سلط رئيس شركة تحليلات الخليج، جورجيو كافييرو، الضوء على التوترات المتصاعدة بين القوات المسلحة السودانية ودولة الإمارات العربية المتحدة، واصفا إياها بأنها "وصلت إلى نقطة الغليان" بعد سلسلة من التدهور منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

وذكر كافييرو، في تحليل نشره موقع "أمواج ميديا" وترجمه "الخليج الجديد"، أن ذروة التعبير عن هذا التوتر بدت في انتقاد الفريق الركن، ياسر العطا، مساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، للإمارات في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، ووصفه إياها بأنها "دولة المافيا" في خطاب ألقاه في أحد المقرات العسكرية.

وبعد أقل من أسبوعين، أعلنت السلطات في الخرطوم أن 15 موظفاً من السفارة الإماراتية في السودان أشخاص غير مرغوب فيهم، وأمرتهم بمغادرة البلاد خلال 48 ساعة.

وتعود تلك الانتقادات بالأساس إلى الدعم المالي والسياسي والعسكري المستمر، الذي تقدمه الإمارات لقوات الدعم السريع، التي تحارب القوات المسلحة السودانية، إذ جرى توثيق هذا الدعم حتى قبل بداية اندلاع الأزمة الحالية، وكان عاملاً مهمًا في إنجازات قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بحميدتي.

وفي الشهر الماضي، سيطرت قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة، المعروفة باسم "سلة خبز السودان"، في خطوة أعطت حميدتي تفوقاً عسكرياً كبيراً على قائد القوات المسلحة السودانية، عبدالفتاح البرهان، وتمهد الطريق أمام "الدعم السريع" لمحاولة السيطرة على السودان بأكمله.

وفي السياق، نقل كافييرو عن الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، صموئيل راماني، أن الخلاف الأخير بين البرهان وأبو ظبي يمكن أن يعزى إلى الوجود الأمني المتزايد لقوات الدعم السريع في المناطق التي تحتلها، والإنجازات العسكرية الأخيرة لحميدتي.

ويُنظر إلى هذه التطورات على أنها مدعومة من الإمارات، التي تنقل الأسلحة والمواد الحربية عبر تشاد إلى السودان، بحسب راماني، مشيرا إلى أن جولة حميدتي الأخيرة في 6 بلدان أفريقية، وقرار الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) بدعوته إلى اجتماع في العاصمة الأوغندية، أدت بشكل خطير إلى "إضفاء الشرعية" على "الدعم السريع"، بدعم إماراتي استهدف إعادة تموضع حميدتي كـ "رجل دولة".

انتقاد متأخر

ويشير كافييرو، في هذا الصدد، إلى أن البرهان تجنب انتقاد أبوظبي، خلال المراحل الأولى من الصراع المستمر في السودان، نظرا لدور الإمارات، إلى جانب المملكة العربية السعودية، في سحب الدعم عن الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، خلال ثورة 2018-2019، بسبب رفضه النأي بنفسه عن الجماعات الإسلامية ورفضه دعم حملة الحصار ضد قطر خلال أزمة مجلس التعاون الخليجي 2017-2021.

وإلى جانب حلفائهم في الرياض والقاهرة، أظهر المسؤولون الإماراتيون تفضيلاً للحكم العسكري في السودان، ما أدى إلى استنتاج لدى البرهان ودائرته الداخلية، مفاده أن تعزيز علاقات أفضل مع الإمارات سيكون مفيدًا لبقائهم السياسي.

اقرأ أيضاً

بمبعوث خاص والضغط على الإمارات.. اتجاه أمريكي لتصحيح المسار بشأن الحرب في السودان

وفي السياق، أكد راماني أن "تفضيل أبو ظبي للاستبداد" في السودان جعلها "شريكًا قيمًا على المدى الطويل ولكن خصمًا على المدى القصير في هذه الحرب"، في نظر البرهان.

لكن مع تطور الدعم الإماراتي لحميدتي في حربه ضد الجيش السوداني، تطور "تلميحات" مسؤولي القوات المسلحة السودانية إلى انتقادات علنية، بلغت ذروتها بتصريحات ياسر العطا، وكشفت عن تدهور كبير في العلاقة بين الجانبين.

وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي السوداني، قال جهاد مشمعون، إن "المسؤولين عادة لا يدلون بهذه التصريحات الكبيرة إلا إذا كانوا يريدون سلوكاً أو استجابة معينة من الدولة الأخرى".

وأوضح: "بالنظر إلى طول مدة الحرب والدعم الإماراتي المستمر لقوات الدعم السريع، يبدو أن الفصائل داخل القوات المسلحة السودانية أصبحت غير مستقرة بشكل متزايد بسبب دور أبو ظبي في الصراع".

موقف واشنطن

وهنا يشير كافييرو إلى أن الولايات المتحدة تلعب دوراً في الخلاف الأخير أيضاً، فقد بدأ العديد من صناع السياسات في واشنطن بإدانة دعم أبو ظبي لقوات الدعم السريع، ودعوا الإمارات إلى التوقف عن مساعدة حميدتي في الصراع.

وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2023، أرسل 10 مشرعين ديمقراطيين رسالة إلى وزير الخارجية الإماراتي الشيخ، عبد الله بن زايد آل نهيان، يحثون فيها على وقف دعم حميدتي، كما أعرب أعضاء الكونجرس عن مخاوفهم بشأن التقارير التي تفيد بأن أبو ظبي تقدم الدعم المادي للدعم السريع، بما في ذلك الأسلحة والإمدادات.

وشدد المشرعون الأمريكيون على أن توفير الإمارات الأسلحة لحميدتي يشكل انتهاكًا لحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على دارفور عام 2004، والذي يهدف إلى منع توريد أو بيع أو نقل الأسلحة والمواد ذات الصلة إلى كيانات في غرب السودان.

وجاء في الرسالة أن "هذا الانتهاك سيكون بمثابة خطر كبير على سمعة دولة الإمارات ويضع الشراكة الوثيقة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة موضع شك".

اقرأ أيضاً

أول اتهام رسمي.. مساعد قائد الجيش السوداني يهاجم الإمارات: خلف الشيخ زايد خلف شر (فيديو)

وأدى طرد الجيش السوداني لـ 15 دبلوماسياً إماراتياً إلى إعادة إشعال التدقيق في علاقات الإمارات مع قوات الدعم السريع، وأعاد توجيه انتباه الدبلوماسيين الغربيين نحو سياسات أبوظبي في السودان، رغم انشغال الغرب بحرب غزة المستمرة.

وفي هذا السياق، يتطلع العديد من أعضاء القوات المسلحة السودانية إلى رؤية الولايات المتحدة تتبنى إجراءات أكثر حسماً ضد أبو ظبي، بهدف الضغط على الدولة الخليجية كي تنأى بنفسها عن قوات الدعم السريع.

وحتى الآن، تشعر الفصائل المتحالفة مع القوات المسلحة السودانية بخيبة أمل إزاء رد فعل واشنطن على تورط الإمارات المتزايد في الصراع، معتقدة أن إهمال إدارة جو بايدن للسودان هو السبب الرئيسي وراء تحقيق حميدتي وقوات الدعم السريع مكاسب كبيرة.

مصالح استراتيجية

ولدى الإمارات مصالح اقتصادية وأمنية كبيرة بالسودان في إطار موقعه الاستراتيجي على طول البحر الأحمر، الذي يجعله بمثابة بوابة لبقية أفريقيا من خلال سلاسل التوريد وطرق التجارة الدولية.

ولهذه الأسباب، سيكون من المخاطرة أن تقوم الإمارات بقطع جميع علاقاتها مع القوات المسلحة السودانية، بحسب كافييرو، مشيرا إلى أن الجيش السوداني مستمر في السيطرة على منطقة البحر الأحمر السودانية على الأرجح، وهي المنطقة التي يستثمر فيها الإماراتيون مليارات الدولارات.

على هذه الخلفية، يخلص كافييرو إلى أن العلاقات بين البرهان والإمارات ستستمر على الأرجح، رغم العداء الحالي بشأن دعم أبوظبي لحميدتي، مشيرا إلى أن البرهان لديه خيار لإصلاح علاقاته مع الإمارات من خلال وضع قضايا الماضي جانباً، ومن شأن ذلك أن يمنح الدولة الخليجية ما ترغب فيه، وهو استمرار موطئ قدمها في السودان، بشرط أن تتوقف عن دعمها لقوات الدعم السريع.

اقرأ أيضاً

فورين بوليسي: لا تسمحوا بانهيار كارثي في السودان.. والحل في الإمارات والسعودية ومصر

المصدر | جورجيو كافييرو/أمواج ميديا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السودان عبدالفتاح البرهان حميدتي الإمارات ياسر العطا محمد حمدان دقلو القوات المسلحة السودانیة لقوات الدعم السریع الجیش السودانی فی السودان أبو ظبی إلى أن

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع … شبح الحكومة من أجل الشرعية

كارثة سقوط المدن عسكرياً تمهيد لفصل إداري للمدن وليس فصل سياسي للأقاليم (5)


مقدمة
في ظل الحرب في السودان المستمرة منذ أبريل 2023، أصبح الصراع على الشرعية السياسية أكثر تعقيدًا مع محاولات كل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني تشكيل حكومة مدنية في المناطق الخاضعة لسيطرتهما. وبينما يسعى الدعم السريع إلى فرض نفوذه من خلال حكومة مدعومة بتحالف سياسي منشّق، يتحرك الجيش السوداني لتشكيل حكومة أخرى تستمد شرعيتها من المؤسسات السيادية المتبقية. فكيف يمكن قراءة هذه الخطوات في ظل التنافس على الشرعية؟ وما تداعياتها على مستقبل السودان؟

خطوة الدعم السريع نحو تشكيل حكومة
أفادت تقارير بأن قوات الدعم السريع تخطط لإعلان حكومة مدنية هدّدت بها منذ أشهر طويلة في المناطق التي تسيطر عليها، مستندة إلى تحالف مع مجموعة منشقة عن تحالف "تقدم". هذه الخطوة تأتي في وقت يسعى فيه الدعم السريع إلى تقديم نفسه كقوة سياسية إلى جانب كونه قوة عسكرية، بعد أن تمكن من السيطرة على مساحات واسعة في غرب السودان.

مشروع متخيل للدعم السريع في بناء مؤسسات اقتصادية
قمت بطرح سؤال لـ محمد حسن التعايشي عبر لقاء في منصة الدكتور عزام عبد الله حول كيفية تشكيل مؤسسات في المناطق التي يقترحوا تشكيل حكومة فيها "حكومة متخيلة حسب تقديري" وكيف تنفيذ كل الأداء بما فيها إنشاء قطاع مصرفي. أوضح التعايشي أن خطتهم تشمل إنشاء بنك مركزي ونظام مصرفي جديد، وصرّح بسخرية أن الإيرادات التي يوفّرها وزير المالية جبريل إبراهيم من مناطق سيطرة الجيش تجعل من السهل جذب إيرادات من مناطق سيطرة الدعم السريع

مستقبل المناطق الجغرافية لوضع حكومة الدعم السريع
بعد التقدمات التي أحرزها الجيش في ولاية الجزيرة ومحلية بحري في العامة الخرطوم، أصبحت فكرة إعلان حكومة من الخرطوم شيئًا من ضرب الخيال. بات الجيش قريبًا من تحقيق النصر داخل ولاية الخرطوم، مما عقد على الدعم السريع المضي قدمًا في فكرة تشكيل الحكومة وفق الحدود الجغرافية التي كانت محددة قبل ثلاثة أشهر. ربما باتت القيمة الاستراتيجية الأهم للدعم السريع الآن هي إسقاط ولاية شمال دارفور، وخاصة الفاشر، التي حشد لها أكبر القوات من الجنود لإسقاطها، حتى يتمكن من فرض سيطرته الكاملة على الإقليم. في حال تحقق ذلك، فإن الدعم السريع قد يسعى إلى تقديم نفسه كإدارة إقليمية ذات مشروعية عسكرية، مدعومًا بحدود مشتركة مع أربع دول يمكنه استخدامها لتعزيز موقفه سياسيًا ودبلوماسيًا.

الانقسام داخل تحالف تنسيقية تقدم

شهد تحالف "تقدم" انقسامًا داخليًا حادًا بين جناحين رئيسيين بعد أن حاول رئيس التحالف حمدوك توسيع الجبهة السياسية لمقاومة خطاب الحرب عبر اجتماعات نهاية شهر يناير، إلا أن الانقسام قد حدث فعليًا داخل التحالف
1-الجناح المؤيد للتفاوض السلمى و تكوين الجباه السياسية الفاعلة بقيادة د عبد الله حمدوك رئيس تقدم و المؤتمر السوداني و التجمع الاتحادي و حزب الامة كقوى بارزة مكتفية بالحياد من موقف الحرب و محاولة نزع فتيل الازمة العسكرية بالضغط علي الاطراف وهي مجموعة مخالفة تماما للمبدأ حول تشكيلة حكومة منحازة لاحدي الطرفين .
2- الجناج المنشق من تقدم الداعم للدعم السريع : و يتكون من اعضاء الجبهة الثورية مثل نائب كتلة تقدم "الهادي ادريس" و الجناح المنشق من العدل و المساوة بقيادة " صندل" و شخصيات بارزة مثل محمد حسن التعايشي عضو مجلس السيادة السابق .

هذا الانقسام ...و بالرغم من انه سيضعف تحالف تقدم الا انه قد حدد بشكل قاطع وضع القوى السياسية من الاطراف , و هو أمر مؤسف رغم التفاهمات التي قادها رئيس التحالف "حمدوك" الا ان الأمر قد يبدو مجهزاً له , فهذا الانقسام اتاح للدعم السريع غطاء سياسي حقيقي لتقديمه للمجتمع الدولي لدعم اكبر في تشكيل الحكومة في مناطق السيطرة , وهو امر سيتفيد منه " محمد حمدان دقلو" بالتأكيد ان يجد مجموعة من السياسين ان يدعموه , الا انني برأيي الجزرى حول معارضتي للفكرة فقد و وصفتها ب(الانتحار السياسي).

محاولة استنساخ النموذج الليبي في أقليم دارفور
الإعجاب الشديد بالنموذج الليبي جعل التعايشي (منظَر حكومة الدعم السريع) ، المنظّر لحكومة الدعم السريع ومستشاريه، يتجاهلون الأهمية الاستراتيجية لمدينة بنغازي، التي تمثل مركزًا اقتصاديًا ومحورًا لتحالفات قوية تميز الإدارة المدنية هناك فعندما ضرب التعايشي مثالًا بالانقسام الحكومي في ليبيا، سعى إلى تبرير فكرة الحكومة التي يطمحون إلى تشكيلها، مدعيًا أنها لن تؤدي إلى تقسيم السودان، بل ستساهم في فرض التوازن داخل البلاد غير أن هذا الطرح يتجاهل التناقضات التاريخية العميقة بين السودان وليبيا، فضلًا عن المغالطات التي تجعل الاستشهاد بالتجربة الليبية أمرًا صعب التطبيق.
في ليبيا، ورغم الانقسام السياسي، لا تزال هناك قوة اقتصادية كامنة ومصادر تمويل محلية يمكنها دعم الإدارات المتنافسة، فالوضع مختلف تمامًا فالإقليم مثل دارفور عانى من حروب مستمرة لأكثر من 17 عامًا، أفقدته القدرة على المساهمة التمويلية مما يجعله بحاجة إلى موارد مالية ضخمة لإدارة شؤونه أو حتى مجرد التفكير في مشاريع استثمارية داخل الإقليم. وبالتالي، فإن محاكاة التجربة الليبية في السودان، وبالأخص في دارفور، ليست سوى طرح نظري يفتقد للواقعية.
أما في السودان، فإن فكرة "الانفصال الإداري" لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد، نظرًا للطبيعة الخاصة للإنفاق العام والانتشار الجغرافي الواسع، إضافةً إلى التأثير السلبي على الحركة الاقتصادية والأسواق الكبرى في محليات دارفور حيث تركيبة و طبيعة السلع فيها نوع من الصعوبة ان تسوق في مناطق جديد باختلاف طبيعة العلاقات التجارية للاقليم , مما سيسبب اعتراضات كبيرة من التجارة المستوردين و المصدرين .
هذا السيناريو يكشف حقيقة واضحة: الميليشيات ليست مؤهلة لبناء دولة في السودان، بل تمثل نموذجًا لدولة غارقة في الفوضى، تنهكها الصراعات الداخلية والانقسامات المتزايدة.

إلى أين يتجه الصراع على الشرعية؟
-تفتيت السلطة والانقسامات بدلًا من توحيدها
الصراع المستمر بين الجيش والدعم السريع حول الشرعية لا يسهم في إنهاء الأزمة، بل يدفع نحو تفتيت السلطة وانقسامها، مما يفتح الباب أمام تعدد الحكومات بدلًا من توحيدها. إن وجود حكومتين متنافستين لن يؤدي فقط إلى تعقيد المشهد السياسي، بل سيدفع السودان نحو مرحلة أكثر خطورة من الانقسام، قد تتطور مستقبليًا إلى بوادر أزمة تتعلق بنواة للانفصال السياسي.
هذا السيناريو لا يعزز الاستقرار، بل يساهم في إفقار البلاد نتيجة سوء الإدارة وضعف الموارد. فتعدد السلطات وتنازع الشرعيات لن يكون مجرد أزمة سياسية، بل سيمتد ليؤثر على الاقتصاد الوطني، حيث سيؤدي انعدام التنسيق الحكومي إلى تدهور الخدمات، ضعف الاستثمارات، وزيادة الأعباء المالية، مما يسرّع من انهيار الدولة بدلًا من تحقيق أي توازن سياسي أو إداري.

-التأثير على الحل السياسي والتفاوض
إذا نجح الدعم السريع في تشكيل حكومة وتحالف سياسي، فقد يتمكن من كسب دعم أطراف دولية وإقليمية لديها مصالح في السودان أو المنطقة، وترى فيه جهة يمكنها تنفيذ أجنداتها. هذا الدعم المحتمل قد يمنح الدعم السريع شرعية دبلوماسية محدودة، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويعزز حالة الانقسام بدلًا من دفع الأطراف نحو حل شامل للأزمة.
في المقابل، يسعى الجيش بقيادة البرهان إلى تعزيز موقعه عبر تحركات دبلوماسية نشطة منذ بداية العام، شملت زيارات إلى دول مؤثرة داخل الاتحاد الإفريقي في محاولة لإعادة السودان إلى المنظمة بعد تعليقه في أعقاب انقلاب أكتوبر 2021. ويراهن الجيش على المؤسسات الحكومية عبر (حكومة الأمر الواقع) كأداة ضغط لدفع الدول إلى إعادة الاعتراف بحكومته داخل الاتحاد الإفريقي، أو على الأقل منع الاعتراف بحكومة الدعم السريع في حال تشكيلها.
هذا التجاذب بين الطرفين حول الشرعية الدولية والإقليمية قد يؤثر بشكل مباشر على مسار الحل السياسي والتفاوض، حيث سيؤدي إلى تعقيد أي جهود وساطة ويعزز حالة الاستقطاب الإقليمي بين القوى الداعمة لكل طرف او الاطراف المحايدة و الطارحة للحلول ، مما يجعل الحلول السياسية أكثر بعدًا عن التحقيق و ستكون معقدة للغاية .

خاتمة: السودان إلى أين؟
إن تشكيل حكومة من قبل قوات الدعم السريع قد يؤدي إلى إضفاء طابع سياسي على الصراع العسكري، في حين أن مساعي الجيش لإنشاء حكومة موازية قد تعمّق الانقسام بدلًا من معالجته. في ظل هذه التطورات المتسارعة، يبقى السودان أمام مفترق طرق خطير إما الانزلاق نحو مزيد من التفكك والانقسام، أو البحث عن حلول وسط تضمن الاستقرار وإعادة بناء الدولة.
لكن السؤال الأهم :هل يدرك الطرفان أن الصراع على الشرعية قد يدفع السودان إلى حالة دائمة من الانقسام والتشرذم؟ لقد حذّرتُ شخصيًا من هذه السيناريوهات منذ نوفمبر 2023، عندما أطلقت على هذا المشهد مصطلح "الانفصال الاداري" , حيث رصدتُ بوادره المبكرة و نظَرت إمكانية حدوثه ضمن سياق صراع الشرعية والشرعية المتخيلة.
اليوم، نحن أمام حقبة جديدة من التاريخ السياسي، أفرزتها الحرب، وأعادت رسم معادلات السلطة والنفوذ، لتجعل من إعادة توحيد السودان سياسيًا وإداريًا تحديًا أكبر مما كان متوقعًا.

dr_benomer@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • ميليشيا الدعم السريع تهاجم سوقا في أم درمان والخارجية السودانية تدين الهجوم
  • السودان: مقتل 54 شخصًا وإصابة 158 آخرين في هجوم لقوات الدعم السريع
  • السودان: مقتل 54 شخصًا وإصابة 158 في هجوم لقوات الدعم السريع
  • يبدو أن قائد مليشيا الدعم السريع لن يفيق من غيبوبته إلا عند تسليمه حيا أو ميتا للشعب السوداني
  • الجيش السوداني يواصل تقدمه في الخرطوم.. والدعم السريع تقرّ بالخسائر
  • استعادة تمبول – القوات المسلحة وقوات درع السودان
  • الجيش السوداني يتقدم لاستعادة مناطق حيوية من الدعم السريع
  • تمبور: لن نسمح بأي مظهر من مظاهر التسليح خارج القوات المسلحة
  • من قتل جلحة الجنرال المشاغب في الدعم السريع ولماذا يصمت الجيش السوداني؟
  • الدعم السريع … شبح الحكومة من أجل الشرعية