بالروح بالدم نفديك يا عراق أيمن حسين لـ العرب : فرحتي لا توصف بإسعاد الشعب العراقي
تاريخ النشر: 20th, January 2024 GMT
نجح المنتخب العراقي في تهكير الكمبيوتر الياباني برصاصتين خلال لقاء أمس على ملعب المدينة التعليمية الحساب الجولة الثانية من بطولة كأس آسيا وسجل أيمن حسين هدفين من ضربتي رأس في الشوط الأول، ليقود العراق للفوز 2-1 على اليابان، التي لم تستفد من هيمنتها على الكرة في أغلب فترات المباراة، في الجولة الثانية من المجموعة الرابعة بكأس آسيا لكرة القدم، امس الجمعة.
وافتتح أيمن حسين التسجيل في الدقيقة 5 من ضربة رأس بعد ارتداد الكرة من الحارس، ونجح في تأمين الانتصار مع خواتيم الشوط الأول، العرب نجحت في الوصول إلى عريس الأمسية الذي عبر عن سعادته الغامرة واهدى الانتصار للشعب العراقي واكد انه يتطلع للأفضل في قادم التحديات.
سعيد بالتسجيل
عبر مهاجم المنتخب العراقي ايمن حسين عن سعادته الغامرة بتسجيله في لقاء أمس أمام المنتخب الياباني في المواجهة التي كسبها اسود الرافدين بهدفين لهدف واشار أن تكون مصدر سعادة شعب بأكمله هذا شعور لا يصدق إطلاقا الشعب العراقي البطل يستحق أن يفرح على الدوام، وكرة القدم اصبحت مصدر الالهام في الفترة الأخيرة، وأردف: واجهنا منافسا شرسا ومتمرسا على غرار المنتخب الياباني لكن الجميع كان على قدر التحدي العزيمة كانت حاضرة داخل غرفة اللاعبين ترجمناها إلى قوة لا تلين داخل أرضية الميدان، المدرب تعليماته كانت واضحة أن نقدم الاحترام للمنافس ولا نخشاه وهذه كانت الخطوة الأولى نحو تحقيق الانتصار التاريخي على المنتخب الياباني العنيد.
حققت الحلم
وعما إذا كان متوقعا التسجيل وزيارة شباك المنافس خلال لقاء أمس اوضح ايمن حسين انه كان عازما على التسجيل قبل انطلاقة المباراة ويتطلع على قيادة العراق إلى انتصار تاريخي وتحقق ذلك بفضل الله وأردف أن تسجيل في مباراة استثنائية ويقترن اسمك بمثل هذا الحدث لعمري فخر واعتزاز كبيرين للغاية، وهذا مجهود كل المجموعة ليس وحدي فقط الجميع كان على قلب رجل واحد طوال زمن اللقاء حتى من لم يجد فرصة المشاركة كان يوجه ويشجع من مكانه في تضامن كبير للغاية وهذه هي الروح التي عُرف به اسود الرافدين على مر العصور نحن يد واحدة في كافة المحافل نقاتل حتى الرمق الأخير من أجل أن تكون راية العراق عالية خفاقة في المحافل الآسيوية.
لم أعد بالبطولة
أشار هداف المنتخب العراقي أيمن حسين أن الانتصار على منتخب بقيمة وقامة اليابان يعد دفعة معنوية لقادم التحديات خلال البطولة الحالية، وتابع صاحب الثنائية لكن اريد أن أكون صريحا بعد الشيء الانتصار على منتخب مرشح لا يعني أن طريقنا سالك نحو تحقيق اللقب امامنا مباريات مصيرية سنعمل على التعامل مع كل مباراة كأنها نهائي حتى نصل إلى ما نصبو اليه خلال النسخة الحالية من البطولة الآسيوية نعم نتفاءل لكن بحذر والقادم أفضل بإذن الله.
الوطن في الحدقات
وعن الظروف التي عاشها في الفترة السابقة عقب فسخ تعاقده مع الرجاء المغربي وعودته إلى الدوري العراقي بسبب تراجع مستواه فضلا عن السخرية من اختياره لقائمة المنتخب الأخيرة اوضح ايمن انا لاعب محترف أعرف ماذا اريد واقدر كل شعار ارتديه خاصة على مستوى المنتخب فالوطن فوق الجميع وفي حدقات العيون وشعارنا بالروح بالدم نفديك يا عراق ردي داخل الميدان سعيد بالاداء والنتيجة ابارك الجميع واقول للشعب العراقي القادم سيكون أجمل بإذن الله.
درجال يبارك لأسود الرافدين
بارك رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم «عدنان درجال»، نيابة عن أسرة الاتحاد، الفوز المهم الذي حققه لاعبو العراق على منافسهم الياباني في قمة مباريات المجموعة الرابعة بهدفين مقابل هدف.
وقال رئيس الاتحاد: أبارك ما تحقق في ملحمة ملعب المدينة التعليمية في الدوحة، لقد قدم أسودنا مباراة مثالية ورائعة، وطبقوا التعليمات الفنية التي طلبها منهم مدربهم خيسوس كاساس، ونجحوا في تقديم واحدة من المباريات الجميلة، واستطاعوا بأدائهم الرجولي خطف الفوز.
وأضاف: فوز الأسود على منتخب اليابان المرشح الأول لخطف اللقب القاري كان مثالياً، وفرض لاعبونا أنفسهم أبطالاً في الملعب، مثلما كان جمهورنا الغفير الرائع مشجعاً ومؤازراً للاعبينا طيلة زمن المباراة، واختتم رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم عدنان درجال حديثه بالقول: الحمد لله لما تحقق، والأهم أن نواصل المسيرة، ونحقق نتائج أفضل بإذن الله.
أفراح في العراق
عاشت العاصمة العراقية بغداد ليلة تاريخية من الأفراح إثر فوز أسود الرافدين على المنتخب الياباني بهدفين مقابل هدف لحساب الجولة الثانية من بطولة كأس آسيا، حيث استطاع منتخب العراق كسر سلسلة اللا هزيمة التاريخية.
وسادت أجواء من الفرح في جميع المناطق العراقية ليلة أمس الجمعة بمناسبة انتصاره الأول والتاريخي على المنتخب الياباني بأمم آسيا في المواجهة الثالثة التي اقيمت بينهما بالمسابقة القارية، بعدما سبق أن خسر 1 - 4 أمام منتخب الساموراي في دور الثمانية لنسخة البطولة عام 2000 بلبنان، قبل أن يخسر صفر - 1 أمامه أيضا بمرحلة المجموعات لنسخة عام 2015 في أستراليا.
وقامت حشود من مختلف الأعمار بالرقص تعبيرا عن فرحهم بالفوز التاريخي. كما يعتبر هذا الانتصار الأول لأسود الرافدين، حيث عجز منتخب العراق عن تحقيق أي فوز في مباراة رسمية على اليابان منذ 42 عاما، وبالتحديد منذ أن تغلب عليه 1 - صفر بدور الثمانية لدورة الألعاب الآسيوية عام 1982.
وفرضت الاحتفالات زحمة سير خانقة في شوارع بغداد التي امتلأت بالسيارات التي ترفع العلم العراقي. وعلى وقع أبواق السيارات والزغاريد والمفرقعات التي حولت سماء بغداد إلى اللون الأحمر، احتشد العراقيون كبارا وصغارا نساء ورجالا في الساحات الكبرى والشوارع الرئيسية للعاصمة بغداد.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر فوز العراق المنتخب الياباني كأس آسيا المنتخب الیابانی منتخب الیابان منتخب العراق أیمن حسین
إقرأ أيضاً:
غيرترود بِيل.. الجاسوسة التي سلّمت العرب للإنجليز
فرض العثمانيون منذ القرن الـ16هيمنتهم العسكرية والسياسية على منطقة نفوذ واسعة تمتدُّ من حدود المغرب إلى حدود إيران ومن وسط أوروبا حتى بحر قزوين وشمال البحر الأسود، وفرضوا حصارًا على فيينا مرتين، بيد أن القرنين الـ18 والـ19 شهدا تراجعًا تدريجيًا من هذه المناطق الحدودية البحرية.
وسرعان ما زادت الهيمنة الروسية على مناطق شبه جزيرة القرم وحتى القوقاز، وفي البلقان واجه العثمانيون التطلعات القومية المتنامية وعدوانًا منسّقا من جانب النمسا وحليفاتها، وفي شمال أفريقيا كان يتعيّن على العثمانيين التعامل مع سياسات التوسع وفرض الهيمنة العسكرية التي كان يفرضها الفرنسيون في الجزائر عام 1830، وفي تونس عام 1881م، والإيطاليون في ليبيا عام 1911.
أما مصر فقد فرض الوالي محمد علي باشا شروطه على الباب العالي حين مُنح -هو وأولاده من بعده- مصر ولاية مستقلة يتعاقبون عليها، وأصبحت بالفعل دولة مستقلة عن العثمانيين، ولكن إفلاس مصر على يد الخديوي إسماعيل باشا حفيد محمد علي أدى في نهاية المطاف إلى احتلال البلاد على يد البريطانيين عام 1882.
ورغم الواقع السياسي المتشرذم الذي كان يُواجه الدولة العثمانية في أقطارها العربية، لم يتوقف طمع الأوروبيين في تفتيت وتدمير تركة ما كانوا يصفونه بـ"الرجل المريض".
إعلانولقد ظلت أعينهم تتطلع إلى الخليج العربي وبلاد الشام والعراق وحتى الأناضول ذاته، لا سيما البريطانيين الذين حرصوا على تأمين مصالحهم الحيوية في شبه القارة الهندية التي كانوا يحتلّونها منذ عقود، ويعتبرونها "دُرّة التاج البريطاني"، وأهم أعمدة اقتصاد الإمبراطورية "التي لا تغيب عنها الشمس".
غيرترود بيل وسنوات الخبرة بالشرقولأجل فهم "الشرق الأوسط" وهو مصطلح اخترعه رجال السياسة والمخابرات البريطانية منذ أواخر القرن الـ19، كان من الطبيعي أن يعتمدوا على جواسيس خبراء، أو خبراء في هيئة جواسيس ليتمكّنوا في فرض مزيد من هيمنتهم السياسية والعسكرية على البلاد التي يتطلعون إليها، وكان من جملة هؤلاء المؤرخة وعالمة الآثار غيرترود بيل.
وهي سليلة عائلة أرستقراطية بريطانية، درست التاريخ في جامعة أكسفورد، وكانت شأنها شأن ضابط المخابرات البريطاني الأشهر لورنس العرب حيث كانا متخصصيْنِ في تاريخ الشرق وآثاره، ولهذا السبب ولّت وجهها شطر الشرق باحثة في آثاره فزارت إيران وتعلمت اللغة الفارسية حتى ترجمت 30 قصيدة من ديوان حافظ الشيرازي.
أحبت غيرترود بيل أن تستكشف المنطقة العربية، فزارت القدس عام 1899، ثم قامت في العام التالي برحلة إلى الأردن وكانت تعيش مع البدو وتتزيّا بزيّهم، وعقدت صداقات مع شيوخ جبل الدروز، واتجهت إلى دمشق وعبرت بادية الشام ثم تدمر إلى لبنان قبل أن تعود إلى بلدها.
وفي عام 1902 عادت إلى الشرق من جديد لاستكمال دراسة اللغة العربية، وزارت الشام في عام 1905، وبعد عودتها ألفت كتابها "سورية، الصحراء والأرض الزراعية" الصادر عام 1908، ثم قررت العودة من جديد في العام التالي لاستكمال زيارة حلب ودمشق وكربلاء وبابل وبغداد والموصل.
وفي عام 1913 قامت برحلة من دمشق عبر صحراء النفوذ إلى حائل ورجعت من خلال طريق بغداد وتدمر، واللافت أنها كانت حريصة على رسم الأماكن التي كانت تمرّ بها في خرائط مفصّلة بينت الكثير من المعلومات عن القبائل وعوائدها وأماكن المياه.
إعلانومن خلال هذه السيرة الذاتية المقتضبة يتضح لنا أن غيرترود أفنت حتى ذلك التاريخ 15 عاما من حياتها في دراسة الجغرافيا والبشر في المنطقة العربية وإيران.
غيرترود بيل تقف خارج خيمتها في بابل 1909 (من كتاب في أثر الملوك والغزاة) غيرترود بيل والسطو على أراضي العربوقد تعلمت الفارسية والعربية، ووثّقت علاقتها بشيوخ القبائل وعرفت منهم كل شبر من مضاربهم، وعندما انطلقت الحرب العالمية الأولى عام 1914 كانت غيرترود في إنجلترا، فكتبت بعد اشتعال الحرب بشهر واحد تقريرا شديد الأهمية ورفعته إلى إدارة العمليات العسكرية البريطانية التي رفعته بدورها إلى وكيل وزارة الخارجية.
وقد شرحت غيرترود في تقريرها – الذي نشر في بحث للكاتب محمود حسن صالح بالمجلة التاريخية المصرية/ القاهرة سنة 1971- الحالة السياسية في شبه الجزيرة العربية والشام مما كان له أكبر الأثر على المسؤولين الذين كانوا يخططون السياسة البريطانية وقتئذ.
لم يكن التقرير مجرد عرض للشخصيات والجماعات والاتجاهات السياسية في الأقطار العربية من الدولة العثمانية لا سيما في العراق وبلاد الشام والجزيرة العربية وفلسطين فقط، بل كان أيضا تحليلا معمّقًا توقّع ردود الفعل في هذه المنطقة في حالة دخول الدولة العثمانية الحرب ضد بريطانيا، حيث أوضحت المواقف السياسية لحكّام الكويت شيخ المحمّرة في الأحواز ونجد وغيرهم.
وفوق ذلك بيّنت غيرترود رأيها بخصوص السوريين وخاصة في الجزء الجنوبي من بلاد الشام "فلسطين" وأنهم يمكن أن يميلوا إلى البريطانيين بسبب الكراهية الكبيرة التي يكنّونها للفرنسيين، ولا يخفى على الإدارة البريطانية الأهمية الإستراتيجية لفلسطين بالنسبة لمصر، وبالنسبة للعراق فإنها تعدّ إقليما شديد الأهمية لبريطانيا لقربها من الهند، وخطورة دخول الألمان إلى هذا القطر.
ونظرا لقرب العراق من حقول نفط عبادان في إيران التي كانت تستولي عليها بلادها حينئذ، فإنه إن اشتعلت الحرب بين العثمانيين والبريطانيين فإن هذه الحقول ستكون تحت تهديد مباشر من القوات التركية التي ستنطلق من البصرة على حد وصفها.
إعلانوتوضح في تقريرها أهم الشخصيات العراقية النافذة وقتذاك مثل السيد طالب النقيب وهو أحد الشخصيات الوطنية الفاعلة، ومدى كراهيته للبريطانيين.
وأكد المسؤولون البريطانيون أهمية تقرير غيرترود بيل وأنه يطابق تقارير الجواسيس البريطانيين الموزّعين في الشرق الأوسط، وبسبب خبرتها الكبيرة هذه، وعلاقاتها الممتازة مع القبائل والشخصيات العربية الفاعلة، أرسل المكتب البريطاني في القاهرة عام 1915 رسالة عاجلة لاستدعاء غيرترود للاستفادة من خبرتها.
ولم تضيع غيرترود هذه الفرصة التي كانت تتحين إليها لتكون جزءًا من صنع السياسة البريطانية في الشرق الأوسط، ولتسهيل مهمة بلادها في احتلال الأقطار العربية بأسرع وأنجع الوسائل، التقت في القاهرة بكبار الضباط مثل هوغارث ولورانس، وكان عملها في البداية يقتصر على تزويد سجلات المخابرات البريطانية بالمعلومات عن القبائل العربية وشيوخها وأعدادها، وهو عمل كانت مؤهلة له لا ينافسها فيه أحد.
الشريف حسين اشترط على بريطانيا إقامة مملكة عربية تمتد من سوريا شمالا وحتى الجزيرة العربية (مواقع التواصل)حينذاك حرص البريطانيون على استمالة العرب ناحيتهم، وتفخيخ العلاقات العربية العثمانية من الداخل ليسهل سقوط العثمانيين، وتواصلت بالفعل مع العديد من زعماء القبائل والمناطق في جنوب وشرق وغرب الجزيرة العربية، وكان أهم ما يستهدفه البريطانيون هو إقناع الشريف حسين في مكة والحجاز لجذبه ناحيتهم.
وقد اشترط الشريف حسين على الإدارة البريطانية شروطًا أهمها إقامة خلافة أو مملكة عربية تمتد من سوريا شمالا وحتى الجزيرة العربية، وهذا ما يتجلى في رسائله التي تُعرف اليوم بمراسلات "الحسين- ماكماهون"، وأمام الضغوط التي كانت تقوم بها فرنسا من الجانب الآخر بإرادة استيلائها على كامل بلاد سوريا من البحر المتوسط إلى نهر دجلة، رأت الإدارة البريطانية في لندن والقاهرة أن تستعين برأي خبيرتها الجاسوسة وعالمة التاريخ غيرترود بيل.
إعلانأعدّت بِيل تقريرًا مفصّلا عرضت فيها وجهة نظر الشريف حسين ووجهة نظر الفرنسيين، كان مما جاء فيه: "إنه قد أُديرت المفاوضات مع الشريف بمهارة، وطالما أنه في استطاعتنا اجتذابه والإبقاء على صلته بنا فلا خوف من قيام حركة دينية كبرى، فإنه الشخص الوحيد الذي يستطيعُ إثارة حرب دينية مقدّسة.. ومن الحكمة أن نمدّ للفرنسيين حبل الأمل" بوعدهم بتسليمهم سوريا.
وراحت توضح أن من حق الشريف أن يمتد نفوذه خارج الصحراء العربية لأنها لا تكفي نفسها، وهي بحاجة دائما إلى الأراضي الزراعية التي تتواجد في المناطق الشمالية في الشام تحديدًا، وكما أوصت حكومتها بخداع الفرنسيين، أكدت في المقابل أن "العرب لا يستطيعون حكم أنفسهم بأنفسهم ولا يوجد أحد مقتنع بهذا أكثر منّي".
وأمام هذه الشخصية الماكرة التي تمثّل الجانب الأنثوي المقابل للورانس العرب، أخذت الإدارة البريطانية بمقترحاتها التي رأتها تنم عن خبرة وخداع كبير، بل وتغلغل مبالغ فيه للعرب، بحيث أصبحت غيرترود بيل جاسوسة محترفة لا في فهم العقل العربي في ذلك الوقت فقط، بل وفي توقع ردود الفعل أيضًا.
لم تتوقف مهام غيرترود عند إبداء الرأي وكتابة التحليلات السياسية والمخابراتية للإدارة العليا في لندن لاتخاذ ما يلزم، وإنما رأت أن مكتب المخابرات والسياسة البريطاني في القاهرة لا يعمل بكامل الأريحية، بل ويجد اعتراضًا على سياسته التي كانت تهدف إلى تثوير العرب ضد الأتراك من المكتب البريطاني في الهند الذي كان يخشى من عواقب الثورة العربية الكبرى، وتطلعاتهم القومية فيما بعد على المصالح البريطانية في المنطقة.
غيرترود بيل ولورانس (يمين) في أبريل/نيسان 1921 (شترستوك) سنواتها الأخيرة في العراقولهذا السبب سافرت غيرترود من القاهرة إلى الهند لتقريب وجهات النظر، وفي رجوعها في شهور عام 1916م زارت العراق والتقت بالمسؤول البريطاني الشهير برسي كوكس الذي كان يشرف على الخليج العربي في مكتب بريطانيا في الهند، الذي عقد معها صداقة استمرت حتى أخريات حياتها بعد ذلك بعقد، وفي أثناء وجودها في العراق حاولت استمالة أمير حائل ابن الرشيد الذي كان لا يزال على ولائه للدولة العثمانية والتحالف معها.
إعلانوحين فشلت غيرترود في استمالة أمير حائل ابن الرشيد كتبت إلى ذويها في تاريخ 15 يوليو/تموز 1916 رسالة غاضبة وصفته فيها بـ"الحمق الذي لا يتصوره عقل، وعبرت عن أملها في أن يثور عليه أهل شمّر ويُقيموا أميرا آخر مكانه"، ولهذا السبب صبت جام اهتمامها على العراق والتعرف عليه وعلى قبائله ونقاط قوته وضعفه مستعينة بذلك بضباط المخابرات والسياسة الإنجليز في مكتب البصرة مثل الكابتن إيدي وغيره.
وفي سبيل تأكدها ودراستها للأوضاع في العراق كانت تركب الخيول مع مرافقيها من الضباط البريطانيين تجوب القرى وتذهب لزيارة أعيانها وتتناول معهم الطعام، وفي المساء تستدعي إليها الأهالي للحصول منهم على المعلومات التي كانت تبحث عنها، وتعمل على التقرب منهم بكل الحيل وأساليب الخداع والترغيب بالمال والقهوة والسجائر والهدايا وغيرها.
كانت القوات البريطانية قد لاقت هزيمة ثقيلة في معركة كوت العمارة جنوب بغداد سنة 1916م أمام العثمانيين، واضطرت إلى تغيير إستراتيجيتها وأعادت الكرّة مرة أخرى تحت تخطيط وقيادة جديدة وهو الجنرال مود الذي استطاع إسقاط بغداد.
وبُعيد ذلك بقليل في 15 أبريل/نيسان 1917م دخلت غيرترود بغداد حيث بدأت على الفور في تكوين صداقات جديدة مع كثير من الشخصيات العربية الجديدة إلى جانب أصدقائها القدامى، وظل مكتب القاهرة البريطاني يزوّدها بالمعلومات عن أحوال الحجاز والشام التي تمس المصالح البريطانية، وكانت هي الأخرى تكتب إليهم عن أحوال العراق، فقد آمنت غيرترود بأن السياسة البريطانية سواء من خلال مكتب القاهرة أو الهند كلٌّ لا يتجزأ.
حين دخلت غيرترود بغداد بدأت على الفور في تكوين صداقات جديدة مع كثير من الشخصيات العربية (جامعة نيوكاسل)وحرصت غيرترود على زيارة كبار مراجع الشيعة في النجف وكربلاء والبصرة، كما التقت بكبار مُلاك الأراضي الزراعية وتقربت منهم، وأصبحت حديث الناس في العراق، حتى وُصفت بينهم بـ"الخاتون" أي المرأة السيدة الشريفة، وأشرفت حينذاك على مجلة "العرب" التي كانت إحدى أدوات بريطانيا لتسويق سمعتها وصورتها عند العراقيين.
إعلانولكن سياسة المعتمد البريطاني السير أرنولد ويلسن وطغيانه الشديد في تعامله مع العراقيين وامتهانهم جعلت جميع العراقيين من السنة والشيعة يتحدون ضد هذا الطغيان البريطاني، وبحلول أواخر عام 1919م اندلعت الثورة، في تزامن مع ثورة 1919 في مصر، وهنا انقسم الساسة وضباط المخابرات البريطانيون إلى قسمين.
الفريق الأول يتزعمه المعتمد البريطاني ويلسون الذي يرى أن الشدّة والردع واستخدام السلاح في وجه العراقيين والاحتلال البريطاني الواضح والمباشر للبلد هو أفضل ضمانة لاستمرار السيطرة والسطوة البريطانية على البلاد.
بينما الفريق الآخر كانت تتزعمه غيرترود بيل ولورانس العرب يقول بضرورة تعيين ملك هاشمي يحكم العراق ويعمل بجواره المعتمد البريطاني والقوات البريطانية لضمان السيطرة على البلاد دون سخط وثورة العراقيين.
غيرترود بيل (يسار تحمل نظارة) وكبار الشخصيات في حفل تتويج الملك فيصل (جامعة نيوكاسل)وأرسلت لحكومتها اقتراح تتويج فيصل بن الحسين الذي خلعه الفرنسيون عن حكم سوريا منذ عدة أشهر ليكون ملكًا على العراق، وقد أخذت الحكومة البريطانية في نهاية الأمر برأي غيرترود بل ولورانس بسبب الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها مصالحها أثناء الثورة العراقية الأولى.
ومنذ عام 1920م صارت غيرترود بل السكرتيرة المهمة للسير بيرسي كوكس، وأحد العقول المدبرة للمشهد العراقي، بل أصبحت تدلي برأيها فيمن يتولى الحكومة العراقية ومن لا يجب أن يتولاها، وصار نشاطها أكثر من ذي قبل في صنع صداقات وتوثيق علاقات بريطانيا مع العراقيين بكل الوسائل الدبلوماسية والسياسية الناعمة.
ظلت بيل نشطة في السياسة البريطانية في العراق حتى تم تهميشها تدريجيا في السنوات الأخيرة من حياتها، وأصيبت ببعض الأمراض منها الاكتئاب والشعور بالانتقاص من قدرها، وتوفيت إثر جرعة دواء زائدة في يوليو/تموز 1926م عن عمر ناهز 57 عامًا، وشارك الملك فيصل الأول بن الحسين في تشييعها ودُفنت في مقبرة الإنجليز بالعاصمة بغداد، بعدما أسهمت طوال حياتها في تسليم بلدان العرب بكل حماسة إلى لندن!.
إعلان