الواثق البرير يكتب عن ضرورة الحاق المؤتمر الوطني بالمرحلة القادمة حتمية ام استسلام للحرب
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
أولاً: الوضع الدستوري الذي تم التوافق عليه بعد الثورة وقبل انقلاب 25 أكتوبر 2021 م قرر عزل المؤتمر الوطني كحزب أجرم في حق الشعب السوداني وقامت ضده ثورة ديسمبر المجيدة نتيجة تراكم نضالي إستمر لأكثر من ثلاثين عاما، ومن الطبيعي أن لايشارك النظام الساقط بثورة في الفترة الإنتقالية لضمان سلامة الإنتقال واحداث التغيير الذي قامت من أجله الثورة، وكان الحبيب الإمام الصادق المهدي عليه الرضوان قد أقترح أن يتم التعامل مع المؤتمر الوطني بالعزل في المرحلة الإنتقالية، وأن يشرك في فترة التحول المدني الديمقراطي، وطالبه بمراجعة تجربته والاعتذار عن الإنقلاب لضمان التزامه بعدم فرض الرأي الأحادي الشمولي كشرط للمشاركة في بناء المشروع الوطني الذي يشمل الجميع على أساس الحريات والحقوق والديمقراطية.
بعد انقلاب اكتوبر 2021 والانسداد السياسي، تم ابتدار العملية السياسية التي انتجت الإتفاق الإطاري بهدف أساسي هو تجنيب البلاد الانزلاق نحو الحرب بعد تصاعد حدة الخلاف بين أطراف الإنقلاب العسكرية والتأسيس لفترة انتقالية يتم فيها إصلاح ما افسده النظام البائد، وإنهاء انقلاب 25 أكتوبر. ليس صحيحا أن الاتفاق الإطاري عزل الاسلاميين من المشاركة في الحياة السياسية بعد الإنتقال، لأن الفترة الإنتقالية كانت تقتضي تفكيك بنية دولة الحزب لصالح دولة الوطن وتأسيس فترة انتقالية محدودة الزمن.
تحقق الإصلاحات المطلوبة في بنية الدولة المختلة وتنتهي بإنتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها الجميع دون استثناء بما في ذلك الإسلاميين (الذين لم تثبت عليهم المشاركة في قمع واضطهاد الشعب السوداني) ، وأكد الاتفاق الإطاري على أهمية مشاركة الجميع في صناعة الدستور الدائم والانتخابات الحرة النزيهة التي تلي الفترة الانتقالية دون إستثناء.
ثانياً: على الرغم مما حققه الإتفاق الإطاري من إيجابيات، وما تناوله من قضايا مفصلية وأجاب على العديد من الأسئلة المهمة المرتبطة بإصلاح بنية الدولة والإصلاح المؤسسي وعلى رأسها الإصلاح الأمني والعسكري، الذي يقضي بإنهاء كافة مظاهر تعدد الجيوش، وبناء جيش قومي مهني موحد يؤدي دوره الدستوري في الحفاظ على وحدة البلاد وحماية اراضيها ودستورها وعدم التدخل في الشأن السياسي والإقتصادي، وهو مكسب كان سيجنب البلاد الحرب الدائرة حاليا؛ وقد اتضح جلياً بعد قيام الحرب سيطرة مجموعة علي كرتي على الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، وسعيهم لإعادة حزبهم المباد بإدارة هذه الحرب التي هدفها الأساسي و أد الثورة وإعادة النظام البائد للواجهة عبر إشعال أوارها، وأدي ذلك لارتكاب جرائم عديدة زادت من سجل جرائمهم الكثيرة، بدلاً عن القيام بالمراجعات المطلوبة.
ثالثاً: إشراك المؤتمر الوطني أو مجموعة علي كرتي غير ممكن بعد هذه الحرب اللعينة ليس من باب فش الغبينة، ولكن لأن المجموعة اصلاً لا تؤمن بالتغيير الذي حدث بعد الثورة ولا بالسلام الشامل العادل ولا بالمشاركة في الشأن الوطني عبر التحول الديمقراطي، بل تعمد إلى توظيف كل ما تملك إلى قيادة البلاد نحو الحريق الشامل الذي ازهق الأرواح البريئة ودمر البنية التحتية من منشآت خدمية وموادر ومقدرات دفع الشعب السوداني كلفة انشاءها لعشرات السنين، والأخطر من ذلك أنها شردت الخبرات الوطنية والكفاءات المهنية التي من الصعب عودتها إلى أرض الوطن بعد هذه الحرب، وقد خاضوا هذه الحرب بحماقة لم يعرفها التاريخ وأعلنوا عن ذلك بكل بجاحة واستعلاء.
رابعاً: هذه المجموعة تعارض السلام الذي يشمل الجميع ويتمتع فيه السودانيين بالمواطنة المتساوية في الحقوق، وصنفت الشعب السوداني على أساس عرقي وجهوي، واجتهدت في إذكاء روح الفتنة بين أبناء الوطن والسعي المستمر لإشعال الحرب الأهلية، عبر التجييش والتسليح والتمييز العنصري فمجموعة علي كرتي (المعارضة لتفكيك التمكين) هدفها السيطرة على مفاصل الدولة السودانية إقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، وعلى مؤسسات الدولة العدلية من قضاء ونيابة، وقد ظهر هذا بوضوح بعد إنقلاب 25 أكتوبر ، إذ أخرجت قياداتها من السجون باحثة عن إعادة التمكين وارتكاب المزيد من الجرائم بدون أن تكترث لتداعيات ذلك على الوطن.
خامساً : النقطة المهمة هي أنه ليس هناك أي مؤشرات من قبل المؤتمر الوطني على قبول أية لغة تصالحية ولا رغبة له في الجلوس مع الآخرين على قدم المساواة في شأن الوطن، لم يبد ذلك في أفعالهم ولاكتاباتهم ولا أقوالهم، ويكفي أنهم يجتهدون في تبديد كل فرص السلام وإنهاء الحرب.
إن إشراك هؤلاء ثمنه ذبح ثورة ديسمبر المجيدة وتضحيات الشهداء والجرحي والمفقودين والمشردين فضلاً عن التجاوز عن الجرائم الجسيمة التي ارتكبوها خلال ثلاثين عاما، ولن يهدأ لهم بال حتى يقوموا بإقصاء الجميع وربما قتلهم، أو اعتقالهم وما يحدث الآن في كل ولايات السودان خير دليل على ذلك.
إن خطابات الكراهية والعنصرية والتحريض ضد القوى المدنية وإصدار الفتاوى التجريمية من قبل علماء السلطان بقتل وإهدار دم أبناء الوطن المعارضين لنهجهم، دليل واضح على استمرارهم في نهجهم .
ولكل دعاة التصالح مع المؤتمر الوطني فإنني أقول أن هذا إن حدث لن يحقق سلاماً مستداماً بل سيكون استسلاماً وتنازلا عن أهداف ثورة ديسمبر المجيدة، وصفحا عن المجرمين، وإهداراً للعدالة وحقوق الشعب السوداني.
الرسالة المهمة هي أن الطريق الوحيد للمؤتمر الوطني للعودة للممارسة السياسية الراشدة هي أن يترك النهج الاقصائي وأن يعترف بالأخطاء والجرائم التي ارتكبها طيلة فترة حكمة واشعاله للحرب، وعلى رأسها الإنقلاب على خيارات الشعب السوداني، وأن يعلن استعداده للتعامل مع ملف العدالة بإيجابية، وعدم مقاومة تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن، وأن يقدم مراجعات واضحة لنهجه القديم والاستعداد لقبول الآخر وحينها من الممكن أن تكون الدعوة للحوار معه مقبولة وذات جدوى. لقد اثبتت تجارب التاريخ في الحوار مع المؤتمر الوطني أنه حزب يتخذ الحوار كوسيلة للهروب من الأزمات، وتغيير جلده مع الاصرار على الإستمرار في النهج التمكيني ولم يكن في أي مرحلة من مراحل وجوده في السلطة مستعداً لقبول الآخر والتعاطي الإيجابي مع المطالب المشروعة ونحن في حزب الامة تجاربنا كثيرة معه.
إننا نؤمن أن مسيرة إصلاح الوطن وتحقيق تطلعات شعبه لن تنجح إلا بمشاركة جميع أبناءه وبناته المؤمنين والمؤمنات بالتحول الديمقراطي بكل توجهاتهم، وإن نبذ كافة أشكال النهج الاقصائي والتمكيني والشمولي واجب المرحلة، والموقف الصحيح هو أن يعمل الجميع وكافة القوى الوطنية لبناء أوسع جبهة لإنهاء الحرب وتأسيس دولة الحرية والعدالة والمساواة والسلام بأهداف ثورة ديسمبر المجيدة.
الواثق البرير
الأمين العام لحزب الأمة القومي
المصدر: نبض السودان
كلمات دلالية: البرير الواثق ضرورة عن يكتب الشعب السودانی المؤتمر الوطنی هذه الحرب
إقرأ أيضاً:
بين التصعيد وخريطة الطريق.. هل يعود اليمن للحرب الشاملة؟
على الرغم من ارتفاع نبرة الإعلام المحسوب على الحكومة المعترف بها دوليًا في الآونة الأخيرة باتجاه التصعيد العسكري؛ فما زال المجتمعان الدولي والإقليمي يتحدثان ويعطيان أولوية للتسوية السياسية، من خلال التزام تنفيذ خريطة الطريق.
السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، التقى في الثالث من آذار/مارس السفير العراقي لدى اليمن، قيس العامري، وقال السفير السعودي في «تدوينة» على منصة «إكس»، إنه جرى «مناقشة مستجدات الأزمة اليمنية، واستعراض جهود المملكة السياسية والإنسانية والاقتصادية والتنموية في اليمن، ودورها في دعم جهود السلام في اليمن، ودعمها لجهود المبعوث الأممي الخاص لليمن وخريطة الطريق بين الأطراف اليمنية، للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية».
وفي ذات السياق، أكدَّ المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، في إحاطته الأخيرة عن تطورات جهود السلام في اليمن، أمام مجلس الأمن الدولي، الخميس، أهمية الالتزام بخريطة الطريق «باعتبارها مسارًا قابلا للتطبيق». لكن المبعوث الأممي في إحاطته عينها حذر أيضًا من عودة اليمن إلى حرب واسعة النطاق في حال لم تلتزم الأطراف بالتهدئة.
كيف نقرأ التصعيد العسكري الراهن على الأرض وإن كان محدودا، بينما المجتمعان الدولي والإقليمي يؤكدان على الحل السياسي والتزام خريطة الطريق، التي أعلنت الأمم المتحدة توافق الأطراف اليمنية عليها في كانون الأول/ديسمبر 2023؟ هل الإقليم والمجتمع الدولي ما زالا مع الخريطة باعتبارها السبيل الوحيد للحل والتسوية السياسية في اليمن؟
العودة للحرب
يقول أمين عام حزب التجمع الوحدوي اليمني، وزير الثقافة الأسبق، عبد الله عوبل، لـ«القدس العربي»: «لا يوحي الوضع على الأرض بعودة الحرب في اليمن بين أطراف الحرب: الشرعية والحوثي، على الرغم من تصاعد التصريحات الإعلامية لإعلام الشرعية. أما المملكة السعودية فلن تعود للحرب، للتفرغ للتنمية ولعب دور أكبر في السياسة الدولية، وتفضل العودة إلى خريطة الطريق بينها وبين الحوثيين».
وأضاف: «خريطة الطريق كان مقررًا أن يتم توقيعها في كانون الثاني/يناير 2024، ولكن لأن الحوثيين ساندوا الفلسطينيين في غزة أثناء حرب الإبادة، التي يشنها الصهاينة على غزة والضفة الغربية، فقد جمد الأمريكان خريطة الطريق، ويبدو أنها الآن لن ترى النور بعد التصنيف الأمريكي للحوثي منظمة إرهابية أجنبية.
والسؤال هو لماذا يصرح المسؤولون السعوديون بأنهم متمسكون بخريطة الطريق حتى بعد قرار ترامب الأخير؟ تقديري إن المملكة تعير اهتماما لاتفاقها مع إيران برعاية الصين، وهي فعلا لا تريد العودة إلى الحرب في اليمن، وهي تتمسك بخريطة الطريق، لكن إذا الإمريكان سيعطلون تنفيذ خريطة الطريق لا بأس، (جاءت منك يا جامع) المثل لشخص لا يصلي، ويوم قرر أن يذهب للجامع وجده مغلقًا، فقال هذا المثل».
واستطرد عوبل: «الغريب هو كلام المبعوث الأممي عن خريطة الطريق، وهو يعلم إن قرار ترامب بتصنيف الحوثي منظمة إرهابية قد قطع الطريق على أي عملية سلام، وبالفعل ليس في جعبة المبعوث أي شيء حول السلام غير خريطة الطريق.
أما الشرعية فلم تكن شريكا في مفاوضات خريطة الطريق، وهي الطرف الخاسر في خريطة الطريق هذه، ولا شك أن الرئاسي تنفس الصعداء بعد قرار الرئيس ترامب بتصنيف الحوثي إرهابيا، لكن الشرعية عاجزة أن تخوض حربا مع الحوثي بدون مساندة من المملكة العربية السعودية، وبالتالي فإن تصريحات الإعلام الشرعي ما هي إلا فقاعات في الهواء».
الملفات الإقليمية
عادل دشيلة، وهو باحث في مركز الشرق أوسطي للأبحاث في جامعة كولومبيا، يرى أن اللقاء السعودي في واشنطن نتج عنه بعد أيام قرار التصنيف الأمريكي لجماعة «أنصار الله» (الحوثيون) جماعة إرهابية أجنبية، كما تم إضافة قيادات في الجماعة إلى قائمة العقوبات الأمريكية.
وقال لـ«القدس العربي»: «هناك عدة مسارات؛ منها أن السعودية ستقول أنا قدمت خريطة الطريق وجماعة الحوثي رفضت الخريطة. هذا التصنيف لا علاقة لي به. السعوديون بكل تأكيد لا يريدون التصعيد العسكري مع جماعة الحوثي في الوقت الراهن، مع أنهم يدركون أن هناك رغبة دولية.
لكن السعودية لها الاستراتيجية الخاصة تجاه اليمن. لأنها لن تتعامل مع اليمن بمنظور اللحظة. ولهذا هي منذ اليوم الأول عارضت أي اندفاع عسكري في البحر الأحمر».
وأشار إلى أن «الملف اليمني مرتبط بالأزمات الإقليمية من غزة إلى سوريا إلى لبنان إلى العراق إلى إيران. في حال وجدت رؤية استراتيجية لكيفية التعامل مع هذه الملفات بطريقة عسكرية أو دبلوماسية، حينها يمكن الحديث عن إنهاء الأزمة في اليمن. لكن بدون معالجة كل الملفات في المنطقة لا أعتقد أننا سنصل إلى سلام في اليمن».
ثم ماذا؟
مما سبق نفهم إن استئناف الحرب في اليمن ما زال خيارًا غير وارد إقليميًا ودوليًا؛ لأن تداعياته ستكون كارثية على مستوى المنطقة ككل؛ وبالتالي فإن خيار التسوية ما زال خيارا مطروحا؛ وإن تراجعت حظوظه، لكن المجتمعين الدولي والإقليمي لا ينظران إلى مصالح تجار الحرب في الداخل، وبالتالي مهما كانت نبرة التصعيد إعلاميًا فإن قرار الحرب ليس بيد الداخل. كما لا يمكن تجاهل مدى التشابك الحاصل بين الملف اليمنيّ والملفات الإقليمية.