أولاً: الوضع الدستوري الذي تم التوافق عليه بعد الثورة وقبل انقلاب 25 أكتوبر 2021 م قرر عزل المؤتمر الوطني كحزب أجرم في حق الشعب السوداني وقامت ضده ثورة ديسمبر المجيدة نتيجة تراكم نضالي إستمر لأكثر من ثلاثين عاما، ومن الطبيعي أن لايشارك النظام الساقط بثورة في الفترة الإنتقالية لضمان سلامة الإنتقال واحداث التغيير الذي قامت من أجله الثورة، وكان الحبيب الإمام الصادق المهدي عليه الرضوان قد أقترح أن يتم التعامل مع المؤتمر الوطني بالعزل في المرحلة الإنتقالية، وأن يشرك في فترة التحول المدني الديمقراطي، وطالبه بمراجعة تجربته والاعتذار عن الإنقلاب لضمان التزامه بعدم فرض الرأي الأحادي الشمولي كشرط للمشاركة في بناء المشروع الوطني الذي يشمل الجميع على أساس الحريات والحقوق والديمقراطية.

بعد انقلاب اكتوبر 2021 والانسداد السياسي، تم ابتدار العملية السياسية التي انتجت الإتفاق الإطاري بهدف أساسي هو تجنيب البلاد الانزلاق نحو الحرب بعد تصاعد حدة الخلاف بين أطراف الإنقلاب العسكرية والتأسيس لفترة انتقالية يتم فيها إصلاح ما افسده النظام البائد، وإنهاء انقلاب 25 أكتوبر. ليس صحيحا أن الاتفاق الإطاري عزل الاسلاميين من المشاركة في الحياة السياسية بعد الإنتقال، لأن الفترة الإنتقالية كانت تقتضي تفكيك بنية دولة الحزب لصالح دولة الوطن وتأسيس فترة انتقالية محدودة الزمن.

تحقق الإصلاحات المطلوبة في بنية الدولة المختلة وتنتهي بإنتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها الجميع دون استثناء بما في ذلك الإسلاميين (الذين لم تثبت عليهم المشاركة في قمع واضطهاد الشعب السوداني) ، وأكد الاتفاق الإطاري على أهمية مشاركة الجميع في صناعة الدستور الدائم والانتخابات الحرة النزيهة التي تلي الفترة الانتقالية دون إستثناء.

ثانياً: على الرغم مما حققه الإتفاق الإطاري من إيجابيات، وما تناوله من قضايا مفصلية وأجاب على العديد من الأسئلة المهمة المرتبطة بإصلاح بنية الدولة والإصلاح المؤسسي وعلى رأسها الإصلاح الأمني والعسكري، الذي يقضي بإنهاء كافة مظاهر تعدد الجيوش، وبناء جيش قومي مهني موحد يؤدي دوره الدستوري في الحفاظ على وحدة البلاد وحماية اراضيها ودستورها وعدم التدخل في الشأن السياسي والإقتصادي، وهو مكسب كان سيجنب البلاد الحرب الدائرة حاليا؛ وقد اتضح جلياً بعد قيام الحرب سيطرة مجموعة علي كرتي على الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، وسعيهم لإعادة حزبهم المباد بإدارة هذه الحرب التي هدفها الأساسي و أد الثورة وإعادة النظام البائد للواجهة عبر إشعال أوارها، وأدي ذلك لارتكاب جرائم عديدة زادت من سجل جرائمهم الكثيرة، بدلاً عن القيام بالمراجعات المطلوبة.

ثالثاً: إشراك المؤتمر الوطني أو مجموعة علي كرتي غير ممكن بعد هذه الحرب اللعينة ليس من باب فش الغبينة، ولكن لأن المجموعة اصلاً لا تؤمن بالتغيير الذي حدث بعد الثورة ولا بالسلام الشامل العادل ولا بالمشاركة في الشأن الوطني عبر التحول الديمقراطي، بل تعمد إلى توظيف كل ما تملك إلى قيادة البلاد نحو الحريق الشامل الذي ازهق الأرواح البريئة ودمر البنية التحتية من منشآت خدمية وموادر ومقدرات دفع الشعب السوداني كلفة انشاءها لعشرات السنين، والأخطر من ذلك أنها شردت الخبرات الوطنية والكفاءات المهنية التي من الصعب عودتها إلى أرض الوطن بعد هذه الحرب، وقد خاضوا هذه الحرب بحماقة لم يعرفها التاريخ وأعلنوا عن ذلك بكل بجاحة واستعلاء.

رابعاً: هذه المجموعة تعارض السلام الذي يشمل الجميع ويتمتع فيه السودانيين بالمواطنة المتساوية في الحقوق، وصنفت الشعب السوداني على أساس عرقي وجهوي، واجتهدت في إذكاء روح الفتنة بين أبناء الوطن والسعي المستمر لإشعال الحرب الأهلية، عبر التجييش والتسليح والتمييز العنصري فمجموعة علي كرتي (المعارضة لتفكيك التمكين) هدفها السيطرة على مفاصل الدولة السودانية إقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، وعلى مؤسسات الدولة العدلية من قضاء ونيابة، وقد ظهر هذا بوضوح بعد إنقلاب 25 أكتوبر ، إذ أخرجت قياداتها من السجون باحثة عن إعادة التمكين وارتكاب المزيد من الجرائم بدون أن تكترث لتداعيات ذلك على الوطن.

خامساً : النقطة المهمة هي أنه ليس هناك أي مؤشرات من قبل المؤتمر الوطني على قبول أية لغة تصالحية ولا رغبة له في الجلوس مع الآخرين على قدم المساواة في شأن الوطن، لم يبد ذلك في أفعالهم ولاكتاباتهم ولا أقوالهم، ويكفي أنهم يجتهدون في تبديد كل فرص السلام وإنهاء الحرب.

إن إشراك هؤلاء ثمنه ذبح ثورة ديسمبر المجيدة وتضحيات الشهداء والجرحي والمفقودين والمشردين فضلاً عن التجاوز عن الجرائم الجسيمة التي ارتكبوها خلال ثلاثين عاما، ولن يهدأ لهم بال حتى يقوموا بإقصاء الجميع وربما قتلهم، أو اعتقالهم وما يحدث الآن في كل ولايات السودان خير دليل على ذلك.

إن خطابات الكراهية والعنصرية والتحريض ضد القوى المدنية وإصدار الفتاوى التجريمية من قبل علماء السلطان بقتل وإهدار دم أبناء الوطن المعارضين لنهجهم، دليل واضح على استمرارهم في نهجهم .
ولكل دعاة التصالح مع المؤتمر الوطني فإنني أقول أن هذا إن حدث لن يحقق سلاماً مستداماً بل سيكون استسلاماً وتنازلا عن أهداف ثورة ديسمبر المجيدة، وصفحا عن المجرمين، وإهداراً للعدالة وحقوق الشعب السوداني.

الرسالة المهمة هي أن الطريق الوحيد للمؤتمر الوطني للعودة للممارسة السياسية الراشدة هي أن يترك النهج الاقصائي وأن يعترف بالأخطاء والجرائم التي ارتكبها طيلة فترة حكمة واشعاله للحرب، وعلى رأسها الإنقلاب على خيارات الشعب السوداني، وأن يعلن استعداده للتعامل مع ملف العدالة بإيجابية، وعدم مقاومة تفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن، وأن يقدم مراجعات واضحة لنهجه القديم والاستعداد لقبول الآخر وحينها من الممكن أن تكون الدعوة للحوار معه مقبولة وذات جدوى. لقد اثبتت تجارب التاريخ في الحوار مع المؤتمر الوطني أنه حزب يتخذ الحوار كوسيلة للهروب من الأزمات، وتغيير جلده مع الاصرار على الإستمرار في النهج التمكيني ولم يكن في أي مرحلة من مراحل وجوده في السلطة مستعداً لقبول الآخر والتعاطي الإيجابي مع المطالب المشروعة ونحن في حزب الامة تجاربنا كثيرة معه.

إننا نؤمن أن مسيرة إصلاح الوطن وتحقيق تطلعات شعبه لن تنجح إلا بمشاركة جميع أبناءه وبناته المؤمنين والمؤمنات بالتحول الديمقراطي بكل توجهاتهم، وإن نبذ كافة أشكال النهج الاقصائي والتمكيني والشمولي واجب المرحلة، والموقف الصحيح هو أن يعمل الجميع وكافة القوى الوطنية لبناء أوسع جبهة لإنهاء الحرب وتأسيس دولة الحرية والعدالة والمساواة والسلام بأهداف ثورة ديسمبر المجيدة.

الواثق البرير
الأمين العام لحزب الأمة القومي

المصدر: نبض السودان

كلمات دلالية: البرير الواثق ضرورة عن يكتب الشعب السودانی المؤتمر الوطنی هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

صفقة القرن القادمة بين اسرائيل وحماس

راجت في وسائل الإعلام أخبار غير مؤكدة تتحدث عن مبادرة تقترح (انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، وإتمام صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين، على أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، مقابل خروج «حماس» عبر معبر رفح إلى مصر، وبعدها إلى السودان، حيث ستحصل الحركة على مكاسب مالية وسياسية. ولفت إلى أن هذا المقترح لاقى استحساناً لدى الأطراف المعنية بوقف الحرب، التي تقترب من نهاية عامها الأول، في مساعٍ لإنجاز صفقة التبادل بين الطرفين، مبيناً أن إسرائيل وافقت على المقترح وتم نقله إلى الحركة على يد وسيط خليجي بدعم دولة عربية. وبحسب المصدر، فإن الجيش السوداني وافق على استضافة جميع قادة «حماس» ومقاتليها على أراضيه، مع تحرير أموالهم المحتجزة في البنوك السودانية وتسليمهم كل العقارات والأموال والمحطة التلفزيونية التي كانت تملكها الحركة في الخرطوم إبان حكم الرئيس المعزول عمر البشير).
هذا المقترح يحمل رائحة مصرية، ويبدو أن فيه مخرجا منطقياً بالنسبة لجميع الأطراف المتورطة في هذه الحرب، والتي لا اعتقد أن أيا من الطرفين المتحاربين سيكسب منّ إستمرارها. ولم تم تنفيذ هذه الخطة فان نتنياهو سيخرج منتصراً وسيقول بأنه قد حقق مبتغاه، بإزالة خطر حماس الذي يتهدد بلاده، وسيحقق انتصارا على معارضيه داخل اسرائيل من الذين اختلفوا معه حول أهداف هذه الحرب، وضررها وتقليصها لاحتمالات الوصول لصفقة تحرر الرهائن، وهذا ملف ساخن جداً في اسرائيل، ويهدد طموحات نتنياهو السياسية وفرصه في الانتخابات المقبلة. ومن ناحية حماس، فإن هذا المقترح سيكتب لها عمراً جديداً، أفضل كثيراً من احتمالية القضاء الكامل عليها واجتثاثها من على ظهر الأرض، وقد فقدت بالفعل حتى الآن أكثر من نصف مسلحيها، وشل النصف الثاني.
وبالنسبة للإدارة الأميركية، وحكومات الدول الغربية المتحالفة مع اسرائيل، فإن هذا المقترح سيرفع عن كاهلها حرجاً عظيماً ويخلصها من صداع الادانات الدولية ضد مواقفها من تأييد اسرائيل، التي تمارس التصفية العنصرية ضد عشرات الآلاف من سكان غزة. وبالنسبة للدول العربية، وخاصة بعض أهم دول الخليج، التي كانت قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى من عقد اتفاقات السلام والتعاون مع اسرائيل، فإن ايقاف هذه الحرب سيعيدها إلى تحقيق رغبتها ومصالحها التي بتتها على وقف العداء وعقد اتفاقيات السلام مع إسرائيل ،
وبالنسبة للبرهان والجيش السوداني، فإن هذا الاتفاق سيكتب لهم عمرا جديداً، حيث ستصبح كل الأطراف المذكورة أعلاه مدينة له، وهذا سيضمن له البقاء في السلطة، بدعم اقتصادي كبير من كل المستفيدين، ولنفس السبب ستكون مصر، مقدمة المقترح، في تقديري، هي المستفيد الأكبر من هذه الصفقة. فهي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، وسيصبح المستفيدين من الصفقة أكثر استعدادا لمعاونتها ودعمها ومكافأتها على حلها للأزمة.
وفي تقديري أن مصر ستستفيد أكثر من توسيع نفوذها وتقوية قبضتها على زمام الأمور في السودان. ففيما يبدو لي أن مصر قد دخلت مؤخراً بقوة ومساهمة عسكرية أكبر لدعم موقف البرهان وجيشه في الحرب الطاحنة الدائرة، بعد أن كان الجيش قد أوشك أن ينتهي مهزوماً من قوات الدعم السريع، حيث تراجعت قواته وتوالى انسحابها من معظم الولايات والقواعد العسكرية في مختلف أرجاء البلاد، ويبدو أن انتصارات الجيش خلال هذا الأسبوع وتقدمه في عدة جبهات من الخرطوم بحري وأم درمان والخرطوم، قد حدثت نتيجة لتدخل مصري بالطائرات التي قصفت عديد المواقع، بدقة وكثافة لم تعرف عن الجيش السوداني منذ بداية هذه الحرب.
مصر تخشى من مخاطر انتصار الدعم السريع، لأنها تراه مهدداً حقيقياً لأمنها، ومعوقا لمشروعها الذي تخطط له في السودان، ويتلخص في تسليم السلطة لحكومة عسكر/مدنية، تكون خاضعة لنفوذها، مثلما كانت حكومة البشير، كأن يكون على رأسها رجل مثّل البرهان، ولا بأس أن يكون معه حمدوك المقبول دولياً، كرئيس مدني للوزراء، وتكون مهمة هذه الحكومة الأساسية هي تنظيف الجيش وأجهزة الأمن والدفاع من الكيزان، عدو نظام السيسي الأكبر والأخطر، على غرار ما فعلت حكومة السيسي في مصر، والتي تحتجز في سجونها ستين ألفاً من الاخوان المسلمين، بدأت حملة تطهيرهم مباشرة بعد مواجهتهم في رابعة.

bederelddin@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • صفقة القرن القادمة بين اسرائيل وحماس
  • شمشون يكتب نهايته في لبنان.. قراءة في كتابات إسرائيلية وغربية
  • عادل حمودة يكتب: سنة على الحرب فى غزة انتهت بمشهد اغتيال «نصر الله»
  • الاتحاد الليبي للجودو ينظم يوم الجمعة القادمة بطولة ليبيا للجودو بصالة 17 من فبراير
  • مباشر. اليوم الـ362 للحرب: قصف بلا هوادة على الضاحية وإسرائيل تتوعد إيران برد مؤلم والغرب يتدافع لحمايتها
  • فرج فتحي: إدراج قضايا الأمن القومي على مائدة الحوار الوطني ضرورة في ظل التطورات الخطيرة بالمنطقة
  • السوداني والملك عبدالله الثاني يدعوان إلى الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان
  • حاتم السر: القصة الكاملة والرواية الحقيقية للحرب لم تحكى بعد!!
  • موعد استقبال التحويلات التكميلية لحجز 1760 وحدة بالمرحلة العاشرة التكميلية ببيت الوطن
  • وزير الإسكان: الأربعاء المقبل.. بدء استقبال التحويلات التكميلية لحجز 1760 وحدة بالمرحلة العاشرة التكميلية بـ "بيت الوطن"