في ذكرى استشهاد محمود محمد طه (18 يناير 1985)
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
أنشر في ذكرى أستاذ الأستاذ محمود محمد طه ملخص ورقة في الإنجليزية أردت بها رد الاعتبار لثورته في رفاعة في 1946 ضد تشريع استعماري بمنع ممارسة عادة الختان الفرعوني. فوجدت أن جماعة من الحداثيين استنكرت منه ذلك وعدته "رجعيا" في حين استحسنت بقية سيرته. بل جعلت منه قديساً في الوطنية والتحرر. ونشرت الورقة في
“Keep these Women Quiet: “Colonial Modernity, Nationalism, and Female Barbarous Custom,” Hawwa: Journal of the Middle East and the Islamic World, 9 (2011): 97-151.
كفى احشنو يا أناتي: الحداثة الاستعمارية، والحركة الوطنية، وعادة النساء البربرية
تعود هذه الورقة إلى ثورة رفاعة (1946) التي قادها محمود محمد طه، المجدد الإسلامي الشيخ الذي أعدمه الرئيس جعفر محمد نميري في 1885، لإلغاء تشريع أجازه الإنجليز يمنع الختان الفرعوني. فبرغم أن طه احتل مكان مقدساً في نظر الحداثيين لوقفته الشماء عند عتبة الموت، إلا أنهم لم يكفوا عن سلقه بألسنة حداد لمعارضته إجراء من الدولة أراد في زعمها استنقاذ المرأة من هذه العادة البربرية. ولم تغفر له طوائف الحداثيين تلك الزلة بمعارضة إلغاء الختان الفرعوني برغم أنه نهض لاحقاً، كما لم يسبقه إلا القليلين، لخدمة قضية المرأة وتعزيز حقوقها.
وتحاجج الورقة أن هذا الخلاف المشتجر حول مأثرة طه الجنسانية مردها إلى أخدود في الدراسات السودانية وعن السودان. فلم تنجح الكتابات شديدة الحساسية والأرق عن طهارة النساء الفرعونية في التأثير على سردية الحركة الوطنية. وهي دراسات في مثل ما كتبت الأكاديمية الكندية جانس بودي تنقض غزل تبجح الاستعمار بشفقته بالمرأة. فقبل أكثرنا بلا غضاضة زعم الحداثة الاستعمارية بأخذ الأهالي في مدارج الحضارة (مثل استنقاذ المرأة التي خضعت لاستعمارهم من توحش ذكور المستعمرة). والأنكى أن الكثيرين منا صفوة وعامة يحسون، وقد بان كساد حظنا من الاستقلال الوطني، بفقد مؤرق لتلك المهمة ويودون لو بقيت فينا وأصلحت.
تأخذ الورقة بنظرية ما بعد الاستعمار وتستعين بها للحم ما بين دراسات الحركة الوطنية ودراسات الجندر في السودان لفهم أفضل لممارسة طه السياسة كوطني من طراز فريد. وهي فرادة أملت عليه الوقوف ضد قانون لإلغاء الطهارة الفرعونية من فوق حيثيات أنفذ لتحريرنا، بما فيها استنقاذ المرأة من الذكورية، كمهمة لا ينهض بها غيرنا بحركة وطنية جذرية تأخذ بناصية الفكر. وسترى الورقة في زعم الاستعمار استنقاذ المرأة، أو أي طائفة أخرى في المستعمرة، "لغوا استعمارياً" في تعريف الأكاديمي الهندي هومي بابا له. فقال عن هذا اللغو إن فيه الدليل على عقم المهمة الاستعمارية في حد ذاتها. فهي مشروع يزعم لنفسه الحداثة ولكنه كاسد لأنه متنازع بين مطالب بلده، المتربول مثل إنجلترا، التي تأخذ بعادة الديمقراطية والعقابيل الإدارية في المستعمرة التي هي رهينة عادة الشوكة.
Abstract
This paper revisits the Rufa’a revolt/riot (1946) in the Sudan led by Mahmoud M. Taha, the elderly Islamic, modernist reformer executed by President Nimerie in 1985, to abolish legislation against female circumcision imposed by the British. Although revered as a martyr for his courage facing death for his beliefs, Taha has been unrelentingly castigated for opposing a measure that intended allegedly to rescue women from this barbarous custom. Not even Taha’s subsequent unprecedented labor for women’s rights took the edge off this criticism of his stand on female circumcision in 1946.
The paper will argue that this conflicted view about Tahas’ feminist legacy arose from a sorrowful dichotomy in scholarship about the Sudan. The culturally sensitive feminist writings about female circumcision in the country have failed to influence the narrative of Sudanese nationalism. In this narrative colonial modernity’s claim to civilize the “natives” (like rescuing colonial women from their male oppressors) has been widely accepted. Worse, this rescue mission is currently missed and nostalgically remembered as a golden past by both scholars and laymen who were turned off by the disarray of independent Sudan.
Drawing on postcolonialism, the paper will seek to bridge the gulf between Sudan feminism and nationalism scholarships to rehabilitate the feminist outlook and praxis of Taha, a consummate, different nationalist. The colonial rescue concept, or modernity, will be viewed as a form of a “colonial nonsense” as developed by Homi Bhabha. This nonsense is evidence of the sterility of colonialism, an alleged modernist project, torn between the demands of the metropolis raised in the custom of democracy, and the administrative constraints of the colony mired in the custom of power.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
استشهاد القائد محمد الضيف.. تتويجٌ لتضحيات المقاومة الفلسطينية وانتصاراتها
يمانيون../
أتى إعلانُ خبر استشهاد القائد محمد الضيف وثلة من زملائه الأبطال، تتويجاً للانتصار الكبير للمقاومة الفلسطينية “حماس” بعد وقف العدوان الصهيوني على غزة بعد أكثر من 15 شهرًا قدمت خلالها المقاومة الفلسطينية دروساً كبيرة في الصمود الأُسطوري والتضحية والفداء رغم ضراوة المعركة التي خاضتها الفصائل طيلة أَيَّـام معركة طوفان الأقصى ضد الكيان الصهيوني.
وتعليقًا على استشهاد القائد الكبير محمد الضيف، يقول الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي: إن هذا الإعلان عن استشهاد القادة وفي طليعتهم الشهيد والمجاهد الضيف جاء في توقيت حقّق المناضلون الفلسطينيون تحرير عدد كبير من القادة الأسرى في سجون الاحتلال، مُشيرًا إلى أن تحرير هذا العدد الكبير سواء الدفعة الأولى أَو الثانية وبينهم قادة أَو ممن حكم عليهم بالمؤبد، وبعضهم ممن قضى في سجون الاحتلال أكثر من 40 سنة، يعتبر انتصارًا كَبيرًا للمقاومة، وإضافة جديدة ونوعية لها ولكوادرها.
القدرة على الاستمرار:
ويؤكّـد، أن كُـلّ ذلك جرى في نفس اللحظة التي تم فيها الإعلان عن استشهاد هؤلاء القادة الذي يمثل فقدانهم خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني والأمة العربية المجاهدة، لافتًا إلى أن استشهادهم أكّـد ثبات البنيان القيادي للحركة، وأنهم بنوا بالفعل حركة مقاومة قادرة على الاستمرار بعد أن يستشهد القادة، مُضيفًا “وهذا يدل على أنهم قادة من طراز ثقيل، يشاركون في المعارك بأنفسهم”.
ويرى أن ما يجري هو مآثر كبيرة للشعب الفلسطيني، وهذا ليس بغريب على هذا الشعب، فكل تاريخه مليء بالشهداء العظماء من كُـلّ القوى والفصائل، ومليء بالتضحيات التي تصنع طريق النصر وحرية الشعب الفلسطيني.
ويجدد التأكيد على استمرار النضال ليس فقط؛ مِن أجلِ تحويل وقف إطلاق النار إلى وقف للحرب والعدوان بشكل كامل على قطاع غزة، بل لوقف الحرب على الضفة الغربية وإفشال أخطر مؤامرتين نتعرض لهما والمتمثلتين في: مؤامرة التطهير العرقي والضم والتهويد التي يسعى إليها الكيان الصهيوني.
ويضيف أن المشهد على الأرض يؤكّـد فشل العدوان على غزة فالشعب الفلسطيني لم ينكسر رغم تضحيات الشهداء ورغم ما تعرض له من عدوان صهيوني وإبادة جماعية، مشيرًا إلى أن “مشهد الافتخار المتمثل بعودة مئات الآلاف من الفلسطينيين في رسالة قوية للعدو بأن لا يحلم العدوُّ بمسألة التطهير العِرقي للشعب الفلسطيني، وألا يحلم بتحقيق أيٍّ من أهدافه”.
ويزيد وهي أَيْـضًا رسالة إلى الرئيس الأمريكي ترامب الذي تجرأ وخرج يدعو إلى تطهير عرقي لسكان قطاع غزة، ويدعو إلى ترحيل الشعب الفلسطيني إلى مصر والأردن، والرسالة هي أن الشعبَ الفلسطيني متمسكٌ بأرضه ووطنه، واصفًا هذا المشهد العظيم لعودة الفلسطينيين إلى قطاع غزة بالعودة الصغرى وبانتظار العودة الكبرى.
عدوان كبير وفشل ذريع:
ويشعر العدوّ الصهيوني بالفشل الكبير بعد معركة شرسة وجرائم تطهير عرقي لسكان قطاع غزة طوال فترة معركة طوفان الأقصى قبل أن يرغم على توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار منذ 15 يومًا، بعد ارتكاب العدوّ كُـلّ أشكال الجرائم وأقبحها، وتدمير البنى التحتية في الصحة والتعليم بالإضافة إلى المباني ومساكن المواطنين الذي عادوا إليها رغم أن أغلبَها سويت بالأرض.
ورغم حجم الدمار الذي قالت عنه بعض التقارير الدولية: إن إعادةَ الإعمار في غزة يحتاج إلى أكثر من 14 عاماً حتى تعود الحياة وغزة كما كانت قبل العدوان الإسرائيلي، الذي لم ينجحِ العدوُّ في تحقيق أيٍّ من أهدافه، فقد فشل التطهير العرقي للشعب الفلسطيني وتهجير سكان قطاع غزة إلى مصر والأدن، فضلًا عن فشلِ الهدف الرئيسي للعدو الصهيوني المتمثل في القضاء على حركة حماس.
العدوّ الصهيوني دمّـر شمال غزة وشرع في إبادة سكّانه، وحرص جنوده على ألا يتركوا في أرضه جدارًا قائمًا أَو حجرًا على حجر، وأراد العدوّ الصهيوني ألا يجد الفلسطينيون سبباً للعودة، فقد أرادها نكبة ثانية تعيد سيرة النكبة الأولى، ودعمها العالم تآمراً أَو صمتاً، وحين أجبرتها المقاومة الفلسطينية على الرضوخ، صمّم المفاوض الصهيوني على أن يعود الناس فرادى سيراً على أقدامهم، وأراد الفلسطينيون عودةً أولى تلهم العودة الكبرى، وتحقّق لهم ما أرادوا.
انتصار المقاومة:
على ذات المنوال كُـلّ الفصائل الفلسطينية المقاومة وفي طليعتهم حركة حماس تؤكّـد الاستمرار في مواجهة العدوان الإسرائيلي ومواصلة السير على نهج قادتهم الشهداء حتى النصر وتحرير الأرض من المحتلّ، كما جاء على لسان أبو عبيدة الناطق العسكري باسم كتائب القسام، خلال إعلانه خبر استشهاد محمد الضيف عقب الهدنة واتّفاق وقف إطلاق النار مع العدوّ الصهيوني بعد أشهر من جولات المفاوضات التي تواصلت أحيانًا وانتكست أحيانًا أُخرى، ليتم الإعلان يوم 12 يناير الماضي عن التوصل لاتّفاق نهائي وعرض بنوده الرئيسية في مؤتمر صحفي بالدوحة.
وشمل الاتّفاق بنوداً عدة يتم تحقيقها على 3 مراحل، مدة كُـلّ منها 42 يومًا، ويأتي في مقدمة هذه البنود وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ بعد ثلاثة أَيَّـام من توقيع الاتّفاق، أي يوم 16 يناير من نفس الشهر، وإفراج الكيان الصهيوني عن نحو ألفي أسير بينهم 250 من المحكومين بالسجن المؤبد، ونحو ألف من المعتقلين بعد 7 أُكتوبر 2023.
وتعددت القراءات التي ناقشت تفاصيل البنود التي شملها الاتّفاقُ عبر مراحله الثلاث، خَاصَّة النتائج السياسية المترتبة على هذا الاتّفاق وما يتعلق باليوم التالي في حكم غزة، وكذلك مدى تحقيق الأهداف التي أعلنها الجيش الإسرائيلي في اليوم الأول من هذه الحرب.
فالباحِثُ الصهيوني المختص في ما يسميه “شؤون الشرق الأوسط” باروخ يديد، قال في منشور له على صفحته على منصة “إكس”: إنَّ “الخط الدعائي الذي تقوده حماس الآن، وفي اليوم التالي للحرب لتثبيت انتصارها -حتى لو كان ظاهريًّا- يرتكز على الإخفاقات الاستراتيجية الخمسة التي مُنيت بها “إسرائيل”، وهي (فشل تدمير البنى التحتية لحماس، فشل إطلاق سراح الأسرى الصهاينة بالعمل العسكري والرضوخ لمطالب المقاومة، فشل تهجير سكان قطاع غزة إلى خارجه، الفشل العسكري في القضاء على حماس أَو خلخلة أركانها على أقل تقدير)“، وقد ظهرت حماس منتصرة من خلال المشاهد التي رافقت عمليات إطلاق الأسرى الصهاينة، حَيثُ تؤكّـد تلك المشاهد أن القسام تحتفظ بجزء كبير جِـدًّا من قواتها، ما يجعل “إسرائيل” أمام حرب استنزاف طويلة قد لا تقدر على الصمود أمامها.
النظرة العامة السابقة يذهب إليها أَيْـضًا الباحث في العلاقات الدولية والدراسات الاستراتيجية عبد الله العقرباوي، إذ يرى أن الأعمدة الأَسَاسية للاتّفاق، وهي: انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع، وإنهاء القتال، وإيقاف الحرب، وعودة النازحين وضمان إغاثتهم، وصفقة التبادل، تمثل مطالب المقاومة الفلسطينية العملية التي سبق أن أعلنتها حماس منذ نوفمبر 2023.
ويضيف خلال تصريح تلفزيوني له “أن من أهم المزايا في هذا الاتّفاق المعلن أنه يمثل “حزمة واحدة” لكن يتم تطبيقها على 3 مراحل، وهذا ما أصرت عليه حركة حماس، في حين كان يريد المفاوض الإسرائيلي أن يفاوض في كُـلّ مرحلة بمعزل عن الأُخرى”.
في المجمل يتقف كُـلّ الباحثين والمختصين ومنهم قادة صهاينة أن الاتّفاقَ هزيمةٌ كبيرةٌ لكيان العدوّ الصهيوني، لا سِـيَّـما وأن المقاومة كانت مصممة على التحقّق من كُـلّ تفاصيل بنود الاتّفاق، بالإضافة إلى أنها ما تزال حاضرة وبقوة في مواجهة الكيان الصهيوني، منذ 7 أُكتوبر، بداية العدوان الصهيوني على قطاع غزة والذي راح ضحيته نحو 47 ألف شهيد وأكثر من 110 آلاف إصابة، فضلاً عن عدد غير معلوم من المفقودين تحت ركام منازلهم، حسب آخر البيانات لوزارة الصحة في غزة.
مؤكّـدين أن فصائل المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها “حماس” أثبتت للعالم أن لديها قادة يقاتلون في الصفوف الأولى من خلال المواجهة مع العدوّ مقدمين أنفسهم شهداء في سيبل الله وفي سبيل النصر وتطهير الأرض من المحتلّ، وأنها تمتلك تماسكاً تنظيميًّا أذهل الجميع، في المقابل وقف العدوّ الصهيوني وعلى مدى 472 يومًا عاجزاً عن تحقيق أهم المطالب المعلنة التي سعى لها منذ بدء العدوان الصهيوني على فلسطين، ويأتي في مقدمتها عدم تمكّنها من إحداث تغيير جغرافي أَو ديمغرافي في قطاع غزة عبر تهجير سكانه.
المسيرة: محمد الكامل