عربي21:
2024-09-19@01:09:55 GMT

قراءة في المأزق الإسرائيلي في قطاع غزة

تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT

بالرغم من العدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزة، واستشهاد وجرح أكثر من مائة ألف فلسطيني، والدمار الهائل الذي لحق بالقطاع، إلا أن ذلك لم يُخفِ المأزق الإسرائيلي المتصاعد سياسيا وعسكريا وداخليا وخارجيا.

يطرح هذا المقال ثمانية من أبرز معالم المأزق الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة:

أولا: الفشل في تحقيق الأهداف المعلنة للعدوان:

تمثلت أهداف العدوان في القضاء على حماس، وتحويل غزة إلى منطقة آمنة إسرائيليا، وتحرير المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، وتهجير ما أمكن من أبناء القطاع.

وبالرغم من أن الجانب الإسرائيلي تفوَّق في غروره وعجرفته، وفي التدمير وارتكاب المذابح، ولكنه بعد أكثر من مائة يوم على بدء العدوان، فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي من أهدافه، وفي كسر المقاومة وإرادتها، والتي ما زالت تقوم بأداء فعَّال.

وتكمن خطورة هذا الفشل، في أن الكيان الإسرائيلي اعتبر هذه المعركة "معركة الاستقلال الثانية" أو "معركة وجود"؛ وبالتالي فهو مسكون بـ"رعب الفشل" الذي يعني انهيار نظريته الأمنية، وفكرة الملاذ الآمن لليهود، وفكرة شرطي المنطقة والقوة المهيمنة فيها. وقد يعني ذلك على المدى الوسيط والبعيد بدء العدّ العكسي للكيان الإسرائيلي، إذ إن بقاء حماس ونجاحها في فرض معادلتها، والتفاف الجماهير حولها، له انعكاساته المستقبلية الكبيرة على الوضع الفلسطيني وعلى بُناه السياسية والقيادية، وعلى تبني خيار المقاومة، وانهيار مسار التسوية.

تكمن خطورة هذا الفشل، في أن الكيان الإسرائيلي اعتبر هذه المعركة "معركة الاستقلال الثانية" أو "معركة وجود"؛ وبالتالي فهو مسكون بـ"رعب الفشل" الذي يعني انهيار نظريته الأمنية، وفكرة الملاذ الآمن لليهود، وفكرة شرطي المنطقة والقوة المهيمنة فيها. وقد يعني ذلك على المدى الوسيط والبعيد بدء العدّ العكسي للكيان الإسرائيلي
ثانيا: فقدان الرؤية:

تعاني الحكومة الإسرائيلية من فقدان الرؤية والبوصلة، خصوصا فيما يتعلق بوضع قطاع غزة بعد الحرب، وفي كيفية الخروج من الحرب بانتصار أو بشكل انتصار تُقنع به جمهورها اليهودي. وقد كثرت التصريحات والكتابات لقيادات ورموز ومفكرين صهاينة يَتَّهمون نتنياهو وحكومته بفقدان الرؤية، وعدم القدرة على تحديد أهداف ممكنة التنفيذ، في ظل حكومة متطرفة مهدّدة بالسقوط، وغير قادرة على التعامل الواقعي مع الحقائق على الأرض، وغير قادرة على "النزول عن الشجرة".

وإلى جانب اعتراضات كثيرة سابقة، ظهرت مؤخرا اعتراضات إيزنكوت وغانتس على استمرار العملية العسكرية، كما انتقد وزير الجيش الإسرائيلي غالانت التردد السياسي الذي يَضرّ بسير العمل العسكري، وحذر رئيس أركان الجيش هاليفي مما سماه "تآكل إنجازات الجيش في غزة"، ومن قدرة حماس على إعادة تنظيم نفسها في شمال القطاع، بما يعيد الجيش للعمل من جديد في المناطق التي ظنّ أنه أنهى عمله فيها.

كما سقطت كل المشاريع الإسرائيلية والأمريكية والغربية بشأن حكم غزة في اليوم التالي للحرب، فلا حكم إسرائيلي، ولا قوات دولية، ولا قوات عربية إسلامية، ولا عشائر القطاع، هي بدائل مقبولة أو ممكنة التنفيذ. وحتى السلطة الفلسطينية في رام الله لا تستطيع تولي شؤون القطاع إلّا ضمن توافق فلسطيني داخلي تكون حماس عنصرا أساسا مقررا فيه.

وقد يعني ذلك استمرار الاستنزاف الإسرائيلي دون تحقيق نتائج، مع تصاعد الضغوط الدولية لوقف العدوان، وترسيخ الوجه البشع للكيان في البيئة العالمية، وهو ما قد يُقوِّي أوراق القوة لدى حماس.

ثالثا: تعاظم الخسائر العسكرية والاقتصادية:

بالإضافة إلى الضربة القاسية التي تلقاها الكيان الإسرائيلي في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 فإن خسائره استمرت في التصاعد، على مدى أكثر من مائة يوم. ويحرص الجانب الإسرائيلي على إخفاء خسائره نظرا لتأثيرها الكبير على كتلته الاستيطانية؛ ومع ذلك فإن ما يرشح من أخبار يشير إلى أضعاف ما يعترف به المتحدثون الرسميون الإسرائيليون. وثمة توقعات بأن تزيد الخسائر الاقتصادية وتكاليف الحرب عن خمسين مليار دولار أمريكي، مع تعطل السياحة وعدد من القطاعات الاقتصادية.. وغيرها.

هذا "النزيف" الإسرائيلي سيجبره عاجلا أم آجلا على التخفيف من مكابرته وعجرفته، وسيعيد حساباته في ضوء انخفاض النتائج المتوقعة مقابل الخسائر والتكاليف المدفوعة.

رابعا: الهجرة الداخلية والهجرة المعاكسة:

مع إخلاء المستوطنين في غلاف غزة وفي شمال فلسطين المحتلة، بعيدا عن خطوط المواجهة ثمة 400-500 ألف مستوطن فقدوا مراكز استقرارهم، وفقدوا الشعور بالأمن، وتحولوا إلى عبء كبير على الحكومة الإسرائيلية. كما تشير بعض الإحصاءات إلى مغادرة أكثر من 250 ألف يهودي "إسرائيل" إلى بلدان العالم المختلفة. وهذا يشير إلى أن أزمة حقيقة يعانيها الكيان في توفير الأمن لمستوطنيه، وهي أزمة إن طالت ستفقد الكيان أهم أساس قام عليه وهو توفير "الملاذ الآمن" لليهود.

خامسا: الأزمة السياسية:
بالرغم من الرغبة العارمة بالانتقام وتوفير الأمن التي أظهرت نوعا من الالتفاف الإسرائيلي حول هذا الهدف، إلا أن ثمة فروقات متزايدة حول كيفية إدارة المعركة، ومستقبل قطاع غزة، وإبرام صفقة حول المحتجزين الإسرائيليين، وطرق التعامل مع البيئة الدولية والضغوطات العالمية
تسببت صدمة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وما تلاها، والأداء الإسرائيلي على الأرض، بتفاقم الأزمة السياسية الإسرائيلية الداخلية. وبالرغم من الرغبة العارمة بالانتقام وتوفير الأمن التي أظهرت نوعا من الالتفاف الإسرائيلي حول هذا الهدف، إلا أن ثمة فروقات متزايدة حول كيفية إدارة المعركة، ومستقبل قطاع غزة، وإبرام صفقة حول المحتجزين الإسرائيليين، وطرق التعامل مع البيئة الدولية والضغوطات العالمية.

وقد أصابت الهزة السياسية الأحزاب الإسرائيلية، وخصوصا حزب الليكود الحاكم الذي يَتسيّد الساحة السياسية منذ 15 عاما متواصلة، والذي سيفقد نحو نصف مقاعده في أي انتخابات قادمة. كما أن عملية طوفان الأقصى قضت على المستقبل السياسي لنتنياهو، الذي استمتع بوضع استثنائي بوصفه أطول رؤساء الوزراء حكما منذ إنشاء الكيان الإسرائيلي، متفوقا حتى على الزعيم الصهيوني المؤسس بن غوريون. ويظهر استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للديموقراطية نشره في 2 كانون الثاني/ يناير 2024 أن 15 في المائة فقط يرغبون ببقاء نتنياهو رئيسا للوزراء. كما تتعالى الأصوات داخل حزبه "الليكود" بضرورة استبداله، بعد تصاعد القناعات أنه "انتهى".

ويُظهر آخر استطلاعٍ أجرته صحيفة معاريف صعود نجم حزب معسكر الدولة بقيادة جانتس مع 39 مقعدا، والليكود 16، كما تظهر تراجع الصهيونية الدينية، وهو ما يعني سقوط التحالف اليميني الديني الحاكم (قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر) بشكل كبير، مع صعود قوي للمعارضة.

سادسا: تعطُّل مسار التطبيع في البيئة العربية والإسلامية:

فقد تحوّل هذا المسار إلى عبءٍ كبير على الدُّول المُطبِّعة، وهذا مسار استراتيجي حيوي بالنسبة للكيان، حيث فرضت معركة طوفان الأقصى أكلافا عالية على المُطبِّعين، في بيئات شعبية ترفض أغلبيتها الساحقة التطبيع، وترى بأم أعينها الوحشية والدموية الصهيونية في قطاع غزة وفلسطين.

سابعا: تصاعد الضغوط الدولية.. وافتضاح الصورة العالمية للكيان:

حيث أحدثت معركة طوفان الأقصى، والعدوان الإسرائيلي على القطاع هزة عالمية مضادة للكيان، بعد انكشاف وجهه المتوحش، وسقوط دعاياته كواحة للديمقراطية، وفشل تقديم نفسه كضحية. وقد كسب الفلسطينيون المعركة الإعلامية والتعاطف الدولي فيما زادت عزلة الكيان. كما زادت ضغوط حلفاء الكيان لإنهاء عدوانه وتخفيف حدة جرائمه.. وهو ما يعني أنه قد يضطر في نهاية المطاف لإيقاف عدوانه والانسحاب قبل تحقيق أهدافه.

ثامنا: صعود حماس:
المأزق الإسرائيلي في القطاع كبير، وهو سيضطر للنزول عن عجرفته وغروره للتعامل بواقعية أكثر مع الحقائق التي فرضتها المقاومة
ثمة قناعات متصاعدة لدى كافة القوى العربية والدولية، بما فيها أعداء حماس وخصومها، باستحالة القضاء على هذه الحركة، خصوصا في ضوء أدائها وكفاءتها القتالية العالية، سواء في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أم في القتال الفعّال طوال أكثر من مائة يوم، وإيقاع خسائر كبيرة بالصهاينة بالرغم من مواجهة المقاومة لتحالف عالمي إسرائيلي أمريكي غربي.

غير أن اللافت للنظر هو تزايد شعبية حماس بشكل واسع وسط الشعب الفلسطيني، بما في ذلك قطاع غزة نفسه، وازدياد التفاف الحاضنة الشعبية حول حماس وخيار المقاومة داخل فلسطين وخارجها، بعكس أهداف العدوان الصهيوني. وكذلك دينامية حماس العالية في قطاع غزة، التي تُمكنها من العمل العسكري في مناطق تواجد الاحتلال، واستعادة السيطرة السريعة على الأماكن التي ينسحب منها، وتنظيم نفسها وقواتها بما يكفل متابعة المقاومة الفعالة.

لقد أثبتت المعركة أنه لا يمكن الفصل بين حماس وبين الناس، وأن حماس مرشحة للفوز بشكل ساحق في أي انتخابات فلسطينية حرة نزيهة.

* * *

لا شك أن المأزق الإسرائيلي في القطاع كبير، وهو سيضطر للنزول عن عجرفته وغروره للتعامل بواقعية أكثر مع الحقائق التي فرضتها المقاومة. ومع إدراكنا للأثمان الهائلة والتضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني ومقاومته خصوصا في قطاع غزة، إلا أنه سيرى ثمرة صبره عاجلا أم آجلا.

twitter.com/mohsenmsaleh1

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي غزة المقاومة نتنياهو إسرائيل غزة نتنياهو المقاومة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الکیان الإسرائیلی الإسرائیلی على أکثر من مائة تشرین الأول فی قطاع غزة الذی ی إلا أن

إقرأ أيضاً:

الاحتلال الإسرائيلي يعتقل أكثر من 30 فلسطينيًا بمختلف مناطق الضفة الغربية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، حملة مداهمات واعتقالات واسعة في مختلف مناطق الضفة الغربية، طالت أكثر من 30 مواطنًا.
وذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، أن الحملة تركزت في محافظات سلفيت، بيت لحم، الخليل، ورام الله، حيث قامت تلك القوات باقتحام منازل المواطنين واعتقالهم بعد تدمير وتخريب ممتلكاتهم، حيث شنت قوات الاحتلال حملة اعتقالات واسعة عقب اقتحام مدينة سلفيت طالت 22 مواطنا، واحتجزت عددا منهم، وشهدت قرية حوسان وواد فوكين ببيت لحم حملة اعتقالات واسعة، حيث تم احتجاز 17 مواطنًا من قرية حوسان.
وفي الخليل، اعتقلت قوات الاحتلال 8 مواطنين من مخيم الفوار بعد مداهمات واعتداءات على المواطنين، بالإضافة إلى إقامة نقاط عسكرية على أسطح المنازل، وأدى هذا التصعيد إلى تعليق الدراسة في مدارس المنطقة حفاظًا على سلامة الطلاب، وفي رام الله، اقتحمت القوات قريتي جفنا ومخيم الأمعري، واعتقلت شابين، بعد مداهمة منزلهما.
تأتي هذه الحملة في ظل تصاعد التوترات في الضفة الغربية، حيث تشهد المدن والقرى والبلدات الفلسطينية زيادة مستمرة في عمليات الاقتحام والاعتقالات من قبل قوات الاحتلال.
وفي سياق آخر، أكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف، أن السلطة الفلسطينية تبذل جهودا حثيثة داخل أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة للتصويت لصالح مشروع قرارها المعدل الذي يطالب بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي خلال عام.
وقال أبو يوسف إن السلطة تسعى لتحفيز العالم لإنهاء الصراع مع إسرائيل وتحقيق السلام، مشددا على أن المساعي الفلسطينية لن تتوقف على الرغم من كل تهديدات الاحتلال الذي يحاول الحيلولة دون تحقيق ذلك، وأشار إلى أنه لا تنازل عن إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس ويجب عودة اللاجئين استنادا لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.
ومن المقرر أن تصوت الجمعية العامة في وقت لاحق اليوم على مشروع القرار، الذي شاركت في تقديمه أكثر من عشرين دولة.

مقالات مشابهة

  • رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: لدينا الكثير من القدرات التي لم نستخدمها بعد
  • قيادي في حماس يدين استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان
  • الاحتلال الإسرائيلي يعتقل أكثر من 30 فلسطينيًا بمختلف مناطق الضفة الغربية
  • قيادي في حماس: السنوار لن يغادر غزة
  • خالد مشعل: الجيش الإسرائيلي في حالة استنزاف
  • عاجل | القائد السابق لفرقة غزة بالجيش الإسرائيلي: حماس تنتصر في هذه الحرب
  • قيادي بحماس: الكيان الهش يتعرض للضرب بعد أن كان بالونا منتفخا يخشاه الجميع
  • مصر: نحن أكثر دولة متضررة من التصعيد في البحر الأحمر.. ويجب إنهاء حرب غزة
  • نظام اتصالات بدائي يحمي يحيى السنوار من الاستهداف الإسرائيلي
  • عضو بالكنيست للجيش الإسرائيلي: كفى كذبا.. لم يتم القضاء على حماس