الدولة في ظل اللادولة
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
آخر تحديث: 20 يناير 2024 - 10:03 صبقلم:كامل سلمان ثلاثة نماذج لقيادة الدولة بعد أية عملية تغيير كبيرة تحصل في بعض البلدان نتيجة الانتخابات او نتيجة الثورات او الانقلابات أو غيرها . أنا أذكر هذه النماذج الثلاثة لإنها مترابطة مع واقع اللادولة التي نعيشها في العراق بعد عام 2003 م . النموذج الاول ، وهو النموذج الموجود في الدول الديمقراطية العريقة ، حيث يفوز الحزب المعارض للحزب الحاكم في التصويت الديمقراطي الحر كما هو معروف في الأنظمة الديمقراطية ، وحين استلام الحكم يعمل الفائز في الانتخابات على تبديل قيادات الخط الاول في الدولة فيما تحتفظ جميع مؤسسات الدولة بقادتها وخبراءها وموظفيها بنفس النمط من العمل وبعد ذلك تبدأ تدريجياً التمهيد للسياسات الجديدة للحزب الفائز دون المساس بدستور البلد ودون التلاعب بالقوانين المعمولة بها ودون إقالة أي مسؤول خارج نطاق الخط الاول والمقصود بالخط الاول هم القيادة العليا والوزراء إضافة إلى مسؤولي الدوائر الحساسة ، بمعنى أن عمل المؤسسات الحكومية وتشكيلتها الثابتة منذ عشرات السنين تبقى على حالها ، فهي مؤسسات تتطور بالتجربة والدراسات العلمية الدقيقة وهذه المؤسسات هي ثروة من ثروات البلد وليست ثمرة جهود الاحزاب ، ولا يستطيع كائن من كان تغييرها ، وحتى التغييرات المزمع تفعيلها مع الحزب الفائز لابد أن تخضع لرقابة دستورية مشددة ، ولابد أن تكون هذه التغيرات ذات نتائج إيجابية ملموسة تنهض بواقع البلد نحو الأفضل ، فالرقابة عندهم شديدة وغير قابلة للمحاباة والمجاملة .
النموذج الثاني ، وهو النموذج التغييري الذي حصل في إيران بعد نجاح الثورة الإسلامية في العام 1979 م فبعد أنهيار النظام الشاهنشاهي وهروب معظم قادة وخبراء وضباط القوى الامنية والكوادر العلمية خارج البلد ، عملت القيادة الإيرانية بعد فترة وجيزة من نجاح الثورة على استدعاء جميع الهاربين ومن ضمنهم ضباط السافاك ( الجهاز الامني المعروف في زمن الشاه ) وعرضت عليهم الامتيازات والمغريات للعمل مع النظام الجديد من أجل البلد لا من اجل المذهب ولا من أجل النظام الحاكم وبكامل الصلاحيات دون وصاية من الحرس الثوري الذي تشكل بعد سقوط الشاه ، بذلك استطاع النظام الإيراني الوقوف على قدميه ومواجهة التحديات وبسرعة البرق عادت جميع المؤسسات الحكومية إلى العمل بفعالية كبيرة . أي أن الواقع فرض على النظام الجديد التضحية بجزء من المبادىء بدل التضحية بالبلد . النموذج الثالث ، هذا النموذج الذي حصل في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين ، تمت إقالة جميع كوادر الدولة ومطاردتهم واغتيالات بالجملة لقادة البلد وموظفيها وعناصرها الكفوءة وإحلال عناصر غير كفوءة جاهلة محل عناصر الدولة الحقيقين ، فأنهارت الدولة وسقطت بشكل رهيب ، ولم تقوى الدولة بعدها الوقوف على قدميها حتى بعد مرور أكثر من عقدين من الزمن ، هذا الخطأ الكارثي كان وراءه عدة دول تريد تدمير العراق وأولها إيران التي لها تجربة غياب عناصر الدولة الكفوئين للنظام السابق والضعف الذي حل بها لولا السرعة في تصحيح المسار وإعادتهم للعمل ، وفعلاً تدمر العراق وسقط إلى الأبد . اليوم الدولة في العراق تقاد من قبل رجالات اللادولة . الاحزاب السياسية التي استحوذت على الحكم بعد سقوط نظام صدام حسين تمتلك الخبرة في الاغتيالات والعمل التجسسي لصالح الدول الأخرى وتمتلك خطاب التجهيل وتمتلك الجرأة على السرقة ، فكيف سيستطيع مثل هؤلاء اللصوص من قيادة الدولة وهم لا يمتلكون حتى الولاء للدولة . أن السعي و الطموح والحلم بالمستقبل الجميل والتطلع نحو العلا كلها سقطت وأندثرت مع دخول البلد تحت قيادة شخصيات اللادولة في ادارة الدولة ، سقطت على المستوى الشخصي والمستوى الاجتماعي والمستوى الوطني ، ومن يحاول أن يكون متفائلا ولو بنسبة ضئيلة فهذا إنسان مغفل يعيش الغفلة و خداع الذات ، لا مزايدة على الحقائق . لا يمكن أن تكون الدوافع المذهبية والرغبة في الانتقام للمذهب طريقاً لبناء الدولة ، بل كانت سبباً لتدمير كيان الدولة ، دولة بحجم العراق وما تملك من مكانة بين الدول تأريخاً وحاضراً سقطت ، فهذه حالة لايوجد لها مثيل في تأريخ الأمم ولم تحدث في أية بقعة من الارض ، ولن تكون هنالك دولة بهذه المقاييس الضيقة ، وما الانتخابات والمشاحنات والصرخات واللطم والاستعراضات المليونية وحديث المقاومة إلا ترقيعات لقماش بالي متهرىء . أن الدول والمجتمعات تبنى بالعلم والمعرفة وبالعمل الدؤوب وبالتخطيط السليم ولا يتم بناءها بالعنف والانتقام وفرض الأفكار التي لم تسعف منظريها أصلاً ، فياليت العقول تتحرر من مخلفات الماضي وتنظر إلى الحياة بشكل واقعي وتعيد حساباتها فالجرح مازال ينزف ومازالت الخسائر تتوالى على هذا الشعب المسكين بسبب هذا التغيير الشاذ . متى يكمل البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
تمتلك سر الصندوق الأسود.. ما علاقة واشنطن بمكافحة الفساد في العراق؟
بغداد اليوم - بغداد
أكد المحلل السياسي عدنان التميمي، اليوم السبت (8 آذار 2025)، أن واشنطن غير معنية بمكافحة الفساد والإصلاح في العراق، مشيرًا إلى أنها تمتلك "سر الصندوق الأسود".
وقال التميمي في حديث لـ"بغداد اليوم"، إن "أجندة أمريكا في العراق واضحة، وليس من ضمنها مكافحة الفساد أو إجراء إصلاحات في إدارة مؤسسات الدولة".
وأضاف أن "أمريكا كانت لسنوات طويلة هي من تمسك زمام الأمور في العراق، لكنها لم تتخذ إجراءات حقيقية في هذا المجال".
وأوضح التميمي أن "أمريكا ربما هي الدولة الوحيدة التي يمكنها معرفة سر أموال العراق المهربة والمنسية في بنوك عواصم دول، والتي كشفها أحمد الجلبي قبل وفاته، وتصل إلى أكثر من 300 مليار دولار في الأقل". لكنه تساءل، "هل تحركت واشنطن لدعم العراق في استعادة تلك الأموال؟ وهل كشفت هوية من تورط في تهريبها؟".
وأشار إلى أن "مسارات الضغوط الأمريكية على العراق تتعلق بثلاثة ملفات رئيسية هي تهريب الدولار، وملف الفصائل وتسليحها وامتلاكها قدرات الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى قدرة النظام الإيراني وهيمنته على بعض مراكز القرار في العراق".
وأكد التميمي أن "قطع العلاقة المالية والاقتصادية بين بغداد وطهران أمر صعب، خاصة أن التجارة ذات جدوى للجانبين، ولا يوجد بديل للكثير من القطاعات التي تدعم الأسواق العراقية".
ولفت إلى أن "أمريكا تضغط على بغداد لتقليص التعاون المالي والاقتصادي مع طهران، بهدف الضغط عليها في الملف النووي بشكل مباشر"، موضحًا أن "هناك قلقًا لدى الإدارة الأمريكية بسبب ضغط اللوبي الإسرائيلي لإنهاء طموح إيران في امتلاك سلاح نووي، وهذا يشكل توازنًا في القوى في الشرق الأوسط، وهو ما لا تريده تل أبيب".