عُدةُ النصر – قوة المعلومات / د. نبيل الكوفحي
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
نبيل_الكوفحي
الخطط السليمة في كل المجالات تبنى على قواعد بيانات كافية ودقيقة، في تاريخ الحروب؛ كان القادة يحرصون على جمع المعلومات عن العدو، فيرسلون العيون للاستطلاع ويضعوا خطة الحرب والمواجهة، وكلما تغيرت المعلومات يتم تعديل الخطط.
في معركة بدر الكبرى، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة يستطلعون اخبار جيش قريش فوجدوا غلامين وقدروا عدد جيش قريش بناء على تحقيق معهم.
في معركة الخندق وقد اشتد الريح والبرد، يطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الصحابة بقوله ( من ياتيني بخبر القوم) ولم يقم احد حتى امر الصحابي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فتسلل لصفوف المشركين وأتى باخبارهم وعاد.
لعل من اكثر الامور تطورا هي طرق الاتصال وجمع المعلومات، فأصبحت مباشرة وغير مباشرة كالاقمار الصناعية، ويتم استخدام الشبكة العنكبوتية بشكل واسع في نقل البيانات عن بعد. واصبحت في الجيوش وحدات خاصة بذلك اصطلح على تسميتها ” بالاستخبارات العسكرية”. وتعد كافة مصادر البيانات من منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الويب المختلفة مصدرا مهما للمعلومات العسكرية ان تم تحليلها بطرق مناسبة. وهناك تجسس على شبكات الاتصالات المختلفة سواء كانت سلكية ام لاسلكية.
برغم كل هدا التطور لا زال العنصر البشري مهما في الحصول على معلومات حساسة وذات قيمة عالية، لذلك دأب الاحتلال على تجنيد ” العملاء ” في فلسطين المحتلة كما في الدول العربية والاجنبية بما فيها الحليفة له للحصول على معلومات تساعده في عدوانه على اهل فلسطين والامة كلها.
احد نقاط القوة التي امتلكها المجاهدون في فلسطين هي في الاهتمام بهذا المجال في جمع المعلومات عن الاحتلال، لذلك حينما حدثت عملية طوفان الاقصى بدى واضحا ان هناك معلومات كافية لبناء الخطة وتنفيذها بدرجة عالية من الاحتراف، ولولا تلك المعلومات المسبقة لربما لم تنجح بالمستوى الذي رأيناه.
في المقابل حذر الله سبحانه من افشاء السر وجعل ذلك خيانة، كما حذر من اللامبالاة ايضا في نقل المعلومات كما في قوله سبحانه (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)، وعدّ بعض المسلمين فعل حاطب ابن ابي بلتعة بارسال خبر تحرك المسلمين لأهل مكة خيانة.
لست بخبير في تفاصيل أمن المعلومات، لكن لخطورة الاختراقات المعلوماتية نشأ علم الامن السيبراني كما اسست وحدات خاصة به في كثير من المؤسسات. على مستوى الأشخاص يقع الكثيرون بعمليات اختراق وابتزاز احيانا بسبب قلة الاحتياط والتهاون في حفظ المعلومات.
أظن ( وليس كل الظن إثم) ان اهتمام بعض الدول بالمعلومات عن اعدائها الحقيقين ليس كافيا، وربما اهتمامها بمعلومات عن شعوبها يتجاوز المعقول وعلى حساب الاهتمام بالعدو.
والى مقال اخير في سلسلة ” عُدةُ النصر” ان شاء الله.
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الفكر المستنير نتاج استضاءة العقل بنور الهداية
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان الفكر على ثلاثة أنحاء: "فكر سطحى" وهو الذي ابتلينا به في عصرنا الحاضر؛ ينظر إلى الأشياء من الخارج ويفسرها بطريقة ساذجة، ويتعامل مع الأحداث بانطباع وليس بعقل ، ولا بمعرفة المآل وما تؤول إليه الأشياء ، فإذا استُثير ثار, وإذا أُنكر عليه انهار . ما هذا ؟ هذه تصرفات غير عاقلة ؛ لأنها سطحية من الخارج.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان هناك تفكير آخر ، وهو : "التفكير العميق" ويشترك فيه الإنسان مؤمنًا كان أو كافرًا ، فهو لا يختص بفئة دون أخرى ، بل هو قدرة وهبها الله للإنسان في ربط المعلومات. فالذكاء في حقيقته ، وفي تعريفه الأصح ، هو قوة ربط المعلومات.
والإنسان لديه قوة وهبها الله له في ربط المعلومات, وهذه المعلومات تصله عن طريق الحواس ، فيتلقاها ويفكر فيها ، ثم يرتب بعضها فوق بعض ، أو بجوار بعض ، فيستنبط من المقدمات النتائج. وهذه القوة ، وهي قوة ربط المعلومات وهي الذكاء ، فتراها سريعة قوية واضحة عند بعضهم، وبعكس ذلك عند آخرين. و{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ } فتجد أحدهم ذكيًا ، وترى الآخر غبيًا بليدًا لا يستطيع ربط المعلومات ولا استخراج النتائج من المقدمات. هذا هو التفكير العميق الذكى ، وهو ما يحقق كثيرًا من مصالح الدنيا.
الثالث: "التفكير المستنير" مستنير يعني أنه طالب للنور، ومستنير يعني طالب للنور ، أي أن النور يقع عليه فيضيء طريقه ، مثل الشمعة التي تشتعل فتضيء لغيرها الطريق. وقد يكون التفكير العميق مستنيرًا .
ولكن ما التفكير المستنير تحديدًا؟ التفكير المستنير لا يصلح أن يكون تفكيرًا سطحيًا, بل يجب أن يكون عميقًا ، لكنه لا يقتصر على العمق فقط ، بل لا بد أن يكون هناك ضوء ، نور جاء إليه ، وقع عليه نوره. ما هذا الضوء ؟ { وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } الذِّكر.. ذكر الله وربط الأشياء به ، ومعرفة قضية الكون وغايتها ، ومعرفة كلام الله وهدايته، هذه هى الاستنارة.
فلو فكرتم بعمق ، ووصلت إلى أن هذه الورقة التى في الشجر مكونه من اليخضور ، ومن البلازما ، ومن الكلوروفورم ، وغير ذلك ، فهذا تفكير عميق ومفيد ، ويمكن من خلاله إنتاج معجون أسنان لمقاومة التسوس ، وهذا تفكير عميق ومفيد ، ولكن كونك تربط هذا بالله ، وترى هذا الكون فتستدل من هذا الأمر الذي قد مكّنك الله منه وبه على الله ، وكونك قد التزمت بمراد الله في كونه من صلاح الأرض وعدم إفسادها ، ومن التعمير لا التدمير, ومن التحبيب لا التخريب, فإنك بذلك تكون في نطاق الاستنارة. لأنك قد أدخلت الله ، مقصود الكل ، في المسألة.
أما الذي يعيش وقد ولى ظهره لله ، وحرم نفسه من فتح الله ، وحرم نفسه من هداية الله ، فأنَّى له الاستنارة ! فالنور خارج عن دائرته ، فهو في دائرة الظلمة ، لا في دائرة النور ، وإن كان يفكر تفكيرًا عميقًا. لذا ، عندما يقول الله تعالى : { وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } فإنه ينقلنا من دائرة الظلام إلى دائرة النور ، فلا يرضى لنا أن نفكر التفكير السطحى ، ولا يرضى لنا أن نقف عند التفكير العميق ، بل يأمرنا أن ندخل به بهذا التفكير العميق ، الذي به العمارة ، إلى نور قد جاء من عند الله {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ } ذِكرًا، {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } بهذا البيان .. فاللهم اجعلنا من الشاكرين.