خطيب المسجد الحرام: ليس كل أحد يحيا في هذه الدنيا حياة ذات قيمة
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
قال الشيخ الدكتور فيصل غزاوي، إمام وخطيب المسجد الحرام، إنه ليس كل أحد يحيا في هذه الدنيا حياةً ذاتَ قيمة؛ إذ هناك حياة خاصة حقيقٌ بالمرء أن يسعى إليها ليكون حيا حقا، وليجعل لحياته التي يعيشها معنى وأثرا.
ليس كل أحد يحياوأضاف " غزاوي" خلال خطبة الجمعة اليوم من المسجد الحرام بمكة المكرمة : فتعالوا عباد الله لنتعرف على هذه الحقيقة من خلال ما بين لنا ربنا عز وجل في محكم التنزيل والمعاني المستفادةِ من ذلك النداء القرآني الجليل ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ ٱللَّهَ یَحُولُ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِ وَأَنَّهُ إِلَیۡهِ تُحۡشَرُونَ﴾ أي: أجيبوا الرَّسول إذا دعاكم إلى ما فيه صلاحٌ لكم، وحياةٌ طيبةٌ نافعةٌ لأبدانِكم وأرواحِكم في الدُّنيا والآخرةِ، ويَدْخُلُ فِي ذلك كُلُّ أعْمالِ البِرِّ والطّاعَةِ .
واستند لما قال تعالى: ﴿مَن عَمِلَ صالحًا مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى وهو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ولَنَجْزِيَنَّهم أجْرَهم بِأحسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وبيّن تعالى أن من نَتائِج الإعْراضِ عَنْ ذِكْرِ الله الوَخِيمَةِ المَعِيشَةَ الضَّنْكَ فقال جل في علاه: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِى فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَومَ الْقيَامَة أَعْمَى﴾.
وأوضح أنه قال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر أقوال العلماء في معنى قوله: ﴿إذا دعاكم لما يحييكم﴾: "والآية تتناول هذا كله؛ فإن الإيمان والإسلام والقرآن والجهاد، يحيي القلوب الحياةَ الطيبة، وكمالُ الحياة في الجنة، والرسولُ داع إلى الإيمان وإلى الجنة، وهو داع إلى الحياة في الدنيا والآخرة.
ونبه إلى أن الإنسان مضطر إلى نوعين من الحياة، حياةِ بدنه التي بها يدرك النافعَ والضار ويؤثرُ ما ينفعه على ما يضره.. وحياةِ قلبِه وروحِه التي بها يميز بين الحق والباطل، والغي والرشاد، والهوى والضلال، منوهًا بأن حياة القلوب والأرواح لا تكون إلا بعبودية اللّه تعالى والاستجابةِ للوحي ولزومِ طاعة الله وطاعة رسوله على الدوام.
الإنسان مضطروأوصى قائلاً: فعلينا أن نستشعر دائما أن حياتنا الحقيقية إنما تكون في شرع ربنا ومنهجه وبما يدعونا إليه اللهُ والرسول من العلم والإيمان، وهذه هي الحياة النافعة التي تحصل بالاستجابة لله ولرسوله ظاهرا وباطنا، فَيَمْتَثِلُ العبد المَأْمُورَ بِهِ ويَجْتَنِبُ المَنهِيَّ عَنْهُ، فَيَئُولُ إلى الحَياتَيْنِ الطَّيِّبَتَيْنِ الدُّنْيَوِيَّةِ والأُخْرَوِيَّةِ.
وأشار إلى أن من لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له، وإن كانت له حياةٌ بهيمية مشتركة بينه وبين أرذل الحيوانات. ولاعجب فقد بين تعالى حال من جعل همَّه طولَ الحياة مع إعراضه عن عبودية ربه فقال سبحانه: ﴿ولَتَجِدَنَّهُمْ أحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ﴾ فهم أشد الناس حرصًا على الحياة مهما كانت مهينة ذليلة، وليس شرطا عندهم أن تكون حياة كريمة عزيزة.
وتابع: بل كيفما كانت، حتى لو عاشوا حياة الدواب والبهائم والأنعام، مقتصرين على شهوة البطن والفرج، فتعسا لهم! وبئس العيش عيشهم الذي يعيشون! ولسوف يندمون يوم لا ينفع مال ولا بنون؛ فقد أضاعوا أيام حياتهم الحقيقية التي سيجد الواحد منهم غب إضاعتها يوم يقول ﴿يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾.
وأفاد بأن في الاستِجابة لله والرسول حياةُ القلبِ والعقل، وحياةُ النفس والمُجتمع، وحياةُ الأمة كلِّها، ومما يستفاد من قوله تعالى: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱسۡتَجِیبُوا۟ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا یُحۡیِیكُمۡ﴾ ذلك أنَّهُ يَجِبُ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ إذا بَلَغَهُ قَوْلُ اللَّهِ أوْ قَوْلُ رَسُولِهِ في حُكْمٍ مِنَ الأحْكامِ الشَّرْعِيَّةِ أنْ يُبادِرَ إلى العَمَلِ بِهِ كائِنًا ما كانَ، ويَدَعَ ما خالَفَهُ مِنَ الرَّأْيِ وأقْوالِ الرِّجالِ، كما أن في هذه الآية الشريفة أعظم باعث على العمل بما جاء في الوحيين وعدم الاعتداد بما يخالف ما في الكتاب والسنة كائناً ما كان.
وبين أنه إذا استجاب المرء لله ولرسوله واهتدى بالقرآن وعمل بما فيه حصلت له الحياة الطيبة وكان على الهُدى والرشاد وإذا قام العبد بطاعة ربه وعبوديته مخلصا له فكل ما يجري عليه مما يكره يكون خيرا له، وإذا تخلى عن طاعته وعبوديته فكل ما هو فيه من محبوب هو شر له.
الحياةَ في رحاب الإيمانواستطرد : ما أجملَ الحياةَ في رحاب الإيمان! وما أطيبَ العيشَ في طاعة الرحمن! فالمستجيبون لله ولرسوله هم أهل الفلاح، وهم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياءَ الأبدان ولهذا كان أكملُ الناس حياةً أكملَهم استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ كلَّ ما دَعا إليه ففيه الحَياة، فمَن فاتَه جُزءٌ منه فاته جزءٌ من الحياة.
ولفت إلى أن فيه من الحَياة بحسَب ما استجَاب للرسول صلى الله عليه وسلم. وبهذا ينتقل المؤمن بِعِزِّ الإيمانِ والعِلْمِ عَنْ حالِ الكَفَرَةِ مِنَ الصَّمَمِ والبَكَمِ وعَدَمِ العَقْلِ الَّذِي هو المَوْتُ المَعْنَوِيُّ إلى الحَياةِ المَعْنَوِيَّةِ. فلا حياة ولا سعادة ولا طمأنينة إلا في الاستجابة لله وللرسول، ولا ضيق ولا كدر ولا ضنك في العيش إلا بالبعد عن شرع الله جل وعلا.
ونوه بأن هذا ما يفسر لنا تغيرَ حال من كان كافرا ميت القلب، مغمورًا في ظلمة الجهل؛ فهداه الله للحق، ووفقه للإيمان، وجعل قلبه حيا بعد موته، مُشرقا مُستنيرًا بعد ظلمته كما قال عز وجل: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ .
وواصل: فقد ذهب عنه بعد إسلامه ما كان يجده من القَلق والحَيرة الشديدة والضيق القاتل والكآبة والأمراض النفسية، وأصبح بعد استجابته للحق يشعر بقيمة حياته وسكون نفسه وصفاء روحه وسعادة قلبه، ويعرفُ مبدأه ومنتهاه وسِرَّ وجودهِ، وغايةَ خَلْقهِ، حتى إن منهم من يصف حاله بقوله: ولدت من جديد، وكذا من كان بعيدا عن الله من عصاة المسلمين عندما تاب وأناب وعاد إلى رشده وجد طعم الإيمان وأحس بلذة العبادة وأنس بذكر ربه، وهو يَعُدُّ تلك السنين التي عاشها في غفلة قبل التوبة قد ضاعت من عمره وذهبت من حياته سدى، وهكذا فكل داع إلى طاعة الله ورسوله فهو داع إلى الحياة الطيبة النافعة، وله مثل أجر من دعاه فاهتدى واستضاء بنور الوحي وصار بالإيمان حيا.
تزودوا ليوم الحَشْروأكد أن الضلال والشقاء متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر، والله سبحانه يجمع بين الهدى وانشراح الصدر والحياة الطيّبة وبين الضلال وضيق الصدر والمعيشة الضنك، فقال تعالى : ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ﴾ حيث أن فيه بيان أن قُدْرة الله وعلْمه وإِحاطته حائلةٌ بين المرء وقلبه، وهو القادِرُ عَلى الحَيْلُولَةِ بَيْنَه وبَيْنَ ما يَشْتَهِيهِ قَلْبُهُ وأنه سبحانه يحجُزُ بين العَبدِ وقَلبِه إذا شاء، فلا يستطيعُ المَرءُ أن يُدرِكَ ويعِيَ به شيئًا مِن حقٍّ أو باطلٍ، إلَّا بإذنِ اللهِ تعالى، فقُلوبُ العباد بِيَدِ خالِقِها سُبحانه، يُصَرِّفُها ويُقَلِّبُها كيف يشاءُ.
وحذر مِن تَرْكِ الاستجابةِ لِرَسولِه إذا دعانا لِما يُحيِينا أو أن نردَّ أمْرَ اللهِ حين يأتِينا، أو نتثاقلَ ونتباطَأَ عن الاستجابةِ له، فمن وقع في ذلك فإنه لا يأمن أن يحول الله بينه وبين قلبه؛ فلا يمكّنه بعد ذلك من الاستجابة إذا أرادها، عقوبةً له على تركها بعد وضوح الحق واستبانته، وأما ختام الآية وهو قوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ أي: واعلَمُوا -أيُّها المؤمنونَ- أنَّ إلى اللهِ تعالى مَصيرَكم ومَرجِعَكم يومَ القيامةِ، فتُجمَعون إليه وَحْدَه، فيُوفِّيكم جزاءَ أعمالِكم التي عملتموها في الدنيا؛ إنْ خَيرًا فخيرٌ، وإنْ شَرًّا فشَرٌّ.
ونصح المسلمين أن يعتبروا بمن فقد الاستجابة لله ولرسوله فمات قلبه وهلك -عياذا بالله- وأن يبادروا الطاعات، ويتزودوا ليوم الحَشْر، والمسارعة في فعل الخيرات والاجتهاد في العمل وعدم الاعتماد على ما يقع في قلوبنا من تأميل البقاء، وطول الأجل، وما أحوج العبد إلى أن يتدارك بالتوبة ما هو فيه من الإعراض والغفلة، وأن يحقق الاستجابة في فترة المهلة قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه ندم ولا حسرة.
وأكمل : وها نحن الآن في شهر رجب أحد الأشهر الحرم التي يجب أن نستشعر مكانتها ونراعي حرمتها، استجابة لأمر الله عز وجل إذ يقول: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ..﴾ قال قتادة رحمه الله: "إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظّم من أمره ما يشاء.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: إمام و خطيب المسجد الحرام خطيب المسجد الحرام خطبة الجمعة من الحرم المكي إلى الح داع إلى ما کان إلى أن
إقرأ أيضاً:
خطبتي الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
المناطق_واس
أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس المسلمين بتقوى الله عز وجل فهي جوهر الصيام وفحواه، ولُبه ومغزاه ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾
وقال فضيلته في خطبة الجمعة اليوم: لقد شرع الله تعالى الصيام ليجدِّدَ المسلم شِيَمَه التعبدية المحمودة، ويعاود انبعاثته في الخير المعهودة، فَيَتَرَقَّى في درجات الإيمان، وينعم بصفات أهل البِرِّ والإحسان، حيث لم يَقِف الشارعُ الحكيمُ عند مظاهر الصوم وصوره، بل عمد إلى سُمُو الروح ورقي النفس وحفظها وتزكية الجوارح، والصعود بها من الدرك المادي إلى آفاق السُّمُو والعلو الإيماني، لذا اختص الله عز وجل هذه العبادة دون سائر العبادات، كما في الصحيحين: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي به”.
أخبار قد تهمك محاريب المسجد النبوي لمسات معمارية إسلامية ميزتها النقوش والزخارف البديعة 14 مارس 2025 - 11:09 صباحًا بأحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.. مركز عمليات أمن المسجد الحرام يسهّل رحلة الإيمان 14 مارس 2025 - 12:27 صباحًاوأوضح أن هذه الأيام المباركة فرصة سانحة لمراجعة النفس وإصلاح العمل، ونبذ الخلافات والفُرقة، وتحكيم لغة العقل والحوار، والتعاون على البر والتقوى؛ بما يحمله هذا الشهر الكريم من دروسٍ عظيمة في التسابق في الخيرات والأعمال الصالحة، قال تعالى:﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾، قال الإمام ابن القيم: “وكان هديه عليه الصلاة والسلام فيه أكمل هدي، وأعظمه تحصيلًا للمقصود، وأسهله على النفوس، وكان من هديه، في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن، وكان يكثر فيه الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف، وكان يخصه بالعبادات ما لا يخص غيره”.
وخاطب الدكتور السديس الصائمين القائمين الباذلين: قائلًا ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، وكان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، “وكَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ” (متفق عليه)، فأكْثِروا من البذل والجود في الشَّهر المحمود، ألا فجودوا أيها الكرماء النبلاء، مما أفاض الله عليكم، وابسطوا بالنوال والعطاء الأيادي، لِتُبَدِّدُوا بذلك هموم المَدِينين، وعوَزَ المحتاجين، وخصاصة المكروبين، والإفراج عن المساجين الذين ينتظرون عطاءكم، ويتلهفون إلى بذلكم وإحسانكم: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال :” ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفًا” ، والناس بين موفق مرحوم، وممسك محروم ، فاجعلوا أيديكم ممدودة بالخير لنفع الغير وليكن عملكم الخيري تحت مظلة مأمونة، وجهات موثوقة، وما مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية ، ومنصة إحسان للعمل الخيري، إلا نماذج مُشْرِقة لمواقف هذه البلاد المباركة، وحِرْصِ ولاة أمرها على دعم الأعمال الإغاثية والإنسانية، وهنا يشاد بالحملة الوطنية للعمل الخيري عبر منصة إحسان، والدعم السخي من ولاة الأمر ـ حفظهم الله ـ ، وهو يجسد اهتمام هذه البلاد المباركة منذ تأسيسها في دعم العمل الخيري وتعزيزه، مما يُوجِب التأييد والمساندة، في أداء رسالتهما الدينية والتعليمية، والاجتماعية والإغاثية، والصحية والخيرية والإنسانية العالمية والحضارية. كما أن ذلك يَحُدُّ من ظاهرة التسول التي يتأذى منها السائل والمسئول، فهي ظاهرة السُّوء، بَادِيَة الأذَى، بريد الجريمة، وتُنَافِي العمل والسَّعْيَ الدؤوب، كما أنها تخالف الأنظمة المرعية، والآداب العامة، والسلوك الحضاري، وتُشَجع على الكسل والبطالة، وتشوه جماليات القيم في المجتمعات.
ونوه فضيلته أن ِنعْمَة العِبَادة والزُّلْفَى، إخراج الزكاة المفروضة والصَّدَقة، في هذه الأيام المباركات: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾، ويَا حَبَّذَا الإكثار مِن العطاء والنَّفَقَات، والعناية بالأوقاف والوصايا والمحافظ الوقفية في الأعمال الخيرية، لِتَمَيُّزها بالاستدامة والحوكمة، والشفافية والموثوقية، والاهتمام بما يحقق المصالح العامة؛ كالمشافي ومراكز علاج الكُلَى، وشق الطرق، وجود الإسكان، وحفر الآبار، وسقي الماء، ونشر العلم الذي ينتفع به؛ في التوحيد، ودعم حلقات القرآن، وتوريث المصاحف، وكتب السُّنة والأحكام، والصدقات الجارية، مما يحقق النفع العام، ومجالات التنمية، وأن يكون التُّجَّار والموسرين ورجال الأعمال قُدوة في ذلك ، وقد يكون إبداء الصدقة وإعلانها أفضل أحيانًا؛ للاقتداء والائتساء، مما يعظم أجره ويدوم أثره. ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾.
ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام إلى الإكثار من صالح الأعمال ورجاء القبول خلال هذه الأيام المباركة وأعقبوها شُكْر المنان الموصول؛ فبالرضا تفوزوا، وللنعمى تحوزوا فرمضان شهر النشاط والجِدِّ والعمل، شهر الانتصارات وتحقيق الإنجازات، ففي رمضان من العام الثاني الهجري انتصر المسلمون في أُولَى غزواتهم الكبرى، غزوة بدر، ثم تتابعت انتصارات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وكان كثيرٌ منها في هذا الشهر المبارك.
وحث فضيلته باستدراك مافات من الأعمال الجلائل والقِيَام والاعتكاف والابْتِهال والدعاء. فلا تزال الفُرْصَة سَانِحَة، والتّجَارة رَابِحَة، لِمَنْ بَدَّدَ أيَّام رَمضان وَفرَّقَهَا، وسلك بِنفسه طرائق التّفريط فَأَوْبَقَهَا.
كما أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي المسلمين بتقوى الله.
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن كمال الإنسان وعلو درجته لا يكون إلا بعبادة الله تعالى والإحسان إلى خلقه وأن صرف الشرور هو بأداء حق الله عليه ونفعه للعباد وأن مايلحقه من شر ومكروه هو بقدر ما ترك من عبادة الله وبقدر ما قصر في نفع الخلق قال تعالى (( وَٱلْمُؤْمِنُونَ ولمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )).
وأشار إلى أن الزكاة هي نفع مخصوص ومفروض على من تجب عليهم لمن تجب لهم قال جل من قائل (( كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ )).
وأوضح فضيلته أن من محاسن الإسلام أن جعل الزكاة ركنًا من أركان الإسلام تؤدى على وجه مخصوص ولطائفة مخصوصة من المسلمين لسد حاجتهم وهي جالبة للمودة والبركة مبعدة للحقد والغل مطهرة للقلب من البخل والشح وهي من أخطر ما تصاب به القلوب ففي الحديث ( اتَّقُوا الظُّلمَ ؛ فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ ، واتَّقُوا الشُّحَّ ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلكَ مَن كانَ قبلَكُم ، حملَهُم على أنْ سَفكُوا دِمائَهم ، واستَحَلُّوا مَحارِمَهم ).
وبين الحذيفي أن الزكاة تنفي عن المجتمع وحر الصدور وغلها والحقد وتشيع المودة والرحمة والتسامح بين الناس والتكافل، فالزكاة أوجبها الله على الأغنياء لترد على الفقراء فهي حق لله تعالى أمر أن تصرف للفقراء ولم يترك تحديد مقدارها لأحد ففي الحديث عن أبي هريرة (ما مِن صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها، إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ صُفِّحَتْ له صَفائِحُ مِن نارٍ، فَأُحْمِيَ عليها في نارِ جَهَنَّمَ، فيُكْوَى بها جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وظَهْرُهُ، كُلَّما بَرَدَتْ أُعِيدَتْ له، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ؛ إمَّا إلى الجَنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ. قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، فالإِبِلُ قالَ: ولا صاحِبُ إبِلٍ لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها -ومِنْ حَقِّها حَلَبُها يَومَ وِرْدِها- إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ بُطِحَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ أوْفَرَ ما كانَتْ، لا يَفْقِدُ مِنْها فَصِيلًا واحِدًا، تَطَؤُهُ بأَخْفافِها وتَعَضُّهُ بأَفْواهِها، كُلَّما مَرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخْراها، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ؛ إمَّا إلى الجَنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ. قِيلَ: يا رَسولَ اللهِ، فالْبَقَرُ والْغَنَمُ؟ قالَ: ولا صاحِبُ بَقَرٍ ولا غَنَمٍ لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها، إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ بُطِحَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ، لا يَفْقِدُ مِنْها شيئًا، ليْسَ فيها عَقْصاءُ، ولا جَلْحاءُ، ولا عَضْباءُ، تَنْطَحُهُ بقُرُونِها وتَطَؤُهُ بأَظْلافِها، كُلَّما مَرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخْراها، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ؛ إمَّا إلى الجَنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ. قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، فالْخَيْلُ قالَ: الخَيْلُ ثَلاثَةٌ: هي لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وهي لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وهي لِرَجُلٍ أجْرٌ؛ فأمَّا الَّتي هي له وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَها رِياءً وفَخْرًا ونِواءً علَى أهْلِ الإسْلامِ، فَهي له وِزْرٌ، وأَمَّا الَّتي هي له سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَها في سَبيلِ اللهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ في ظُهُورِها ولا رِقابِها، فَهي له سِتْرٌ، وأَمَّا الَّتي هي له أجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَها في سَبيلِ اللهِ لأَهْلِ الإسْلامِ في مَرْجٍ ورَوْضَةٍ، فَما أكَلَتْ مِن ذلكَ المَرْجِ أوِ الرَّوْضَةِ مِن شَيءٍ، إلَّا كُتِبَ له عَدَد ما أكَلَتْ حَسَناتٌ، وكُتِبَ له عَدَدَ أرْواثِها وأَبْوالِها حَسَناتٌ، ولا تَقْطَعُ طِوَلَها فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أوْ شَرَفَيْنِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له عَدَدَ آثارِها وأَرْواثِها حَسَناتٍ، ولا مَرَّ بها صاحِبُها علَى نَهْرٍ، فَشَرِبَتْ منه ولا يُرِيدُ أنْ يَسْقِيَها؛ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له عَدَدَ ما شَرِبَتْ حَسَناتٍ. قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، فالْحُمُرُ؟ قالَ: ما أُنْزِلَ عَلَيَّ في الحُمُرِ شَيءٌ، إلَّا هذِه الآيَةُ.
وفي الخطبة الثانية أوضح الحذيفي أن الإخلاص في العبادة والمداومة أوضح على الدعاء ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( الدعاء هو العبادة).
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف بالحث على إعطاء القرآن حقه من التلاوة والإكثار من النوافل والإحسان إلى الناس.