سودانايل:
2024-11-17@05:36:27 GMT

السودان.. طريق واضح وخطاب تائه!

تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT

نجيب يماني

لم يدُرْ بخلدي على الإطلاق أن يرفض رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش السوداني الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان الدعوة التي قدمتها له تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك، إلى إيقاف الحرب وإحلال السلام، خلاصة لما خرجت به من اجتماعها الأخير مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وذلك بالنظر إلى جملة من الوقائع والمعطيات الماثلة على أرض الواقع، والتي تحتّم خيار الذهاب إلى قبول الاتفاق وليس رفضه؛ والزيادة في النكير كذلك بالتشنيع على صانعيه، ورميهم بتهم «العمالة والخيانة والارتزاق»، على نحو ما جاء في خطاب «البرهان» أمام جنوده في بورتسودان والذي سعّر فيه الحرب، ونسف كل الفرص الممكنة للسلام! وكأنه هو المنتصر في هذه الحرب العبثية.



فأي متابع للشأن السوداني يدرك أن هذه الدعوة من «تقدم»؛ كانت بمثابة «طوق نجاة» للجيش السوداني، ليخرج من وحل خسارة معاركه في الميدان لصالح الدعم السريع، والأدهى من ذلك أن هذا الخسران تمثّل في شكل انسحابات محيرة، واستسلام دون مقاومة، بما في ذلك بعض المدن الكبيرة مثل مدينة «ود مدني» الأمر الذي رسم علامات التعجّب والحيرة لدى قطاع واسع من أبناء الشعب السوداني، وزعزع ثقتهم المطلقة في جيش بلادهم..

فعوضاً عن اغتنام هذه الفرصة والذهاب باتجاه «الهدنة» و«وقف العدائيات» التي أقرها اجتماع أديس أبابا، وبصم عليها «الدعم السريع»، اتخذ «البرهان» الرفض موقفاً، متماهياً في ذلك مع خطاب «التجييش» الشعبي الذي قادته ذات «الجماعة» التي شغّبت على اجتماعات جدة، وسوّفت مخرجاتها، واتخذتها فرصة لالتقاط الأنفاس، فتركت قائد الجيش يفاوض بلسان في الطاولة، ويناقضه في المخاطبات العسكرية، بما أظهره بمظهر الذي لا يملك من أمره الكثير، وأنه ثمة فجوة، إن لم تكن هوة؛ بينه وبين وزارة خارجيته التي يسيطر عليها «الإخوان»، ويديرون دفة القرارات السياسية فيها من خلف ستار، وهو وضع يجعل من أمر الاتفاق على قرار واحد ملزم، في أي اجتماع سابق أو لاحق، أمراً في غاية العسر، ودليل ذلك ما تم إقراره على الطاولة في جدة، وجرى نقضه من «الخارجية» بعد ذلك..

إن خطورة الوضع في السودان، والتي تنذر بكارثة ماحقة، تتجلى في الدعوة العمياء لتجييش الشعب السوداني، وهي دعوة تقودها «الجماعة» بمسميات جديدة، مستثمرة حالة الاحتقان الشعبي من تفلتات بعض عناصر الدعم السريع، من نهب وسرقة، واتهامات بالاغتصاب، مشكّلة من هذا الوضع الفوضوي خطاباً تعبويّاً عصابيّاً ديماجوجيّاً، مستنهضة به الهمم للذود عن العرض والمال.. وخطورة هذا التجييش تكمن أولاً في أنه ينطلق من المدنيين، ويتولاه العسكريون، بما يؤكد فرضية سيطرة «الإخوان» على قيادة الجيش السوداني، وتسخيره لصالح أجندتها.. والأمر الآخر أن هذا التجييش الشعبي يوسّع من دائرة الصراع وينقله إلى دوائر الحرب الأهلية بامتياز، بما يوفّر المناخ للقتال على الهوية الإثنية، في بلد تتعدد أعراقه وتختلف..

لقد كان الأولى بالجيش السوداني أن يوفّر هذا السلاح الذي سيوزعه على المواطنين، لقواته التي توارت عن الساحة، و«تبخرت» في ظروف غامضة، بكل تشكيلاتها النظامية، ووحداتها القتالية، فهم المدربون على القتال، والمسؤولون عن حفظ أمن الناس، وتراب الوطن، ولكن أن يتولى «الشعب» حماية «الجيش»، فهذه سابقة في التاريخ، وسَوقٌ لهذا الشعب المسكين نحو وضع كارثي، ودمار وموت وحرب أهلية لن تبقي ولن تذر..

أخشى القول إن الوقت قد شارف على النفاد، فخطاب البرهان الأخير وضع القضية السودانية على حافة الانهيار والتشظي، وأحرج كل الجهود الساعية نحو وضع حد لهذه الحرب «العبثية»، على حد وصف باعثيها وموقديها، فيكفي هذا الشعب المسالم الطيب ما أصابه من ويلات وخسارة، عرضت بعضها منظمة الهجرة الدولية، في بيانها الأخير بالإشارة إلى أن عدد النازحين واللاجئين في السودان جرّاء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الماضي، ارتفع إلى أكثر من 7.5 مليون شخص وأن 5 ملايين و942 ألفاً و580 شخصاً نزحوا داخلياً، وأن الصراع تسبب في تحركات عبر الحدود لمليون و550 ألفاً و344 شخصاً إلى الدول المجاورة على رأسها مصر وليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطي وجنوب السودان وإثيوبيا، كما أشارت المنظمة إلى استمرار الصعوبات في توزيع المساعدات الإنسانية بالسودان بسبب استمرار انعدام الأمن وعدم استقرار شبكات الاتصال، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية.. فكل هذا وغيره ألم يكن حريّاً به أن يلجم صوت الناعقين باستمرار الحرب، والموقدين لأوارها، وأن يوقظ «البرهان» من حالة التوهان بين قيادة الجيش، والانتباه لأجندة «الإخوان» المفخخة؟!

وفي النهاية الحوار وحده القادر على إنهاء هذه الحرب وإعادة السودان وأهله إلى الأمن والاستقرار.
نشر في عكاظ السعوديه
https://www.okaz.com.sa/articles/authors/2153184  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

البرهان يوجه بتعزيز علاقات السودان الخارجية والعمل على تحسين معاش المواطنين

وجه رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان بتعزيز علاقات السودان الخارجية والعمل على خدمة البلاد ورعاية مصالحها العليا والوطنية ، كما شدد على أهمية توفير السلع الضرورية وتحسين معاش المواطنين وتوحيد الخطاب الدعوي في المنابر لنبذ العنصرية والعادات الضارة في المجتمع . جاء ذلك لدى لقائه الخميس وزراء ، الخارجية، وزير الشؤون الدينية والأوقاف ، ووزير التجارة والتموين. من جانبه وصف وزير الخارجية السفير الدكتور علي يوسف أحمد الشريف في تصريح صحفي اللقاء بأنه إيجابى ومثمر وتطرق إلى موجهات العمل العام بالنسبة للوزارات خلال الفترة القادمة . وأكد وزير الخارجية حرص وزارته على العمل والتنسيق كفريق واحد وفق رؤية متجانسة لتحقيق أهداف المرحلة المقبلة. فيما أوضح وزير التجارة والتموين الأستاذ عمر أحمد محمد بانفير أن اللقاء تناول مرتكزات عمل وخطط وبرامج ومشروعات الوزارة المستقبلية ، بجانب التركيز على الإهتمام بتوفير السلع الضرورية ومعاش المواطنين،فضلاً عن حل المشاكل التي تواجه قطاع الصادر. لافتاً إلى أنه وعد بحل كافة العقبات والتحديات التي تواجه عمل الوزارة لأداء مهامها بالصورة المطلوبة. إلى ذلك قال وزير الشؤون الدينية والأوقاف الدكتور عمر بخيت محمد آدم ،أنه قدم تنويراً لرئيس مجلس السيادة حول خطط وبرامج ومشروعات الوزارة خلال الفترة المقبلة. وأضاف أن اللقاء تطرق إلى مطلوبات تحريك وتفعيل الوزارة بشأن قضايا الأوقاف والحج والعمرة. وتوحيد الخطاب الدعوي في كل المنابر ونبذ العنصرية والعادات الضارة في المجتمع . إعلام القوات المسلحة السودانية إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية السوداني يكشف عن  تشكيل لجنة للتشاور السياسي مع الحكومة المصرية
  • «القاهرة الإخبارية»: ارتفاع عدد ضحايا مدينة الهلالية لـ 522 قتيلا في السودان
  • السودان يختنق بجرائم ميليشيا الدعم السريع.. والملايين يكتوون بنار الحرب
  • وزير المالية لـ«سودان تربيون»: نأمل أن تلجم أميركا دعم الإمارات لقوات الدعم السريع ولا خلافات بين الحركات المسلحة المؤسسة للقوة المشتركة و قيادة الجيش
  • البرهان يوجه بتعزيز علاقات السودان الخارجية والعمل على تحسين معاش المواطنين
  • السفارة في رواندا تعقد مؤتمرا صحفيا حول التطورات في السودان وانتهاكات الدعم السريع
  • السودان .. توجيهات عاجلة من البرهان لوزراء الحكومة
  • لسنا متمردون – نحن نمارس حق الدفاع الشرعي
  • الجنيه السوداني يدخل ساحة الحرب بين الجيش و«الدعم السريع» .. مسؤول رفيع سابق بالبنك المركزي: تبعات القرار كارثية
  • شهادات “مروعة” لناجيات من الحرب في السودان