ما هو فضل شهر رجب وكيف نغتنمه؟.. أمرٌ بَيَّنَهُ خطيب الجامع الأزهر، الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، خلال خطبة الجمعة التي دار موضوعها حول "شهر رجب".

فضل شهر رجب

وقال د. محمود الهوارى، إن الله يخلق الزمان ويختار، ويخلق المكان ويختار، ويخلق الإنسان ويختار، له الأمر وله الحكم وإليه يرجع الأمر كله علانيته وسره، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، فلقد خلق الله الزمان وفضل بعضه على بعض لحكمة يعلمها، وما خفى منها أجل وأعظم مما ظهر.

قال تعالي: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾، حيث بين الحق جل وعلا أن عدة الشهور اثنى عشر شهراً، ومن حكمته عزّ وجلَّ أنه لم يجعل هذا الزمان على درجة واحدة، بل خصه بمعنى لطيف فقال (منها) أى من هذه الأشهر أربعة حرم.

وأضاف خطيب الجامع الأزهر، أن المولى- جل فى علاه- لم يفصل أسماء هذه الشهور ولم يبين ألقابها، ولم يحدد مواقيتها، وإنما قال "إن عدة الشهور" على الإجمال وقال: "منها أربعة حرم" على الإجمال، وهنا دور السنة، الوحي الثانى والمصدر الثانى لهذا الدين، لتفصل المجمل، وتبين المبهم، وتقيد العام، فتأتي لتوضح لنا هذه الأربعة، فعن أَبي بَكْرَةَ نُفَيْعِ بنِ الحارثِ، عن النَّبيِّ ﷺ قَالَ: (إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّه السَّماواتِ والأَرْضَ: السَّنةُ اثْنَا عَشَر شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُم: ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقعْدة، وَذو الْحجَّةِ، والْمُحرَّمُ، وَرجُب مُضَر الَّذِي بَيْنَ جُمادَى وَشَعْبَانَ).

وأشار الأمين العام المساعد بمجمع البحوث الإسلامية، إلى أنه من خلال هذه الأية، ومن خلال هذا الحديث، يوجد تطابق واضح في جمل تامة، حيث أوضح النبى صلى الله عليه وسلم بهذا التفصيل الأربعة الأشهر الحرم المجملة في كتاب الله ، وحري على المسلم أن يلتمس بعض الإشارات، وأن يطلب الهدايات والإشراقات من كتاب الله وسنة نبيه، فالله سبحانه وتعالى بين لنا عدة الشهور، وأنها فى كتاب عنده، ويؤكد هذا المعنى النبي بقوله: (يوم خلق) ليبين أن تفصيل العالم ليس من إرادة البشر، إنما من إرادة رب البشر أجمعين، فهو العليم، الخبير، المحيط والمهيمن. كأنه أراد أن يقول بلا شك بحكم ما يجرى بينكم في الحياة، استحالة أن تفضل أمة علي امة، أو جماعة علي جماعة.

ننشر موضوع خطبة الجمعة الأولى من شهر رجب 1445

وقال د. الهوارى ، إن الله أعطى البشرية الفرصة حتي ترجع إلى أصلٍ أصّلَه المولي تبارك وتعالي في حياة الإنسان وهو السلام، الذى هو الراحة والسعادة والسكينة؛ إلا أننا حولناها إلي هم وضيق بأفعالنا، وأنه لما استقر في علم الله أن البشرية تضل خطواتها، وتنحرف في مساراتها، أراد الله أن يجعل لهم زمان يرجعون فيه إلى الله، فكانت الأربعة الحرم لترد الناس إلى الأصل، لكن المعني الأسمى في هذه الآية وهذا الحديث هو عالمية هذا الدين؛ فالله عزَّ وجلَّ لم ينزل القرآن للنبي وحده، ولم يجعل هذا الدين لجماعة بعينها، يقول تعالي: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾. نداء عام لكل الناس، كل من يسمع. فالنبي ﷺ ليس رسول العرب فقط، أو الشرق الأوسط، أو جماعات خاصة، بل أرسل ﷺ رحمة للعالمين، فدين الإسلام دين عالمي أراد لنا الراحة والسعادة والاطمئنان، عكس ما يفعل بنى البشر الآن.

وذكر الأمين العام المساعد أن هذه الأشهر الحرم الأربعة جاءت ثلاثة متوالية، ومنها شهر فرد، وهو شهر رجب الذي ذكره النبي فقال "رجب مضر"؛ وهذا لأن مضر لم تكن تخرجه عن زمانه كما كانت تفعل بعض القبائل، حين كانت تجري المعارك بينهم وتأتي عليهم الأشهر الحرم، كانوا يؤخرون ويقدمون حسب أهوائهم، قال تعالي: ﴿يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ۚ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾. كان يفعلون ذلك بحسب الهوى، فنهاهم الله عن ذلك إلا قبيلة مضر، فكانت تحترم وتوقر شهر رجب فلا تخرج عن السلام الذى أراده الله فيه، مبينا أن شهر رجب له أسماء عديدة، فكانت العرب تسميه منصل الأسنة، وذكر بن حجر أن له ثمانية عشر اسماً منها: "شهر الله، ورجب، ورجب مضر، ومنصل الأسنة، والأصم، والأصب، ومنفس، ومطهر، ومعلي، ومقيم، وحُرم، والمعشعش، ومبريء، وفرد".

وذكر أن الملمح الهام في هذا الشهر هو أن الله نهانا عن الظلم. لم يقل لنا لا يظلم أحدكم صاحبه، بل قال ( لا تظلموا فيهن أنفسكم). وهذا يظهر بلاغة القرآن، فالله يريد أن يقول أن أي ظلم يقع منك أيها الإنسان مع أخيك الإنسان، وأويت إليه في الدنيا فظلمت به غيرك، كن علي يقين أنك ظلمت به نفسك حقيقة، فالإنسان مهما ظلم ومهما كان ظلمه لغيره فهو يظلم نفسه ابتداءً، وآيات القرآن تزخر بذلك منها: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾، ومنها: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾. جعل الهوى حاكم عليه يحلل ويحرم بمعيار الهوى، وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾. وأيضاً من يركن إلي نفسه، ويطمئن إلي تفكيره وقراراته، قال تعالي: ﴿وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ أَبَدًا﴾، وذكر من السنة النبوية المطهرة قوله ﷺ (تعِس عبدُ الدينارِ ، تعِس عبدُ الدرهمِ ، تعس عبدُ الخميصةِ ، تعس عبدُ الخميلةِ ، تعِس وانتكَس وإذا شيكَ فلا انتقشَ)، أى حَكَّم الإنسان الدينار والدرهم في شرع الله وصار معبوداً لهما.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: شهر رجب فضل شهر رجب خطيب الجامع الأزهر الأشهر الحرم شهر رجب

إقرأ أيضاً:

خطيب المسجد الحرام: العافية في الدين بالثبات على الحق والبعد عن الباطل

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد، المسلمين بتقوى الله وعبادته، وإسداء المعروف، وبذل الإحسان ولو جحده الجاحدون.

وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في الحرم المكي الشريف: إن العافية، كلمة جامعة يحتاجها المعافى، والمبتلى، والحيُّ، والميتُ، والعافية إذا فُقدت عُرفت، وإذا دامت نُسيت، سلوا ربكم العافية، جاء العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: علمني شيئًا أسال الله عز وجل به فقال: سل الله العافية، ثم مكث أيامًا ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: علمني شيئًا أسال الله تعالى فقال صلى الله عليه وسلم: يا عباس يا عم رسول الله: سل الله العافية في الدنيا والآخرة.

وأوضح أن العافية هي: دفاع الله عن عبده، والعبد حينما يسأل ربه العافية فإنه يسأله أن يدفع عنه كلَّ ما ينوبه، فكل ما دفعه الله عن العبد فهو عافية، وأن سؤال الله العافية دعوة جامعة، شاملة للوقاية من الشرور كلها في الدنيا والآخرة، والعافية أقسام ثلاثة: عفو، ومعافاة، وعافية، فالشر الماضي يزول بالعفو، والحاضر يزول بالعافية، والمستقبل يزول بالمعافاة.

وبين أن العافية في الدين بالثبات على الحق، والبعد عن الباطل وأهله، والسلامةِ من الكفر، والضلالِ، والنفاقِ، والفسوقِ، والعصيانِ، وكبائرِ الذنوب وصغائرِها، والعافية من الشهوات والشبهات، والبدع والفتن، ما ظهر منها وما بطن، والعافية في الآخرة: الوقاية من فتنة الممات، وفتنة السكرات، وفتنة القبر، والنجاة من أهوال يوم العرض والفزع الأكبر، والعافية في الدنيا هي: العافية من كل ما يكون فيها: من سلامة الأبدان، ودفع البلاء والأسقام، ومن الهموم والأكدار، وأن من عافية الدنيا: العافية في الأولاد، بصلاحهم، وهدايتهم، واستقامتهم، ذرية طيبة مباركة، تقربها العيون، وتسعد بها القلوب، مشيرًا إلى أن عافية الأوطان من أعظم أنواع العافية، وأجلِّها كيف إذا كان الوطن هو قبلة المسلمين، وقلب الأمة، حاضن الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية التي هي أرض الإسلام، والتاريخ، والحضارة.

وبيّن أن من عافية الدنيا: أن يعافيك الله من الناس، ويعافَي الناس منك، وإن يغنيك عنهم، ويغنيهم عنك، ويصرف أذاهم عنك، ويصرف أذاك عنهم، ومن العافية: أن يلقى العبد ربه وهو خفيف الظهر من دمائهم، خميص البطن من أموالهم، غير مطالب بشيء من حقوقهم، لازمًا لجماعتهم، غير مفرق لأمرهم.

ونوه على أن من عِظَم العافية في قوله صلى الله عليه وسلم : (يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، وأسالوا الله العافية ، فإذا لقيتموه فاصبروا)، وهل أعظمُ من الجهاد منزلة، وأعظمُ من الشهادة في سبيل الله مطلبًا، ومع هذا جاء هذا التوجيه النبوي العظيم: (لا تتمنوا لقاء العدو، أسالوا الله العافية).

وأكّد على من سُرّه أن تدوم عافيته فليتق الله، إذا أردت أن تستطعم لذة العافية فتذكر المرضى على الأسرة البيضاء، وتذكر المحتاجين والضعفاء، وتذكر المدينين والفقراء، وتذكر من هم في هم وخوف وقلق وبلاء .

مقالات مشابهة

  • «أزهر الغربية» يحتفي بذكرى تأسيس الجامع الأزهر.. .1085 عامًا من نور العلم
  • ما الحالات التي يباح فيها الفطر في رمضان؟ .. مفتي الجمهورية السابق يجيب
  • لاحت بشائر رمضان.. خطيب المسجد النبوي: تاج الشهور ومعين الطاعات فاغتنموه
  • خطيب الجامع الأزهر: تقوى الله أقوم سبيل للطمأنينة في الدنيا والسعادة بالآخرة
  • خطيب الجامع الأزهر: تقوى الله أمثل طريق للطمأنينة في الدنيا والآخرة
  • خطيب المسجد الحرام: العافية في الدين بالثبات على الحق والبعد عن الباطل
  • خطيب الأوقاف: الشريعة الإسلامية تميزت بالسهولة والتيسير.. فيديو
  • هل يجوز أداء الصلاة عن الوالدين المقصرين؟.. أمين الفتوى يجيب
  • هل يأثم من يسب ويشتم الناس فى سره ؟.. أمين الفتوى يجيب
  • حكم بيع سيارة معيبة دون إخبار المشتري.. الأزهر للفتوى يجيب