خدمات مصرفية وقروض بلا فوائد.. هل تقترب روسيا من العالم الإسلامي؟
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
في الأشهر القليلة الماضية، اتخذت روسيا قرارات مهمة توحي بأنّ طريق انفصالها عن الغرب، وتحديدا مع الولايات المتحدة الأمريكية، بات أقرب من أي وقت مضى، في مقابل اقترابها أكثر فأكثر من دول الشرق الأوسط والعرب والمسلمين.
لروسيا مآخذ كثيرة، قادتها فيما يبدو إلى هذا التحوّل، ومنها البحث عن شركاء جدد بدل الشركاء الاقتصاديين الغربيين الذين خذلوها وخذلوا الشعب الروسي في أعقاب "العملية العسكرية" في أوكرانيا التي ستنهي عامها الثاني قريبا، خصوصا بعد خروجهم من الأسواق الروسية، تنفيذا للعقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا، بدافع ممارسة المزيد من الضغوط على الكرملين.
ومن بين تلك الإجراءات الروسية المستحدثة؛ القطاع المصرفي الاسلامي، الذي يخدم الاقتصاد الروسي وتحديدا مصالح عدد من القوميات الروسية المسلمة، التي لطالما طالبت بخدمات مصرفية تتناسب مع تعاليم دينها الإسلامي وشريعته.
على مدى العقود الماضية، زاد عدد المسلمين في روسيا بشكل كبير، فزاد بطبيعة الحال انتشارهم وتوزّعهم على كامل الخريطة الروسية. يكشف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في تصريح حديث أنّ الدين الإسلامي في روسيا يشهد نهضة غير مسبوقة، ويقول: "قريبا سنكون (روسيا) دولة أغلب سكانها من المسلمين".
حتى في العاصمة الروسية موسكو، فإنّ المسلمين في طريقهم إلى أن يكونوا الأكثرية، حيث يمارسون التجارة والأعمال، ويندمجون ضمن المجتمع المحلي الروسي ويشكلون معهم النسيج المجتمعي، كما في بقية المدن الروسية الأخرى، والجمهوريات الإسلامية في عموم روسيا.
المسلمون الروس هم من كبار المستثمرين، ومستعدون للمشاركة في تطوير المشاريع والإسهام في دعم الاقتصاد الروسي. عدد كبير من هؤلاء لا يستخدمون المصارف، ويحتفظون بأموالهم في الخزائن الحديدة داخل مؤسساتهم أو في بيوتهم، فيخلقون من خلال ذلك "سوقا رمادية"، مبتعدين عن التعامل مع المصارف تماشيا مع معتقداتهم الدينية التي تحرّم الربا، وتحظر اقتراض الأموال بفوائد، مفضلين عدم الانخراض في القطاع المصرفي بأموالهم وأعمالهم إلّا بعد إدخال الخدمات المصرفية الإسلامية.. وهو ما قامت به روسيا بالفعل، بدافع زيادة الاستثمارات في الاقتصاد الروسي، وحض كل هؤلاء على الانخراط في العمل المصرفي باعتباره محفزا للاقتصاد.
ولدخول تلك الخدمات المصرفية الإسلامية الخدمة، منفعة كبيرة، إذ تسمح بـ:
1- تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارية مع الدول العربية والاسلامية.
2- جذب الاستثمارات الأجنبية من الدول العربية والإسلامية، وكذلك من دول جنوب شرق آسيا المسلمة، خصوصا بعد وضع الأطر التشريعية المناسبة لذلك.
وتبدو دول الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، التي تملك سيولة فائضة، أكثر رغبة في استثمار مواردها الكبيرة في الاقتصاد الروسي، ولهذا تنظر إليها روسيا على أنها "شريك مثاليّ محتمل"، يحل مكان الاستثمارات الغربية في سنوات المقبلة، بل ربما تتجاوز سابقاتها الغربية بكثير مع مرور الوقت.
أصبحت روسيا اليوم أكثر انفتاحا على أفكار الحضارة الشرقية، وعلى ما يبدو فإنّ موسكو تتطلع بشدّة إلى المزيد من التعاون. ولهذا بدأت البنوك الروسية بالتعامل وفق الشريعة الإسلامية منذ شهر أيلول/ سبتمبر 2023، فأطلقت اعتبارا من العام الجديد (2024) خدمات متعددة؛ منها بطاقات الائتمان التي يمكن أن تُستخدم مثل أي بطاقة ائتمانية، ولكن مع مراعاة الشريعة الإسلامية. تلك البطاقة مربوطة بحساب مصرفي، يُطلق عليه اسم "حساب أمان"، وهو عبارة عن حساب توفير يضع فيه العميل أمواله من دون خوف أو ريبة، ولا يحصل من خلالها على أرباح أو أموال ربوية.
أمّا الخدمات الأخرى فمتعددة، ومنها "قرض المرابحة"، وهو عملية تجارية إسلامية 100 في المئة، تُعتمد وفق الشريعة في التعامل، من دون تسجيل أي فائدة تراكمية على العميل، وهو يشبه "الشراكة" بين المصرف والعميل إلى حدّ كبير.
مؤخرا، بدأت المصارف الروسية بالعمل فعلا وفق هذا النهج الجديد، في أربع جمهوريات روسية، هي داغستان والشيشان وبشكيريا وتتارستان. وستكون الفترة المقبلة بمنزلة "فترة سماح" ربما تصل إلى سنتين، ليصار من بعدها إلى تقييم الوضع المصرفي الجيديد. وإذا كانت التجربة ناجحة، وهذا ما يتوقعه أغلب الخبراء الاقتصاديين الروس، فإنّها ستُعمّم لتشمل الأراضي الروسية كلّها بشكل اختياري، وسيصبح التعامل وفق الشريعة الإسلامية في كبرى المصارف الروسية أمرا ممكنا لمن يريد.
تثبت روسيا مرة جديدة، أنّ ثمة بدائل وحلول عن كل ما هو غربيّ، بل تثبت مرة جديدة أنّها قادرة على اتخاذ خطوات تدفعها قدما صوب العالم الشرقي أو الإسلامي بكل مشاربه، إن كان عربيا أو أعجميا.. فذلك ليس مستحيلا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه روسيا الخدمات المصرفية البنوك الشريعة الإسلامية روسيا بنوك الشريعة الإسلامية خدمات مصرفية سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاقتصاد الروسی
إقرأ أيضاً:
بوتين يحذر الدول التي تزود أوكرانيا بالسلاح ضد روسيا
حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الخميس من أن موسكو لا تستبعد ضرب الدول التي تستخدم أوكرانيا أسلحتها ضد الأراضي الروسية، وذلك بعدما ضربت كييف العمق الروسي مستخدمة صواريخ أميركية وبريطانية.
وقال بوتين -في خطاب بثه التلفزيون العام- إن "الصراع بدأ يأخذ طابعا عالميا".
وأضاف "نعتبر أن من حقنا استخدام أسلحتنا ضد المنشآت العسكرية العائدة إلى دول تجيز استخدام أسلحتها ضد منشآتنا، وفي حال تصاعد الأفعال العدوانية سنرد بقوة موازية".
كما أكد أن الهجوم الذي شنته بلاده اليوم على أوكرانيا جاء رد فعل على الضربات الأوكرانية لأراض روسية بصواريخ أميركية وبريطانية في وقت سابق من الأسبوع الجاري.
وأعلن أن روسيا سوف توجه تحذيرات مسبقة إذا شنت مزيدا من الهجمات باستخدام مثل هذه الصواريخ ضد أوكرانيا كي تتيح للمدنيين الإجلاء إلى أماكن آمنة، محذرا من أن أنظمة الدفاع الجوي الأميركية لن تكون قادرة على اعتراض الصواريخ الروسية.
عابر للقاراتواتهمت كييف في وقت سابق اليوم الخميس روسيا بإطلاق صاروخ عابر للقارات قادر على حمل رأس نووي على أراضيها، وهو أول استخدام لهذا السلاح ويشكل تصعيدا غير مسبوق للنزاع والتوترات بين روسيا والغرب.
وقال سلاح الجو الأوكراني في بيان إن القوات الروسية استخدمت الصاروخ في هجوم في الصباح الباكر على مدينة دنيبرو (وسط) شمل أنواعا عدة من الصواريخ واستهدف منشآت حيوية.
وقال مسؤول أميركي كبير إن موسكو "تسعى الى ترهيب أوكرانيا والدول التي تدعمها عبر استخدام هذا السلاح أو إلى لفت الانتباه، لكن ذلك لا يبدل المعطيات في هذا النزاع".
ويأتي الهجوم في وقت بلغت التوترات أعلى مستوياتها بين موسكو والغرب، مع اقتراب عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني المقبل، والتي ينظر إليها على أنها نقطة تحول.
وعلى الطرف المقابل، استخدمت أوكرانيا قبل أيام صواريخ أتاكمز الأميركية التي يبلغ مداها 300 كيلومتر، وذلك لأول مرة ضد منشأة عسكرية في منطقة بريانسك الروسية بعد حصولها على إذن من واشنطن.
كما أكدت موسكو أن أنظمة الدفاع الجوي لديها أسقطت صاروخين من طراز "ستورم شادو" (ظل العاصفة) بريطانية الصنع، و6 صواريخ أميركية من طراز هيمارس، و67 طائرة مسيرة.
وزودت دول غربية عدة كييف بصواريخ بعيدة المدى، لكنها لم تسمح باستخدامها على الأراضي الروسية خوفا من رد فعل موسكو.
وعززت روسيا تحذيراتها النووية في الأيام الأخيرة، وفي عقيدتها الجديدة بشأن استخدام الأسلحة النووية -التي أصبحت رسمية أول أمس الثلاثاء- يمكن لروسيا الآن استخدامها عند وقوع هجوم "ضخم" من قبل دولة غير نووية ولكن مدعومة بقوة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة.