أرادوا محوها من على وجه الأرض فتحولت إلى نفق مظلم لابتلاعهم.. قصفوا البيوت على من فيها فخرج لهم من بين ركامها من يصطاد المدرعات والدبابات والآليات العسكرية كما تصطاد الصواعق الناموس والذباب اللزج فى أيام وليالى الصيف المرهقة.. دمروا البيوت عن عمد وقتلوا من فيها لإرهاب الباقين على قيد الحياة وإجبارهم على النزوح فاتخذ أبطال المقاومة من حطامها سواتر للاختباء خلفها ومباغتة الطغاة المجرمين وإسقاطهم بين قتيل وجريح وأشلاء ممزقة يجمعونها فى أكياس قبل أن يحتفظ بها رجال المقاومة للمساومة عليها فى صفقات تبادل الأسرى.

روعوا الأطفال بالقصف المجنون لإخافتهم فخرجوا من بين الأنقاض يغنون ويرقصون ويرددون بنبرة التحدى والصمود لسنا خائفين منكم وباقون فى أرضنا وأنتم ومن عاونكم من الجبناء إلى زوال.. بيوت غزة المدمرة تحولت بدون سابق إنذار إلى مصائد موت ومحرقة جديدة لجنود ومرتزقة الاحتلال.

حاولوا إرهابهم وترويعهم وظنوا أنهم منتصرون بالأباتشى والـF16 وقذائف الدبابات والفسفور الأبيض والأسلحة المحرمة والمجرمة دولياً فخرج لهم من بين الأنقاض المارد الجبار ورد لهم الصاع صاعين وظهر جنودهم فى فيديوهات مسربة وهم يولولون ويبكون كما النساء، بعد أن عجزوا عن مواجهة الرجال الأبطال الذين يقبلون على الموت كما يقبلون هم على الحياة.

نيران الحقد الإسرائيلية على مبانى غزة أدت إلى تضرر 355 ألف وحدة سكنية، منها 69 ألفاً مهدمة بالكامل و290 ألفاً متضررة بجانب تدمير 138 مقراً حكومياً و145 دار عبادة، منها 3 كنائس و142 مسجداً وخروج 30 مستشفى من الخدمة وتضرر 390 مدرسة وجامعة، وتدمير 121 سيارة إسعاف، بالإضافة إلى 60 ألف مصاب وجريح و24 ألف شهيد، منهم 10 آلاف طفل و7 آلاف امرأة و1049 من المسنين و326 من الطواقم الطبية و115 صحفياً و115 معلماً و148 من موظفى وكالة غوث اللاجئين أونروا و148 من أفراد الدفاع المدنى، بجانب 7 آلاف مفقود و2 مليون نازح داخل القطاع.

مبانى غزة المدمرة بقسوة وبطش وجبروت وضمير ميت لم يسبق له مثيل حتى فى أكاذيب الهولوكوست التى روج لها اليهود بعد الإصرار على قصفها وتدميرها حتى باتت أطلالاً وأكواماً من الركام خرج منها ساكنوها وتحولت إلى مخابئ آمنة لأبطال المقاومة، يتم من خلالها قنص واستهداف جنود الاحتلال بكل سهولة، وأصبح أبطال المقاومة يظهرون منها لاصطياد جنود وآليات الاحتلال ويختفون فى سرعة البرق كالأشباح، وهو الأمر الذى بات مصدر قلق وحيرة للخبراء العسكريين داخل وخارج دولة الاحتلال، لأن أبطال المقاومة حولوا المعركة إلى مجرد نزهة يقومون خلالها بالثأر لشهدائهم وجرحاهم ومهجريهم ولقنوا جنود الاحتلال دروساً باهظة الثمن فى فنون القتال وحرب الشوارع والتكتيكات العسكرية.

رجال المقاومة ضربوا أروع الأمثلة فى الشجاعة والإقدام وعروا جيش الاحتلال من كل المقولات الأسطورية الزائفة التى حاولت آلة الدعاية الإعلامية الضخمة التى جندها للترويج له بأنه الجيش الذى لا يقهر، وظهر ذلك جلياً فى اللقطة التى كانت مثار حديث وسائل الإعلام السوشيال ميديا، والتى ظهر فيها مقاتل حمساوى يفجر مركبة عسكرية ويردد بثقة وصوت واضح حلل يا دويرى.. ونفس الحال فى اللقطات التى يلصق فيها المقاتلون العبوات على المدرعات والدبابات من المسافة صفر بكل ثقة وبلا خوف، رغم أن الفارق فى حجم التسليح بين الجانبين أشبه بالمسافة بين السماء والأرض.

جنود وآليات الاحتلال تحولت إلى هدف سهل المنال وصيد ثمين لرجال المقاومة، ودفعت إسرائيل ثمناً باهظاً لغبائها فى التعامل مع أهالى القطاع المنكوب بإصرارها وعنادها ورغبتها فى إزالة بيوت غزة من على الخريطة لتسهيل تحقيق هدفها الخفى، وهو الاستيلاء على حقول الغاز المواجهة لشاطئ غزة، وفى نفس الوقت جعل الأرض مسطحة على أمل البدء فى تنفيذ مشروع قناة بن جوريون حلم إسرائيل المؤجل من زمن طويل لضرب قناة السويس.

فمن بين أطلال البيوت والعمارات السكنية تخرج نيران المقاومة لتضع جنود الاحتلال ومركباتهم العسكرية فى قلب الجحيم، لأن اعتلاء المبنى والضرب من مسافة مرتفعة يجعل جنود الاحتلال هدفاً من السهل اصطياده، وتخرج نيران الغضب إليهم وكأنهم على موعد مع العذاب، فتتعالى صرخاتهم ويطلقون النار بشكل عشوائى على هدف يشبه «اللهو الخفى» لأنهم لا يرونه ولا يعلمون من أين يخرج ليطلق النار وأين يختفى.

رجال المقاومة حولوا محنتهم بتدمير بيوت أهاليهم إلى منحة وأحسنوا استخدامها لإيقاع أكبر قدر من الخسائر المؤلمة بجنود الاحتلال، وهو الأمر الذى أدى إلى انهيار معنوياتهم وبدأوا فى الانسحاب التدريجى خارج مناطق المبانى المدمرة بعد أن فهموا أنهم بحماقتهم نصبوا لأنفسهم كميناً داخل الأراضى الفلسطينية جعلهم صيداً ثميناً لرجال المقاومة فزادت خسائرهم بشكل كبير، وهو ما صب موجة من الغضب العارم على رئيس حكومة اليمين المتطرف بنيامين نتنياهو ووزرائه المتعطشين للدم، فأصبحت حكومة الاحتلال بين سندان الغضب الشعبى من زيادة حجم الخسائر ومطرقة غضب أهالى الأسرى المحتجزين لدى حماس، الذين فشل نتنياهو واستخباراته وكل معاونيه فى تحديد أماكن وجودهم أو التوصل إلى أى اتفاق لتحريرهم، وبات مصير الحكومة غامضاً فى ظل الغضب الذى يحاصرها من كل اتجاه بالداخل والخارج والمحيط الإقليمى.

لقد ألقت إسرائيل على غزة ومخيمات الضفة الغربية كمية من المتفجرات ما يزيد على حجم القوة التفجيرية لقنبلتين مما ألقى على هيروشيما فى الحرب العالمية الثانية، وصلت طبقاً للكثير من التقديرات إلى أكثر من 70 ألف طن من المتفجرات، حولت أكثر من نصف مبانى غزة إلى أطلال وأثر من بعد عين، لكن هذه الأطلال وأكوام الركام خرج منها من قال للعدو نحن هنا ما زلنا قادرين على المقاومة والحياة والنصر رغم قسوة المعركة وشراسة الأزمة وتخاذل العالم وتجاهل الغريب وخذلان القريب دماً ولغة وديناً لنا، ونحن من يصنع الحدث ويدير بوصلة الأحداث ويفتح صفحات كتاب التاريخ ليدون فيه الأحداث بتسلسل مدهش ويوثق جرائمكم ليورثها للأجيال القادمة من أبنائه، ليخرجوا للحياة وهم على قناعة تامة أن هذه الأرض ليس لكم عليها مكان ولا حياة.

وختاماً لقد أثبت رجال المقاومة ومن خلفهم أهل فلسطين بدعمهم ودعائهم لهم فى المساجد والصلاة من أجلهم فى الكنائس أن أرض فلسطين الأبية العصية على الهزيمة والانكسار ما زال عليها ما يستحق الحياة من أجله والدفاع عنه والاستشهاد فى سبيله، وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها فلسطين عربية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: غزة انتهاكات الاحتلال الإسرائيلى رجال المقاومة جنود الاحتلال من بین

إقرأ أيضاً:

حيرة العرب بين «الفيل» و«الحمار»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يذكرنى بعض العرب فى السلطة وخارجها، ممن ينتظرون بلهفة نتائج الانتخابات الأمريكية التى تجرى بين الديمقراطية «كامالا هاريس» والجمهورى «دونالد ترامب» آملاً فى أن تحمل تلك النتائج بعض أوجه التغيير فى منطقتنا المنكوبة بالحروب والكوارث والمآسى، بالمثل الشعبى القائل «يامستنى السمنة من بطن النملة لا أنت طابخ ولا قالى». وبرغم التحذير الذى ينطوى عليه المثل لمن يبالغون فى توقعاتهم، وينتظرون شيئاً سوف يأتى، لكنه لا ياتى وغير قابل أصلاً للمجئ، وأيضاً السخرية من جهلهم بخصائص النملة وطبيعتها، فالمثل يتضمن كذلك استهانة بعناصرالقوة التى يمتلكها هذا الكائن الضئيل والهش.

بدأت «كمالا هاريس» مرشحة الحزب الديمقراطى، الذى يتخذ منذ نهاية القرن التاسع عشر من الحمار رمزاً له، حملتها الانتخابية، التى قادتها الصدف لخوضها، بإبداء التعاطف مع الفلسطينيين فى غزة والدعوة لوقف الحرب. ثم ما لبثت أن تراجعت ورفعت الشعار المجرم الذى يقول بمناسبة وبغيرها، إن من حق إسرائيل الدفاع عن النفس. وكان بايدن قد اتخذ هو وإدارته الصهيونية، من هذا الشعار،  مبرراً لمنح إسرائيل الضوء الأخضر لشن حرب إبادة جماعية وتهجير قسرى ضد الشعب الفلسطينى. بالإضافة لتشجعيها على تجاهل كل القوانين والمؤسسات الدولية، التى تحمى سيادة الدول وتؤمن أعرافاً وقوانين لإدارة الحروب، بالحرب المستمرة على لبنان. ولولا الدعم العسكرى واللوجستى والمخابراتى غير المسبوق فى تاريخ العلاقات بين الطرفين، الذى عزز هوس نتنياهو كمجرم حرب تطارده العدالة الجنائية، بسفك الدماء، لتوقفت الحرب .

والتضارب فى التصريحات والتقلب فى المواقف هى من طبيعة الانتخابات التنافسية. وبطبيعة الحال تسعى «هاريس» لكسب أصوات اليهود، حيث يبلغ عددهم نحو 6 ملايين من بين تعداد السكان البالغ 337 ملايين نسمة بنسبة تصويت تصل إلى 2.4%من أعداد المصوتين الذين يصل عددهم إلى 186 مليون ناخب.. وبرغم أنها نسبة تبدو ضئيلة، إلا أن قوتها لا تكمن فى عددها، بل فى تنظيمها كقوة ضغط توجهها وتديرها لجنة الشئون العامة الأمريكية -الإسرائيلية المعروفة إعلاميا باسم «أيباك». هذا فضلاً عن أن عدداً كبيراً من المراقبين للسباق الانتخابى بين الديمقراطيين والجمهوريين، يؤكدون أن السياسة الخارجية لا تشغل بال الناخبين، بقدر اهتمامهم بالقضايا الاقتصادية والداخلية، لاسيما قضايا الهجرة والحق فى الإجهاض، التى تلقى بظلالها على الحياة اليومية لمعظم الشعب الأمريكى وتتحكم فى مسارها وتساهم فى تأرجحها بين الجودة والرداءة .

لكن هذا التوجه سوف يصطدم بحقيقة تلعب دوراً مهماً فى النتائج التى ستسفر عنها الانتخابات،  وهى أن 49% ممن يصوتون هم من الشباب الذى قاد أعداد  منهم، لا يستهان بها مظاهرات عارمة فى كبرى الجامعات الأمريكية ضد موقف إدارة بايدن من غزة، وللمطالبة بوقف الحرب .

فى خطابه للجاليات الأمريكية من أصل عربى التى يبلغ عددها نحو 3.7 ملايين مواطن، تعهد المرشح الجمهورى دونالد ترامب بوقف الحرب فى الشرق الأوسط، لكنه فى بداية الحملة،  وربما تيمناً برمز الفيل الضخم الذى يتخذه الجمهوريون شعاراً لهم، قال نصاً «إن مساحة إسرائيل تبدو على الخريطة صغيرة،  ولطالما فكرت  كيف يمكن توسيعها». وكما بات معروفاً فقد كان هو من أمر بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، واعتبر الجولان السورية المحتلة جزءاً من دولة إسرائيل .

خلاصة القول إن الفروق تبدو طفيفة فى الموقف من قضايا المنطقة بين المرشحين الجمهورى والديمقرطى. فكلا المرشحين يدعمان تسيد إسرائيل على دول الشرق الأوسط بالقوة وبالبلطجة بإعانتها بكل عناصر القوة والتفوق، وبمحاولات إضعاف محيطها العربى، حتى لو كان ذلك ضد رغبة حكامها وشعوبها، وحتى بتجاهل الاعتراضات المتصاعدة فى المجتمع الأمريكى على الدور الذى باتت إسرائيل تلعبه فى السياسة الخارجية الأمريكية. وعلينا أن ندرك أنه لا سمنة سوف تأتى من بطن النملة، ولا حلول خارجية منتظرة لمشاكل المنطقة،  ما لم تتشكل إرادة سياسية تسعى عبرها دولها، لتغيير موازين القوى لصالحها، والعمل  الجاد والشاق للبحث الجماعى عن حلول لتلك المشاكل من داخلها .

وإذا كان لنا أن نستخلص بعض حكمة النمل،  فهو يمتلك تنظيماً أسطورياً لصفوفه وحنكة لتوجيهها نحو أهدافها، يفتقد إليها أحيانا بعض البشر، فقد عجزت الجاليات العربية فى الولايات المتحدة أن تستلهم تلك الخبرة بحثاً عن نفوذ لها فى المجتمع الذى استوطنت به.. والنمل  برغم هشاشته وعدم استطاعة رؤيته بالعين المجردة، يمتلك قدرة عالية على الإيذاء حين تلسع لدغاته وتؤرق من تستهدفه. وهو استطاع بفطنته أن يتحاشى دهس جنود النبى سليمان كما أرشدنا العلى القدير بقوله تعالى «وحين أتوا على واد النمل،  قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم، لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون».

وبدلاً من انتظار «سمنة» من نتائج الانتخابات الأمريكية، استحضروا الإرادة الجماعية الغائبة، وتأملوا حكمة النمل وقدرته على تنظيم صفوفه وسعيه الذكى  لتحاشى الأذى .

مقالات مشابهة

  • الرئيسة هاريس!!
  • ضريبة النجاح القاسية
  • محمد مصطفى أبوشامة يكتب في تحليل سياسي: هل سيفوز «أقل الضررين» في يوم «تحرير أمريكا»؟!
  • حيرة العرب بين «الفيل» و«الحمار»
  • بمسيرة انقضاضية.. حزب الله يقصف تجمعا لعدد من جنود الاحتلال
  • سامح فايز يكتب: الحرب الثقافية (1)
  • طوبى لمن يعرف كيف يكتب الحياة بالموت
  • أشرف غريب يكتب: أطفالنا والعملية التعليمية
  • على الفاتح يكتب: «الزلزال»..!  
  •  خالد ميري يكتب: من يصدق الشائعات؟!