جمهورية نخجوان إقليم من أذربيجان يتمتع بالحكم الذاتي
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
جمهورية تتمتع بحكم ذاتي ضمن دولة أذربيجان، تقع جنوب غرب (منطقة) القوقاز الصغرى، ويشكل الأذريون الغالبية العظمى من سكانها، ويدين معظمهم بالإسلام.
يفصلها عن أذربيجان شريط من الأراضي الأرمينية، يمر عبره "ممر زنغزور" الذي يُعد الرابط البري المباشر بين أذربيجان ونخجوان، وقد أدى إغلاق أرمينيا للممر عام 1989 إلى عزل هذه الجمهورية عن محيطها السياسي والاقتصادي والثقافي، الأمر الذي خلف مشكلة مزمنة، وشكّل صراعا دائما بين البلدين.
تقع هذه الجمهورية جنوب غرب أذربيجان ومنطقة القوقاز الصغرى، وتحدها إيران من ناحيتي الجنوب والغرب، وتركيا من الشمال الغربي، وأرمينيا من جهتي الشمال والشرق.
وتمثل نخجوان جيبا مفصولا عن أذربيجان بشريط من الأراضي الأرمينية، ولا تمتلك أذربيجان طريقا بريا مباشرا إليها، إلا عبر المرور بدولة أخرى، كأرمينيا وإيران.
وتبلغ مساحة الجمهورية حوالي 5502.75 كيلومتر مربع، وتغطي المرتفعات الجبلية معظم أراضيها، وتشكل سلسلتا "زنغزور" و"دارالاياز" حدودا طبيعية لهذا البلد مع أرمينيا. ويعد جبل قابيجيق "جابيتشيج" القمة الأعلى ارتفاعا فيها (3904 أمتار فوق مستوى سطح البحر).
وتنتشر السهول في حيز يمثل حوالي ثلث مساحة نخجوان، وتقع غرب وجنوب غربي الإقليم، إلى الشرق والشمال من نهر آراس الذي يشكل حدودا طبيعية للإقليم مع إيران وتركيا.
جمهورية نخجوان تغطي المرتفعات الجبلية معظم أراضيها (شترستوك) المناختتمتع منطقة نخجوان -على وجه العموم- بمناخ قاري جاف، حيث يكون الصيف حارا جافا، بينما يكون الشتاء باردا غائما، وتتساقط فيه الأمطار والثلوج. وتتراوح درجات الحرارة بين 6 درجات مئوية تحت الصفر شتاء، و35 درجة مئوية صيفا. ونادرا ما تكون أقل من 12 درجة مئوية تحت الصفر أو أعلى من 39 درجة مئوية.
ويتراوح معدل هطول الأمطار السنوي بالأراضي السهلية بين 200 و300 ملليمتر، أما في المرتفعات الجبلية فيتفاوت الهطول ما بين 500 و800 ملليمتر.
التقسيم الإداريتقسم نخجوان إداريا إلى 7 مناطق، هي: بابك وجلفا وأردوباد وسدرك وشابوز وشِرور وكانغرلي وناختشيفان. وتضم 5 مدن، هي: نخجوان (العاصمة) وأوردوباد وجلفا وشابوز وشرور.
النظام السياسيتمتلك نخجوان دستورا خاصا بها ومجلسا أعلى ومجلس وزراء ومحكمة عليا، ويتكون المجلس الأعلى للجمهورية من 45 نائبا، والذي يعتبر رئيسه صاحب السلطة العليا بالجمهورية، ويتم تعيين رؤساء السلطات التنفيذية من قبل رئيس أذربيجان بناء على توصية من رئيس المجلس الأعلى لنخجوان.
الرئيس التركي أردوغان ونظيره الأذري علييف بحفل ترحيب في ناختشيفان عام 2023 (رويترز) التسميةلا يوجد اتفاق على الأصول التي يرجع إليها اسم "نخجوان" ويرى بعض العلماء وفقا للمصادر التاريخية أن اللفظ مأخوذ من دمج كلمتي "نقشي جيهان" التي تعني "زينة العالم" إشارة إلى الجمال الذي تتمتع به المنطقة.
والقصة الرائجة، والأكثر شعبية لدى الأذريين، أن "نخجوان" تعني في اللغات الفارسية القديمة "أرض نوح" وهي في الأصل مكونة من لفظين: ناخ بمعنى نوح، وجيفان بمعنى أرض.
والشائع بين السكان المحليين أن سينا نوح عليه السلام عاش في المنطقة ودفن فيها، ويعتمدون في روايتهم على القبر القديم الموجود بمدينة نخجوان، والذي يقولون إنه قبر النبي نوح.
وهناك تفسير يرى أن "نخجوان" لفظ أرميني، يعني حرفيا "مكان الهبوط" في إشارة إلى هبوط سفينة سيدنا نوح على القمم الشاهقة لجبال المنطقة. وبحسب الأسطورة الشائعة، فإن الشق الظاهر في قمة جبل "إيلانداغ" ما هو إلا أثر هبوط سفينة نوح بعد انحسار مياه الطوفان.
السكانيبلغ عدد السكان بحسب المصادر الرسمية للجمهورية حوالي 463 ألف نسمة (يناير/كانون الثاني 2022) والغالبية العظمى منهم أذريون، بنسبة تبلغ 99.6%، كما توجد أعداد ضئيلة من بعض الأقليات مثل الأرمن والروس والأتراك.
ويدين معظم السكان بالإسلام، ويتكلمون الأذرية التي تنتمي إلى عائلة اللغات التركية، وهي كذلك اللغة الرسمية. وإلى جانبها، يشيع بين السكان في المناطق الحضرية استخدام الروسية لغة ثانية.
ضريح كاراباخلار بمنطقة كانجارلي في نخجوان (الأناضول) الاقتصادتعتمد نخجوان في اقتصادها على قطاعي الزراعة والصناعة بشكل أساسي، وتمثل الزراعة نشاطا اقتصاديا مهما بالإقليم، وساهمت في نجاحه وفرة السهول الخصبة، وغنى المنطقة بالأنهار والينابيع، ويتم فيها زراعة العديد من المحاصيل، مثل: الحبوب والخضراوات والفواكه والقطن والتبغ.
وتعتبر الثروة الزراعية والحيوانية إحدى ركائز الصناعة في نخجوان، حيث تعتمد عليها العديد من الصناعات، مثل: الصناعات الغذائية والمنسوجات والسجاد والحرير.
ويركز النشاط الصناعي كذلك على الصناعات الإلكترونية والتعدين، كاستخراج الرصاص والموليبدينوم والملح. كما يتم تصنيع مواد البناء والأثاث والزجاج ونحوها من الصناعات الخفيفة.
وقد أثر -بشكل كبير- انفصال نخجوان الجغرافي عن باقي الأراضي الأذرية، والعزلة التي فرضتها أرمينيا عليها منذ عام 1989، على التنمية الاقتصادية فيها، ومع ذلك تؤكد المصادر المحلية أن الاقتصاد في تحسن مستمر.
وقدر الناتج المحلي -الفترة بين يناير/كانون الثاني وأكتوبر/تشرين الأول 2022، وفق المعطيات المحلية- بنحو 1.44 مليار دولار، بزيادة تبلغ 2.6%، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2021، كما ارتفع حجم الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة 3.4% ليصل إلى 3100 دولار.
الفتوحات الإسلامية وصلت جمهورية نخجوان بالقرن السابع الميلادي (شترستوك) التاريختعد نخجوان من أقدم المناطق التي سكنها الإنسان، وتشير حفريات علماء الآثار إلى توافر الأدلة على وجود الاستيطان البشري هناك منذ العصر الحجري القديم، وتؤكد القطع الأثرية التي تم العثور عليها على قيام حضارة مزدهرة اقتصاديا وثقافيا بالعصر البرونزي.
وقد شكلت مدينة نخجوان منذ أكثر من 3500 عام أحد أهم المراكز الاقتصادية والسياسية والثقافية في أذربيجان، وكان المانيون أول الشعوب التي حكمت المنطقة، ثم استولى عليها الأخمينيون الفرس، وفي القرن الرابع قبل الميلاد أصبحت المنطقة تابعة لدولة أتروباتينا المستقلة، وعام 189 قبل الميلاد بسطت مملكة أرمينيا التي أنشأها أرتاسياس (أرضاشيس) الأول حكمها على نخجوان.
وفي إيران، ظهرت الإمبراطورية الساسانية بالقرن الثالث الميلادي، وأخذت في التوسع على حساب الدول المجاورة، واستطاعت بالقرن الرابع الميلادي السيطرة على نخجوان، وعام 623 تمكن البيزنطيون من دحر الساسانيين وإخضاع الإقليم لحكمهم.
الحكم الإسلاميوصلت الفتوحات الإسلامية إلى المنطقة بالقرن السابع الميلادي، وتوالت غارات المسلمين بين كر وفر، ومع حلول القرن الثامن الميلادي بسطت القوات الإسلامية سيطرتها على أنحاء آسيا الوسطى، وأصبحت نخجوان خاضعة للحكم الإسلامي.
وقد أبدى أهل البلاد رفضا للحكم الأجنبي، رغم انتشار الإسلام بينهم، وظهرت مقاومة شعبية استطاعت الحصول على حكم ذاتي في ظل الدولة الإسلامية، وفي القرن العاشر استقلت المنطقة تماما، وأصبحت نخجوان تحت سيطرة السلالات المحلية التي حكمت أذربيجان.
وفي القرن الـ11 الميلادي حكمت الدولة السلجوقية أذربيجان بما فيها منطقة نخجوان. ومع انحسار الحكم السلجوقي، تأسست دولة أتابكة أذربيجان "إيلدكيز" التي اتخذت من نخجوان عاصمة، وأصبحت المدينة آنذاك مركزا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا مهما.
جمهورية نخجوان تعد من أقدم المناطق التي سكنها الإنسان (شترستوك)وتم اجتياح هذا البلد من قبل المغول عشرينيات القرن الـ13، وأصبحت نخجوان جزءا من الإمبراطورية المغولية. وفي القرن الـ16 هيمن الصفويون الفرس على المنطقة، التي كانت في تلك الحقبة مسرحا للتنافس العسكري السياسي بين الإمبراطوريات الصفوية والعثمانية والروسية.
وفي القرن الـ18 بدأت سيطرة الإمبراطورية الصفوية بالتراجع، الأمر الذي مكّن من إنشاء دويلات محلية صغيرة، منها خانية نخجوان التي تأسست عام 1747.
التاريخ الحديثفي القرن الـ19 ظلت منطقة أذربيجان بما فيها نخجوان موضع تنافس شرس بين روسيا وإيران، واندلعت بينهما حروب طاحنة لسنوات، وقعت أولاها بين عامي 1804 و1813، وانتهت باتفاقية "كلستان" التي تم بموجبها تقسيم أراضي أذربيجان بين روسيا وإيران، وكانت نخجوان من نصيب إيران.
وبين عامي 1826 و1828 نشبت حرب ثانية، وانتهت كسابقتها بتقسيم أذربيجان وفق معاهدة "تركمنشاي" وهذه المرة ضمت نخجوان إلى روسيا.
وفي الحقبة الروسية، تم تغيير التركيبة العرقية لأذربيجان، عن طريق توطين أعداد كبيرة من الأرمن فيها. وفي حين كانت نسبة الأرمن 17% فقط من المجموع الكلي للسكان، ارتفعت مع الحكم الروسي إلى 45%. وأصبح المسلمون يشكلون 55%، بعد أن كانوا الغالبية بنسبة وصلت 83% من مجموع السكان.
وعملت السلطات الروسية على دمج خانية نخجوان مع خانية يريفان، وأصبحت نخجوان بذلك ضمن الإقليم الأرمني الجديد. وبحلول القرن العشرين اندلع صراع شرس بين الأذريين والأرمن أودى بحياة المئات من الطرفين.
منطقة جمهورية نخجوان تتمتع بمناخ قاري جاف (شترستوك)وبعد قيام الثورة البلشفية، تم حل "جمهورية أرمينيا الديمقراطية الشعبية" عام 1918، وتشكلت جمهوريتا أرمينيا وأذربيجان اللتان احتدم النزاع بينهما على ملكية عدد من الأقاليم، من بينها نخجوان. وأواخر العام نفسه تم إعلان قيام "جمهورية آراز التركية" على أراضى نخجوان بهدف منع أرمينيا من الاستيلاء على الإقليم. ومع ذلك، لم تتوقف الهجمات الأرمينية حتى مارس/آذار 1920، حين استطاعت أرمينيا فرض سيطرتها على نخجوان.
وفي يوليو/تموز 1920، استولى الجيش الأحمر السوفياتي على نخجوان، وأعاد تنظيمها الإداري تحت اسم "جمهورية نخجوان الاشتراكية السوفياتية المتمتعة بالحكم الذاتي" وقام الروس بمحاولات عديدة لضم الإقليم لأرمينيا، كما تنازلوا لها عن منطقة زنغزور، الممر الواصل بين أذربيجان ونخجوان، وتسبب هذا الوضع بقطع الاتصال الجغرافي بين نخجوان والمناطق الأذرية الأخرى.
وقوبلت السياسات السوفياتية بمقاومة شعبية شديدة بالإقليم، وأظهر استطلاع للرأي -أُجري عام 1921- أن 90% من السكان يرغبون ببقاء الإقليم جزءا من أذربيجان، وبالفعل تم إلحاق الجمهورية ذلك العام بأذربيجان السوفياتية، مع الإبقاء على الحكم الذاتي لها، وفي أبريل/نيسان 1926 تم اعتماد الدستور الخاص بها.
وفي تلك الحقبة بدأت حركة هجرة عكسية للأرمن باتجاه أرمينيا، بحيث تقلص وجودهم في نخجوان عام 1979 ليصل إلى نحو 1.4% من مجموع السكان، كما تم اقتطاع بعض الأراضي من نخجوان وضمها لأرمينيا.
وعام 1989، وعلى خلفية النزاعات المستمرة بين أرمينيا وأذربيجان، أغلقت أرمينيا خط السكك الحديدية الذي يمر عبر أراضيها، وقطعت خط التواصل المباشر بين أذربيجان ونخجوان، وهجمت على هذه الأخيرة في العام التالي واستولت على قرية "كركي".
وبعد إعلان أذربيجان استقلالها عام 1991، أعلن حيدر علييف، رئيس مجلس السوفيات الأعلى لنخجوان في حينها، استقلال الإقليم، الذي احتفظ بكونه "جمهورية ذاتية الحكم" وجزءا من جمهورية أذربيجان المستقلة.
ومع ذلك، لم يتوقف الصراع بين أرمينيا وأذربيجان على نخجوان، وتجدد النزاع بينهما على ممر زنغرور مرارا، وتحوَّل المشروع إلى قضية شائكة، ومحل خلاف مستمر بين البلدين، وعام 2023 طالبت أذربيجان أرمينيا بفتحه، وهددت باستخدام بالقوة.
المعالم البارزةتتميز نخجوان بتاريخ عريق، خلدته العديد من المدن القديمة والأبراج والحصون والأضرحة والمساجد، ومن أبرز المعالم التاريخية:
الأضرحةتشتمل الجمهورية على العديد من الأضرحة التي تمثل فنا معماريا مميزا، أهمها:
ضريح يوسف بن كوسير: يعد أحد روائع العمارة الشرقية، ويقع شمال غربي نخجوان، في قرية قره باغلر، ويُعتقد أنه بني بين القرنين الـ12 و14الميلاديين، ويتميز المعلم بالنقوش القرآنية المميزة، والزخارف النباتية ذات اللون الفيروزي اللامع. وقد أدرج الضريح على قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 1998.
ضريح مؤمنة خاتون: يعتبر من أهم المعالم المعمارية البارزة في مدينة نخجوان، بناه المعماري عجمي بن أبو بكر، في القرن الـ12، وكان جزءا من مجمع ثقافي كبير في نخجوان. وقد أدرج الضريح على قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 1998.
قبر النبي نوح: وهو نصب تذكاري معماري، تم بناؤه بين القرنين الثامن والـ12، بالقرب من قلعة قديمة، في الجزء الجنوبي من نخجوان، وينسب أهل هذا البلد القبر الموجود في المعلم إلى النبي نوح الذي يعتقدون أنه عاش في المنطقة، ودفن فيها.
قصر خانبني على الطراز المعماري الشرقي، نهاية القرن الـ18، في المنطقة الجبلية من مدينة نخجوان، وقد تم تشييد المبنى من الطوب المحروق، على مساحة تبلغ 3600 متر مربع، ليكون مقرا لخانات "حكام" نخجوان وإقامتهم.
قلعة "ألينجاجالا"تقع في منطقة جلفا، على ارتفاع يصل إلى 1700 متر، على قمة جبل "ألينجاجالا" ولها مدخلان رئيسيان من جهتي الشرق والغرب، وتمثل نموذجا مميزا للقلاع ذات التحصينات العسكرية بالعصور الوسطى. وقد أدت القلعة دورا مهما في صد الغزو الخارجي، وخاصة فترة أتابكة أذربيجان.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: العدید من وفی القرن فی القرن
إقرأ أيضاً: