لجريدة عمان:
2025-05-01@08:50:29 GMT

تدفُّق السيارات الصينية يخيف الغرب

تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT

هل الصين على وشك إطلاق موجة أخرى من موجات تفكيك الصناعة في بلدان العالم الغني؟

لقد فقد حوالي مليون عامل أمريكي في قطاع الصناعة وظائفهم بسبب منافسة الصين في الفترة من 1997 إلى 2011 مع اندماجها في النظام التجاري العالمي وشروعها في تصدير سلع رخيصة إلى الخارج.

ومنذ ذلك التاريخ صار كل شيء يُعزى إلى "صدمة الصين" هذه من تزايدٍ في الوفيات وسط الأمريكيين من الطبقة العاملة وإلى انتخاب دونالد ترامب.

أيضا رفضُ التوجهاتِ الليبرالية في التجارة يفسر احتضان السياسيين السياسة الصناعية في الوقت الحالي. الآن تتمتع شركات صناعة السيارات الصينية بصعود مذهل. وذلك يثير المخاوف من صدمة مدمرة أخرى. لكن في الحقيقة يجب الاحتفاء بنجاحات السيارات الصينية وليس الخوف منها. قبل خمسة أعوام فقط صدَّرت الصين ما يساوي ربع السيارات التي صدرتها اليابان. وهذا الشهر ادَّعت صناعة السيارات الصينية أنها صدرت أكثر من 5 ملايين سيارة في عام 2023. وهذا رقم يتجاوز إجمالي الصادرات اليابانية. إلى ذلك، باعت "بي واي دي" وهي أكبر شركة صينية لصناعة السيارات نصف مليون سيارة كهربائية في الربع الرابع من العام المنصرم وتفوقت بذلك على شركة تيسلا. فالسيارات الكهربائية الصينية جذابة مظهرا وجوهرا. والأهم من ذلك أنها رخيصة. وما يشكل قيدا على تصديرها اليوم عدم كفاية سفن التصدير التي تبحر بها. مع اتجاه العالم إلى تقليل انبعاثات الكربون سيتزايد الطلب على السيارات الكهربائية. وبحلول عام 2030 يمكن للصين مضاعفة حصتها في السوق العالمية إلى الثلث. وستنهي بذلك هيمنة الشركات الوطنية في الغرب خصوصا في أوروبا.

هذه المرة سيكون من الأسهل للساسة ردُّ أي خسائر في الوظائف بالبلدان الغربية إلى عدم تقيد الصين "باللعب النظيف". وستغذي الأجواء الجيوسياسية المتوترة الشعور بأن الإنتاج المدعوم من الدولة في الصين يقسو على العمال الغربيين ويفقدهم وظائفهم. من المؤكد هنالك دعم مالي حكومي. فمنذ إطلاق أجندة "صنع في الصين" في عام 2014 تجاهلت بكين في جرأة قواعد التجارة الدولية وقدمت هِبات سخية لشركات صناعة السيارات. من الصعب الحديث بدقة عن قيمة القروض التي تُقدَّم بفائدة أقل من سعر الفائدة المعتادة في السوق والأموالِ المعززة لرؤوس المال ودعومات المشتريات والعقود الحكومية التي تتمتع بها الشركات. لكن حسب بعض التقديرات يشكل إجمالي الإنفاق العام على صناعة السيارات حوالي ثلث مبيعات السيارات الكهربائية بنهاية العشرية الثانية. هذه الدعومات تضاف إلى السطو على التقنية من مشروعات الاستثمار المشترك مع شركات صناعة السيارات الغربية وشركات صناعة البطاريات الغربية والكورية الجنوبية. لذلك سيكون من المغري لواضعي السياسات في العالم الغني حماية شركات السيارات في بلدانهم من ضراوة المنافسة المدعومة من الدولة.

في أكتوبر الماضي فتحت المفوضية الأوروبية تحقيقا حول السيارات الصينية. ويقال إن الرئيس بايدن يدرس زيادة الرسوم الجمركية المفروضة عليها على الرغم من أن شركات السيارات الأمريكية المحمية برسم يبلغ معدله 27.5% وهبات مالية من قانون خفض التضخم لا تكاد تواجه حاليا منافسة تذكر من السيارات الصينية. مع ذلك قفلُ الباب أمام السيارات الكهربائية سيكون خطأ. فالمكاسب المحتملة التي يجنيها الغرب من استيراد سيارات رخيصة وخضراء (كهربائية) ضخمة. وتتضاءل إزاءها تكلفة إحلالِ صناعة السيارات القائمة والأخطار التي تترتب عن هذا الإحلال. أحد أسباب ذلك أن سوق السيارات على أية حال ستنقلب رأسا على عقب بصرف النظر عن التجارة مع الصين. ففي عام 2022 كانت حوالي 16% إلى 18% من السيارات التي بيعت حول العالم تدار بمحرك كهربائي. وفي عام 2035 سيحظر الاتحاد الأوروبي مبيعات السيارات الجديدة المزودة بمحرك الاحتراق الداخلي.

وعلى الرغم من أن الشركات تحتفظ بعمالها مع تحولها إلى صناعة السيارات الكهربائية إلا أن هذه الصناعة الأخيرة تحتاج إلى عمالة أقل. ومثلما كانت صدمة الصين الأولى مسؤولة عن أقل من 20% من إجمالي خسائر الوظائف في القطاع الصناعي في تلك الفترة (إذ يعود فقدان العديد منها لإنجازات تكنولوجية محمودة) كذلك أيضا هنالك خطر في الخلط بين الإحلال الذي ينشأ عن التحول إلى السيارات الكهربائية والإحلال الذي يتسبب فيه إنتاجها بواسطة الصين. ثانيا، يجب أن توضع في البال المكاسب المتحققة من عدم اعتراض تدفق التجارة. فالسيارات من بين المشتريات الكبيرة للناس وتشكل 7% من الاستهلاك الأمريكي. والسيارات الأرخص تعني توافر المزيد من المال في أيدي المستهلكين لإنفاقه على أشياء أخرى مع تقليص التضخم لقيمة الأجور الحقيقية. إلى ذلك، السيارات الصينية ليست رخيصة فقط ولكنها أجود خصوصا في جانب الخصائص الذكية في السيارات الكهربائية والتي أصبحت ممكنة بفضل ربطها بالإنترنت. كما أن وجود صناعة سيارات في بلد ما لا يقرّر نموَّ اقتصاد ذلك البلد. فالدنمارك من بين الدول التي لديها أعلى مستويات معيشية في العالم دون أن توجد بها صناعة سيارات يمكن الحديث عنها. وعلى الرغم من تصنيع السيارات في الصين إلا أن الاقتصاد يتعرض إلى اختناقات لأسباب من بينها التشويه الذي ألحقته به الدعومات وسيطرة الدولة.

وأخيرا ينبغي التفكير في الفوائد التي تتحقق للبيئة. فالساسة حول العالم يدركون مدى صعوبة مطالبة المستهلكين بتبني التوجهات الخضراء مع اشتداد رفض التكلفة التي تترتب عن سياسات خفض الانبعاثات. والسيارات الكهربائية حاليا أيضا أكثر تكلفة من السيارات التي تستهلك البنزين بكميات كبيرة (رغم أن تكاليف تشغيلها أقل.) لذلك الإقبال على السيارات الصينية الأقل سعرا يمكن أن يقلل من تكلفة الانتقال إلى الحياد الكربوني (انبعاثات صفر كربون.) فأرخص سيارة تبيعها شركة "بي واي دي" في الصين تكلف 12 ألف دولار مقارنة بحوالي 39 ألف دوار لأرخص سيارة "تيسلا" في الولايات المتحدة.

ماذا بشأن المخاطر؟ عادة ما يتم تضخيم التهديد الذي تواجهه صناعة السيارات من الواردات الرخيصة. الدرس المستفاد من صعود شركات صناعة السيارات اليابانية والكورية الجنوبية في ثمانينات القرن الماضي هي أن المنافسة تحفز الشركات المحلية على ترقية أدائها فيما ستنقل الشركات القادمة في نهاية المطاف الإنتاج قريبا من المستهلكين. فشركة "بي واي دي" تفتتح مصنعا في المجر. وتبحث شركات صينية عديدة عن مواقع لهذا الغرض في أمريكا الشمالية. في الأثناء تتسارع خطى شركات من شاكلة فورد وفولكسواجن للّحاق بالشركات الصينية. ففي العام الماضي ذكرت تويوتا أن الاختراق الذي حققته في تقنية البطاريات الصلبة سيمكنها من تقليل وزن وتكلفة بطارياتها.

هنالك مصدر آخر للقلق وهو الأمن الوطني. فهنالك مخاطر في الاعتماد التام على الصين في البطاريات والتي تتجاوز أهميتها كثيرا السياراتِ في الاقتصادات المعتمدة على الكهرباء. كما من الممكن أيضا استخدام السيارات الكهربائية المزودة بالرقائق الإلكترونية والمجسَّات والكاميرات لأغراض المراقبة. (فالصين حظرت على سيارات تيسلا المصنَّعة محليا دخول بعض الأبنية الحكومية). لكن طالما يمكن للرؤساء وموظفي أجهزة الاستخبارات الانتقال بسيارات مصنَّعة في الغرب أو بواسطة البلدان الحليفة لا يوجد سبب يذكر للخشية من استخدام المستهلكين للسيارات الصينية. ففي مقدورهم تقييم مسائل الخصوصية بأنفسهم. وسيكون من اليسير فحص السيارات المصنَّعة محليا. لذلك على واضعي السياسات الحدُّ من نزعاتهم الحمائية والقلق فقط إذا انهارت تماما شركات صناعة السيارات الغربية. وهذا احتمال مستبعد. لكن يجب عدم الخشية من حصول شركات السيارات الصينية على حصة سوقية كبيرة من شأنها أن تنعش المنافسة وتوسِّع نطاقها. وإذا كانت الصين تريد إنفاق أموال دافعي الضرائب في دعم المستهلكين حول العالم وتسريع التحول إلى الموارد المتجددة فإن أفضلَ ردٍّ هو الترحيب بذلك.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: شرکات صناعة السیارات السیارات الکهربائیة السیارات الصینیة فی الصین فی عام

إقرأ أيضاً:

ترامب يخفف من تأثير الرسوم الجمركية على صناعة السيارات الأميركية

أعلن مسؤول بارز في البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستعد لاتخاذ إجراءات لتخفيف تأثير الرسوم الجمركية على مصنعي السيارات في الولايات المتحدة، في خطوة تهدف إلى دعم الصناعة المحلية وتقليل تداعيات سياساته التجارية.

وقال وزير التجارة الأميركي هاوارد لوتنيك في بيان نقلته وكالة رويترز: "هذا الاتفاق يمثل انتصاراً كبيراً لسياسة الرئيس التجارية من خلال مكافأة الشركات التي تصنع محلياً".

ووفقاً لما أوردته صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن ترامب سيعلن عن تدابير لخفض بعض الرسوم المفروضة على قطع الغيار المستوردة التي تُستخدم في تصنيع السيارات داخل الولايات المتحدة. كما أن السيارات المصنوعة خارج البلاد ستظل خاضعة للرسوم الجمركية على السيارات، لكنها لن تُفرض عليها رسوم إضافية مثل تلك المفروضة على منتجات الصلب والألمنيوم.

لوتنيك اعتبر أن إجراءات إعفاء الشركات من بعض التكاليف يأتي كمكافأة لها لتشجيعها على التصنع محليا (الفرنسية)

ويُرتقب أن يعلن ترامب عن هذه الإجراءات خلال تجمع في ولاية ميشيغان اليوم الثلاثاء، بمناسبة مرور 100 يوم على توليه منصبه رسمياً. وتعتبر ميشيغان مقراً لما يُعرف بـ"الثلاثة الكبار" لصناعة السيارات: فورد، وجنرال موتورز (GM)، وستيلانتس، بالإضافة إلى شبكة تضم أكثر من 1000 مورد رئيسي للصناعة.

ترحيب من قادة صناعة السيارات

وفي تعليقها على الخطوة، قالت الرئيسة التنفيذية لشركة جنرال موتورز، ماري بارا، في بيان أرسل عبر البريد الإلكتروني إلى بي بي سي: "نحن ممتنون للرئيس ترامب لدعمه لصناعة السيارات الأميركية ولملايين الأميركيين الذين يعتمدون عليها"، مضيفة: "نقدّر المحادثات المثمرة مع الرئيس وإدارته ونتطلع إلى مواصلة التعاون المشترك".

ومن جهتها، رحبت شركة فورد بالقرار، معتبرةً أنه "سيساعد على تخفيف أثر الرسوم الجمركية على مصنعي السيارات والموردين والمستهلكين". وأضافت الشركة في بيانها: "سنواصل العمل عن كثب مع الإدارة لدعم رؤية الرئيس لصناعة سيارات صحية ومتنامية في أميركا".

إعلان

وأكدت فورد أن السياسات التي تشجع على التصدير وتضمن توفر سلاسل توريد ميسورة التكلفة ضرورية لتحقيق مزيد من النمو المحلي، مشيرة إلى أنه "سيكون من المهم أن تلتزم كبرى شركات استيراد السيارات ببناء مصانع في أميركا، مما قد يؤدي إلى طفرة في إنشاء مصانع تجميع وموردين جديدة وإيجاد مئات الآلاف من الوظائف".

ميشيغان تعتبر مقراً لما يُعرف بـ"الثلاثة الكبار" لصناعة السيارات: فورد، وجنرال موتورز (GM)، وستيلانتس (رويترز)

تحذيرات من القطاع

يأتي هذا التراجع الجزئي بعد تحذيرات واسعة من القطاع. ففي الأسبوع الماضي، وجّه ائتلاف من مجموعات صناعة السيارات الأميركية رسالة إلى إدارة ترامب يدعوها إلى عدم فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على قطع غيار السيارات المستوردة.

وجاء في الرسالة، التي مثلت شركات مثل جنرال موتورز وتويوتا وفولكسفاغن، أن هذه الرسوم "ستؤدي إلى ارتفاع أسعار السيارات للمستهلكين، وتراجع المبيعات في الوكالات، وجعل صيانة وإصلاح السيارات أكثر تكلفة".

وكان ترامب قد أعلن سابقاً أن الرسوم الجديدة ستدخل حيز التنفيذ بحلول 3 مايو/أيار.

مقالات مشابهة

  • انخفاض أرباح عمالقة صناعة السيارات الألمانية بشكل حاد
  • ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يقضي بتخفيف تأثير الرسوم الجمركية على صناعة السيارات المحلية
  • أخبار السيارات| ماركات شهيرة تتحطم في اختبارات السلامة.. وبورش تعلن إيقاف إنتاج السيارات الكهربائية بالصين
  • ترامب يوقع أمراً تنفيذياً لحماية شركات السيارات الأميركية من الرسوم التراكمية
  • بورش توقف إنتاج السيارات الكهربائية في الصين
  • ترامب يخفف من تأثير الرسوم الجمركية على صناعة السيارات الأميركية
  • صادم.. بورش تعلن إيقاف إنتاج السيارات الكهربائية في الصين
  • ديسبروسيوم.. المعدن النادر الذي يهدد مستقبل السيارات الكهربائية
  • الرسوم الجمركية تكبد شركات الطيران الصينية خسائر فادحة
  • ما هي الشبكة الكهربائية الأوروبية المشتركة التي شهدت تعطلاً اليوم؟