بين المقاومة والاستنفار القبلي
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط
فيصل محمد صالح
تشهد الحرب الجارية في السودان انعطافاً جديداً نحو التحول لمواجهات إثنية وعرقية واصطفاف قبلي من الجانبين، بما يهدد بمزيد من تمزق الدولة الممزقة أصلاً بفعل الحرب. وتظهر كل يوم نتائج الحشد وخطاب التعبئة الذي يتم من الجانبين على أساس تأجيج النعرات العنصرية وحشد الناس بالخطاب القبلي والجهوي، بعد أن فشل الخطاب السياسي في حشد الناس، وانتهت سريعاً أسطورة الكتائب التي تحمل أسماء عقائدية رمزية، واختفى قادتها وتواروا عن الأنظار.
كانت الوجهة القبلية في قوات الدعم السريع ظاهرة منذ بداية تأسيس هذه القوات، واستمر هذا المظهر خلال فترة الحرب. صحيح أن قوات الدعم السريع توسعت وضمّت مقاتلين من كل أنحاء السودان ومن مختلف القبائل، لكن ظلت السيطرة من خلال الرتب الكبيرة محصورة في أبناء عشيرة الماهرية، وأسرة دقلو شخصياً، إلا استثناءات قليلة لا تلغي القاعدة. ثم ازداد الأمر سوءاً مع تطور الحرب وامتدادها لمناطق كثيرة، فلجأت قوات الدعم السريع للاستنفار القبلي في دارفور وكردفان، وانضم إليها آلاف المقاتلين القبليين الذين لم يتلقوا تدريباً نظامياً ولم يكونوا ضمن قواتها، ومن الواضح أن هذه القوات لا تدفع لهم مرتبات، فاندفعوا يجمعون الغنائم من ممتلكات المواطنين ومساكنهم ومدخراتهم، أينما وجدت.
ويبدو أن خطاب التعبئة الداخلية انبنى أيضاً على توغير صدور القبائل في غرب السودان على ما يسميه البعض الوسط والشمال النيلي، فظهرت تسجيلات وفيديوهات لمقاتلين من الدعم السريع تتوعد أهل الوسط والشمال، وتحدد مناطق بالاسم، معلنين أنهم سيصلونها ولن يتركوا فيها شيئاً نافعاً.
بالمقابل، اشتعل في بعض مناطق الشمال والوسط والشرق خطاب مقابل، يقوم على الحشد والتعبئة المضادة وحشد الناس على أساس قبلي. ثم بدأت حملة ضد أبناء غرب السودان في مناطق الوسط والشمال. فشهدت مدينة ود مدني قبل يوم من دخول قوات الدعم السريع حملة نفذتها السلطات المحلية، للقبض على مئات من عمال اليومية والباعة الجائلين من أبناء غرب السودان ودمغهم بأنهم «غواصات» وجواسيس للدعم السريع. وتم ربطهم ووضعهم على شاحنات وتصويرهم وبثّ الفيديوهات على منصات التواصل الاجتماعي.
عندما دخلت قوات الدعم السريع إلى ود مدني انسحبت قوات الجيش السوداني وبعض المستنفرين للقتال وأعضاء الكتائب العقائدية، من دون قتال، وعثر على عشرات من هؤلاء المقبوضين قتلى بالرصاص. تكرر حدث الاعتقال والتصنيف لأبناء مجموعات إثنية وجهوية معينة بأنهم من الأعداء المحتملين والطابور الخامس في عدة مدن في وسط وشمال السودان، وصاحب ذلك انتشار واسع لخطاب الكراهية من الجانبين في وسائل التواصل الاجتماعي.
ما حدث في مدينة الدلنج في ولاية جنوب كردفان التي تقطنها أغلبية من قبائل النوبة، مع مجموعات أخرى من قبائل البقارة، كان قاصمة الظهر، وعلامة على ما سيحدث في باقي مناطق السودان، فقد هاجمت قوات الدعم السريع منطقة هبيلا الزراعية القريبة من الدلنج، وسبّب هذا الأمر انزعاجاً لسكان المدينة التي بها حامية عسكرية. واجتمع أبناء المنطقة المنتمون للجيش وقرروا أن يتم الحشد على أساس قبلي لمواجهة الدعم السريع، فتخلصوا من بعض ضباط وجنود الجيش الذين لا ينتمون للمنطقة بالتصفية والطرد، واستدعوا مقاتلين ينتمون للقبيلة من الحركة الشعبية التي تقاتل الحكومة في جنوب كردفان، بالإضافة إلى بعض الميليشيات القبلية، بل عينوا قائداً من ضباط المعاش ليكون قائداً للمنطقة. كان منطقهم أن الجيش اعتاد على الانسحاب، كما حدث في الجنينة ونيالا والضعين ومدني، وبالتالي فإنهم لن ينتظروا انسحاب الجيش وتعريض أهلهم للخطر، لهذا قرروا أن يأخذوا المبادرة على أساس أبناء القبيلة، بغضّ النظر عن انتماءاتهم وموقفهم السياسي. وشهدت المنطقة عمليات طرد وملاحقة لأبناء القبائل الأخرى المصنفين بأنهم من قبائل البقارة العربية.
تنتشر الآن في كثير من مناطق السودان عمليات الحشد والاستنفار تحت مسمى المقاومة الشعبية، وتحتشد عمليات الحشد والتعبئة بالخطاب العقائدي الجهادي مختلطاً بالتوجهات القبلية، ويلاقي حماساً من الناس. كانت فكرة المقاومة الشعبية حماية المواطنين لمناطقهم ومنازلهم بأسلحة خفيفة إذا دخل عليهم متفلتون، في حين يتولى الجيش المواجهات الكبيرة عند هجوم قوات الدعم السريع. ولا يستطيع أحد أن ينكر حق الناس في الدفاع عن أنفسهم، فهذا حق تقره كل الشرائع والعقائد والقوانين الدولية والمحلية. لكن ما حدث في مناطق كثيرة جعل من المستنفرين المتطوعين للقتال القوة الضاربة التي سيتم الاعتماد عليها في مواجهة الدعم السريع، بأسلحة خفيفة وتدريب لا يتجاوز أياماً قليلة، بينما يغيب الجيش. ما حدث في بعض المناطق، وآخرها منطقة المعيلق بالجزيرة، أن المتطوعين الذين تم جمعهم وتسليحهم لم يستطيعوا مواجهة قوات الدعم السريع المدججة بالسلاح والقادمة على سيارات الدفع الرباعي، فقتل بعضهم، وتم أسر البقية، وعرضهم في وسائل التواصل الاجتماعي، مع رسائل تهديد وتحذير لبقية متطوعي المقاومة الشعبية.
الوضع الآن ملتهب في عدة مناطق، وتنتشر قطع السلاح بين المواطنين العاديين، وتحتشد القبائل هنا وهناك، بما ينذر بخطر ماحق يهدد كل البلاد، ما لم يدرك الحكماء والعقلاء الموقف قبل الانفلات النهائي.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع ما حدث فی على أساس
إقرأ أيضاً:
الكشف عن مقبرة جماعية ومركز تعذيب في السودان.. واتهامات للدعم السريع
كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، عن وجود أدلة تم الكشف عنها، تظهر مركز تعذيب ومقبرة جماعية شمالي العاصمة السودانية الخرطوم، مشيرة إلى أن المركز كان واقعا تحت سيطرة قوات الدعم السريع، فيما قال الناجون الذين تم إنقاذهم؛ إنهم تعرضوا للتعذيب والتجويع وموت سجناء كانوا معهم.
ويقدر أن أكثر 500 شخص تعرضوا للتجويع وماتوا نتيجة للتعذيب، ثم تم دفنهم في مقبرة سرية في شمال الخرطوم، حسب الأدلة التي اطلعت عليها "الغارديان"، في تقرير ترجمته "عربي21".
وبعد زيارة تمت بعد فترة قصيرة من مغادرة قوات الدعم السريع وقام بها الجيش السوداني، عثر على مركز سري تنتشر فيه الأصفاد المعلقة من الأبواب، وغرف يبدو أنها استخدمت للتعذيب، وأرضية الغرف الملوثة بالدم.
ووصف أشخاص اعتقلوا في المركز، التعذيب المستمر الذي مارسه جلادوهم عليهم. ووجد إلى جانب المركز مقبرة بـ 550 قبرا دون شواهد، بعضها حفرت حديثا، ومقابر تحتوي على أعداد من الأشخاص.
ويعد الموقع أكبر مقبرة مؤقتة يعثر عليها في السودان، في أثناء الحرب الأهلية، ولو تم التأكد منها فستكون أسوأ جريمة حرب ترتكب في الحرب السودانية الوحشية.
إظهار أخبار متعلقة
وقال الأشخاص الذين تم إنقاذهم من المركز في الجزء الجنوبي للقاعدة العسكرية، التي تبعد 40 ميلا عن العاصمة؛ إن الكثيرين ماتوا فيها ودفنوا في مقابر قريبة، حسب التقرير.
ولاحظ الأطباء الذين فحصوا الناجين علامات تعذيب، وتوصلوا إلى نتيجة أنهم تعرضوا للتجويع. وسيطرت قوات الدعم السريع على القاعدة الواقعة قرب غاري، التي استخدمها كمركز تدريب وتحكم بعد اندلاع القتال مع الجيش السوداني في 15 نيسان/أبريل 2023.
وتسببت الحرب بأسوأ مجاعة إنسانية في العالم، وقتل فيها عشرات الآلاف، وشردت أكثر من 14 مليون شخص. وقالت منظمة "هيومان رايتس ووتش" التي حققت في انتهاكات خلال الحرب السودانية؛ إن الموقع قد يكون واحدا من "أكبر مشاهد الجرائم التي ترتكب في السودان منذ بداية الحرب".
ووجد الدكتور هشام شيخ، الذي قام بفحص 135 رجلا عثر عليهم هناك، بعد سيطرة القوات السودانية المسلحة على المكان في نهاية كانون الثاني/يناير. وقال؛ إن الأدلة السريربة تظهر تعذيبا وتجويعا مزمنا للمعتقلين.
وقال شيخ لـ "الغارديان"؛ إن الرجال كلهم مدنيون، كانوا في حالة من الصدمة عندما تم اكتشافهم ولم يكونوا قادرين على الكلام، مضيفا: "عندما وصلنا إلى هناك، لم يكونوا قادرين على المشي، وكان علينا حملهم وعليهم علامات خطيرة بسبب الضرب والتعذيب".
وأشار إلى أن "بعضهم كان يعاني من جراح سيئة بسبب التعذيب، وقد أصيب بعضهم برصاص في الساق، وتعرضوا للضرب بالعصي التي تركت علامات: ندوب مستقيمة نظيفة من الضرب. وتعرضوا جميعا للتعذيب".
وتعرض أحد الرجال للضرب بشكل متكرر من قبل حراس قوات الدعم السريع، لدرجة أنه اتخذ وضعية الجنين لفترة طويلة لحماية نفسه. وقال في بيان لطاقم طبي عسكري سوداني: "ضربوني صباحا وليلا واستهدفوني، واعتدت على الجلوس وركبتي مثنيتين، لدرجة أنني الآن لا أستطيع فرد ساقي للمشي".
وبحسب التقرير، فإن هذه النتائج تثير تساؤلات حول مصداقية قوات الدعم السريع، بعد أيام من توقيعها على ميثاق سياسي في كينيا، لإنشاء حكومة سودانية موازية في المناطق التي تسيطر عليها.
وتؤكد صور الأقمار الاصطناعية للقاعدة، أن القبور لم تظهر إلا بعد بدء الحرب وبعد احتلال قوات الدعم السريع للموقع. وتظهر صورة التقطت بعد أسابيع من بدء الحرب، عدم وجود أي أثر لتلال الدفن بجانب طريق أحادي المسار في القاعدة. وتكشف صورة أخرى للموقع نفسه، تم التقاطها بعد عام في 25 أيار/ مايو 2024، عن عدد كبير من التلال الممتدة على مسافة حوالي 200 متر.
وقال النقيب جلال أبكر من الجيش السوداني؛ إنه خدم في قاعدة غاري حتى اندلاع الحرب في عام 2023، وأضاف أنه لم يكن هناك موقع دفن حينها: "كنت هناك حتى رمضان في ذلك العام [22 آذار/مارس إلى 20 نيسان/أبريل 2023]، ولم تكن هناك مقبرة".
وقال الرقيب محمد أمين، الذي يعمل الآن في غاري: "كل الجثث المدفونة هناك ماتت في القاعدة"، حسب الغارديان.
وأضاف شيخ، أن الناجين تحدثوا عن وفاة أسرى آخرين، مردفا: "قال لي الكثير منهم؛ إن الكثير ماتوا في الداخل، وأن عددا منهم ماتوا بسبب التعذيب".
وقال ضابط كبير في الجيش السوداني، وهو العقيد بشير تاميل؛ إن المعتقلين عثر عليهم مقيدين بأيديهم وأرجلهم معا. وأضاف: "كانوا في حالة سيئة للغاية مع علامات على أجسادهم وإصابات".
وقال جان بابتيست غالوبين، من قسم الأزمات والصراع والأسلحة في منظمة "هيومان رايتس ووتش"؛ إنه من الضروري أن تعامل السلطات التي تسيطر على القاعدة باعتبارها موقعا محتملا لجرائم الحرب، وأن تبذل "جهودا فورية لتأمين وجمع وحماية الأدلة التي قد تكون حاسمة لجهود المساءلة".
إظهار أخبار متعلقة
وحتى الآن، يبدو أن الموقع محفوظ بالكامل دون وصول عام، حيث يحمي الجيش السوداني الموقع لحماية الأدلة. ويأمل خبراء المقابر الجماعية الدوليون، أن يسمح للمحللين المستقلين بالوصول إلى الموقع. وقد وقعت العديد من الفظائع الأكثر في الصراع بالمنطقة الغربية من دارفور، حيث اتهمت قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة معها بالتطهير العرقي.
وفي وقت سابق من هذا العام، اتهمت الولايات المتحدة المجموعة شبه العسكرية بالإبادة الجماعية. وتحقق المحكمة الجنائية الدولية في الانتهاكات في دارفور، ويتم تسليم أدلة الجرائم ضد الإنسانية التي كشفت عنها صحيفة "الغارديان"، إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية.
كما اتهم الجيش السوداني بارتكاب انتهاكات ضد المدنيين، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قادته.
وتعتقد مصادر عسكرية، أن قوات الدعم السريع لم تتوقع أبدا العثور على مركز الاحتجاز ومقبرة بالقرب من غاري. وحتى وقت قريب، احتلت المجموعة الكثير من الأراضي في المنطقة، لدرجة أنها ربما اعتقدت أن الموقع آمن من الهجوم.
وتم الاتصال بقوات الدعم السريع للتعليق. وعندما اتهمت بارتكاب انتهاكات في الماضي، ردت المجموعة بإرسال مدونة سلوك تحظر إساءة معاملة المعتقلين وقالت؛ إنها لديها لجنة للتحقيق في الانتهاكات ومقاضاة المسؤولين عنها، وفقا لتقرير "الغارديان".