خير الأسماء ما حمد وعبد، هل ورد حديث بهذا المعنى؟ سؤال أجابه الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، خلال حديثه عن حكم استحباب التسمِّي باسم محمد ونحوه، استنادًا للحديث المشهور "خير الأسماء ما عبِّد وحمِّد".

صحة حديث «خير الأسماء ما حمد وعبد»

وقال المفتي في بيان صحة حديث «خير الأسماء ما حمد وعبد»: هذه الأحاديث بهذا اللفظ عن النبي فيها كلام بين العلماء من حيث الثبوت، ولكن معناها لطيف وصحيح، بل منقولة عن بعض الصحابة مشيرًا إلى أن التسمِّي باسمه عليه السلام أو بأيٍّ من أسمائه فيه دلالة بلا شك على التعلُّق به والحب له.

هل يجوز التسمية بـ عبدالرسول؟، وعن حكم تسمية الأبناء بأسماء غير مناسبة أو غير لائقة اعتقادًا بأنها حماية لهم من العين والحسد قال المفتي: من الأفضل تسمية الأبناء بأسماء حسنة ولا مانع من تسميتهم بأسماء شائعة معاصرة حسب زمنهم ووفقًا للعرف السائد، مشيرًا إلى جواز التسمية بعبد الرسول وعبد النبي لما دلَّت عليه بعض النصوص الشرعية وما جرى عليه العمل سلفًا وخلفًا، بل هناك فتاوى رسمية كثيرة لنا صادرة من الدار قديمًا وحديثًا تجيز ذلك، حيث إن اسم عبد الرسول أو عبد النبي يعني الطاعة والموالاة للرسول صلى الله عليه وسلم، وليس المقصد منه التعبُّد له، ولا يعني الشرك بالله عزَّ وجلَّ كما يدَّعي أصحاب الفكر المتشدد.

وشددت دار الإفتاء أنه لا مانع شرعًا من التسمَّى بـ"عبد النبي" أو "عبد الرسول"؛ لَمْحًا لمعنى شرف الانتساب إليه صلى الله عليه وآله وسلم اتباعًا وتأسيًا وطاعةً وخدمةً، وعلى هذا عمل المسلمين في الأمصار عبر العصور، أما التسمي بالعبدية لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن يُتشرَّف بالانتساب له على غير معنى العبادة ففيه خلافٌ بين العلماء، ومن المعلوم أنه لا إنكار في مسائل الخلاف، وإنما يُنكَر المتفق عليه.

وفي تفصيل حكم التسمية بعبد الرسول وعبد النبي قالت: هناك فارق في الوضع والاستعمال بين العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله تعالى، وبين العبودية التي لها في اللغة معانٍ متعددة، منها: غاية الخضوع والتذلل وهذه تُسَمَّى في اللغة عِبَادةً، ومنها: الطاعة، والخدمة، والرق، والولاء، وهذه تُسَمَّى عُبوديّةً أو عَبْديَّةً ولا تُسمَّى عبادةً؛ فإذا أُضيفت كلمة عبد إلى الله تعالى كان معناها غاية التذلل والخضوع، كعبد الله وعبد الرحمن، وإذا أضيفت إلى غيره أمكن حملُها على معنى: رقيق فلان أو خادمه أو مولاه أو مطيعه، وذلك تبعًا للسياق والقرينة التي تحدد المعنى اللغوي، وهذا هو ما نص عليه أئمة اللغة وأهلها؛ كما في "معجم مقاييس اللغة" لابن فارس (4/ 169، ط. اتحاد الكتاب العرب، 2002م).

واستعمال العبودية وإضافتُها إلى المخلوق بالمعنى الأخير وارد في نص الكتاب الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة، وفي استعمال العرب والصحابة وأهل العلم مِن بعدهم، فمِن الكتاب الكريم قوله تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ [النور: 32].

ومن السنة النبوية الشريفة: ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث البَرَاء بن عازِب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال يوم حُنَيْن: «أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبْ»، وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق إلا حقًّا، ولو كان في هذا الاسم إشارةٌ إلى شيءٍ من المحظور أو الشرك لاستبدل به غيرَه، خاصة وأنه في مقام قتال الشرك وأهله، فيقول: أنا ابن شيبة، أو ابن أبي الحارث، أو أنا رسول الله، أو نحو ذلك، والسكوتُ في مَعرِض الحاجة إلى البيانِ بيانٌ.

وجاء في ترجمة الصحابي عبد خير الحِمْيَرِي رضي الله عنه: أن اسمه كان عبد شر، فغيّره النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى عبد خير، وهذا مبطل للزعم بأن كل إضافة عبد إلى غير الله فهي تعبيد محظور. انظر: "الإصابة في معرفة الصحابة" للحافظ ابن حجر (4/ 149، ط. دار الكتب العلمية).

ومما ورد من استعمال الصحابة رضي الله عنهم ما رواه البيهقي في "سُنَنِه": أن امرأة ورثت مِن زوجها شِقْصًا، فرُفِعَ ذلك إلى علي رضي الله عنه فقال: "هل غَشِيتَها؟" قال: لا، قال: "لو كنتَ غَشِيتَها لرجمتُكَ بالحجارة"، ثم قال: "هو عَبدُكِ؛ إن شئتِ بِعْتِيهِ، وإن شئتِ وَهَبْتِيه، وإن شئتِ أَعتَقْتِيهِ وتَزَوَّجْتِيهِ".

وعلى ذلك جرى العلماء والمصنفون من غير نكير، وشهرةُ هذا الاستعمال واستفاضتُه تُغنِي عن تَطَلُّبه وتَتَبُّعه، وقد دَرَج المسلمون على استعمال اسم عبد النبي وعبد الرسول وصفًا وتسميةً عبر العصور؛ حُبًّا في التشرف بالانتساب إلى خدمة الجناب الشريف، واستفاض بين الشعراء والعلماء وصفُ أنفسهم بهذا من غير نكير؛ تنزيلًا لأنفسهم منزلة الأرقاء المماليكِ لجنابه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم: الإمام جمال الدين الصَّرْصَرِي الحنبلي [ت 656هـ]، والإمام جمال الدين بن ظهيرة الشافعي [ت 819هـ]، والإمام الشهاب الخفاجي الحنفي قاضي قضاة الحنفية في عصره [ت 1069هـ].

صلاة الرغائب.. دار الإفتاء تحذر من إقامتها في أول جمعة في رجب أركان العمرة وواجباتها.. دار الإفتاء توضح

وتَسمَّى به أئمةٌ أعلامٌ يُقتدَى بهم في الدين، منهم: الإمام العلامة عبد النبي المغربي المالكي، مفتي السادة المالكية بدمشق [ت 923هـ]، والإمام الفقيه العلامة عبد النبي بن أحمد بن عبد القدوس الحنفي النعماني [ت 990هـ]، والشيخ عبد النبي بن محمد بن عبد القادر بن جَماعة المقدسي الشافعي [ت بعد 990هـ]، والشيخ الفقيه عبد النبي الخليلي الحنفي، شيخ العلامة الحَصْكَفِي، ذكره في أول كتابه "الدر المختار شرح تنوير الأبصار"، والعلامة القاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري [ت بعد 1173هـ]، صاحب "جامع العلوم" الملقب بـدستور العلماء في اصطلاحات العلوم والفنون سُمِّيَ بذلك هو وأبوه، والفقيه الأصولي عبد النبي بن محمد الطوسجي [ت 1203هـ].

والقول بجواز التسمي بعبد النبي هو القول الأوجه عند السادة الشافعية، قال الإمام الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (6/ 141، ط. دار الكتب العلمية): [والتسمية بعبد النبي قد تجوز إذا قصد به النسبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.

وقال العلامة الجَمَل الشافعي في حاشيته "فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب" (5/ 266، ط. دار الفكر): [وتحرم أي التسمية بملك الملوك؛ إذ لا يصلح لغيره تعالى، وكذا عبد الكعبة، أو النار، أو علي، أو الحسين؛ لإيهام التشريك، ومثله عبد النبي على ما قاله الأكثرون، والأوجه جوازه، لا سيما عند إرادة النسبة له صلى الله عليه وآله وسلم] اهـ.
ونص بعض علماء الحنفية أيضًا على أن التسمية به ليست محرمة، بل هي مكروهة فقط، كما في "العرف الشذي" للعلامة الكشميري (4/ 262-263، ط. مؤسسة ضحى).

أما الانتساب بالعبدية لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن يُتَشرفُ بالانتساب إليه: فيرى بعض العلماء أيضًا أنه مكروه وليس حرامًا؛ قال العلامة القليوبي في "حاشيته على شرح المنهاج" (4/ 256، ط. مصطفى الحلبي): [وتُكرَه بعبد النبي أو بعبد علي] اهـ.

وأما التسمية بـعبد المسيح فهي مخالفة للعقيدة الإسلامية كما قرر صاحب الدعوى في صحيفته، لكن المخالَفة للإسلام إنما جاءت من اعتقاد الألوهية في عيسى عليه السلام، ويختلف الحكم لو كان الأمر على خلاف ذلك، ومع كونه مخالفًا للعقيدة الإسلامية فهذا لا يستوجب منعه؛ لأن الإسلام أقر أهل الكتاب على مزاولة مُقتضَى دينهم بما لا يخالف النظام العام للمسلمين، ولم يأمرنا أن نحكم الشريعة الإسلامية بينهم إلا فيما يتحاكمون فيه إلى المسلمين.

والمعتمد في الفتوى: جواز أن يتسمَّى الإنسان بعبد النبي أو عبد الرسول؛ لَمْحًا لمعنى شرف الانتساب إليه صلى الله عليه وآله وسلم اتباعًا وتأسيًا وطاعةً وخدمةً، وعلى ذلك عمل المسلمين في الأمصار والأعصار، ولا ينبغي للفقيه والمفتي تخطئة الأعراف والعادات ما دام لها وجهٌ في الشرع، فضلًا عن رُجحانها من حيث الدليل، وتوافقها مع الأدب مع الجناب النبوي، وحينئذٍ فلا يُمنَعُ التسمي بهذا الاسم الشريف بأي دعوى وتحت أي شعار، بل ولا يُندَب لمن اسمه عبد النبي أو عبد الرسول أن يغيره.

وأما التسمي بالعبدية لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن يُتشرَّف بالانتساب له على غير معنى العبادة ففيه خلاف بين العلماء، ومعلوم أنه لا إنكار في مسائل الخلاف، وأنه إنما يُنكَر المتفق عليه لا المختلف فيه.

والجنوح إلى المنع بدعوى مخالفة ذلك للعقيدة الإسلامية، أو الزعم بأنه إقرار لغير الله تعالى بالربوبية، أو جحدٌ لبعض ربوبيته سبحانه، إنما هو من الجهل بالكتاب والسنة وأقوال السلف وحقائق اللغة ومجازاتها، وفيه من القدح في عقائد المسلمين، وتجهيل السلف، والاتهام الصريح لهم بالوقوع في الشرك، ما ينأى العاقل بنفسه عنه.

وإذا كان الوصف بذلك كله جائزًا فالتسمي به أولى بالجواز والإباحة.

ونشير إلى أن صحيفة الدعوى المرفقة قد امتلأت بمجموعة من المغالطات والأخطاء الشرعية واللغوية، وسوء الفهم لقواعد الشرع الشريف، بل وللقانون والدستور، لا نرى أن المقام مناسبٌ لتتبعها تفصيلًا. فليتق الله تعالى كلُّ إنسان يريد الخير لدينه ووطنه، وليعلم أنه مسؤول أمام الله تعالى عما يقوله وعما يتهم به إخوانه، ونسأل الله تعالى التوفيق لِمَا يحب ويرضى.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه عبد الرسول الله تعالى

إقرأ أيضاً:

«أمين الفتوى»: مصر بلد الأنبياء وصلى فيها سيدنا النبي ركعتين (فيديو)

أكد الدكتور محمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن مصر هي بلد الحضارة والمقدسات، وأنها محروسة بفضل الله سبحانه وتعالى، لافتا إلى أن مصر هي بلد الأنبياء، مر بها العديد من الأنبياء والرسل، بدءًا من سيدنا إبراهيم عليه السلام، الذي دعا لها، مرورًا بسيدنا موسى وعيسى عليهما السلام، وصولًا إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي صلى في سيناء.

وأشار أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال حلقة برنامج «مع الناس»، المذاع على قناة الناس، اليوم الثلاثاء إلى أن مصر تحمل مكانة خاصة في التاريخ الإسلامي، حيث وصفها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنها «خزائن الأرض» وأن «جندها خير أجناد الأرض».

وأضاف: «لقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن مصر محروسة إلى يوم القيامة، وهي بلدة مباركة مليئة بالأسرار، وقد تحقق ذلك من خلال وقائع تاريخية عظيمة، حيث كانت مصر دائمًا في مقدمة الصفوف في الدفاع عن الأمة الإسلامية».

وأوضح أن السيدة زينب رضي الله عنها عندما زارت مصر عقب أحداث كربلاء، تلقت استقبالًا حافلًا من أهل مصر الذين عبروا عن محبتهم لآل البيت، لافتا إلى أنه عندما جاءت السيدة زينب إلى مصر، دعت للبلاد وأهلها قائلة: «نصرتم نصركم الله، حفظتم حفظكم الله»، و هذا الدعاء يمثل عمق العلاقة بين مصر وآل البيت، فهي بلد الحب والعطاء.

وأضاف: «مصر كانت ولا تزال هي الحاضنة للمحبين والمخلصين من أهل البيت، وقد أظهر المصريون محبتهم لهذه الأسرة الكريمة من خلال دعمهم المتواصل والاحترام الكبير لهم، وهو ما يعكسه التاريخ وما نراه في الواقع حتى اليوم».

وأشار إلى أن الجيش المصري لعب دورًا حاسمًا في تحرير الأراضي الإسلامية، بما في ذلك استرداد بيت المقدس من الصليبيين وهزيمة التتار، بالإضافة إلى دورها البارز في حرب أكتوبر 1973. وقال: «مصر كانت دائمًا على العهد، حافظت على قدسيتها، وظلت محروسة من الله رغم التحديات العديدة».

وختم حديثه بالتأكيد على أن حب المصريين لآل البيت والصحابة هو حب متوازن، لا يتجاوز الحدود ولا يقصر، مضيفًا: «لقد اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أعظم مكان وأعظم أهل، وهذا الحب المتوازن من أهل مصر تجاه النبي وأهل بيته هو سر من أسرار قوة مصر وأمانها».

اقرأ أيضاً«الشيخ خالد الجندي»: لو الزوجة شهدت لزوجها بالصلاح فهو صالح

خالد الجندي يحذر من ارتداء «تيشرتات» تدعو إلى الإلحاد

مقالات مشابهة

  • حادثة الإسراء والمعراج وإيمان أبو بكر الصديق
  • ماذا فعل النبي في شهر شعبان؟.. «ترفع فيه الأعمال إلى الله»
  • فوائد بقاء الإنسان متوضئًا طوال الوقت
  • ماذا كان يقول الرسول مع استقبال أول أيام شعبان ؟
  • «أمين الفتوى»: مصر بلد الأنبياء وصلى فيها سيدنا النبي ركعتين (فيديو)
  • حكم بيع قائمة بأرقام الهواتف لمساعدة الآخرين في التواصل مع أصحابها.. دار الافتاء توضح
  • حكم أداء ركعتين سنة قبل صلاة المغرب
  • عدد ركعات صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك
  • شهر شعبان.. سبب إكثار النبي من الصيام فيه
  • هل راجع النبي الله في عدد الصلوات برحلة الإسراء والمعراج.. الإفتاء تجيب