إنهاء حرب غزة.. لماذا يصر الإعلام الأمريكي على إضاعة مفتاح وقف التصعيد بالشرق الأوسط؟
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
كان من الغريب أن وسائل الإعلام الأمريكية والغربية تجاهلت ولا تزال مسألة الإشارة إلى أهمية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة كوسيلة ناجعة لوقف الحرب الإقليمية التي بدأت على استحياء في ميدان البحر الأحمر الذي تحول إلى ساحة حرب، ومضت لتروج إلى روايات الأحداث الميدانية في ذلك المكان وتأثيرها على حركة التجارة العالمية.
وينتقد بليز مالي، الصحفي والكاتب بموقع "ريسبونسبل ستيت كرافت" هذا التوجه، قائلا إن عدم القدرة على ربط تحركات الحوثيين بالحرب المستمرة في غزة هو سوء تقدير استراتيجي، وتوجيه قسري للوعي العام الأمريكي والغربي إلى روايات أخرى لا تعزز الحل وحرمانهم من معرفة أن هناك خيارا غير صعب لإنهاء كل ما يحدث بالشرق الأوسط الآن، إن تم نزع فتيل الحرب في غزة.
اقرأ أيضاً
شملت منظمات ونقابات حقوقية.. إدانة واسعة لهجمات واشنطن وبريطانيا ضد الحوثيين
تجربة عمليةويرى مالي أن هناك تجربة عملية تدلل على قوة الرابط بين حرب غزة والتصعيد في المنطقة برمتها، وهو توقف كافة الأعمال العدائية في البحر الأحمر والعراق ولبنان خلال فترة الهدنة المؤقتة التي تم التوصل إليها بين الاحتلال الإسرائيلي و"حماس" في غزة في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي واستمرت لمدة أسبوع.
وينقل الكاتب عن تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي قولها: "خلال وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبر/تشرين الثاني، انخفضت هجماتهم بشكل كبير، مما يوفر درجة من الأدلة التجريبية على أن وقف إطلاق النار كان لديه احتمال قوي أن يكون خيارًا فعالًا لوقف الهجمات".
وضوح الحوثيينويقول الكاتب إن الحوثيون في اليمن كانوا واضحين في التأكيد على أنهم سيوقفون هجماتهم في البحر الأحمر بمجرد وقف العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة والسماح بوصول الغذاء والوقود إلى سكانها المحاصرين، وكان توقفهم خلال فترة الهدنة دليل على صدقهم.
لكن وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية ظلت تتجاهل هذا الرابط والحل، كما يشير الكاتب، رغم تسليطها الضوء على مساعي إدارة بايدن لعدم توسيع نطاق الحرب في غزة وضمان عدم تحولها إلى حرب إقليمية.
اقرأ أيضاً
ف.تايمز: أمريكا قادرة على مواجهة القراصنة لا الحوثيين في البحر الأحمر
نظرة على المعالجاتوفي الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و14 يناير/كانون الثاني، نشرت صحف "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"وول ستريت جورنال" أكثر من 60 مقالاً ركزت على بعض جوانب التهديد بالتصعيد في الشرق الأوسط، وركز 14 منهم على الأقل على عملية صنع القرار في إدارة بايدن.
لكن من بين تلك المقالات الـ 14، خمسة فقط تذكر مطالب خصوم الولايات المتحدة في المنطقة، وهي أن تسمح إسرائيل بدخول الغذاء والدواء إلى غزة وإنهاء حملة القصف، كما يقول مالي، رغم أن ذلك قد يشكل حلا ببساطة لكل ما يحدث.
وبدلاً من ذلك، وضعت المقالات في الغالب الخيارات على أنها الحفاظ على الوضع الراهن أو السعي إلى حل عسكري.
ازدواجية كبيرةوحتى منتقدو إدارة بايدن فضلوا مساره الأكثر عدوانية إزاء الحوثيين في اليمن، وطالبوا بالمزيد من الضربات الانتقامية، وتجاهلوا تقارير الخبراء التي ظلت تشير إلى وقف إطلاق النار في غزة كخيار منذ أسابيع.
اقرأ أيضاً
إعادة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية.. ماذا يعني؟
آراء الخبراءوفي معرض طرح حجة لواشنطن لأخذ زمام المبادرة في الضغط من أجل إنهاء العنف، عرض ثلاثة زملاء في "مؤسسة القرن the Century Foundation" في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أن وقف إطلاق النار من شأنه أن "يقلل من التوترات الإقليمية، ويقلل من خطر نشوب حرب أوسع نطاقًا - والتي تتزايد احتمالاتها يوميا الآن.
وقبل ساعات قليلة من الغارات على اليمن في 11 يناير/كانون الثاني الجاري، أوضح أليكس ستارك، الباحث في مؤسسة راند، أن الضغط من أجل إنهاء الحرب في غزة كان الطريقة الأكثر فعالية لواشنطن لتهدئة التوترات مع الحوثيين.
وكتبت في مجلة "فورين أفيرز": "سواء شئنا أم أبينا، ربط الحوثيون عدوانهم بالعمليات الإسرائيلية في غزة وحصلوا على دعم محلي وإقليمي للقيام بذلك".
وأضافت أن "إيجاد نهج مستدام وطويل الأجل لكلا الصراعين سيكون أمرًا بالغ الأهمية لتهدئة التوترات في جميع أنحاء المنطقة ودفع الحوثيين إلى إلغاء هجماتهم على السفن التجارية".
وفي أعقاب العمليات الأمريكية، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن دولًا مثل قطر وعمان "حذرت الولايات المتحدة من أن قصف الحوثيين قد يكون خطأً، خوفًا من أنه لن يفعل الكثير لردعهم وسيؤدي إلى تعميق التوترات الإقليمية".
لقد جادلوا بأن التركيز على التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة من شأنه أن يزيل الدافع المعلن للحوثيين للهجمات.
اقرأ أيضاً
غيرت هوياتها.. هجمات الحوثيين تجبر السفن الإسرائيلية على التبروء من الاحتلال
سوء تقدير استراتيجيوقال الخبراء إن عدم القدرة على ربط عدوان الحوثيين بالحرب المستمرة هو سوء تقدير استراتيجي.
وكتبت مؤسسة "كارنيجي" إن "هذا الرفض لرؤية الرابط بين غزة والبحر الأحمر يعني أننا نفشل أيضًا في رؤية الضرورة الأمنية الاستراتيجية المهيمنة هنا: تجنب المزيد من التصعيد على المستوى الإقليمي، والتحرك نحو احتمالات مضادة للتصعيد".
المصدر | ريسبونسبل ستيت كرافت - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الحوثيين البحر الاحمر غزة الشرق الاوسط وقف إطلاق النار البحر الأحمر اقرأ أیضا فی غزة
إقرأ أيضاً:
تصاعد التوتر في البحر الأحمر| هل تنجح سياسة ترامب في ردع الحوثيين؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تواجه الولايات المتحدة الأمريكية تحديًا كبيرًا في البحر الأحمر يتمثل في الهجمات التي يشنها المتمردون الحوثيون على السفن التجارية والعسكرية، ومع عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يرى العديد من الخبراء أنه أمام فرصة مثالية لوضع حد نهائي لهذا التهديد، فمن خلال سياسته الهجومية، التي تميزت بالقضاء على تنظيم داعش خلال ولايته الأولى، قد يسعى ترامب إلى تطبيق نهج مماثل ضد الحوثيين، بما يضمن إعادة الاستقرار للممرات الملاحية الاستراتيجية.
وبحسب تقرير نشره موقع "ديلي كولر" الإخباري الأمريكي، شنت الولايات المتحدة ضربات دقيقة على مواقع الحوثيين في اليمن بهدف شل الجماعة من خلال استهداف قياداتها وعناصرها التقنية الرئيسية، وذلك وفقًا لتصريحات الفريق أليكسوس جرينكويتش خلال مؤتمر صحفي، هذه الضربات تهدف إلى تقويض قدرة الحوثيين على تنفيذ المزيد من الهجمات البحرية، التي أثرت بشكل كبير على التجارة الدولية في البحر الأحمر، أحد أهم الممرات الملاحية في العالم.
وأشار التقرير إلى أن الرئيس ترامب اكتسب سمعة قوية في التعامل مع الجماعات الإرهابية، بعدما تمكن من القضاء على تنظيم داعش خلال ولايته الأولى، وعلى الرغم من أن الحوثيين يمثلون تحديًا مختلفًا مقارنة بداعش، إلا أن العديد من الخبراء يرون أن ترامب لديه الفرصة لتطبيق نهج مماثل ضدهم، مما يعزز الأمن البحري ويفرض نظامًا جديدًا في المنطقة.
وتشير سيمون ليدين، الباحثة البارزة في مركز ستراوس للأمن الدولي والقانون، إلى أن إدارة بايدن تعاملت مع الحوثيين باستراتيجية دفاعية، حيث شنت ضربات محدودة في إطار الردع فقط، لكنها لم تتخذ إجراءات حاسمة لوقف عملياتهم بشكل كامل، في المقابل يبدو أن إدارة ترامب ستتبع نهجًا أكثر شمولية، يشمل الهجوم إلى جانب الدفاع، بهدف القضاء على التهديد الحوثي وضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر، وهو أمر ضروري ليس فقط للولايات المتحدة، بل للعالم أجمع.
ووفقًا لتقرير وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية، تسبب الحوثيون في فوضى كبيرة في البحر الأحمر، حيث انخفضت حركة الشحن عبر هذا الممر بنسبة 90% بين ديسمبر 2023 وفبراير 2024، فمنذ عام 2023 شن الحوثيون 174 هجومًا على السفن البحرية الأمريكية و145 هجومًا على السفن التجارية، ما تسبب في اضطرابات كبيرة في سلاسل التوريد العالمية، هذا الانخفاض الحاد في حركة الشحن أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل البحري، حيث يكلف استخدام المسار البديل عبر القرن الأفريقي الشركات التجارية مليون دولار إضافي في استهلاك الوقود، فضلًا عن تأخير الشحنات لمدة تصل إلى أسبوعين.
وبحسب التقرير، يُعد الحوثيون حليفًا وثيقًا لإيران، التي تزودهم بالأسلحة والدعم اللوجستي، مما يمكنهم من شن هجمات أكثر تطورًا على السفن في البحر الأحمر واستهداف حلفاء الولايات المتحدة مثل إسرائيل، فمنذ عام 2002 نفذت الولايات المتحدة أكثر من 400 ضربة جوية في اليمن، ومع بداية عام 2016، قدمت دعمًا مباشرًا للقوات السعودية في حربها ضد الحوثيين، لكن الصراع ظل مستمرًا، ويرى الخبراء أن السياسة الأمريكية تجاه الحوثيين لم تكن حاسمة، وهو ما ساهم في استمرار هجماتهم.
وخلال ولايته الأولى، اعتمد ترامب نهجًا هجوميًا ضد تنظيم داعش، ما أدى إلى تدمير 98% من مكاسبه الإقليمية بحلول عام 2018، وإذا ما انتهج نهجًا مشابهًا ضد الحوثيين، فمن المحتمل أن تكون هناك ضربات أكثر اتساعًا واستراتيجية تهدف إلى إنهاء تهديدهم بشكل كامل.
وفي هذا السياق، وسّع ترامب سابقًا صلاحيات القادة العسكريين لتنفيذ عمليات دون الحاجة إلى موافقة البيت الأبيض، مما منح الجيش الأمريكي القدرة على التحرك بسرعة وفاعلية أكبر.
وأعلن ترامب أنه سيحمّل إيران المسؤولية عن أي هجمات مستقبلية يشنها الحوثيون، كما أعادت إدارته تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، بعدما ألغى بايدن هذا التصنيف خلال ولايته، ويرى غابرييل نورونيا، المدير التنفيذي لمؤسسة Polaris National Security، أن هذه الخطوة قد تضع الحوثيين في مأزق، إذ إنها تهدد بجرّ إيران إلى صراع لا ترغب في خوضه بشكل مباشر.
علاوة على ذلك، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن فرض عقوبات جديدة على إيران، مستهدفة محطة نفطية مقرها الصين تُستخدم لتمكين إيران من تداول النفط سرًا، حيث يعدّ تصدير النفط مصدرًا رئيسيًا لإيرادات الحكومة الإيرانية، فقد حققت طهران 53 مليار دولار من عائدات صادرات النفط عام 2023، ما يعكس أهمية العقوبات الجديدة في تقليص الموارد المالية المتاحة لدعم الحوثيين.
ويشير الخبراء إلى أن التعامل مع الحوثيين يمثل تحديًا فريدًا، حيث أنهم ليسوا مجرد منظمة إرهابية أيديولوجية، بل امتداد للقبيلة الحوثية، مما يجعل القضاء عليهم أمرًا معقدًا، ويقول نورونيا: "الحوثيون أشبه بحركة طالبان أكثر من كونهم شبيهين بداعش، الضربات العسكرية يمكن أن تضعفهم، لكن الهدف الأساسي هو ردعهم وإضعاف قدراتهم الهجومية."
ورغم ذلك، يحذر بعض المحللين من أن التصعيد العسكري ضد الحوثيين قد يدفع الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، وتقول الباحثة أنيل شيلين من معهد كوينسي: "حتى لو قرر ترامب شنّ حرب شاملة، فإن الطبيعة الجغرافية لليمن وتاريخه الطويل في مقاومة الاحتلال تجعل من غير المرجح أن ينجح التدخل العسكري الأمريكي في القضاء على الحوثيين تمامًا، بل إن مثل هذا التدخل قد يوحد اليمنيين ضد الولايات المتحدة، مما سيؤدي إلى صراع طويل الأمد."
وعلى الرغم من هذه التحذيرات، لطالما دافع ترامب عن إنهاء الحروب التي لا تنتهي، وأكد مرارًا على رغبته في تفادي النزاعات العسكرية المطولة، خلال حملته الانتخابية عام 2016، شدد على أنه سيسعى إلى تقليل التدخلات العسكرية الأمريكية غير الضرورية، وهو ما دفعه خلال ولايته الأولى إلى سحب القوات من مناطق صراع مختلفة، ودفع نحو إنهاء الحرب في أوكرانيا والصراع بين إسرائيل وحماس.
وقد امتنعت القيادة المركزية الأمريكية عن التعليق على التطورات الأخيرة، بينما لم يصدر أي رد من البيت الأبيض على طلب "ديلي كولر" للحصول على تعليق رسمي بشأن التصعيد ضد الحوثيين.
وختامًا ومع استمرار الهجمات الحوثية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، يتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وبينما يرى البعض أن استراتيجية ترامب قد تؤدي إلى ردع الحوثيين وإضعافهم، يحذر آخرون من مخاطر التورط في حرب طويلة الأمد، ويبقى السؤال مفتوحًا حول مدى فعالية النهج الجديد، وما إذا كان سيؤدي بالفعل إلى إعادة الاستقرار للمنطقة، أم أنه سيفتح الباب أمام مزيد من الصراعات؟