هل يتصاعد التوتر بين إيران وباكستان؟
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
تسببت الضربات المتبادلة بين إيران وباكستان في أزمة كبيرة في العلاقات الثنائية بين البلدين وأثارت تساؤلات حول الدوافع الحقيقية الكامنة وراءها.
وشنت باكستان الخميس هجمات ضد من وصفتهم بـ"إرهابيين" داخل إيران، ردا على قصف طهران "قواعد لمسلحين"داخل الأراضي الباكستانية.
وأكد الجيش الباكستاني أنه وبناء على معلومات استخباراتية، استهدف قواعد لتنظيم جيش تحرير بلوشستان وجبهة تحرير بلوشستان داخل الأراضي الإيرانية، وهما تنظيمان متهمان بممارسة الإرهاب في باكستان.
وأضاف الجيش أنه استخدم مسيرات انتحارية، وصواريخ وأسلحة أخرى في غاراته التي تمت بدقة عالية لتفادي "الأضرار الجانبية".
وقلل مصدر سياسي إيراني رفيع المستوى من احتمال حدوث المزيد من التصعيد وحذر الجهات الفاعلة الأخرى من محاولة استغلال التوترات القائمة.
وفي معرض حديثه عن الديناميكيات الحالية، أكد مصدر رفيع المستوى ثانٍ في طهران أيضًا أن “كلا الجانبين سيبقيان الأمور تحت السيطرة. لا مزيد من التصعيد".
وقال المصدر الأول لموقع "أمواج ميديا" الإعلامي إن "وزير الخارجية [الإيراني] مستعد للسفر إلى باكستان".
وتابع "هذه مسألة ثنائية، وقد تم إصدار تحذير لأي طرف ثالث من أن يخطئ في حساباته، هذه مسألة بين إيران وباكستان وسيتم حلها في إطار علاقتنا".
ويأتي التحذير من التدخل الخارجي بشكل خاص في الوقت الذي ورد فيه أن كلاً من الصين والسعودية عرضتا بشكل منفصل التوسط بين إيران وباكستان.
التنسيق المسبق
وفي حديثه لموقع أمواج ميديا، قال مصدر إيراني ثالث مطلع إن الجيش الباكستاني تلقى إشعارًا مسبقًا بالهجوم الذي وقع في 16 يناير/كانون الثاني.
وفي هذا السياق، كتبت قناة على تليجرام، يُنظر إليها على أنها مقربة من الحرس الثوري الإيراني، الخميس "إن الهجوم على المواقع الإرهابية في باكستان تطلب التنسيق مع الحكومة الباكستانية".
وأضافت أن "هجوم باكستان اليوم يتماشى أيضًا مع الاتفاقية التي تم التوصل إليها، ونتيجة لتصميم البلدين على التعامل مع الإرهاب الحدودي وفي اتجاه إرساء الأمن المستدام على الحدود".
وأشار بعض الصحفيين الإيرانيين أيضًا إلى أن الرحلة الأخيرة التي قام بها المبعوث الرئاسي الإيراني لأفغانستان حسن كاظمي، إلى باكستان، ربما كان المقصود منها إبلاغ إسلام أباد بالهجوم الإيراني الوشيك مسبقًا.
وقالت مصادر إيرانية رفيعة المستوى، اتصلت بها أمواج ميديا للتعليق، إنها ليس لديها علم بالإخطار المسبق لباكستان. ومع ذلك فقد أعربوا عن تقبلهم لمثل هذا السيناريو.
ويبدو أن وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إيرنا" - التي يسيطر عليها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي - قد نشرت في البداية أخبارًا عن عملية 16 يناير/كانون الثاني داخل باكستان.
ومع ذلك، تراجعت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية (إيرنا) على الفور عن القصة دون أي تفسير، ولكن ليس قبل أن تكتشف وسائل الإعلام الأخرى القصة.
و,اعلنت وكالتي الأنباء التابعتين للحرس الثوري الإيراني، فارس وتسنيم، عن الغارة في وقت لاحق فقط.
في المقابل، أصدر الحرس الثوري الإيراني ثلاثة بيانات رسمية في تتابع سريع بعد فترة وجيزة من ضرب أهداف في العراق وسوريا في 15 يناير/كانون الثاني. علاوة على ذلك، لم يصدر حتى الآن أي إعلان رسمي من الحرس الثوري الإيراني بشأن الضربات داخل باكستان.
تهديد وشيك
ولا يتفق الجميع مع فكرة حدوث كارثة في العلاقات، وقال مصدر سياسي إيراني رفيع المستوى: "ليس لدي أي معرفة محددة عما حدث في الأيام الماضية، ولكن بناءً على حدسي النابع من خبرتي السابقة في الأمر - بما في ذلك الاتفاقيات مع باكستان - لم يكن هناك أي إخطار مسبق من طهران إلى إسلام آباد".
وأضاف المصدر أنه بينما جرت عمليات استخباراتية وأمنية إيرانية سابقًا داخل باكستان، فإن استخدام القوة العسكرية على شكل صواريخ يعد تحويلًا كبيرًا عن الماضي.
وأشارت مصادر مطلعة إلى أن الهجوم على مواقع داخل باكستان حصل على الموافقة النهائية من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في أوائل يناير/كانون الثاني، في أعقاب حادث مميت بالقرب من الحدود مع باكستان.
وفي منتصف ديسمبر/كانون الأول، هاجم جيش العدل مركزاً للشرطة في بلدة راسك، مما أسفر عن مقتل 11 ضابطاً على الأقل.
وشككت الجماعة السنية المسلحة في الرقم الرسمي للضحايا، وأصرت على مقتل وإصابة 50 من القوات الحكومية.
وبعد مرور شهر واحد فقط، في 10 يناير/كانون الثاني، قُتل ضابط شرطة آخر في "اشتباك دام ثلاث ساعات" خارج نفس المدينة.
وبشكل عام، ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن أكثر من 70 من أفراد إنفاذ القانون "استشهدوا" أثناء أداء واجبهم خلال الأشهر العشرة الماضية.
أعمال العنف المستمرة في إقليم سيستان بلوشستان، الذي يعتبر معقلاً لتهريب المخدرات من أفغانستان المجاورة فضلاً عن التشدد، تجري وسط مناخ أوسع نطاقاً من التحدي.
تهديد جديد
جيش العدل ليس الجماعة السنية المسلحة الوحيدة التي تنشط داخل إيران ذات الأغلبية الشيعية. كما نفذ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) هجمات بوتيرة متزايدة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن هجوم على مزار شيعي كبير في مدينة شيراز، مما أسفر عن مقتل 13 شخصًا. وقُتل شخصان آخران عندما تم استهداف الضريح نفسه مرة أخرى في أغسطس/آب 2023.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أدى تفجيران انتحاريان مزدوجان إلى مقتل أكثر من 90 شخصاً في إقليم مجاور لسيستان وبلوشستان.
وسرعان ما أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الحادث، وهو الهجوم الإرهابي الأكثر دموية في إيران منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979.
وبعيداً عن الفشل الاستخباراتي الكبير الذي مكّن من إراقة الدماء في الثالث من يناير/كانون الثاني، هناك أسئلة أخرى لها إجابات قد تربط التفجيرات بالقرار الذي اتخذته إيران بقصف أهداف داخل باكستان.
وذكرت وزارة الاستخبارات الإيرانية أن العقل المدبر المزعوم للتفجيرين الانتحاريين هو مواطن طاجيكي دخل إيران بشكل غير قانوني في 19 ديسمبر/كانون الأول وغادر قبل يومين من الهجوم.
ومن الغريب أنه على الرغم من وصف أحد المفجرين بأنه تدرب في أفغانستان، إلا أنه لا يوجد ذكر محدد للمكان الذي أتى منه العقل المدبر المفترض أو ذهب إليه.
وأشارت وزارة الاستخبارات الإيرانية فقط إلى "الحدود الجنوبية الشرقية"، والتي يمكن أن تعني إما أفغانستان أو باكستان.
وبصرف النظر عن التوترات المتصاعدة في غرب آسيا - حيث تتورط إيران وحلفاؤها الإقليميون في مواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وربما تشعر بالحاجة إلى إظهار الردع - فإن جزءًا آخر من الصورة الأكبر هو أن العملية الإيرانية داخل باكستان تشير إلى التحول لـ"إدارة الأزمات بعد فشل "منع الأزمات".
المصدر | أمواج ميديا + الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إيران باكستان ینایر کانون الثانی بین إیران وباکستان الثوری الإیرانی داخل باکستان
إقرأ أيضاً:
سفن متهالكة وشركات وهمية.. كيف يُنقل النفط الإيراني سرّا نحو الصين؟
نشر موقع "بلومبيرغ" الأمريكي، تقريرا، يسلط الضوء على استخدام الصين لأسطول كبير من ناقلات النفط، بالقول إنها: "تعمل بشكل سري على نقل النفط الخام الإيراني نحو الصين، عبر بحر الصين الجنوبي، ما يساعد البلدين على تجاوز العقوبات المفروضة عليهما، من خلال وسطاء وشركات وهمية، ويُتيح لبكين الحصول على النفط بأسعار متدنية".
وأوضح الموقع في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "نقطة بحرية على بعد أربعين ميلاً شرق شبه الجزيرة الماليزية، أصبحت تشكّل أكبر تجمع لناقلات الأسطول المظلم في العالم؛ حيث تأتي السفن المتهالكة إلى هذا المكان يوميًا لنقل البضائع بشكل سري".
وتابع: "بهذا الشكل تجد مليارات الدولارات من النفط الإيراني الخاضع للعقوبات طريقها إلى الصين سنويا، رغم أن البلاد لم تستورد حسب البيانات الرسمية قطرة نفط واحدة من إيران، منذ أكثر من سنتين".
وبحسب تحليل أجرته وكالة "بلومبيرغ"، فإن ما يقرب من خمس سنوات، اعتمادا على صور الأقمار الصناعية لهذه النقطة التي توصف بـ"الساخنة"، قد تطورت هذه الصناعة، تزامنا مع تشديد الولايات المتحدة عقوباتها على إيران.
ووفقًا لتحليل "بلومبيرغ" للمسافة بين السفن في الأيام التي تتوفر فيها صور الأقمار الصناعية، فمن المرجّح أن تكون كمية النفط التي يتم نقلها في هذه المنطقة ضعف الكمية التي كانت تُنقل خلال سنة 2020 على أقل تقدير.
ويتابع التقرير: "رغم استحالة قياس كمية النفط التي تُنقل عبر هذه القناة بشكل دقيق، إلاّ أن التقديرات الأكثر تحفظا تشير إلى أن حوالي 350 مليون برميل من النفط قد تم تداولها في هذه النقطة الساخنة، في الأشهر التسعة الأولى، من السنة الجارية".
"إذا أخذنا في الاعتبار متوسط سعر النفط لسنة 2024 والخصم المطبق على النفط الخام الخاضع للعقوبات، فإن هذه الكمية تعادل أكثر من 20 مليار دولار، ومن المرجح أن تكون القيمة الحقيقية أعلى من ذلك بكثير" وفقا للمصدر نفسه.
وبحسب عدّة مصادر مطّلعة، فإنّ: "معظمها إيرانية المنشأ، وقد كانت السفن التي فحصتها بلومبيرغ مرتبطة بشحنات إيرانية".
واعتبر الموقع أنّ: "هذه التجارة السرية في بحر الصين الجنوبي تعدّ شريان حياة بالنسبة لطهران، التي تحتاج إلى الإيرادات وتعاني من نقص المشترين. أما بالنسبة للصين، فإن هذه الشبكة من الوسطاء والسفن المملوكة لشركات وهمية، توفّر فرصة للوصول إلى النفط منخفض التكلفة، كما أنها تحمي الشركات الصينية الكبرى من العقوبات الثانوية".
تقول الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، إيريكا داونز، إنّ: "هذه العملية برمتها تمنح الصين حق الإنكار؛ إذ يمكنها بكل بساطة أن تدّعي أنها لا يستورد النفط الإيراني".
إلى ذلك، يشكل هذا المركز البحري -وفقا للموقع- تهديدًا مباشرًا للجهود الغربية الرامية إلى الحد من إيرادات طهران وموسكو وكاراكاس، وتؤكد بوضوح صعوبة تطبيق العقوبات، حيث أن هذه الشبكات الواسعة تعمل عادةً دون تدخل علني من كيانات كبيرة، مما أفشل جهود الإدارة الأمريكية الحالية في وقفها.
الأسطول المتنامي
أوضح الموقع أنّ: "هناك مخاوف أخرى مرتبطة بهذه العملية"؛ حيث يقول خبراء الأمن البحري إنّ: "هذه المجموعة المتنافرة من السفن، التي تنقل النفط بأقل قدر من عمليات التدقيق، تعني أن احتمالية حدوث تسرّب نفطي هو مسألة وقت فقط".
كذلك، يتخوف مُلاك السفن الشرعية، وفقا للمصدر نفسه، من: "المخاطر التي قد تتعرض لها أساطيلهم بسبب سفن الأسطول غير المؤمن، التي تعبر الممرات المائية المزدحمة دون استخدام أجهزة الإرسال والاستقبال، ما يجعل رصدها أمرا صعبًا ويزيد من خطر التصادم".
ويؤكد خبير الأمن البحري والمستشار البارز في مجموعة "متحدون ضد إيران النووية"، تشارلي براون، أنّ: "نطاق عمليات النقل غير المشروع في هذه المنطقة أكبر بكثير من المواقع الأخرى؛ حيث يتمتع الموقع بالميزة الجغرافية، والطقس الجيد، والقدرة على القيام بعمليات النقل دون تدخل السلطات".
ويوضح التقرير، أن الأسطول العالمي الذي يوصف بـ"المظلم"، قد توسّع منذ غزو أوكرانيا والتدابير الغربية اللاحقة للحد من عائدات روسيا من الطاقة، وارتفع نشاطه في نقاط النقل البحرية الرئيسية، بما في ذلك على طول الساحل اليوناني وخليج عمان وما وراء الممر المائي الضيق بين ماليزيا واندونيسيا.
وأردف بأن السفن المرتبطة بتهريب النفط الإيراني ظلّت تتجنب الموانئ والمياه الإقليمية التي تكون الرقابة فيها أكثر صرامة. مسترسلا بأن: "منطقة بحر الصين الجنوبي بعيدة بما فيه الكفاية عن سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا بما يمكّن الناقلات أن تتفادى قوات إنفاذ القانون في الدول الساحلية الثلاث".
"لكنها تتنقل بدلاً من ذلك في المنطقة الاقتصادية الخالصة التابعة لماليزيا، وهي منطقة تتمتع فيها الدولة بالولاية القضائية على الموارد الطبيعية، لكن سيطرتها محدودة فيما عدا ذلك" استدرك الموقع نفسه.
وتابع، "تحمل الكثير من السفن المتراصة هناك بصمات الأسطول المظلم، فهي سفن يصل عمرها إلى 20 سنة أو أكثر، وهو عمر يتم فيه التخلص من معظم السفن الشرعية؛ وبتأمين من كيانات غير معروفة، وتحمل أعلام دول مثل إسواتيني غير الساحلية ومنغوليا، أو دول أخرى مدرجة على أنها مثيرة للقلق من قبل المنظمة البحرية الدولية".
وخلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر، كان هناك ما معدله 114 ناقلة في المتوسط في هذه النقطة البحرية، وفقًا لبيانات موقع "ستاربورد ماريتايم إنتليجنس"، وفي أكثر الأيام ازدحامًا، كانت هناك سبع سفن في المنطقة موجودة منذ أكثر من سنة، وعلى أقل تقدير 10 أخرى تخضع للعقوبات الأمريكية.
"تيتان" و"وين وين"
ذكر الموقع أن مراسليه عندما وصلوا إلى المنطقة في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، كانت عشرات السفن الضخمة تلوح في الأفق. وعلى مقربة من أقصى نقطة في التجمع، رست ناقلتا نفط من "الأسطول المظلم" جنبًا إلى جنب، إحداهما السفينة "تيتان"، المصنوعة قبل 21 عاما، والتي تحمل علم الكاميرون والمعروفة بنقل النفط الإيراني، وكانت محملة بالنفط الخام.
وتعتبر تيتان إحدى السفن التي توصف بكونها "سيئة السمعة في دوائر الشحن"؛ إذ تم احتجازها في عملية تفتيش كبرى في تشينغداو بالصين في نيسان/ أبريل 2023، بعد العثور على أكثر من 20 عيبًا فيها، منها ما يتعلق بقوارب النجاة والسلامة من الحرائق، وفقًا لقاعدة "إكواسيس" لبيانات الشحن.
ولا يُعرف للسفينة شركة تأمين أو مالك، وتفاصيل الاتصال الوحيدة المدرجة لمالكها المسجل هي عنوان صندوق بريد في سيشيل. فيما تُظهر مراجعة السجل الرقمي العام للسفينة أنها كانت بالقرب من مضيق هرمز في 5 أيلول/ سبتمبر، وتوقفت قبل دخول الممر المائي وبدأت في الإبحار لأكثر من أسبوع في دوائر، وهي مناورة غالباً ما تكون علامة على أن السفينة تشارك في عملية نقل من سفينة إلى أخرى.
وقالت منصة "كبلر" لمعلومات التجارة العالمية، إنّ: "السفينة تلقت شحنة من ناقلة أخرى، كانت قد تم تحميلها في السابق من جزيرة خرج، موقع محطة التصدير الرئيسية في إيران".
وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21" أن "تيتان عادت للظهور مرة أخرى محملة بالنفط، وشقّت طريقها نحو جنوب شرق آسيا؛ وبحلول أوائل تشرين الأول/ أكتوبر كانت تجتاز مضيق سنغافورة باتجاه الشرق"؛ وتُظهر بيانات تتبع السفن وصور الأقمار الصناعية التي حللتها "بلومبيرغ" أن السفينة سلكت الطريق ذاته من المياه القريبة من إيران إلى بحر الصين الجنوبي عدة مرات.
أيضا، تُظهر صور الأقمار الصناعية أنها رست بجانب سفينة "وين وين" بحلول 3 تشرين الأول/ أكتوبر. وكانت سفينة "وين وين" التي ترفع علم بنما وتبلغ من العمر 22 عاما راسية في ميناء تشينغداو الصيني في 19 أيلول/ سبتمبر.
أضاف الموقع أن إشارات "وين وين" أظهرت أنها: "قامت برحلة خطية انتهت في المياه الواقعة قبالة شمال شرق تايوان أواخر أيلول/ سبتمبر، ثم اتجهت في النهاية جنوبًا، وتحدث مثل هذه المسارات عندما تقوم السفينة بإيقاف تشغيل جهاز الإرسال والاستقبال الخاص بها وتبحر في الظلام، قبل أن تقوم بتشغيله مرة أخرى على مسافة أبعد بكثير".
"بعد توقفها في ماليزيا، اتجهت "وين وين" نحو ميناء دونغجياكو، جنوب تشينغداو، وهو ميناء تستخدمه شركات التكرير الخاصة في الصين" أكد الموقع.
ووفقًا لمنصة "كبلر"، تلقّت تيتان التي كانت فارغة بعد تلك المناورة، شحنة أخرى من سفينة إيرانية في وقت لاحق، وكان ذلك قبالة ساحل شمال الصين في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر.
ووفقا لـ"بلومبيرغ"، فإنه: "لا يتم تسجيل هذه الشحنات على الصعيد الرسمي، حيث تظهر بيانات الجمارك أن الصين لم تستورد قطرة نفط واحدة من إيران منذ منتصف سنة 2022، وتظهر تلك السجلات أن الواردات الإيرانية التي انخفضت بشكل حاد بعد إعادة فرض القيود الأمريكية في سنة 2018 يُفترض أنها توقفت تمامًا في الوقت الحالي".
ولكن تقديرات المحللين والأكاديميين وبيانات تتبع السفن تشير إلى أنّ: "الكيانات الصينية تشتري حوالي 90 في المائة من صادرات إيران، وهذا يعادل حوالي 10 في المائة من واردات الصين".
خطر متصاعد
أكد الموقع أنّ: "هناك أدلة أخرى تدعم هذه الصورة، فقد بلغت واردات الصين من ماليزيا، خلال الأشهر التسعة الأولى، من السنة الجارية، ما يقرب من ثمانية أضعاف ما كانت عليه في الفترة نفسها من سنة 2018، قبل إعادة فرض العقوبات الأمريكية بالكامل".
وتُظهر بيانات الجمارك في سنة 2023 أن الصين استوردت أكثر من 1.1 مليون برميل يوميًا من ماليزيا، وهو ما يزيد بكثير عن إنتاج ماليزيا من النفط الخام، والذي يبلغ 508,000 برميل يوميًا، وفقًا للمراجعة الإحصائية لمعهد الطاقة العالمية.
وقد أحصى موقع "تانكر تراكر" الذي يراقب عن كثب جميع أنشطة السفن في منطقة جزيرة رياو -منطقة أكبر من المنطقة التي حللتها بلومبيرغ- 409 مشاهدة لسفن في الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر، ويقارن هذا العدد بـ 279 في سنة 2023 بأكمله.
وحسب "بلومبيرغ" فإنّ: "احتمال حدوث تسرب نفط على نطاق واسع قد يكون كارثيًا بالنسبة للدول الساحلية التي تعتمد اقتصاداتها على السياحة والصيد. فعلى سبيل المثال، أدّى حادث صغير في ميناء سنغافورة في حزيران/ يونيو الماضي، جراء اصطدام سفينتين شرعيتين، إلى تسرب 400 طن من الوقود، واستغرق شهورًا لتنظيف المكان".
وأدى انفجار وقع في أيار/ مايو السنة الماضية على متن السفينة "بابلو" غير الشرعية إلى مقتل ثلاثة أفراد من طاقمها، وظل الحطام قبالة سواحل ماليزيا لعدة أشهر، وتم ترتيب عملية إنقاذ بتكلفة ضخمة.
وفي تموز/ يوليو من هذه السنة، وقع حادث بين ناقلة منتجات نفطية وسفينة غير شرعية لنقل النفط الخام، ما أسفر عن حرائق على كلا السفينتين. كما أظهرت صور الأقمار الصناعية السفينة المتضررة وهي تتحرك بعيدًا عن ماليزيا، وتم احتجازها من قبل السلطات الماليزية، لكنها رُصدت لاحقًا وهي تتحرك شمالًا نحو الصين.
ووفقًا لـ"مركز الأبحاث في الطاقة والهواء النظيف"، وهو مركز بحثي غير ربحي متخصص في الطاقة وتلوث الهواء، فإن تكلفة التنظيف في جنوب شرق آسيا قد تصل إلى أكثر من 16,000 دولار أمريكي لكل طن متري.
ويحذّر الخبراء من وقوع المزيد من الحوادث في مياه جوهور الماليزية؛ وفي هذا الصدد يقول المدير التنفيذي لشركة "بريشس شيبنغ"، خالد مؤيد الدين هاشم، إن: "مالكي السفن التي تعمل بشكل قانوني يشعرون بقلق كبير بشأن العواقب المحتملة إذا تورطوا في حادث مع سفينة غير شرعية، نظرًا لعدم وجود محاسبة أو سبل قانونية للتعامل مع مثل هذه الحالات، خصوصًا في حال حدوث تسرب نفطي".
ونقل الموقع عن رئيس قسم آسيا في شركة "ويست أوف إنغلاند" للتأمين البحري، توني بولسون، قوله إنّ: "شركات التأمين كانت تؤمن حوالي 95 بالمائة من أسطول ناقلات النفط البحرية العالمية، ولكن كنتيجة غير مقصودة لنظام العقوبات ضد نقل النفط الروسي، غادرت حوالي 800 ناقلة في السنوات الأخيرة، وأصبحت شركات التأمين الآن تغطي نحو 80 في المائة فقط".
حدود المسؤولية
ذكر الموقع أنّ: "ماليزيا تنشط في احتجاز السفن الراسية بشكل غير قانوني بالقرب من سواحلها، خاصة عند مدخل مضيق ملقا". ومع ذلك، فإن محدودية القدرات والقيود على تنفيذ القوانين خارج المياه الإقليمية تجعل المراقبة غير فعالة.
وأضاف الموقع أنّ: "ماليزيا، مثل العديد من دول جنوب شرق آسيا، تتردد في تطبيق القيود التي لم توقع عليها، ولا تظهر اهتمامًا كبيرًا بالمسائل الأخلاقية". وقد أسفر عن استياء في واشنطن التي تسعى لتقييد تدفق الأموال إلى طهران، رغم أنها لا ترغب في تقليل الإمدادات إلى الحد الذي يدفع أسعار النفط العالمية إلى الارتفاع.
وفي زيارة إلى كوالالمبور في أيار/ مايو، قال مسؤولو وزارة الخزانة الأمريكية إنّ: "قدرة إيران على نقل النفط تعتمد على مزودي الخدمات الماليزيين، وتعهدوا بطرح هذه القضية مع الحكومة". وفي الشهر الماضي، تم نقل رسالة أخرى مفادها أن على الدول الساحلية أن تأخذ المخاطر بعين الاعتبار.
وبيّن الموقع أنّ: "ماليزيا ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران ولها مصالح تجارية كبيرة مع الصين". وفي رد على مبعوثي الإدارة الأمريكية، نفى رئيس الوزراء، أنور إبراهيم، في وقت سابق من هذه السنة، وجود شحنات نفط إيرانية في المياه الماليزية، مؤكدًا أنّ: "بلاده تفتقر إلى القدرات الكافية للمراقبة".
ويرى مدير برنامج جنوب شرق آسيا ومبادرة الشفافية البحرية في آسيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، غريغ بولينغ، أنّ: "كلام رئيس الوزراء الماليزي صحيح نسبيًا لأن ماليزيا لديها واحدة من أكثر القوات البحرية فقرًا في الموارد بين الدول الساحلية في المنطقة". ويعلّق الموقع: "لكن تصريحات أنور تعني أن ماليزيا صديقة للجميع".
وأضاف الموقع أن: "المسؤولين والخبراء في كوالالمبور يتفقون على أنه لا يوجد حافز كبير للتورط فيما يُعتبر صراعًا لا يعني ماليزيا، كما أن جيرانها المعرضين أيضا لمخاطر الحوادث البحرية أظهروا عدم رغبتهم بالتورط في هذا الصراع".
من جهتها، قالت هيئة الموانئ والملاحة البحرية في سنغافورة، عبر بيان لها، إن لديها لوائح صارمة بشأن الأنشطة التي تجري في مياهها وأنها تنفذ جميع قرارات مجلس الأمن الدولي، مضيفة أنه لا يُشترط إبلاغها بعمليات النقل التي تتم خارج مياهها.
وتوقع بولينغ أن تضطر الولايات المتحدة إلى أن تنتقل من مجرد توجيه اللوم والتوبيخ إلى إجراءات أكثر صرامة. وبدوره، يقول الباحث في مركز القانون الدولي بجامعة سنغافورة الوطنية، ترونغ نغوين، إنه: "يمكن اتخاذ بعض الإجراءات الردعية"؛ مضيفًا: "لقد تطور خطر سفن الظلام من الخسارة الاقتصادية إلى التهديد الأمني وتهديد سلامة الدول الساحلية".
وختم الموقع بأنّ: "الولايات المتحدة ستحتاج للتعامل مع تأثير تقلص الإمدادات على أسعار النفط في ظل التوقعات بتشديد العقوبات على إيران ومن يتعاملون معها، ولكن من غير المرجح أن يوقف ذلك تدفق النفط الإيراني إلى الصين".