قال الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي ، إن قصة مريم ابنة عمران حين صمتت في موقفها العصيب، تعلمنا أن الإنسان يبلغ به الحال أحياناً مرحلة العجز حتى في الدفاع عن نفسه، فإن علم أن الله وليّه وهو كافيه، كفاه شرّ كل ذي شرّ، ودفع عنه بأس كل ذي بأس.

قصة مريم ابنة عمران تعلمنا

وأوضح "الثبيتي" خلال خطبة الجمعة الأولى في رجب من المسجد النبوي بالمدينة المنورة ،  في قصة مريم حين أراد الله أن تنجب عيسى ابن مريم - عليهما السلام - وفي قصص القرآن عظة وعبرة، ودروس لا تنضب، يغرسها القرآن، وتتألق راسخة بفصاحته وقوة بيانه، منوهًا بأن من عاش في رحاب القرآن علا قدره، واستبان له أمره، إذ احتفى القرآن بسيرة سيدة ماجدة، وامرأة فاضلة، وفتاة عابدة قانتة، خلّد القرآن ذكرها في سورة سمّيت باسمها.

واستشهد بقول الله تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ" فقد زكّيت قبل ميلادها، وبزغ فجرها في بيت صلاحه متسلسل، واصطفاؤه مستحق، أثنى الإله عليه بقوله: "إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" فعمران والد مريم ابنة عمران أم موسى ابن مريم عليه السلام، ولهذا قال سبحانه " ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ".

وأضاف أن البيت الذي يضلّله الدين، ويضاء بالطاعة، ويحيا بالذكر ويدور مع الشرع حيث دار، بيتٌ كريمٌ، يخرج نباته طيباً، ويثمر بإذن ربّه ولو بعد حين، مبيناً أن امرأة عمران قبل الميلاد رسمت مستقبل ما في بطنها، وحدّدت له هدفاً سامياً في الحياة، فوصف القرآن نيّتها الصادقة حيث قالت تعالى "رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" مبيناً أن ذلك يعني أن الذي في بطني محرر لعبادتك، وحبسته على طاعتك، وخدمة قدسك، لا أشغله بشيء من الدنيا.

مفتاح الصلاح والإصلاح

ونبه إلى أن الدعاء للذرية أساس التربية، ومفتاح الصلاح والإصلاح، فلا يفتر لسان الوالدين عن اللهج به، ولا يغفل قلبهما عن استحضاره في كل وقت وحين، ومن الخطورة بمكان أن تخرج الأم عن طورها حال الغضب والانفعال فتدعو على الذرية بالهلاك وعدم التوفيق، فيوافق ذلك ساعة إجابة.

وأشار إلى أن امرأة عمران عليها السلام أحاطت النية الصادقة بدعاء خالص أن يتقبّل الله منها، فتقبّل الله دعاءها في مولودتها قال الله تعالى: (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا) ورسم لها ولفتاتها بل ولكل فتاة مسلمة معالم الطريق في الحياة، السعي لرضا الله، والنبات الحسن بكمال الأدب والعفّة والحشمة، والصحبة الصالحة التي تعين على الطاعة والعبادة.

وأفاد بأن القنوت والسجود والركوع هو من شكر المنعم الذي وهب لك الجمال، وجعلك مسلمة، ومتّعك بالصحة والعافية، وهو حصانة من منافذ إبليس وخطوات الشيطان، وهو موطن التكريم لمن رامت الكرامة، ومحراب العزة لمن ابتغت إلى ربّها سبيلاً، مشيرًا إلى أن الابتلاء سنّة الحياة.

ابتليت الصدّيقة مريم

وتابع: فقد ابتليت الصدّيقة مريم، فقد تنحّت واعتزلت عن قومها لتتفرغ للعبادة، فأرسل الله إليها جبريل فتمثّل لها في صورة رجل تام الخِلقة، بحسن فائق، وجمال رائق، فظهر منها الورع والعفاف، قالت إني استجير بالرحمن منك أن تنالني بسوء إن كنتَ تقياً، فقال لها، إنما أن رسول ربك لأهب لك غلاماً من غير أبٍ، علامة للناس تدل على قدرة الله تعالى.

ولفت إلى أنه أثنى الله عليها بقوله سبحانه: (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا)، منبهًا إلى أنه في أوج المواقف العصيبة والمحن يأتي الفرج ويمتد اللطف، مستشهداً بقول الله سبحانه: "فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ".

واستطرد: فنتصوّر حالها وقد وقع الأمر عليها أن تصبح حاملاً بلا زوج ولا مساس من رجل، حتى اضطرتها شدة الحال إلى تمني الموت "يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا"، محذرًا من اتهام الناس في أعراضهم وتصدير سوء الظن، وإصدار الأحكام قبل التثبّت، مبيناً أن ذلك إفكٌ وإيذاء بالغٌ، وبهتان محرّم، فقال تعالى " إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ".

ونوه بأن قصة مريم في موقفها العصيب تعلمنا درساً تاريخياً أن الصمت في بعض الأحيان أبلغ من الكلام، وأن السكوت أولى من النطق، وتعلمنا كراهة مجادلة السفهاء، فالسكون عن السفيه واجب، ومن أذلّ الناس، سفيهٌ لم يجد مسافهاً، مؤكدًا أن من كان مع الله لا يحزن، ومن حفظه الله لا يقلق، ومن أقبل على الله قرّت عينه، ومن عاش في رحاب الدين حماه الله، وضمن له السلامة وهناء العيش، فلا ترهق نفسك بالتفكير، فالله عنده حسن التدبير، ولا تحمل همّ المستقبل، فالأمر كله بيد الله".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد النبوي خطيب المسجد النبوي قصة مریم إلى أن ل الله

إقرأ أيضاً:

تأخير صلاة العشاء.. التوجيه النبوي وأبعاده الروحية|تفاصيل

أكد الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يستحب تأخير صلاة العشاء لما في ذلك من فوائد عظيمة تتعلق بالترتيب الروحي وتنظيم الوقت بما يعزز العبادة والتواصل مع الله.

 جاء هذا التأكيد خلال حديثه مع الإعلامي مهند السادات في برنامج "فتاوى الناس" المذاع على قناة الناس يوم الاثنين.

 التوجيه النبوي بتأخير صلاة العشاء

أوضح الشيخ أحمد وسام أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يفضل تأخير صلاة العشاء بحيث تكون الفترة بين العشاء والفجر فترة طويلة، مما يتيح فرصة أكبر للعبادة والتأمل. حيث إن الوقت الممتد بين العشاء والفجر يُعد من الأوقات المثالية للتواصل الروحي مع الله سبحانه وتعالى، مما يوفر للمسلم فرصة للتقرب والتأمل في ذكر الله.

الفوائد الروحية لتأخير صلاة العشاء

من خلال تأخير صلاة العشاء، يصبح المسلم أمام فترة طويلة بين العشاء والفجر، وهذه الفترة تكون مخصصة للعبادة والقيام والتهجد. وقال الشيخ أحمد وسام: "بدلاً من أن يكون وقت العشاء قريبًا من المغرب، مما يختصر الوقت بين الصلوات، كان النبي صلى الله عليه وسلم يفضل تأخير العشاء لفتح المجال لصلاة القيام". 

هذه المدة الطويلة بين العشاء والفجر تمنح المسلم وقتًا أكبر لتهدئة نفسه، وتمنحه فرصة للتواصل مع الله.

الصلاة كمصدر للراحة النفسية والتواصل مع الله

وأوضح الشيخ وسام أن معاني هذه التوجيهات النبوية تتعدى مجرد تحديد وقت الصلاة، بل هي تأكيد على أهمية الصلاة في حياة المسلم اليومية. حيث اعتبر أن الصلاة تمثل الاتصال المباشر بين العبد وربه، وهي مصدر رئيسي للراحة النفسية وحل المشكلات. وأشار إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أرحنا بها يا بلال"، حين كان يطلب الصلاة عند شعوره بالهم أو الحزن. فالصلاة بالنسبة للنبي ليست مجرد عبادة بل ملاذ للأرواح الباحثة عن السكينة والطمأنينة.

 دروس من التوجيه النبوي لتأخير الصلاةالتنظيم الروحي: تعطي هذه التوجيهات للمسلمين درسًا في تنظيم وقت العبادة بما يتيح لهم فرصة أكبر للتواصل مع الله، وبناء علاقة روحية ثابتة.الراحة النفسية: الصلاة تظل ملاذًا للشخص المؤمن لتهدئة النفس والتخلص من الضغوط اليومية.التأمل والتفكر: الفترة بين العشاء والفجر تُعد فرصة للتأمل في معاني الحياة والقيام بتلك العبادات التي تقوي العلاقة بالله.

مقالات مشابهة

  • تفسير رؤية المسجد النبوي في المنام
  • علي جمعة: الإيمان بالكتب السماوية هو الركن الثاني من أركان الإيمان
  • هل توجد ذنوب لا يغفرها الله؟.. احذر من 10 معاصي تغلق باب الرحمة
  • علماء أوقاف الفيوم: الإسراء والمعراج كانت تكريمًا إلهيًّا لنبينا وجبرًا لخاطره
  • تأخير صلاة العشاء.. التوجيه النبوي وأبعاده الروحية|تفاصيل
  • أمر يزيد طمأنينة النفس .. عالم بالأوقاف يكشف عنه
  • انطلاق فعاليات اليوم الأول من الأسبوع الثقافي بأوقاف الفيوم
  • ذروني أقتُلْ موسى
  • إلزام تلقي اللقاحات قبل 10 أيام من العمرة وزيارة المسجد النبوي
  • عاجل - إلزام تلقي اللقاحات قبل 10 أيام من العمرة وزيارة المسجد النبوي