جنرال سوداني يقوم بجولة انتصار بعد انتصارات حققها بأسلحة إماراتية
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
بقلم: ديكلان والش من نيروبي، كينيا
إعداد الترجمة: حسام عثمان محجوب
استقبل الفريق أول محمد حمدان بحفاوة من قبل قادة أفارقة كما لو كان قد انتصر بالفعل في الحرب الأهلية السودانية. تبين أن قواته تم تسليحها سراً من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة لم يتم نشره بعد.
بقلم: ديكلان والش من نيروبي، كينيا
19 يناير 2024
إعداد الترجمة: حسام عثمان محجوب
الفريق أول محمد حمدان، زعيم مليشيا سودانية سيئة السمعة تقاتل من أجل الهيمنة في الحرب الأهلية السودانية، ليس رئيس بلاده.
فقد فرش بعض أقوى زعماء القارة السجادة الحمراء للجنرال حمدان بعد وصوله على متن طائرة فاخرة لعقد اجتماعات في نهاية ديسمبر وبداية يناير، بعد قيامه بتبديل زيه العسكري ببدلات رجال الأعمال. في كينيا، قابله راقصون تقليديون عند درج الطائرة. وفي جنوب أفريقيا، جلس في كرسي وثير بجوار الرئيس سيريل رامافوسا الذي ارتسمت ابتسامة على وجهه.
وفي رواندا، التقط الفريق حمدان صورة بملامح جادة في متحف ضحايا الإبادة الجماعية في عام 1994، على الرغم من اتهامات قواته بارتكاب جرائم إبادة في منطقة دارفور في السودان.
كانت الجولة المفاجئة عودة ملحوظة لقائد انتشرت شائعات حول موته أو إصابته منذ اندلاع الحرب في السودان في إبريل. قوات الدعم السريع التابعة للجنرال حمدان تتقدم بقوة عبر السودان، هازمة الجيش النظامي للبلاد ومجبرة له على التقهقر، وذلك بفضل الدعم العسكري من دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة نفطية في الخليج العربي تظهر كقوة رئيسية صانعة للملوك في منطقة القرن الأفريقي، وفقاً لتقرير جديد لمحققي الأمم المتحدة.
يقدم التقرير الذي لم يتم نشره بعد، والذي حصلت عليه صحيفة نيويورك تايمز، تفاصيل جديدة حول كيفية تهريب الإمارات لأسلحة قوية إلى قوات الفريق حمدان، المعروفة باسم قوات الدعم السريع، عبر تشاد منذ صيف العام الماضي. شملت هذه الإمدادات طائرات بدون طيار مسلحة ومدافع هاوتزر وصواريخ مضادة للطائرات، تم إرسالها عبر رحلات شحن سرية ومسارات تهريب في الصحراء. وقد مكنت هذه الإمدادات قواته لتحقيق سلسلة من الانتصارات التي غيّرت في الشهور الأخيرة مجرى الحرب.
يقول التقرير: "كان لقوى النيران الجديدة هذه لقوات الدعم السريع تأثير هائل على توازن القوى، سواءً في دارفور أو في مناطق أخرى من السودان".
سببت هذه الحرب كارثة كبرى في السودان، حيث قتلت ما لا يقل عن 12,000 شخص منذ إبريل وشردت ما يزيد عن 7.4 مليون آخرين من منازلهم، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. أدى القتال إلى تدمير أجزاء كبيرة من العاصمة، الخرطوم، ويحتاج 25 مليون شخص من أصل 45 مليون شخص في السودان إلى مساعدات إغاثية للبقاء على قيد الحياة.
يقول خبراء إن دولة الإمارات تستخدم ثروتها الهائلة وأسلحتها المتطورة لتوجيه مسار منطقة أفريقية مضطربة مليئة بالصراعات ولكنها غنية بثروة طبيعية هائلة وساحل طويل على البحر الأحمر.
دوافع الإمارات غامضة. يشير الخبراء إلى رغبتها في الحصول على صفقات موانئ وأراض زراعية في جزء من أفريقيا أصبحت الإمارات تنظر له بصورة متزايدة باعتباره فضاءً استراتيجياً لها، ويشيرون أيضاً إلى عدائها المستمر تجاه القوى الإسلامية.
لكن التقرير الأخير للأمم المتحدة، الذي أعده خبراء يراقبون حظر الأسلحة في دارفور المفروض منذ عام 2005، يسلط الضوء على تكلفة تلك الطموحات الإماراتية. إنه يوثق العنف الواسع الذي رافق تقدم قوات الجنرال حمدان - مذابح وقصف وتقارير عن مئات الاغتصابات تكرر إبادة دارفور التي حدثت قبل عقدين من الزمن.
دفع هذا النمط من الفظائع وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، إلى اتهام قوات الدعم السريع في 6 ديسمبر رسمياً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي. (قال بلينكين إن الجانب الآخر في الحرب - الجيش السوداني - ارتكب أيضاً جرائم حرب بالقصف العشوائي).
بعد أسابيع من هذا الاتهام، سافر الفريق حمدان، المعروف أيضاً باسم "حميدتي"، على متن طائرة بوينج من شركة رويال جت، الشركة التي يديرها مستشار لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
قالت الإمارات في بيان رسمي إنها "لم تقم بتزويد الأطراف المتقاتلة بالأسلحة والذخائر"، ونفت أنها خرقت حظر الأسلحة. وقالت إن أولويتها هي حماية المدنيين والسعي عبر الدبلوماسية مع الشركاء الأمريكيين والعرب والأفارقة إلى العثور على حل سلمي للنزاع.
ومع ذلك، تواجه هذه الإنكارات تشكيكاً متزايداً من المسؤولين الأمريكيين، الذين يخشون أن ينزلق السودان نحو المجاعة أو الإبادة أو جولة جديدة من الحكم القهري والاستبدادي إذا انتصرت قوات الدعم السريع في الحرب.
لم ترد قوات الدعم السريع على أسئلة وجهت لها لهذا المقال.
في بداية ديسمبر، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن أن نائبة الرئيس كمالا هاريس قد أثارت قضية الحرب في السودان مباشرة مع الشيخ محمد بن زايد على هامش قمة المناخ للأمم المتحدة. وخلال عطلة عيد الميلاد، طرح جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، هذا الموضوع بشكل أكثر حزماً خلال مكالمة له مع نظيره الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد، وفقاً لمسؤول أمريكي كبير ملم بالمكالمة تحدث طالباً عدم الإفصاح عن هويته.
ومع ذلك، يقول كثير من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين - وحتى بعض مسؤولي إدارة بايدن الكبار، يتحدثون بصفة شخصية - إن الجهد الأمريكي لا يزال ضعيفاً للغاية، ويعتبرون وزارة الخارجية مسؤولة عن عدم وضع خطة لإنهاء الحرب على الرغم من أشهر من الجهد الدبلوماسي، جنباً إلى جنب مع المملكة العربية السعودية.
في وقت مبكر من ديسمبر، قدمت وكالة المخابرات المركزية للرئيس بايدن وكبار المسؤولين تقييمها لانتصار قوات الدعم السريع بالكامل في السودان، قائلة إنه سيؤدي إلى انتشار الانتهاكات وعرقلة انتشار الديمقراطية في المنطقة، وفقاً لمسؤولين أمريكيين. وتشعر الولايات المتحدة أيضاً بالقلق بشأن علاقة حميدتي بمرتزقة واجنر الروس، الذين قدموا له صواريخ مضادة للطائرات في أوائل أشهر الحرب.
تلك المخاوف تتوازى مع دعوات متزايدة من الخارج لتدخل أمريكي أكثر إلحاحاً في السودان، بما في ذلك موقف أكثر حزماً تجاه التدخل الإماراتي الذي يعتبره المراقبون كارثياً.
كتبت ميشيل جافين، الباحثة في مجلس العلاقات الخارجية، مؤخراً: "في سعيها لتصبح قوة مؤثرة ولتحصل على الأمان، قد تتسبب دولة الإمارات في إيقاع هذه المنطقة بأكملها في حالة من الفوضى".
الفريق أول حميدتي، الذي كان تاجر إبل في وقت مضى، اشتهر في أواخر
العقد الأول من القرن الواحد والعشرين كقائد للمليشيا العنيفة المعروفة باسم الجنجويد في دارفور. حشد ترسانة حربية عبر بناء إمبراطورية تجارية - في البداية عن طريق السيطرة على مناجم ذهب، ثم كحليف لدولة الإمارات.
منذ حوالي العام 2016، بدأ الجنرال حميدتي في إرسال مقاتلين إلى اليمن، على حساب الإمارات، واستثمر لاحقاً تلك الأرباح في شبكة تضم حوالي 50 شركة، مقرها في دبي في الإمارات، وهذه الشبكة لا تزال تموّل آلة حربه، وفقاً لمحققي الأمم المتحدة.
في يوليو الماضي، أكدت الإمارات دعمها المستمر لحميدتي. ظهر مستشفى إماراتي جديد في أمجرس، بلدة نائية في شرق تشاد، يقدم العلاج الطبي للاجئين السودانيين. ولكن وكالات المخابرات الغربية أدركت سريعاً أن طائرات الشحن التي تهبط على مدرج قريب كانت في الواقع تحمل أسلحة متجهة إلى قوات الدعم السريع.
في بيان لها، وصفت الإمارات المستشفى الميداني بأنه "شريان حياة ضروري للمدنيين الذين يحتاجون إلى الرعاية الطبية"، وقالت إنها دعت مفتشي الأمم المتحدة لزيارته.
في غضون أسابيع، بدأت قوات الفريق حميدتي في السيطرة على دارفور، مستولية في النهاية على أربع من خمس عواصم إقليمية. لكن الاستيلاء على ود مدني، مدينة في قلب سلة خبز السودان، في 15 ديسمبر، كان السبب في أكبر صدمة في الحرب.
الهزيمة المفاجئة كانت ضربة مذلة للجيش السوداني في مركزه السياسي، مما أدى إلى دعوات لزعيمه، الجنرال عبد الفتاح البرهان، بالاستقالة. كما أثار خوفاً من أن حميدتي قد يستولي على البلاد بأكملها.
في الأسابيع الأخيرة، تشكلت مليشيات عرقية في شرق السودان، لصد أي تقدم محتمل لقوات الدعم السريع، وفقاً لتقارير إعلامية سودانية. وظهرت الجماعات الإسلامية المتشددة، التي كانت غائبة تقريباً عن المشهد العام في السنوات الأخيرة، لتصبح صوتاً عالياً في السياسة السودانية.
شكلت عملية الإمارات لدعم حميدتي مصدر قلق للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، الشبكة العالمية التي تفتخر بالحياد. يشعر مسؤولو الصليب الأحمر بالقلق بشأن البيانات الإخبارية الإماراتية التي تظهر شعار الهلال الأحمر، في عمليات المساعدة في أمجرس التي قالوا إنها تديرها هيئة الهلال الأحمر الإماراتية.
رداً على الأسئلة، قال الاتحاد الدولي، الذي يشرف على 191 جمعية وطنية، إنه أرسل "بعثة للتحقق من الحقائق" إلى تشاد في أكتوبر، وسيتم إرسال بعثة أخرى في الشهر المقبل. قال المتحدث توماسو ديلا لونجا في بريد إلكتروني: "إذا تم توثيق أي اتهام، سيطلق الإتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر تحقيقاً".
قال عدة مسؤولين أمريكيين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية الموضوع إن إدارة بايدن قد اختارت توم بيريلو، الدبلوماسي وعضو مجلس النواب الديمقراطي السابق، كمبعوث خاص للسودان. ولكن تأخر التعيين بسبب خلاف حول الشخص الذي سيتبع له السيد بيريلو إدارياً وكم سيكون لديه من سلطة - خاصة عند التعامل مع الإمارات، وفقاً لأحد المسؤولين.
تابع حميدتي حملته الدبلوماسية يوم الخميس، حيث التقى في أوغندا برمطان لعمامرة، المبعوث الأممي الجديد إلى السودان. بالنسبة للمراقبين السودانيين، فإن البدلات الذكية والحديث السلس هما مجرد تكتيك بينما يتجهز حميدتي للجولة القادمة من المعركة، مشيرين إلى خطابه في رأس السنة كدليل على عدم صدقه.
في كلمة مسجلة، تمنى حميدتي عيد ميلاد سعيد للمسيحيين السودانيين، قبل أيام من قيام قواته بحرق كنيسة. ثم انتقد "القتل بناءً على العرق" على الرغم من مذابح دارفور.
ولكن القائد عزف نغمة واحدة يمكن أن يتفق عليها العديد من السودانيين. قال حميدتي: "يشعل سؤال واحد أذهان الشعب السوداني، إلى أين نتجه؟".
شارك في التقرير جوليان إ. بارنز من واشنطن.
ديكلان والش هو كبير مراسلي إفريقيا لصحيفة نيويورك تايمز. أقام سابقاً في مصر، حيث غطى الشرق الأوسط، وفي باكستان. كما عمل سابقاً في صحيفة ذا جارديان وهو مؤلف كتاب "تسع حيوات في باكستان".
رابط المقال الأصلي باللغة الإنجليزية:
https://www.nytimes.com/2024/01/19/world/africa/mohamed-hamdan-sudan-emirates.html?unlocked_article_code=1.PE0.Msc5.DlRUou-2qCnz&smid=url-share
husamom@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع دولة الإمارات الأمم المتحدة فی السودان فی الحرب
إقرأ أيضاً:
السودان يطالب دعم عالم الجنوب ضد الإمارات في قضية الإبادة الجماعية
دعت حكومة السودان دول عالم الجنوب إلى الوقوف معه ودعمه في الدعوى القضائية ضد الإمارات أمام محكمة العدل الدولية ما يعكس التحديات القانونية والسياسية في مواجهة القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا لأمجد فريد الطيب، رئيس طاقم رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، دعا فيه عالم الجنوب إلى دعم الطلب الذي تقدم به السودان لمحكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات العربية المتحدة ودعمها طرفا في الحرب الاهلية السودانية والمتهم بارتكاب جرائم إبادة.
ففي 6 آذار/مارس، أعلنت محكمة العدل الدولية أن السودان رفع دعوى قضائية ضد الإمارات متهما إياها بالتواطؤ في الإبادة الجماعية. بدعم قوات الدعم السريع.
واتهم السودان الإمارات بتقدم دعم مستمر لقوات الدعم السريع، التي تخوض حربا شرسة على السلطة ضد القوات المسلحة السودانية منذ نيسان/أبريل 2023، يعد تواطؤا في جريمة حرب.
وتشير القضية إلى جرائم موثقة ارتكبتها قوات الدعم السريع ضد قبيلة المساليت، ففي الفترة ما بين أيار/ مايو وحزيران/ يونيو 2023، قتل ما يصل إلى 15,000 مدنيا من المساليت في غرب دارفور، ونزح ما لا يقل عن 500,000 شخصا إلى تشاد، وهو ما أعاد إلى الأذهان الصراع في دارفور أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما ارتكبت ميليشيات الجنجويد، أسلاف قوات الدعم السريع، جرائم مماثلة لصالح نظام الرئيس عمر البشير.
ويتهم السودان الإمارات بانتهاك ميثاق الإبادة عبر مساعدتها قوات الدعم السريع وأعمالها الإبادة، وفصلت الأدلة الجنائية، بما فيها ما ورد في تقرير لـ "مركز راؤول ويلينبرغ لحقوق الإنسان" وتقريرا منفصلا صادرا عن منظمة "هيومان رايتس ووتش"، عمليات القتل الممنهجة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والعنف الجنسي وحرق قرى بأكملها في غرب دارفور.
وتكشف صور الأقمار الاصطناعية التي حللها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل عن تدمير واسع النطاق للتجمعات السكنية المدنية.
ويعزز التحقيق الصادر عن الأمم المتحدة بشأن اكتشاف مقابر جماعية بعد هجمات قوات الدعم السريع هذه الأدلة. ووصفت روايات الناجين، استهداف مقاتلو الدعم السريع للمساليت بسبب عرقهم وترديدهم عبارات عنصرية أثناء إعدامهم المدنيين، بمن فيهم الأطفال، مما يقدم أدلة واضحة على نية الإبادة الجماعية.
وعلى الرغم من تأخره، يتماشى قرار إدارة بايدن المتأخر والصادر في كانون الثاني/ يناير باعتبار أفعال قوات الدعم السريع على أنها إبادة جماعية، مع النتائج هذه، ويعتقد فريد أن الحديث عن دور الإمارات لا يقوم على التخمين، ولكنه حقيقة موثقة وبدقة، ففي كانون الثاني / يناير 2024، قدم فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أدلة موثوقة على تورط الإمارات العربية المتحدة وتزويدها قوات الدعم السريع بالأسلحة عبر قاعدتها في أمجراس بتشاد.
وأشارت البيانات لتتبع الرحلات الجوية وصور الأقمار الاصطناعية، التي حللها مرصد النزاعات، وهو منظمة أمريكية غير حكومية تتحقق من تقارير جرائم الحرب في السودان وأوكرانيا، إلى "الحقيقة شبه المؤكدة" بأن الإمارات نقلت أسلحة إلى قوات الدعم السريع.
كما وذكرت وكالة أنباء "رويترز" أن هناك ما لا يقل عن 86 رحلة جوية من الإمارات العربية المتحدة إلى أمجراس منذ بدء الحرب، وأن ثلاثة أرباعها تشغلها شركات طيران كانت مرتبطة سابقا بتهريب الأسلحة.
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن قاعدة سرية للمسيرات في مطار أمجراس، قرب الحدود السودانية والتي دعمت قوات الدعم السريع، وكشف التحقيق عن مسيرات صينية الصنع من طراز "وينغ لونغ" والتي أطلقت من مهبط طائرات جرى تحديثه، وجرى التستر عليه كجزء من مشروع إنساني مرتبط بمستشفى تابع للهلال الأحمر الإماراتي. كما أن الميليشيات التي حصلت على هذه المسيرات سجلت مستويات عالية من الضحايا في المناطق المدنية.
ويقول فريد أن النفوذ الإماراتي المالي والدبلوماسي يزيد من التحدي، فقوتها الناعمة القائمة على النفط والتجارة، وناتجها المحلي الإجمالي البالغ 569 مليار دولار، يجعلها أقوى بكثير من اقتصاد السودان البالغ 30 مليار دولار، كما أن علاقاتها الوثيقة بالحكومات الغربية تزيد الأمور سوءا.
وقد أكد السناتور الأمريكي كريس فان هولين والنائبة سارة جاكوبس اللذان حاولا منع صفقة سلاح بقيمة 1.2 مليار دولار مع الإمارات في العام الماضي، أن الإمارات تراجعت عن تعهدها بوقف الدعم لقوات الدعم السريع، وبناء على إحاطات إدارة بايدن، وهو ما مكن قوات الدعم السريع من قتل الألاف.
ويعتقد فريد أن هذه الحالة المقدمة من السودان تعتبر امتحانا للمحاكم الدولية وإن كانت قادرة على محاسبة الدول القوية أو الخضوع للضغوط السياسية والإجرائية، وتأتي في ظل ما يشهده نظام العدالة الدولي من ضعف، الذي ظهر في العقوبات الأمريكية الأخيرة على المحكمة الجنائية الدولية.
وقال إن جنوب أفريقيا تقدمت في كانون الأول/ ديسمبر 2023 دعوى قضائية ضد إسرائيل متهمة إياها بارتكاب الإبادة في غزة. وحظيت الدعوى بدعم عدد من الدول في عالم الجنوب، مثل الجزائر وبنغلاديش والبرازي وتشيلي والمكسيك وباكستان.
وكانت الدعوى لحظة محورية في تضامن عالم الجنوب، واستندت جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل على تراثها الأخلاقي في مكافحة نظام الفصل العنصري ومقاومة الاستعمار، ومع أن السودان ليس لديه هذا التراث، إلا أن الازمة الحالية تفصح عن التحديات الخطيرة التي تعاني منها دول ما بعد الاستعمار، بما فيها استغلال القوى الداخلية والخارجية.
وتعتبر الأزمة الحالية التي شهدت معاناة المدنيين ونزوحهم واستهداف بالعنف وانهيار لمؤسسات الدولية، واحدة من الأزمات الإنسانية والسياسية الخطيرة في عصرنا، وهي في النهاية ليست نزاعا محليا بل هي تمظهر للإهمال الدولي والتلاعب الإقليمي والتهميش المستمر لأفريقيا. ولو فشلت الدول التي دعمت جنوب أفريقيا بتقديم نفس الدعم للسودان، فإن هذا سيقوض نزاهة المبادئ التي قام عليها تضامن عالم الجنوب، ومن شأنه أن يخاطر بتعزيز أوجه عدم التماثل في تطبيق القانون الدولي، حيث تسلح القوى العظمى العدالة بشكل انتقائي بينما تحرم الفئات الضعيفة بشكل ممنهج.
ويرى فريد أنه لا ينبغي الخلط بين دعم القضية ضد الإمارات ودعم الحكومة السودانية في صراعها مع قوات الدعم السريع. فسجل القوات المسلحة السودانية ليس خاليا من العيوب. فقد وجد "بيانات موقع وأحداث النزاع المسلح" أن القوات المسلحة السودانية كانت مسؤولة عما يقرب من 200 حادثة شملت إصابات بين المدنيين في عام 2024، مقارنة بحوالي 1,300 حادثة تنسب إلى قوات الدعم السريع.
في حين أن خسائر القوات المسلحة السودانية غالبا ما تقدم على أنها أضرار جانبية في عمليات مكافحة التمرد، فإن هذا لا يعفي الجيش من مسؤولية الضرر أو واجبه في تقليله. علاوة على ذلك، أدت العقبات البيروقراطية التي وضعتها الحكومة السودانية أمام المساعدات الإنسانية إلى تفاقم ما يعتبر الآن أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ الحديث.
ويري الطيب أن دعم قضية السودان يجب أن يكون قائما على المبدأ، فشبكات المحسوبية الواسعة لدولة الإمارات، المدعومة بثروتها النفطية ونفوذها بالإضافة إلى تحالفاتها الاستراتيجية مع القوى الغربية وغير الغربية تجعل انتهاكاتها المزعومة أكثر أهمية.
وتابع أن الإمارات غير الخاضعة للرقابة ستواصل تصرفاتها متشجعة بالإفلات من العقاب والتلاعب بالصراعات الإقليمية، من السودان إلى ليبيا إلى اليمن إلى سوريا، مما يقوض العديد من الدول ذات السيادة في الجنوب العالمي في سعيها للحصول على الموارد والنفوذ.
واشار إلى أن كما أن المخاطر كبيرة للغاية بالنسبة لنظام العدالة الدولي، وقد يعزز حكم ناجح مصداقية محكمة العدل الدولية، إلا أنه يتطلب دعما واسعا وبنفس الروح التي غذت الدعم لقضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، مضيفا أن الإمارات ستحاول التحفظ والحديث عن المادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية، التي تحصر اختصاص محكمة العدل الدولية بتنفيذ الاتفاقية.
واختتم أن فقهاء القانون قد يطعنوا في صحة التحفظات على المادة التاسعة لتعارضها مع روح الاتفاقية وتحصين الدول من المساءلة. وأصدرت محكمة العدل الدولية نفسها رأيا استشاريا عام 1951، ينص على أن التحفظات على معاهدات مثل اتفاقية الإبادة الجماعية لا يمكن قبولها إلا إذا لم تتعارض مع هدف وغرض المعاهدة، التي تهدف إلى منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.