوات الأميركية.
المصدر: وكالة خبر للأنباء
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: الإلهام المعرفي: انحدار أم استثمار؟
في عالم الفكر الفلسفي والتجارب الروحية، يتجلى الإلهام المعرفي كمفهوم غني بالمعاني، مثير للتساؤلات حول مصادر المعرفة وحدود العقل البشري. يتردد هذا التساؤل بشكل متزايد في عصرنا الحالي، حيث يقف الإنسان بين زخم المعلومات الرقمية المتدفقة وما تحمله من فرص وآفاق، وبين مخاوف الانحدار إلى السطحية والتشتت. هنا، يظهر الإلهام المعرفي كعامل مركزي يمكن استثماره لبناء رؤى إبداعية وفكرية، أو تركه ليصبح عنصرًا ضائعًا في دوامة التطور المفرط.
في الفضاءات الصوفية، يشير أهل التصوف إلى الإلهام كمنهج معرفي يندرج ضمن التجربة الروحية العميقة. الصوفي، عندما يخوض في رياضات روحية مكثفة، يدرك حقائق وكشوفات تتجاوز حدود العقل التقليدي. هذه الكشوفات، كما يرون، ليست نقيضًا للعقل، بل مكملة له، حيث يُعطى العقل دورًا محدودًا في عالم المحسوسات، بينما تتولى البصيرة – تلك العين الروحية التي تستمد نورها من عالم الغيب – دور استكشاف ما وراء ذلك.
الإمام أبو حامد الغزالي، أحد أبرز أعلام التصوف الإسلامي، يمثل نموذجًا متميزًا لفهم هذا التداخل بين العقل والإلهام. في كتاباته، وصف الغزالي العقل بأنه أداة ضرورية للمعرفة، لكنه أكد أن له حدودًا عندما يتعلق الأمر بعوالم الماورائيات. في هذه العوالم، يتولى الإلهام والبصيرة قيادة الرحلة المعرفية، حيث تصبح الحقائق واضحة بلغة تتجاوز القوالب التقليدية. ما يميز الغزالي هو قدرته على التعبير عن هذه التجربة بلغة عقلية منهجية، مما أتاح لهذه الرؤية أن تكون جسرًا بين التجربة الصوفية والعقلانية الفلسفية.
اليوم، في عصر الثورة الرقمية، يتكرر التساؤل ذاته: هل يمكن للإلهام أن يظل مصدرًا معرفيًا فعالًا؟ الثورة التقنية قدمت فرصًا هائلة لإثراء الفكر، من خلال الوصول إلى مصادر معرفية متنوعة ومتاح للجميع. لكنها في الوقت نفسه، طرحت تحديات خطيرة تمثلت في السطحية، وتشتت الانتباه، وضياع المعايير القيمية. الإلهام، كي يكون فاعلًا في هذا السياق، يتطلب إطارًا أخلاقيًا ومعرفيًا راسخًا. فهو ليس مجرد دفعة مؤقتة للإبداع، بل منهج يرتبط بعمق القيم الإنسانية والقدرة على التحليل والتأمل.
ما يجعل الإلهام المعرفي أكثر إلحاحًا اليوم هو علاقته بالبيئات الأكاديمية والتعليمية، حيث أصبح التحدي مزدوجًا: توفير المعرفة من جهة، وتعزيز القدرة على الفهم العميق من جهة أخرى. لا يكفي أن نغرق الأجيال القادمة بالمعلومات؛ بل ينبغي أن نمنحهم الأدوات التي تمكنهم من تحويل تلك المعلومات إلى بصائر ورؤى.
في هذا السياق، يمكن القول إن الإلهام ليس مجرد حالة شخصية تخص الأفراد، بل هو مشروع فكري جماعي يهدف إلى دفع الحدود التقليدية للتفكير نحو آفاق أرحب. السؤال الأهم هنا: هل يستطيع الإنسان المعاصر، في ظل هذا التدفق المعلوماتي غير المسبوق، أن يستعيد جوهر الإلهام كوسيلة للارتقاء الفكري؟ أم أن التحديات التي يفرضها العصر الرقمي ستظل عائقًا أمام تحويل الإلهام إلى منهجية معرفية قادرة على التكيف مع عالم يزداد تعقيدًا؟