اللغة العربية أم اللغات السامية
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
لم يهتد الإنسان فى بداية الحياة إلى دراية بالكتابة ومعرفة بالحروف والكتابة؛ فرمز للأحداث والأفعال والأسماء برموز دالة، وأشكال موحية، كرسم صورة للكائن، أو رسم جزء من صورته ورسمه رمزا وعلامة عليه، فنشأت الكتابة بالرسم والصورة، ومن يتأمل بعض أحرف خط المسند يجد آثار ذلك الترميز فى حرف الطاء الدال على الطاقة، وحرف الباء الدال على الباب، وحرف العين الدال على العين، وحرف الكاف الدال على الكف، وحرف القاف الدال على القلب، وحرف الباء الدال على اليد المقبوضة، حيث نرى الرسوم التصويرية الدالة على الشكل الفعلى لكل من: الطاقة، والباب، والعين، والكف، والقلب، واليد المقبوضة.
وقد احتفظت العربية ببعض حروف خط المسند، المتطورة عن الخط البدائى كالباء، والجيم، والراء، والسين، أوالشين، والعين، والفاء، واللام، والميم، والواو، وما حدث فى رسمها من تطوير وتغيير من قلب للحرف، أو انحناء، أو مد، أوتجويف... إلخ ما فصل ورسم وشرح زيد صالح الفقيه فى مقاله بين عربية حمير والفصحى، دلائل القربى منذ الرموز الأولى بين عربية حمير والفصحى، مجلة الرافد نوفمبر2004 ص 70، وما بعدها.
كانت اللغة العربية امتدادا للغات شبه الجزيرة العربية رجوعا إلى اليمن فى لغة: المسند، أو اللغة الصيهدية كما تدل نقوش العصور المتأخرة، ولهذا كان رأى جواد على فى كتابه المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، دار العلم للملايين، بيروت ط2 1976 أن العربية هى اللغة الأم للغات السامية، بما فيها من تطور.
ويرى الدكتور عبدالكريم الزبيدى فى كتابه عربية حمير وعلاقتها بالعربية الفصحى أن الكتابة العربية اخترعت على أيدى سكان شبه الجزيرة العربية فى الحقبة الأخيرة من الألف الثانى قبل الميلاد وكانت تتألف من 22 حرفاً ساكناً تكتب من اليمين إلى اليسار، لها فرعان أساسيان أدى أحدهما لطريق مباشرـ إلى العبرانية والآرامية القديمة، وبطريق غير مباشر إلى العربية.
وتأكيدا لذلك نجد شيوع مفردات: الخط والكتابة والكتاب والحرف، وما إلى ذلك، وهكذا حملت اللغة العربية الكتاب، وحمل الكتاب اللغة العربية، وهما، معا، كانا الوعاء الحى الخلاق الناطق الباقى بقاء البشرية الذى حفظ حضارة العالم المتنوعة من: أدبية، واجتماعية، وعلمية، وحملها، من ثم، ونقلها إلى شعوب الأرض فى عالمنا المعاصر فى: البيت، والمدرسة، والجامعة، والمسجد، والكنيسة، والمعمل، وقاعات الدرس، والمصنع، والحقل، وفى الأرض، وفى البحر، وفى الفلك، وفى الفضاء بلغة عربية مبينة.
وفى مجال صناعة الكتاب نجد فى المعاجم العربية ما يؤصل مادة الكتابة والكتاب، ويربط بينها وبين الخط، والجمع، والصنعة، والكتابة، وتجميع الحروف، وهو ما يجعل العرب أصلاء فى هذا الباب.
وجمع الكتاب: كتب وكتب بضم التاء وسكونها، وكتب الشىء يكتبه كتباً، وكتاباً وكتابةً، وكتبه: خطه، قال أبوالنجم:
تخط رجلاى بخـــطٍ مختلــف
تكتبان فى الطريــــق لام الف
وقال طرفة بن العبدفى ديوانه:
كسطور الرق رقشه بالضحى مرقش يشمه
وقال لبيد يصف الوليد اليمانى وهو يخط بقلمه على الذابل من العشب وشجر البان ديوانه:
وقال أبوداؤود الكلابى:
لمن طلل كعنوان الكتاب ببطن أفاق أو بطن الذهاب
والذهاب تعنى الرق المكتوب عليه بخطوط من الذهب.
وقال حاتم الطائى فى ديوانه
أتعرف أطلالاً ونؤيا مهدماً كخطك فى رق كتاباً منمنماً
بل يشير الشماخ إلى وجود نوع آخر من الخط فى قوله (ديوانه، القاهرة ص 26):
كما خط عبرانية بيمينه بتيماء حبر، ثم عرض أسطرا
وتروى كثير من الروايات رسالة سمرة بن جندب بفتح السين إلى بنيه، واشتهرت صحيفة عبدالله بن عمرو بن العاص، وسميت بالصحيفة الصادقة، تلك التى كتبها عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد ذكرها الإمام أحمد بنصها فى مسنده، وكذلك صحيفة جابر بن عبدالله، ثم صحيفة همام بن منبه، وصحيفة ورقاء، وغيرها، وروى الإمام أحمد بن حنبل فى كتابه العلل ومعرفة الرجال عن سعيد (ت95هـ) بن جبير أنه ذكر كتابته عن عبدالله بن عباس «حتى تمتلئ ألواحى، ولا أجد فيها مكانا، وأكتب على خفى، ثم أكتب على يدى».
ولا يمكن لشاعر الحوليات أن ينقح ويغير على مدار العام إلا بالكتابة فى مسوداته، كما ذكر ابن هشام فى السيرة 1/254، ونحن نعلم أن لليمن شعراءها، وأن لكل قبيلة شعراءها من أمثال:
امرئ القيس، وعبيد، ومضاض بن عمرو، وعلقمة، وعمرو بن قميئة، ومهلهل وجليلة بنت مرة، والخنساء، عمرو بن كلثوم، والحارث بن حلزة، وطرفة، والمتلمس، والأعشى، وأوس بن حجر، وزهير، والحطيئة، وكعب بن زهير، والنابغة، وغيرهم.
عضو المجمع العلمى وأستاذ النقد الأدبى بجامعة عين شمس.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د يوسف نوفل لغتنا العربية جذور هويتنا شبه الجزيرة العربية اللغة العربیة
إقرأ أيضاً:
مبادرة “بالعربي” تحصد جائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بدورتها الثالثة
حصدت مبادرة “بالعربي”، إحدى أبرز المبادرات المعرفية التابعة لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، والرامية إلى تشجيع استخدام اللغة العربية ومفرداتها في الحياة اليومية جائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية بدورتها الثالثة، تقديراً للإنجازات الكبيرة التي حقَّقتها في خدمة اللغة العربية ونشر الوعي اللغوي بين أفراد المجتمعات العربية. وكرَّم مجمع الملك سلمان للغة العربية، فريق المؤسَّسة خلال حفل تكريم الفائزين بالجائزة والذي تم تنظيمه مؤخراً في العاصمة السعودية الرياض.
وأعرب سعادة جمال بن حويرب، المدير التنفيذي لمؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، عن بالغ سعادته بحصول مبادرة “بالعربي” على هذا التكريم الرفيع الذي يثبت من جديد نجاح المؤسَّسة في تعزيز اللغة العربية وتكريس حضورها داخل الأوساط المعرفية والأدبية والمجتمعية، وتوسيع مساهمتها في المحتوى الرقمي العربي على الشبكة العنكبوتية، وقال سعادته: “لطالما سعت المؤسَّسة إلى إطلاق المبادرات واحتضان الفعاليات التي تُعنى باللغة العربية وتؤكد مرونتها وحيويتها وقدرتها على احتواء إبداعات الفكر الإنساني في كل زمان. وتمثِّل مبادرة “بالعربي” مثالاً نموذجياً في هذا السياق، إذ نجحت على مدار السنوات في تحفيز الأجيال الشابة لاستخدام لغتهم العربية كلغة تواصل على منصات التواصل الاجتماعي، وعمَّقت معرفتهم بكنوز العربية وقدرتها الاستثنائية على تقديم أساليب متنوعة ودقيقة للتعبير عن الأفكار”.
وأضاف سعادته: “يمثِّل الفوز بهذه الجائزة حافزاً جديداً للمؤسَّسة لمواصلة جهودها الدؤوبة في دعم اللغة العربية وتعزيز استخدامها اليومي عبر مختلف القنوات، والتمسك بها لغةً للعلم والمعرفة، فهي تمثل هويتنا وتختزل تاريخنا الحضاري وتعبر عن انتمائنا الأصيل لحضارتنا العربية العريقة”.
وحصدت مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة الجائزة عن فئة المؤسَّسات لفرع نشر الوعي اللغوي وإبداع المبادرات المجتمعية، تقديراً لما حققته مبادرة “بالعربي” من تعزيز لحضور العربية على المستويين الإقليمي والدولي، عبر تشجيع الفئات الشابة على التوسع في استخدام اللغة العربية على شبكة الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي وتحفيزهم إلى إنتاج محتوى إبداعي يبرز جمالية اللغة ومكانتها الحضارية الفريدة.
ومن جهة أخرى، قدَّمت المؤسَّسة العديد من المشاريع الأخرى الدافعة لمسارات تمكين اللغة العربية، عبر استضافة العديد من المحاضرات والفعاليات، وإعداد الدراسات العلمية، وتنظيم الجلسات النقاشية التي تعنى بموضوعات الترجمة والأدب، فضلاً عن احتضانها المبادرات والمشاريع والفعاليات التي تُسهم في زيادة الوعي بأهمية اللغة العربية بصفتها جسراً للتواصل بين المجتمعات، ووسيلة حيوية لحمل الفكر واحتواء التطور العلمي والتكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم.
وتُعد الجائزة تأكيداً جديداً لأهمية التعاون بين المؤسَّسات المعرفية العربية من أجل تعزيز الهوية اللغوية وإثراء الحراك الفكري داخل الأوساط المختلفة، حفاظاً على التراث اللغوي العربي الغني، وترسيخاً لقدرة اللغة على استيعاب تطورات المستقبل بكل ما تحمله من تحديات وفرص.