الجزيرة:
2024-06-30@00:37:52 GMT

كيف أسهمت الصحافة في تطور النقد الأدبي العربي؟

تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT

كيف أسهمت الصحافة في تطور النقد الأدبي العربي؟

أدَّت الصحافة العربية دورا كبيرا في تكريس النقد الأدبي، كونه جنسا أدبيا أصيلا يُسهم في قراءة وتثمين الأعمال الأدبية على اختلافها وتنوّعها.

وتجاوز النقد المعاصر عملية تقديم إضاءات على العمل الأدبي، على أساس أن الكتابة النقدية تعدّ شكلا من أشكال الفكر، بحيث أصبح الناقد لا يكتفي بالمجال الأدبي ونظرياته ومفاهيمه، بقدر ما يُوسّع أفق اشتغالاته عن طريق استلهام مناهج معاصرة أكثر تعلقا بالعلوم الإنسانية ونظيرتها الاجتماعية.

ويعود هذا التلاقح المعرفي إلى التطورات الإبستمولوجية (المعرفية) التي عرفها حقل الأدب، بوصفه فضاء يُشبه النهر في جريانه وتعدّد منابعه، بل تلتقي فيه كل روافد المعرفة.

ونظرا للتحوّلات السياسة والاجتماعية التي ألمّت بالنظام الثقافي، فإن النقد نفسه لم يسلَم من هذا التأثير على مستوى تجديد منابعه الفكرية وطريقته في قراءة الأعمال والنظر إليها، على أساس أنها مختبرات معرفية قادرة على بلورة فكر أدبي جديد أكثر اتصالا بالواقع العربي وتحوّلاته.

ولو لم تكن الصحافة لظل النقد العربي حكرا على الكتب الجامعية، كما يقول نقاد؛ لأن الصحافة هي من عملت على ذيوع هذا الجنس الأدبي وأسهمت في تكريس إنتاجاته وأعماله.

بهذه الطريقة أصبحنا نُعاين داخل الملاحق الثقافية والصفحات اليومية والملفات الثقافية الأسبوعية نوعا من "النقد العاشق" الذي يُلغي أحيانا كل المفاهيم الفكرية والنظريات الأدبية وسياقاتها التاريخية، من أجل تقديم قراءة عاشقة للعمل الأدبي.

وهذا في حد ذاته أسهم في تطوير النقد الأدبي داخل الصحافة، وجعل كتاباته تتمتّع ببعض من الخصوصية المعرفية على مستوى التحليل.

النص النقدي والصحفي

نادرا ما يعثر المرء على كتاب نقدي، يُعاين تحوّلات العملية النقدية ويرصد أدوراها في علاقتها بتاريخ الصحافة العربية. كما هو الحال لكتاب "تحوّلات النقد الأدبي في الصحف العربية" للكاتبة اللبنانية ليندا نصار، بعدما رصدت فيه المسار المعرفي الذي قطعته الممارسة النقدية داخل الإعلام العربي. إنها دراسة أصيلة من حيث المبدأ، وتكشف عن المجهود الكبير الذي بذله كتاب وصحفيون داخل عدد من الصحف العربية في خلق دينامية إنتاجية متابعة للأعمال الأدبيّة ومُتخيّلها.

أخرجت الصحافة النقد الأدبي العربي من سراديب الجامعات وكهوف المدرّجات، وجعلته كتابة مفتوحة على تحولات الذات في علاقة بالمعرفة والمجتمع. فقد أصبح الأكاديميون يكتبون مقالات نقدية أكثر تحرّرا من مرض النسقية ومن المقدمات الطللية لصالح كتابة نقدية واضحة المعالم والرؤى، تبدأ من العمل الأدبي وتنتهي داخله.

هذا النمط من الكتابة النقدية سببه الصحافة وليس الجامعة. فلا غرابة أنْ تُطالعنا كتابات أصيلة تقرأ جوهر أعمال أدبية من خلال مقالات خاصة لصحف ومجلات، لكنْ يُعاد إصدارها داخل كتاب نقدي فيما بعد. هذا الأمر، يؤكّد المكانة التي بات يحبل بها النقد الأدبي الممارس داخل الصحافة (ليس النقد الصحفي) كونها نمطا نقديا جديدا.

سهولة الانتشار

يقول الروائي والقاص مصطفى لغتيري في حديثه للجزيرة نت بأن "النقد ضروري جدا للإبداع عموما، وللأبداع الأدبي على الخصوص؛ لأن النص الأدبي، يبقى كامنا يكاد يكون دون حياة حتى يأتي النقد ليبث فيه الحياة من خلال القراءة الناقدة والعالمة، التي تمتلك الأدوات للتعاطي مع النصوص سواء عبر عناصرها الحيوية، أو عبر أبعادها الدلالية، أو خلفياتها الاجتماعية والنفسية والثقافية".

لهذا، يكمل لغتيري، فإذا "كانت الاتجاهات النقدية متعددة، ولكل منها دورها وزاوية نظرها الخاصة في مقاربة النص الأدبي، فإن النقد الصحفي يتميز بكثير من الخصائص؛ منها: سهولة التعاطي معه من طرف جميع القراء بمختلف مستوياتهم، كما أنه يتمتع بسهولة النشر، فالصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية تُقبل عليه بكثرة، كما أنه يقدم خدمة كبيرة للأدب، من خلال التعريف به لدى جمهور القراء، بطريقة مختزلة ويسيرة ومحفزة على القراءة".

ويرى صاحب كتاب "حب وبرتقال" أن "اغلب النقد الصحفي يعتمد على الذوق في اختيار النصوص وتقديمها للقارئ، فإن كثيرا من ممارسيه يتمتعون برؤيا واضحة ومنهج خاص بهم في قراءة النص الأدبي، غالبا ما يعتمد على الاهتمام بمضمون النص لتقريبه من الأفهام، دون إهمال الشكل الذي انكتب فيه، بالإضافة إلى تقديم نبذة مختصرة عن المؤلف، والجنس أو الأجناس الأدبية التي يكتب فيها".

ويظن لغتيري بأن بعض من "ممارسي النقد الصحفي لهم القدرة على خلق الجدال أحيانا وتحريك مياه المشهد الأدبي الراكدة، من خلال طرح بعض القضايا الشائكة، التي يعاني منها الأدب عموما، أو تلك التي تطرحها النصوص الأدبية، أو حول ما يتعلق بـ(سوسيولوجيا) الأدب، عبر طرق قضايا حساسة خاصة بالكتاب حول ما يتعلق بنشره وتوزيعه، والمشكلات التي يتخبط فيها عموما، كما يمكنهم كذلك طرح قضايا تتعلق بالأدباء أنفسهم، من قبيل صراع الأجيال والكتابة النسائية وغيرها".

بروز أجيال جديدة

أما الكاتب عبد اللطيف نجيب فيرى أنه "بقدر ما كان لمدافع نابليون دور في أعماق المشرق ونهضته، بقدر ما كان لهذه النهضة وقع في نفوس النخبة المغربية بكل أطيافها، وروادها المتعددين، بين تيارات التحديث والقومية وتيارات السلفية الإصلاحية. في هذا السياق كانت المنابر الإعلامية مجالا لطرح الأفكار ومناقشة القضايا، وطرح الأسئلة وتقديم أجوبة متعارضة ومتضادة أحيانا". ويرى أن بعضا من النماذج الصحفية من الصحافة وليس كلها، أخذت على عاتقها رسالة التثقيف والتنوير، فكانت صفحاتها تضم مقالات في الفكر والسياسة والادب بكل أصنافه. استمر هذا التقليد في صحافتنا منذ زمن الاستعمار حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي".

أما بخصوص مواكبة الصحافة للمنجز الأدبي والفني بشكل عام، فيقول نجيب بأن "الأمر يقتضي الوقوف عند نقطة مركزية في نظري، تتعلق بالصحف الحزبية المصنفة في التيار التقدمي اليساري، خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وحتى بداية العهد الجديد خلال هذه الفترة، أو المرحلة، كان الدعم النضالي أشبه ما يكون عبارة عن التزام من جهة أدباء وكتّاب، لهم قناعة راسخة بأن المثقف هو من ينخرط في الشأن العام، ويسخّر قلمه للتنوير".

ويتابع نجيب "لما كان الزخم الثقافي عنوان المرحلة، ظهر الملحق الثقافي، الذي كان منبرا للكتاب الرواد والشباب، العديد من أدبائنا ينشرون أولى أعمالهم على صفحات ملاحق ثقافية". بالمقابل "كانت الحركة النقدية التي تنشر في الصحف محتشمة، إما لأنها موغلة في الشق النظري، وإما أنها أحيانا، هي تكملة للدرس الجامعي، وأحيانا أخرى تنساق نحو المحاباة والمجاملة. لهذا برزت لدينا نزعات نقدية، أكثر منها حركات نقدية رصينة، تواكب المنجز وتحفز على الجديد. أضف إلى ذلك الجدال العقيم بين أنصار الحداثة وأنصار التقليد".

من ثم، فإنه من وجه نظر صاحب كتاب "الشاب حيران" بأن "أكبر خدمة قدمها النقد الصحفي للأدب، هو التعريف بالنصوص والأقلام الشبابية، ومن ثم منح الفرصة للعديد من الكتّاب والشعراء والقصاصين والمسرحيين من الظهور في المشهد الأدبي، بحيث أصبح لهم ركن دائم في صفحات صحف بعينها، أذكر هنا: عبد الكريم الطبال، ومحمد السرغيني، في صحيفة العلم، والأشعري وعبد الله راجع وحسن نجمي وغيرهم في صحيفة الاتحاد الاشتراكي بالمغرب، وغيرهم كثير".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: النقد الأدبی من خلال

إقرأ أيضاً:

سكرتير عام نقابة الصحفين: الصحافة الورقية فى مأزق خطير ومهددة بالانهيار

أكد الكاتب الصحفي جمال عبدالرحيم رئيس تحرير جريدة الجمهورية الأسبق، وسكرتير عام نقابة الصحفيين، أن الصحافة الورقية المصرية  في مأزق خطير، بالأمس كانت رائدة، تبدع، وتبتكر، وتنتج، وتؤثر في الرأي العام المصري والعربي، واليوم صارت تصارع من أجل البقاء، وتحارب في العديد من الجبهات، جبهة الأوضاع الاقتصادية  وجبهة المنافسة مع الصحافة الإلكترونية، مشيراً إلى أن تاريخ الصحافة الورقية المصرية العريق، الذي يزيد على مائتي عام لم يشفع لها من الانهيار في أرقام التوزيع وتراجع الاستثمار في صناعتها.

وقال إن الصحافة الورقية عانت كثيرا  خلال السنوات القليلة الماضية أزمات عديدة بسبب التطور التكنولوجي وارتفاع أسعار الورق ومواد الطباعة وتراجع الإعلان  والأزمات الاقتصادية، مما أدي إلى تراجع أرقام التوزيع بصورة غير مسبوقة، الأمر الذي أدي إلى إغلاق العديد من الصحف الحزبية والخاصة، بل وبعض الإصدارات بالمؤسسات الصحفية القومية ”

وقال عبد الرحيم خلال ملتقي الإسكندرية الاول للإعلام والذي نظمه الجمعية المصرية لأصدقاء مكتبة الإسكندرية  برئاسة عصام عزت بالتعاون مع متحف الفنون الجميلة  ان التحديات التي واجهت الصحافة الورقية، أفقدتها ثقة قرائها، وحصرتها في دائرة ضيقة من الانتشار والتأثير

وأشار سكرتير عام نقابة الصحفيين، إلى أن مستقبل الصحافة الورقية مرتبط بقدرتها على التطور ومجاراة الصحافة الإلكترونية ووضع خطط واليات جديدة لتطوير مضمونها بما يتناسب مع احتياجات ورغبات واهتمامات القرارات عن طريق الاهتمام بما وراء الخبر من تحليل ومتابعات وحوارات وآراء، وأن الأمر يحتاج إلى مساندة الصحف الورقية اقتصاديًا ومهنيًا وعقد دورات تدريبية لشباب الصحفيين لتطوير الأداء المهني مؤكدا علي أن  غياب المهنية والموضوعية والمصداقية في غالبية المواقع الإلكترونية وانتشار الشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي  يجعلنا نتمسك بصحافتنا الورقية

وأكد عبدالرحيم، أن الصحافة الورقية في العديد من الدول المتقدمة لم تتاثر كثيرا بظهور الصحافة الرقمية بل أن أرقام التوزيع لم تتاثر فعلي سبيل المثال تشير  آخر الإحصائيات ان صحيفة يوميوري اليابانية توزع  حوالي عشرة ملايين نسخة في الطبعات الصباحية، بينما الطبعات المسائية تصل إلى حوالي الأربعة ملايين نسخة،وأن عدد قراء الصحيفة يصل على 26 مليون قارئ، بحكم أن التوزيع المنزلي لاشتراكات الصحيفة يفرض قراءة مشتركة لأكثر من شخص واحد. .

وذكر عبدالرحيم، أن نقابة الصحفيين تعد حاليا للمؤتمر العام السادس للصحفيين وذلك لمناقشة مستقبل صناعة الصحافة، وحريتها بين التطورات التكنولوجية، والتحديات المهنية، والاقتصادية، والتشريعية.

 وقال إن أهمية المؤتمر تأتى فى ظل الازمة الكبيرة التي تعانيها الصحافة المصرية على كل المستويات، سواء فيما يتعلق بتراجع هامش   الحريات ، أو الجانب المهنى، وكذلك صناعة الصحافة ومستقبلها وملاحقة التطورات، التى تحدث فى عالم الصحافة، وتأثيرها على الأشكال المختلفة للصحافة سواء  كانت ورقية اوإلكترونية،   وأكد أن المؤتمر سيناقش أيضًا اقتصاديات المهنة، وأوضاع الصحفيين الاقتصادية، التى تراجعت بشكل كبير.

ولفت إلى أن للمؤتمر يتضمن  3 محاور: الأول يناقش مستقبل صناعة الصحافة ورقية وإلكترونية وعلاقتها بالتطورات التكنولوجية، والثانى يتعلق باقتصاديات الصحافة، والأوضاع الاقتصادية للصحفيين، وكيفية وضع لائحة للأجور، والثالث يختص بحرية الصحافة، وأوضاع الحريات العامة، والبيئة التشريعية الحاكمة لمهنة الصحافة، . 

وأكد أن محور التشريعات، وتغيير البنية التشريعية الحالية المقيدة للعمل الصحفى، والسعي لإجراء تعديلات على نصوص القوانين المنظمة للعمل الصحفى من أولويات المؤتمر، مشيراً إلى سعي النقابة للمطالبة بسرعة إصدار قانون حرية تداول المعلومات تفعيلا للنصوص الدستورية وكذلك إجراء تعديلات علي قوانين الصحافة والإعلام الصادرة عام ٢٠١٨ والتي تضمنت الكثير من النصوص التي تعرقل العمل الصحفي مثل حظر التصوير في الأماكن العامة الا بتصريح من المجلس الاعلي لتنظيم الإعلام وكذا النصوص التي تمنح الهيئة الوطنية للصحافة الحق في إلغاء ودمج بعض الإصدارات بالمؤسسات الصحفية القومية،

وأكد سكرتير عام النقابة، أن نقابة الصحفيين خاضت معاركً عدة مند تاسيسها في 31 مارس عام 1941 في سبيل حرية الصحافة والصحفيين؛ فلم يكن الطريق إلى الحرية مُمهدًا بالورود، بل كان وسيظل مليئًا بالأشواك والتضحيات، وعلى مر العصور قدمت الصحافة العديد من الشهداء،  سالت دماؤهم الزكية دفاعا عن أرض الوطن وكان للصحفيين المصريين دور مهم في حرب اكتوبر المجيدة وقبلها حرب الاستنراف

ومن جانبه أكد الدكتور محمود مسلم، عضو مجلس الشيوخ، ان سبب تراجع الصحافة الورقية زيادة اسعار الورق عالميا واسعار الطباعة وايضا القدرة الشرائية للمصريين، مقابل اتاحتها مجانا على مصادر الصحافة الرقمية.

وواصل مسلم، ان التطور التكنولوجي اهم خطوات التطور للاداء الاعلامي والصحفي، ولكنه يشكل تحدي كبير للصحافة في الاعوام المقبلة.

وأشار مسلم، إلى أن من اهم التحديات عدم التحكم في الجمهور وذلك بحكم مواقع البحث الكبيره والتي تسيطر على حجم المشاهدات الكبيره والاعلانات، علاوة على تداخل وسائط الذكاء الاصطناعي وتداخله في المحتوى الصحفي.

مقالات مشابهة

  • القاهرة الإخبارية: مصر نجحت في حشد تمويلات أسهمت في دعم الاقتصاد
  • 3.36 تريليون دولار حجم تداول النقد الأجنبي في الصين خلال مايو
  • «الصحفيين» تنظم احتفالية لتوزيع جوائز الصحافة المصرية.. الثلاثاء المقبل
  • المفتي: تطور العلوم لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال النقد الذاتي والموضوعية
  • جمال عبدالرحيم يكشف أزمة خطيرة تعاني منها الصحافة الورقية في مصر
  • سكرتير عام نقابة الصحفين: الصحافة الورقية فى مأزق خطير ومهددة بالانهيار
  • تايم تبرم صفقة لتوجيه 101 عام من الصحافة إلى فوضى OpenAI الهائلة
  • كلمة رئيس البرلمان العربي خلال مشاركته في افتتاح الجلسة العامة لبرلمان عموم أفريقيا
  • جمال عبدالرحيم: الصحافة الورقية في مأزق خطير
  • وزيرا المالية والتخطيط في الحكومة المنتهية يناقشان تأثير فرض ضريبة 27% على التحويلات النقدية