هل كان الغناء حقًا بكل هذه الأهمية، ما يجعل كونفوشيوس يقول: لا يهمنى من يحكم شعبى طالما أنا من يكتب أغانيه، أو كما أبدع عمنا بيرم التونسى الذى طرح مقايضة فادحة حين قال: غنيلى شوى شوى غنيلى وخد عينى، وكذلك الوالد فؤاد حداد «مفيش فى الأغانى كدا ومش كدا».
أو ما أفصح عنه عصام عبدالله ببساطة بليغة «سحر المغنى»، لطالما كانت الأغنية حاضرة فى كل المناسبات، ولهذا كله استسلمت أخيرًا لفكرة جمعها فى كتاب ربما يوفر للباحث والدارس مادة تجذبه لوضع نصوصنا المغناة تحت مجهر النقد، الذى من شأنه مساعدتنا فى اكتشاف الجماليات والنواقص، ومن ثم العمل على تطوير أدواتنا.
ولأنى من النوع الذى لا يطرق أبواب شركات الإنتاج، ولا يطارد مطربين، اشتغلت بشروطى ورهاناتى التى أؤمن بها وقتها، فكانت تحدث مفارقات لطيفة من وقت لآخر، أذكر مثلًا عندما هاتفنى أحدهم يطلب منى كلمات أغنية لفنانة كبيرة، واتفقنا على موعد وقد كان، ذهبت وليس فى يدى غير باقة ورد، ظلت المطربة تنتظر أن أُخرج حتى ولو ورقة من جيبى لأقرؤها ولم يحدث.
قالت: إنت سبت دفتر الأغانى فى العربية، قلت: لا أملك سيارة، فلما يئست سألتنى إن كنت أحفظ شيئًا، فطمأنتها وأضفت: كل شىء موجود، هذه فقط جلسة تعارف، أريد أن أسمعك بعيدًا عن الآلات وتقنيات الأجهزة، غنت وتجلت وأسمعتنى سحرًا لم أعثر عليه بعدها، تحمست بدورى وأسمعتها نصًا أعجبها، وطلبت المزيد وكانت تستحسن ما أقول، غير أنها فاجأتنى نهاية السهرة، وقالت: أنا أريد أغنية مثل أغنيتى الأخيرة، سمعتها بالطبع فقد حققت- ولا تزال- نجاحًا غير مسبوق، قلت بسيطة، حضرتك أطلبى ممن صنعوها واحدة تانية، أنا هنا لنصنع معًا شيئًا جديدًا ومختلفًا، يضيف لحضرتك ويضيف لى، ثم اعتذرت بعد أن شكرت لطفها البالغ وانصرفت حزينًا، فقد خسرت للتو فرصة قد لا تتكرر، ولكن ألم نربح من الخسارات أحيانًا.
ابراهيم عبدالفتاح – جريدة الدستور
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
"الأسبوع".. مشوار العمر
منذ أيام جمعني لقاء مع مجموعة من الزملاء الصحفيين، وكان الحديث عن هموم المهنة والجدل الدائر فى نقابة الصحفيين حول انتخابات التجديد النصفي للمجلس، وعلى منصب النقيب، وتطرق الحوار إلى أوضاع المؤسسات المختلفة، سألتني زميلة عن "الأسبوع"، فأجبتها بأن هذا المكان اقترن بمشوار عمري المهني، وفيه أشعر بالارتياح فى العمل، وأن مقر الجريدة يشبه بيتى فى ذلك الشعور الذى يتسرب إلى النفس بالسكينة والاطمئنان والرغبة فى العطاء.
قبل أن تصدر "الأسبوع" كنت قد عملت مع الأستاذين مصطفى ومحمود بكري فى صحيفة حزبية صادرة عن حزب مصر الفتاة، وكانت تجربة ثرية بكل المعاني استمرت لفترة لا تزيد عن عامين، هذه البداية كانت محفزًا على الاستمرار فى "الأسبوع"، التى بدأت قوية منذ عددها الأول فى 17 فبراير عام 1997م، وكانت تحقق انتشارًا متزايدًا على مر السنين، كنا مجموعة من الشباب المتقاربة أعمارهم حديثي التخرج، وكان الحلم بالانتماء إلى نقابة الصحفيين يراودنا طوال الوقت، لم يكن الأمر سهلاً، حيث استمر زملاء فى صحف قومية سنوات اقتربت من العشر قبل أن يصدر قرار بتعيينهم، لذا كان صدور قرار بتعيين دفعات من شباب الصحفيين فى صحيفة "الأسبوع" بمثابة حلم طال انتظاره.
العمل بالصحافة يحتاج إلى المثابرة والجهد والتصميم والإرادة، ومن دون كل ذلك لا يمكن الاستمرار فى مهنة يسمونها مهنة البحث عن المتاعب، شخصيًا اخترت العمل فى تلك المهنة التى أدركت صعوبتها، وكان يمكن التحول نحو مجالات أخرى متعددة تتناسب مع دراستي فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ولكن بعد كل هذه السنوات الطوال لم يساورني الشك، ولا الندم على اختيار الطريق.
أتاح العمل فى "الأسبوع" ظروفًا ملائمة وخاصة لى وللزميلات للتوفيق بين مسئولياتنا الأسرية والعمل، فقد كان، ومازال، هناك تفهم للظروف الخاصة، والتى يمكن أن تحول دون ممارسة العمل، أو تنفيذ الموضوعات الصحفية، ويستمر هذا التفهم إلى أن تمر بسلام.
فى كل المناسبات الاجتماعية لكل أسر الزملاء والزميلات تجد تواجدًا يعكس حالة من المودة والتواصل الإنساني، ولا يغفل الأستاذ مصطفى بكري الذى يعاملنا بمشاعر الأخ الأكبر، وكذلك الأستاذ محمود بكري، رحمه الله، أيًا من تلك المناسبات حتى لو تكبدوا مشقة السفر خاصة فى العزاء، وكذلك جميع الزملاء، فالواجب الإنساني لا يتأخر عنه أحد، كما أن حالة التلاحم ومؤازرة أى زميل يمر بمحنة مرض، أو ظرف اجتماعي، هى أهم ما يميز الروح الموجودة فى "الأسبوع".
البيت الكبير، أو بيت العيلة يجمع أبناء الأخوال والأعمام، بحكم صلة الرحم وليس أقواها من صلة، ونحن فى "الأسبوع" تجمعنا سنوات امتدت لـ28 عامًا تقاسمنا فيها أوقاتًا حلوة وأخرى صعبة، وواجهنا فيها صعوبات، وحققنا فى المقابل نجاحات، وجمعنا مكان نستشعر فيه أننا جميعًا أخوة تربطنا علاقات إنسانية غزلت بخيوط عشرة الأيام والسنين.
خلال الاحتفال الذى أقامته الجريدة قبل ثلاث سنوات بمناسبة مرور 25 عامًا على صدور العدد الأول، تمت دعوة كل الزملاء الذين بدأوا فى "الأسبوع"، وانتقلوا للعمل فى مؤسسات صحفية أخرى، وهو أمر عكس حالة من الحنين لكل الذكريات الجميلة التى جمعت كل العاملين.
هذه كلمات كنت كتبتها من قبل فى احتفالية 25 عامًا أعدت صياغتها بتصرف، ولم أجد تعبيرًا أفضل منها عن الامتنان للمكان الذى قضيت فيه "مشوار العمر".. كل عام وجريدتنا الغراء عنوان كبير فى بلاط صاحبة الجلالة.