يسوء التقدير فيسوء التدبير في عالمنا العربي!
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
أنتقل هذه الأيام كأغلب الناس من قناة تلفزيونية إلى أخرى ويدي على زر (الريموت) تكاد ترتعش من هول الأحداث المحيطة بنا: إبادة جماعية لشعب أعزل وأطفال أبرياء على المباشر ومشاهد مقاومة مشروعة يقوم بها شباب آمنوا بربهم انطلقوا للفعل لا لرد الفعل كما كان حال القيادات الفلسطينية طيلة العقود الماضية ثم تحركات دبلوماسية وسياسية تملأ الشاشات إما للتبرير وإما للتحرير وإما للتنوير.
قبل أن يغادر حليفها الأكبر البيت الأبيض بأيام قليلة فيكون حسابها كالآتي: بلوغ مرحلة التطبيع مع المملكة السعودية وطبعا تحويل العداء التاريخي من إسرائيل المحتلة للأرض الى الجمهورية الإيرانية وتكتشف إيران أن مجتمعها مخترق من قبل الموساد على ضوء الانفجارات التي هزت بعض مواقعها الاستراتيجية الشهر الماضي وهو المجتمع الذي حصنه حكامه منذ 1979 بالحرس الثوري، لكن لعبة المخابرات الإقليمية والدولية لا تعترف بالحدود، ويمكن لها أن تضرب رأساً القمم العلمية والمواقع العسكرية في لحظة غفلة بينما الواقع يقتضي المزيد من الحيطة والحذر والعالم شاهد وسمع كيف أشار نفس رئيس حكومة إسرائيل إلى محسن فخري زاده بالاسم والصفة عام 2018 ووضعته مخابراتها على رأس قائمة المستهدفين كما استهدفت زملاء له من قبل بطرق مختلفة! وبعد سنوات ذكر المجاهد صالح العاروري ثم اغتالوه وذكر يحيى السنوار وندعو الله له النجاة ومواصلة المقاومة. هذا المخطط المبرمج إسرائيلياً مع حليفها القوي المؤقت هو جر إيران إلى رد الفعل بسرعة ربما بضرب جنود أمريكان في البحر الأحمر وقصف الحوثيين.
باعتبارهم جنود إيران وفي العراق قبل أن ينسحب الجيش الأمريكي كما تطالب الحكومة العراقية فتكون الولايات المتحدة مضطرة للحرب وقصف منشآت نووية إيرانية وتنتهي أخطر مرحلة من مراحل وضع اليد الإسرائيلية على كامل مقدرات الشرق الأوسط بعد تطبيع أنظمة عربية معها وفتح أبواب التعاون ثم التحالف معها على أسس جديدة تلغي قضايا العرب وتصفي نهائياً قضية فلسطين بما يسمى صفقة القرن قبل أن يدخل الرئيس المنتخب (جو بايدن) أو (ترامب) أو من ينوبهما من حزبيهما المكتب البيضوي ويشرع في ما أعلنته الإدارة الأمريكية من تصفية تركة المقاومة في جميع المجالات بدءاً من قضية فلسطين وانتهاء بملف النووي الإيراني على أساس المعاهدة الموقعة عام 2015 والمصادق عليها أممياً ودولياً وهي التي انسحب منها ترامب معوضاً إياها بفرض عقوبات عشوائية على إيران لم تزد إيران في الحقيقة إلا حرصاً على متابعة برنامجها النووي السلمي المدني!. وحين تعلن طهران أنها سترد على الجريمة بطريقة ذكية فهي تعني أنها تفطنت إلى المخطط الجهنمي المعد لها كفخ تاريخي قادر على تغيير كل قواعد اللعبة الدولية تماما وبأقل التكاليف ثم إن الأوضاع الإستراتيجية للدول الشرق أوسطية اليوم تنذر بإمكانية تطبيق المخطط فانظر إلى عقيدة بعض الأنظمة العربية التي تغيرت من اعتبار العدو التاريخي هو الاحتلال الإسرائيلي إلى اعتبار إيران هي العدو! بينما وراءنا احتلال أجزاء من مصر منذ العدوان الثلاثي 1956 عليها ثم احتل العدو الإسرائيلي سيناء وضفة قناة السويس وكاد بعد عبور رمضان عام 1973 أن يحتل نصف مصر فيما يسمى الكيلومتر 101 مهدداً بالاستيلاء على القاهرة بقيادة (أريال شارون) لو لم توافق مصر يومئذ على قرار وقف إطلاق النار! إنه التاريخ القريب ولم تنفرج أزمة مصر وأراضيها المحتلة إلا بانعراج محمد أنور السادات رحمة الله عليه نحو المخطط الأمريكي وزيارة الكنيست وعرض السلام على إسرائيل في كامب ديفيد! وبدأت عمليات السلام المغشوش بين الدولة العبرية وما تبقى من منظمة التحرير بمفاوضات أوسلو ثم مدريد واعترف الفلسطينيون بدولة إسرائيل.
مقابل لا شيء أو ما يقارب اللاشيء فالتجأ أبو عمار وصحبه إلى (حي المقاطعة برام الله) قبل أن يهدمه (تساحال) على رؤوسهم ثم يغتالون ياسر عرفات بالبولونيوم ويبدأ مخطط انكفاء الوجود الفلسطيني تدريجياً ببرامج توسيع المستوطنات وبناء الجدار العازل وقبول هدية ترامب إلى إسرائيل (بيت المقدس) كعاصمة أبدية وغير قابلة للتقسيم ولا للتفاوض لدولة يهودية كما خطط لها عام 1897 تيودور هرتزل في مؤتمر (بازل) بسويسرا في كتابه (الدولة اليهودية). وهكذا فإن سوء التقدير بالمعنى الخلدوني نجده أيضا في أوروبا وفي فرنسا بالذات التي تشهد نزول الجماهير الفرنسية للشوارع احتجاجاً على المنعرج اليميني المتطرف المبرمج في قانون الأمن الشامل مما ينذر بأخطار قادمة تهدد السلام الأوروبي بقدوم النزعات شبه الفاشية بخطى سريعة إلى دفة الحكم في الاتحاد الأوروبي وهي قضايا تهم العرب وتنعكس بالضرورة على البحر الأبيض المتوسط بحيرتنا المشتركة الخالدة. اليوم نقف على صدق الحكمة الخلدونية وهو الرائد في تفكيك المجتمعات الإنسانية واستخلص في كتابه الذي سماه بالعبر (جمع عبرة) كل ما يمكن الناس من إصلاح الرعية بدءا من إصلاح الراعي وقد صنف رحمه الله ملكة حسن التقدير على رأس حسن التدبير ولم يكن يعلم وهو في عصره المضطرب أن الاضطراب سيستمر حتى القرن الحادي والعشرين وأن نفس سوء التقدير في عصرنا ما هو سوى إعادة تاريخية لسوء تقدير الدولة العباسية التي قضى عليها التتار بقيادة هولاكو وأذن ذلك الحدث الجلل بدخول المسلمين في نفق الفرقة والتخلف ففقدوا الأندلس كما نكاد نفقد فلسطين لا قدر الله لولا فتية آمنوا بربهم ورفعوا لواء الإسلام والمقاومة.
د. أحمد القديدي – الشرق القطرية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قبل أن
إقرأ أيضاً:
إيران تحسم الخيار.. هل بقيَ حزب الله قائد وحدة الساحات؟
قبل نحو أسبوع وتحديداً عند تشييع أمين عام "حزب الله" السّابق الشهيد السيد حسن نصرالله، لم يتحدّث الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن أيّ عنوانٍ يتربطُ بـ"وحدة الساحات"، وهو المسار الذي كان قائماً خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل ويضمّ سائر أركان ما يُعرف بـ"محور المقاومة" المدعوم من إيران.عملياً، لا يمكن اعتبار عدم حديث قاسم عن "وحدة الساحات" بمثابة "إنكارٍ لها" أو إعلان لـ"إنتهاء دورها"، ذلك أنَّ هذا الأمر لا يصدر بقرارٍ من "حزب الله" بل من إيران ذاتها والتي تسعى حالياً لـ"لملمة جراح الحزب" بعد الحرب من خلال تكريس الإحاطة الخاصة به، مالياً وعسكرياً.
السؤال الأساس الذي يطرح نفسه الآن هو التالي: هل ستُحيي إيران "وحدة الساحات".. ماذا تحتاج هذه الخطوة؟ هنا، تقول مصادر معنية بالشأن العسكري لـ"لبنان24" إنَّ "وحدة الساحات تزعزعت كثيراً إبان الحرب الأخيرة التي شهدها لبنان"، معتبرة أن "حزب الله كان رائد هذه الوحدة في حين أن الخسائر التي أصيب بها عسكرياً تؤدي به حالياً إلى البقاء جانباً لإعادة ترميم نفسه داخلياً وأمنياً".
ترى المصادر أن "إيران قد تفكر في إحياء وحدة الساحات لاحقاً ولكن بطرق مختلفة لا تؤدي إلى خسائرها الكبيرة"، موضحة أنَّ "إيران تريد الاستثمار في حلفائها مرة جديدة على قاعدة الإستفادة وليس على قاعدة الخسارة، ذلك أنّ هذا الأمر مُكلف جداً بالنسبة لها".
في المقابل، ترى المصادر أن "انكفاء إيران عن الساحة بسهولة وبساطة هو أمرٌ ليس مطروحاً على الإطلاق، فحصول هذا الأمر سيكون بمثابة تسليمٍ لواقع المنطقة إلى أميركا وإسرائيل، وهو الأمر الذي ترفضه إيران وتسعى من خلال أدوات مختلفة للإبقاء على نفوذها قائما بعدما تراجع بشكل دراماتيكي".
ورغم الانتكاسات العسكرية التي مُني بها "حزب الله"، فإن إيران أبقت عليه كـ"عنصر محوري وأساسي يقود محور المقاومة ووحدة الساحات"، وفق ما تقول المعلومات، وبالتالي فإن عمليات الترميم تغدو انطلاقاً من هذه النقطة لتكريس قوة الحزب مُجدداً، لكن الأمر سيصطدم بأمرٍ مفصلي أساسه الداخل اللبناني، فضلاً عن أن عمليات تمويل الحزب وتسليحه باتت تواجه صعوبات جمّة لاسيما بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد يوم 8 كانون الأول الماضي 2024.
ولهذا، تعتبر المصادر أنّ "وحدة الساحات تريد عنصراً متماسكاً"، كاشفة أن "استعادة الدور السابق من حيث القوة والزخم يتطلب وقتاً طويلاً، وبالتالي قد لا تستقر تلك المساعي على نتائج إيجابية ذلك أن ورشة الحزب الداخلية تحتاج إلى تمكين وتمتين، وهذا الأمر يعمل الإيرانيون عليه".
وسط كل ذلك، تقول المصادر إنَّ "حزب الله" اليوم، ورغم توقه لإعادة "إحياء" وحدة الساحات، إلا أنه في الوقت نفسه لا يريد الاصطدام مع الداخل اللبناني الذي "رفض" تلك القاعدة، والأمر هذا قائم أيضاً في أوساط الطائفة الشيعية التي بات كثيرون فيها لا يؤيدون القاعدة المذكورة على اعتبار أن نتائجها كانت كارثية على الحزب ولبنان.
ضمنياً، تعتبر المصادر أن إعادة تبني "حزب الله" لمفهوم "وحدة الساحات" واعتماده كقاعدة جديدة مُجدداً سيعني بمثابة تكرار لسيناريوهات سابقة، وبالتالي عودة "حزب الله" إلى تكريس خطوات تتحكم بقرار السلم والحرب وهو الأمر الذي أكد رئيس الجمهورية جوزاف عون أنه بـ"يد الدولة فقط"، وذلك خلال مقابلته الأخيرة مع صحيفة "الشرق الأوسط".
بشكل أو بآخر، قد لا يُغامر "حزب الله" بالإندماج مُجدداً ضمن "وحدة الساحات" مثلما كان يجري سابقاً، علماً أن هذا الأمر لا يعني خروج "الحزب" من المحور الإيراني، لكن آلية التعاطي والتنسيق ستختلف تماماً، وبالتالي سيكون الحزب أمام الواقع السياسي الداخلي اللبناني الذي بات "حزب الله" مُلزماً التعاطي معه كما هو وعلى أساس مكوناته وتحت سقف الدولة وضمن مقتضيات ومرتكزات خطاب القسم للرئيس عون. المصدر: خاص "لبنان 24"