بين الغباء والحقد والعقائدية.. تورّطت واشنطن
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
– كان الطريق سهلاً وواضحاً ومبسطاً أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن ليصيب ثلاثة عصافير بحجر واحدة، وهو يعلم أن وقف الحرب على غزة سوف يتكفل بوقف تدخل اليمن في البحر الأحمر لمنع السفن الإسرائيلية والسفن المتجهة إلى موانئ كيان الاحتلال من العبور، وأن وقف الحرب على غزة سوف يتكفل بإعادة الهدوء إلى جبهة لبنان، وأن وقف الحرب على غزة سوف يؤدي إلى وقف سقوط مئات المدنيين الفلسطينيين من نساء وأطفال يومياً نتيجة الغارات الإسرائيلية، ويؤدي حكماً إلى تبادل ينهي قضية الأسرى.
هذه العناوين جميعها أهداف معلنة لإدارة الرئيس بايدن، لكنه لم يسلك هذا الطريق، وفضّل القيام بشق طرق منفصلة ووعرة لكل من هذه الأهداف، متفادياً السعي لوقف إطلاق النار، بل واضعاً ثقل بلاده في المؤسسات الأممية لمنع صدور مثل هذا القرار.
– الطرق الوعرة التي اختارتها إدارة بايدن تتضمّن مخاطرات استراتيجية، ونتائج غير مضمونة، ذلك أن السعي لوقف الإجراءات اليمنية في البحر الأحمر عبر استخدام القوة العسكرية، فشل من الزاوية السياسية في جذب أقرب حلفاء واشنطن، حيث عبر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان – في كلمة له في مؤتمر دافوس – عن السبب الحقيقي لرفض السعودية ومصر والصومال وجيبوتي المشاركة في الحلف الذي أنشأته واشنطن لمواجهة اليمن وتقديم تسهيلات له، حيث قال إن إجراءات اليمن ترتبط مباشرة بما يجري في غزة، وإن الحل هو بالذهاب إلى وقف إطلاق النار في غزة، بدلاً من الحرب في البحر الأحمر. وعندما اعتقدت واشنطن أن القضية تُحسم بالقوة، وشنت غارات بالتعاون مع بريطانيا على مواقع للجيش اليمني، جاء اليوم التالي ليحمل الأخبار عن مواصلة اليمن إجراءاته في البحر الأحمر والنجاح بتعطيل مرور سفن وإصابة أخرى لم تلتزم بالإجراءات، وصولاً إلى استهداف متكرر للأسطول الأمريكي. وهذا يعني أن الرهان على حرب خاطفة ونصر حاسم ضرب من الخيال، وأن أمريكا تتجه للتورط بحرب شاملة مع اليمن لا تلبث أن تتحوّل إلى فيتنام أخرى أو أفغانستان أخرى، وأن الفشل نتيجة حتمية لهذه الحرب كسالفاتها.
– على جبهة لبنان تتردّد واشنطن بين معاندة توجّهات حكومة بنيامين نتنياهو الراغبة بالتصعيد ولو دون معطيات تحقيق انتصار، من جهة، والتعهّد بالضغط على لبنان للحصول على ترتيبات تغني كيان الاحتلال عن خوض غمار حرب مليئة بالمخاطر. وهكذا تصبح معاندة خطر حرب كبرى على حدود لبنان مجرد وصفة مؤقتة لا تلبث أن تنهار أمام ثنائية الصراخ الإسرائيلي بعدم القدرة على تحمّل ضغوط مستوطني الشمال المهجرين، والفشل في انتزاع مكاسب لـ«إسرائيل» من لبنان كبديل مفترض لشن الحرب. وعندما تقع الحرب، سوف تكون المنطقة قد اقتربت من الحرب الإقليمية التي قالت واشنطن إنّها تسهر على منع حدوثها.
– على جبهة غزة، وهي أصل الحرب، تلتف واشنطن على نفسها وهي تطرح أسئلة على حكومة نتنياهو، وتتخذ منها ذريعة للحديث عن خلافات، فهي تقول إن المطلوب بعد نهاية الحرب تسليم غزة للسلطة الفلسطينية، وتقول إن حكومة نتنياهو لا تعلن موافقتها على مبدأ حل الدولتين الذي تتبناه واشنطن، وإن حكومة نتنياهو تتباطأ في الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب في غزة، حيث يجب استبدال القصف الموسّع والتوغل البرّي العميق بعمليات مستهدفة، لتخفيف الإصابات بين المدنيين، وإنها دائماً تسعى لتجديد الهدنة وصفقات التبادل حول الأسرى، لكن كل هذا مجرد لغو أمريكيّ، ذلك أن واشنطن في حديثها عن تسليم غزة بعد الحرب للسلطة الفلسطينية تتحدّث عن دعم الحرب حتى القضاء على المقاومة، وعندما تتحدّث عن حل الدولتين تتهرّب من الجواب عن سؤال عمره من عمر اتفاق أوسلو الذي قام على أساس حل الدولتين. ماذا عن مصير الاستيطان في الضفة الغربية؟ وماذا عن القدس التي أعلنتها واشنطن عاصمة موحّدة لكيان الاحتلال؟ وهاتان القضيتان هما جوهر الحديث عن حل الدولتين، أما المرحلة الثالثة فهي ليست إلا مرحلة من حرب هدفها القضاء على المقاومة، وليست مشروع حل سياسي أو سلمي للحرب. والواقع أن واشنطن تختلف مع تل أبيب على تكتيكات إدارة الحرب لهدف متفق عليه، هو احتلال غزة وإنهاء المقاومة فيها، ولا تنتبه إلى أن الذي فشل هو هذا الهدف وليست التكتيكات المتبعة لبلوغه.
– إدارة بايدن هي صانع الحرب وسيّدها، وقد اختارات منع وقف إطلاق النار، رغم أنه الطريق الأسهل لبلوغ أهداف معلنة تحدثت عنها، مثل إزالة التعقيدات من أمام الملاحة في البحر الأحمر وتهدئة جبهة لبنان ووقف قتل المدنيين في غزة وإنهاء ملف الأسرى. والسبب واضح هو أنها تشترط لبلوغ هذه الأهداف أن تعبر من طريق يضمن تحقيق هدف غير معلن وهو ضمان انتصار كيان الاحتلال. وهي لهذا الغرض مستعدة للمخاطرة بضياع هذه الأهداف نفسها، بل والمخاطرة بمكانة أمريكا وقوتها وهيبتها، وربما تعرّض المعركة الانتخابية للرئيس بايدن نفسه للمخاطر.
– السبب ليس حسابات المصلحة الأمريكية، ولا نفوذ اللوبي الصهيوني، بل الغباء والحقد والعنصرية، وبالأخص العقائدية الصهيونية للرئيس نفسه، وأغلب طاقمه الحاكم، وجمع ثلاثية الغباء والحقد والتعصب العقائدي يتسبب بعمى البصر والبصيرة، فلا يرى المصاب بهذه الثلاثيّة ما يراه أي عاقل.
*رئيس تحرير جريدة البناء اللبنانية
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
أمريكا وسياستها في البحر الأحمر
تمضي إسرائيل اليوم ومن ورائها أمريكا وبريطانيا والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن إلى تنفيذ فكرة الشرق الجديد، وتنفيذ الخطط الاقتصادية، ومنها الخطط المتعلقة بحركة التجارة العالمية، والسيطرة على مساراتها، وهم ماضون في تحقيق الحلم القديم الذي نشأ بعد تأميم قناة السويس في عام 1956م والمتمثل في إنشاء قناة بن غوريون التي تعمل على تسهيل الحركة بين البحرين الأحمر والأبيض المتوسط في مسارين دون توقف أو إعاقة في حركة منسابة وسهلة لا يمكن لقناة السويس توفيرها بسبب الجغرافيا، والمشروع كبير ويدر دخلا قوميا كبيرا جدا وفق خططه ودراساته المتوفرة .
وقد برزت أهمية البحر الأحمر في منظور السياسة الأمريكية في أعقاب حرب أكتوبر 1973م حين استخدم العرب النفط كسلاح سياسي في سياق المعركة بينهم وبين إسرائيل، وكان للتوسع الأمريكي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1990م دور كبير أثناء رسم السياسات الدولية وتحديد خطوطها الرئيسية، وقد تزايد اهتمام أمريكا بالمنطقة العربية بعد تفردها بحكم العالم حيث يشكل البحر الأحمر أحد محاورها المهمة لكونه يمثل طريقا استراتيجيا لحركة المواصلات العالمية، وله علاقة بالعديد من النزاعات الإقليمية والدولية كالصراع العربي الإسرائيلي، والصراع الإيراني الأمريكي، والصراع الأمريكي الصيني، وسعي العديد من القوى الدولية إلى إقامة قواعد عسكرية على سواحله الممتدة لعشرات الآلاف من الكيلومترات.
وتأتي أهمية البحر الأحمر لكونه بحراً عربياً بنسبة تفوق التسعين بالمئة من سواحله، ومن ناحية أهميته في اعتماد التجارة الدولية بين شرق وغرب الكرة الأرضية على استخدام مياهه واحتواء أغلب الدول المطلة عليه على ثروات معدنية وطبيعة خلابة وسواحل مرجانية فضلا عن احتوائه على كميات كبيرة من النفط والمعادن الأخرى.
ومن هنا كان لا بد للولايات المتحدة من مبررات ودوافع تمكنها من السيطرة على هذا الممر المائي المهم على المستويين السياسي والاقتصادي وقد “أعلنت البحرية الأمريكية تأسيس “قوة مهام جديدة”، مع دول حليفة، تقوم بدوريات في البحر الأحمر، وحُددت مهمتها “تعزيز الأمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن”، وبشكل أدق “التصدي لتهريب الأسلحة إلى اليمن”، وهي ذرائع لمطامع استعمارية وصهيونية خطيرة.
ويمثل البحر الأحمر أهمية ذات بعد استراتيجي بسبب ارتباطه بمنطقة الخليج، فأمريكا ترى ضرورة استمرار تأمين خطوط الملاحة التي يمر بها النفط والغاز عبر البحر الأحمر وقناة السويس، سعيا منها إلى أن تكون أكثر سيطرة على طرق النفط وعلى منابع النفط حتى تحد من دول الاتحاد الأوروبي، ومن خلال تواجدها في البحر الأحمر وفرض هيمنتها عليه تسعى أمريكا إلى إعادة ترتيب المنطقة طبقا لمصالحها الحيوية والفاعلة، كما أن البحر الأحمر يمثل أهمية عسكرية في حال تهديد المصالح الأمريكية من أي قوة عسكرية محتملة تهدد مصالحها، والأهم وجود مصالح استراتيجية مشتركة بين إسرائيل وأمريكا إذ تلتزم أمريكا بضمان أمن إسرائيل في مواجهة أي احتمال عسكري أو اقتصادي يهدد وجود إسرائيل في المنطقة .
” وحضور أمريكا المباشر قد يكون مزمناً بتثبيت تواجدها وتكريس صهيونية البحر الأحمر حتى يكتمل تحالف ” الناتو العربي الصهيوني” ليقوم بمهمة السيطرة على المنطقة وضمان المصالح الأمريكية، حينئذ محتمل أن تقلص الولايات المتحدة من حضورها المباشر في البحر الأحمر، أما في الظروف الراهنة فلا زالت الجزيرة العربية بالغة الأهمية لها، وخاصة مع سعي كل من روسيا والصين إلى فرض نظام متعدد الأقطاب وبالتالي إعادة رسم خارطة التوازنات العالمية ومعها الانتشار العسكري، فالولايات المتحدة منذ انتصارها على المعسكر الاشتراكي أعلنت “الشرق الأوسط” منطقتها العسكرية المركزية ونشرت فيها أساطيلها وهيمنت عبر الخونة والعملاء عليها” .
“خلف هذا التحرك عاملان: استراتيجي، وتكتيكي، الاستراتيجي: وهو متعلق بالسياسة الأمريكية الصهيونية في ضرورة السيطرة على المضايق البحرية وعلى البحر الأحمر بشكل خاص وعلى منابع النفط، فالبحر الأحمر وفق هذه الاعتبارات يقع في قلب الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية .
أما البعد التكتيكي، فهو متعلق بتضاعف القوة اليمنية في البحر الأحمر، واستباق احتمالات التسوية السياسية في اليمن لترسيخ الوجود الأمريكي كأمر واقع، وكذلك تفاقم الأزمة الغربية الروسية الصينية وما يرتبط بها من تحركات لهذه الدول على مستوى العالم أشبه ما يكون بتسجيل نقاط في رقعة شطرنج، في الوقت الذي تحتكر فيه روسيا الحضور العسكري في البحر الأسود حتى الآن وتزداد التصريحات الصينية بأحقية سيادتها في بحر الصين الجنوبي. ”
والخلاصة تريد أمريكا أن تضمن ثلاثة أهداف استراتيجية من خلال فرض هيمنتها على البحر الأحمر هي:
– ضمان عدم سيطرة القوى التي تراها معادية لمشروعها في المنطقة وخاصة محور المقاومة وجل ما تخشاه أن يحدث تحالف بين الصين ودول المنطقة أو بين الدول المطلة على البحر الأحمر وروسيا.
– الهدف الثاني: هو ضمان بقاء إسرائيل واستمرارها في المنطقة، فهي تفرض حمايتها لإسرائيل، فاللوبي الصهيوني الضاغط في أروقة البيت الأبيض والمتحكم في مفاصل الدولة والاقتصاد يفرض مثل هذه السياسة على أمريكا فهي مجبرة لا بطلة في الأمر.
– الهدف الثالث: هو ضمان تدفق النفط والغاز عبر البحر الأحمر وعبر المضايق دون أي قلق وهي اليوم أشد حرصا منها بالأمس بعد أن أشعل الدب الروسي فتيل المعركة في جزيرة القرم وتسبب ذلك في تأثر سوق الطاقة في أوروبا، وتركت الحرب أثرا على اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي وعلى أمريكا نفسها، لذلك تخوض حربا مع روسيا بالوكالة من خلال أوكرانيا فهي مع دول الاتحاد الأوربي يدعمون أوكرانيا لوجستيا وعسكريا ويقودون المعركة من خلف جدر أو من بروج مشيدة.
تلك الأهداف كانت وراء تعثر المفاوضات السياسية وبقاء الحال على ما هو عليه حتى تضمن لها موقع قدم في البحر الأحمر دون تهديد من أي قوة عسكرية، فهي ترى أنصار الله كقوة وطنية تحررية معادية لمشروعها لذلك تحاول أن تُفشل أي تقارب سياسي بين صنعاء ودول التحالف العربي ولعلها بعدوانها اليوم تفصح عن هذه الأهداف دون مواربة أو شك.