الدوحة- طالبت السفيرة الفرنسية لدى سوريا بريجيت كرمي النظام السوري بتقديم تنازلات قيّمة للعمل على تسوية الأزمة السورية المندلعة منذ نحو 13 عاما، معتبرة أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتسوية الصراع، ومستبعدة تقديم "هدايا مجانية لحكومة دمشق التي غابت عنها الإرادة الصادقة لحل الصراع".

وقالت في حوار مع الجزيرة نت إن تعنت النظام السوري أدى إلى وصول كافة محاولات التطبيع التي أجريت العام الماضي إلى طريق مسدود، سواء من خلال إعادة إشراك دمشق في الجامعة العربية أو محاولة التقارب مع أنقرة أو المناقشات التي أجريت بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري.

وأوضحت السفيرة الفرنسية غير المقيمة في سوريا أن موقف باريس تجاه دمشق لم يتغير، وأنه لا تطبيع أو رفع للعقوبات أو إعادة إعمار دون عملية سياسية شاملة ذات مصداقية، مما يعني ضرورة تقديم النظام السوري تنازلات ملموسة.

وأكدت أن الوضع القائم على الأرض يظهر بشكل جلي أنه لا يمكن تسوية هذا الصراع عسكريا، وأن الحل السياسي وحده الذي سيحقق السلام الدائم في سوريا.

وأضافت أن سوريا تعاني من تداعيات الصراع الدائر في قطاع غزة، مما يزيد خطورة وصول الصراع إليها، محذرة من أن فتح جبهة جديدة مع إسرائيل في سوريا من شأنه أن يزيد زعزعة استقرار البلاد.

وفي ما يلي نص الحوار..

السفيرة الفرنسية لدى سوريا: تعنت النظام أدى إلى وصول كافة محاولات التطبيع مع دمشق إلى طريق مسدود (الأناضول) بعد سنوات من الحرب في سوريا، هل تعتقدين أن فرصة إحداث تغيير حقيقي فيها أصبحت صعبة؟ ولماذا؟

بعد مرور 13 سنة على الصراع في سوريا والجبهات هادئة نسبيا منذ عام 2020، نواجه الآن خيارا مستحيلا، فإما المضي قدما نحو التطبيع دون القيام بأي تنازلات أولية أو القبول بالوضع الراهن، ولا يشكل أي من هذين الخيارين حلا مقبولا.

لقد أدى تعنت النظام إلى وصول كافة محاولات التطبيع التي أجريت في عام 2023 إلى طريق مسدود، سواء من خلال إعادة إشراك سوريا في الجامعة العربية في مايو/أيار الماضي أو بمحاولة التقارب التي تمت بين أنقرة ودمشق، أو بالمناقشات بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري.

وباءت هذه المحاولات بالفشل تباعا في ظل غياب أي إرادة لدى النظام للتسوية، وهو ما أدى إلى تعزيز قناعتنا بأنه لا فائدة من تقديم الهدايا له قبل قيامه بأي تنازل ذي قيمة.

كما أن الوضع الراهن ليس حلا قابلا للاستمرار أيضا، فقد شهدت سوريا مؤخرا أسوأ تصعيد عسكري لها منذ 4 سنوات مع ارتفاع حدة التوتر والعنف في أرجاء البلاد كافة، كما أن الوضع الإنساني أليم وظروف السوريين المعيشية تستمر بالتدهور.

وبالتالي، فإن ترك الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى زيادة حدة عدم الاستقرار، ليس في سوريا فحسب وإنما في المنطقة بأكملها، كما أن الأزمة الحالية في غزة تظهر كيف يمكن للأزمات "المجمدة" أن تنفجر في أي وقت في حال لم تتم معالجة جذور الصراع.

يتعين علينا أن نعمل معا لإيجاد مسار ثالث، فالوضع القائم على الأرض وتوازن القوى بين مختلف الأطراف يظهران بشكل جلي أنه لا يمكن تسوية هذا الصراع عسكريا، فالحل السياسي وحده هو الذي سيحقق السلام الدائم في سوريا ويسمح للسوريين بالعيش في أمان وكرامة.

ندعو المجتمع الدولي برمته إلى عدم التغاضي عن الصراع القائم في سوريا بذريعة أنه "مجمد"، لأن الأمر ليس كذلك، فالحرب لا تزال مستمرة في البلاد مثلما يظهر من التصعيد العسكري، كما أن الحد من عملنا على إدارة الأزمات في سوريا قد يؤدي إلى تأجيج الصراع المحتدم في المستقبل.

هل تعتقدين أن دمشق منفتحة على الحلول السياسية؟

لا يزال الوضع القائم على الأرض يطلعنا على الحقيقة عينها منذ أكثر من عقد من الزمان، فالحل السياسي هو السبيل الوحيد لسلام واستقرار دائمين في سوريا والمنطقة.

نحن نعلم أن النظام لم يحرك ساكنا في هذه القضية ولم يشارك قط في العملية السياسية بنية حسنة، لكن الانقسام المستمر في البلاد والاحتجاجات المتواصلة في السويداء والسخط المتزايد بين السكان العلويين تذكرنا بأن موقف دمشق لا يمكنه أن يدوم، وأنه لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار.

مرة أخرى أظهر النظام تعنته في سياق إعادة إشراك سوريا في الجامعة العربية، إذ إن دمشق لم تقدم أي تنازلات لنظرائها العرب، بل على العكس زاد معدل تهريب الكبتاغون بتواطؤ من النظام وجيشه، مما يحول البلاد إلى دولة مخدرات.

ولا تزال شروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة لـ6 ملايين لاجئ سوري و6 ملايين نازح داخليا غير مستوفاة، بسبب عدم رغبة النظام في تقديم ضمانات لحماية العائدين.

يتعين علينا أن نستمر في العمل للتوصل إلى حل سياسي للصراع، لأنه السبيل الوحيد لدفع النظام إلى تغيير سلوكه، ونحن حريصون على مواصلة حوارنا مع مجموعة الاتصال العربية في هذا الاتجاه.

كيف ترين وضع حقوق الإنسان في سوريا؟ وهل هناك إحصائيات عن أعداد النازحين والمعتقلين والوفيات؟

الصراع في سوريا كان مميتا ودفع المدنيون ثمنه باهظا، إذ أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 500 ألف شخص، ووفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد شهد العام الماضي وحده مقتل نحو 4360 شخصا، بينهم 1889 مدنيا، مما يدل على أن الحرب لم تنته بعد.

ولا تزال تسجل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في سوريا، وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان تم توقيف أكثر من 112 ألف شخص منذ مارس/آذار 2011، وهم ما زالوا في عداد المفقودين، ومن بينهم 3105 أطفال و6698 امرأة، كما وثقت الأمم المتحدة أعمال العنف التي تم ارتكابها بحق المدنيين.

تضاف إلى ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها استخدام النظام المنهجي للتعذيب والعنف الجنسي ضد النساء والأطفال والرجال في السجون الخاضعة لسيطرته، ووثق عدد كبير من المنظمات غير الحكومية الانتهاكات التي سجلت في سوريا منذ العام 2011، وجمعت الأدلة والبيانات ذات الصلة.

لقد أجبر السوريون على الهروب من منازلهم بسبب الحرب الدائرة في سوريا والتهديدات بالخطف التي أطلقها النظام، إذ إن قرابة 12 مليون سوري -أي نصف سكان البلاد- أُجبروا على مغادرة أماكن إقامتهم الأصلية بسبب الصراع، كما فر نصف هذا العدد ولجؤوا إلى خارج سوريا، ولا سيما في الدول المجاورة.

أما في ما يخص الستة ملايين الآخرين فقد نزحوا داخليا، وفي معظم الأحيان أكثر من مرة، واستغل النظام فرصة مغادرتهم البلاد لتطبيق نظام يسمح له بالاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم، والتالي إعاقة حقهم في العودة إلى ديارهم.

وبعد مرور هذه الحقبة الزمنية من الصراع لا تزال الفجوة كبيرة بين الفظائع الجماعية التي تم ارتكابها في سوريا ومحاسبة مرتكبي تلك الجرائم، ولطالما التزمت فرنسا بمكافحة الإفلات من العقاب، ونحن مصممون على البحث في كافة السبل التي تضمن المساءلة عن هذه الجرائم.

كما ندعم بقوة عمل لجنة التحقيق والآلية الدولية المستقلة والمحايدة، ونرحب بالمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا التي أنشئت في يونيو/حزيران 2023 للبحث في مصير المفقودين في سوريا وتقديم الدعم المناسب للضحايا وللناجين ولأسر المفقودين.

ذكرتم خلال مشاركتكم في منتدى الدوحة أن بدائل نظام الأسد متاحة ويمكنكم المساعدة في إيجادها، ما تفسير ذلك؟ وهل لدى فرنسا قناة حوار مع المعارضة السورية؟

ما هو أكيد أنه لن يتم بناء مستقبل سوريا دون السوريين، ولهذا السبب فإن فرنسا تدعم المعارضة السورية التي نجري معها حوارا بشكل دائم، وقد التقيت في باريس في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بوفد من الائتلاف الوطني السوري برئاسة رئيسه الجديد هادي البحرة.

نحن ندعم جميع السوريين الذين ناضلوا للعيش بكرامة، وقد اتخذ نضالهم أشكالا مختلفة، فأتى طورا على شكل حركات وتجمعات احتجاجية مثل المظاهرات التي حصلت مؤخرا في السويداء ودرعا، وتارة بإنشاء منتديات جديدة لجمع القوى الدافعة السورية أينما كانت.

وجميع هذه المبادرات تظهر أن السوريين لم يتنازلوا عن مطلبهم بالعيش في سلام وكرامة، وفرنسا تقف إلى جانبهم في سعيهم هذا.

إن السوريين كافة -سواء كانوا لا يزالون يعيشون في سوريا أو أولئك الذين أجبروا على مغادرتها- يتمتعون بالوسائل الضرورية التي تمكنهم من إعادة بناء سوريا حرة حيث الكرامة والسلام طالما أن الحل السياسي يمنحهم المساحة لتحقيق ذلك، ويتعين علينا أن ندعم كل هذه القوى الدافعة التي تمثل الأمل الحقيقي لمستقبل سوريا.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد في أغسطس/آب الماضي رفضه إعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي قبل بذل الجهود لمكافحة الجماعات الإرهابية وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فهل يتعارض هذا مع نهج الحديث عن بدائل للأسد؟

موقف فرنسا تجاه سوريا لم يتغير، وهو يتوافق مع موقف الاتحاد الأوروبي، وهو واضح لا لبس فيه، ولا تطبيع ولا رفع للعقوبات ولا إعادة إعمار دون عملية سياسية شاملة ذات مصداقية، وهو ما يعني ضرورة تقديم النظام السوري تنازلات ملموسة ومؤكدة.

يرتكز عمل باريس على محاور وأولويات عدة، من بينها تعزيز الحل السياسي للصراع عبر توفيرنا الدعم للجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، ومكافحة الإفلات من العقاب، كما تهدف فرنسا -إلى جانب شركائها في التحالف الدولي في الحرب ضد داعش– إلى مواصلة مكافحتها للإرهاب.

تدعم باريس السكان المدنيين السوريين، سواء كانوا داخل سوريا أو خارجها، كما كان التزامها المالي بالمساعدات الإنسانية في سوريا ثابتا، وهو لا يزال يشكل ثاني أكبر ميزانية لعملنا الإنساني، نحن نؤمن بأن مساعدة الشعب السوري اليوم هي مساعدة سوريا غدا، وهذا ما يدفعنا إلى دعم مبادرات المجتمع المدني السوري داخلها أو في البلدان المضيفة أو في الشتات.

هل للحرب في غزة تداعيات على الأزمة السورية؟ وما مدى إمكانية اتساع رقعة الصراع؟

من الواضح أن للسياقين الإقليمي والدولي انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على سوريا، تعاني سوريا اليوم من تداعيات الصراع الدائر في غزة، وهو ما يزيد خطورة وصول الصراع إلى الساحة السورية، ففتح جبهة جديدة مع إسرائيل في سوريا سيزيد زعزعة استقرار البلاد، وسيكون الشعب السوري مرة أخرى أول ضحايا هذا الأمر.

كما أن العدد المتزايد للأزمات حول العالم يهدد بتعميق الكلل الدولي القائم في ما يتعلق بسوريا، ومع ذلك فإن من المهم جدا أن يستمر المانحون الدوليون في توفير التمويل اللازم لمواجهة الوضع الإنساني القائم في كافة أرجاء سوريا.

وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية اتجه اهتمام المجتمع الدولي نحو الأزمة في غزة، لكن ينبغي ألا نشيح النظر بعيدا عن الوضع في سوريا، فاليوم وأكثر من أي وقت مضى من المهم أن نبقى متأهبين بشأن الأزمة السورية للتوصل إلى حل سياسي للصراع.

وفي الواقع، إن ما حدث في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي والحرب التي تلته يثبت مرة أخرى أن الصراعات التي تعتبر "مجمدة" إنما هي قنابل موقوتة ومصدر تهديد دائم ما لم تتم معالجة أسبابها الجذرية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: النظام السوری الحل السیاسی فی سوریا لا تزال أنه لا فی غزة کما أن

إقرأ أيضاً:

انهيار النظام السوري: وثائق استخباراتية تكشف ضعف الجيش وتداعيات الهجوم المفاجئ

نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرًا يسلط الضوء على الانهيار السريع للنظام السوري في نهاية 2024 من خلال وثائق سرية كانت في مقر الفرع 215 للاستخبارات العسكرية في دمشق.

وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن تقريرًا من خمس صفحات وصل إلى مكتب ضباط المخابرات العسكرية في دمشق بعد أيام من دحر الثوار للجيش السوري من مدينة رئيسية في الشمال، وكان التقرير يحمل تفاصيل مقلقة. فقد أُجبرت قوات النخبة التي أُرسلت لتعزيز دفاعات حلب على الانسحاب "بطريقة جنونية وفوضوية" حيث وفرّ الجنود "بطريقة هستيرية" تاركين وراءهم الأسلحة والآليات العسكرية، وذلك وفقًا لتقرير صدر عن ضابط رفيع المستوى في الاستخبارات العسكرية في المدينة بتاريخ 2 كانون الأول/ديسمبر.

بحلول ذلك الوقت، كان مقاتلو هيئة تحرير الشام قد وضعوا المدينة الثانية نصب أعينهم، ومع تقدمهم توالت التقارير التي وصلت إلى المقر الخرساني المكون من ثمانية طوابق للفرع 215 - وهو جزء مرهوب من جهاز الأمن الواسع للديكتاتور السوري بشار الأسد - وتضمنت التقارير تفاصيل عن سرعة واتجاه تقدم الثوار، وخطط وأوامر محمومة تهدف إلى إبطاء تقدمهم.



ذكرت الصحيفة أنه بينما كانت هيئة تحرير الشام تتقدم بسرعة في جميع أنحاء سوريا، قللت الحكومة في تصريحاتها العلنية من حجم تقدم الثوار وسعت إلى بث جو من الثقة لكن الاتصالات الداخلية بين القوات التي تحاول حماية النظام اتسمت بالقلق المتصاعد. وفي نهاية المطاف، تخلى ضباط الفرع 215 عن مواقعهم أيضًا تاركين وراءهم كومة من الأزياء الرسمية والأسلحة والذخائر إلى جانب زجاجات الويسكي الفارغة والسجائر المطفأة ورزم من تقارير المخابرات.

وأشارت الصحيفة إلى أن النجاح المفاجئ لهجوم هيئة تحرير الشام والانهيار المذهل لجيش النظام مثّلا فشلًا استخباراتيًا ذريعًا داخل سوريا وخارجها، حيث ساد اعتقاد بأن الأسد قد انتصر بعد 13 سنة من الحرب الأهلية. لكن هذا كله تغير في تشرين الثاني/نوفمبر عندما لاحظ قادة هيئة تحرير الشام أن إيران وحزب الله وآخرين ممن يساعدون في الدفاع عن الأسد يواجهون انتكاسات كبيرة، وأن روسيا منشغلة بحربها في أوكرانيا، شنت هيئة تحرير الشام هجومًا مفاجئًا وتقدمت بسرعة نحو حلب. ومع اقتراب المتمردين من المدينة في 28 تشرين الثاني/نوفمبر، صدر تعميم من مقر القيادة إلى جميع فروع جهاز المخابرات هناك برفع الجاهزية القتالية، وتعليق الإجازات حتى إشعار آخر، وبعد يومين كان الثوار داخل المدينة.

أوضحت الصحيفة أن التعميم الذي يوثّق انهيار الجيش يبدأ بالإشارة إلى وصول طائرة نقل عسكرية من دمشق وعلى متنها 250 عنصرًا من المخابرات العسكرية، بمن فيهم عناصر من الفرع 215، مسلحين بقذائف صاروخية ورشاشات ثقيلة في محاولة أخيرة للسيطرة على المدينة. وفي غضون ساعات من انتشارهم في 29 تشرين الثاني/نوفمبر تعرّضوا لهجوم من طائرات مسيّرة.

قال العميد نيكولاس موسى، ضابط المخابرات الذي كتب التقرير، إن الجهود المتكرّرة لحشد وحدات الجيش باءت بالفشل مع فرار الجنود وتركهم للأسلحة والمركبات العسكرية وأضاف أن نقص الدعم الجوي والغطاء المدفعي زاد من حالة الذعر. وفي لغة صريحة غير معتادة، لفت التقرير الانتباه إلى فساد جيش الأسد. ورد في التقرير أن فشل القيادة العسكرية أدى إلى "تراخٍ" في الصفوف وخروقات أمنية، وقال التقرير إنه تم تسريب معلومات حرجة حول مواقع القوات أثناء الهجوم، وأن "الضباط والأفراد انصرفوا إلى الاهتمامات والملذات المادية"، ولجأ أفراد الجيش إلى "أساليب غير قانونية" لإصلاح المعدات وتأمين معيشتهم، متذرعين بنقص الموارد والوضع الاقتصادي المتردي. 

وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التشخيص يؤكد ما لاحظه المحللون لسنوات، فمع الدمار الذي لحق بالاقتصاد بسبب الحرب والعقوبات، سرّح الأسد بعض الجنود، وخفض مخصصات المجندين، وأصبح يعتمد بشكل كبير على الميليشيات المحلية والمقاتلين الأجانب الذين حشدتهم إيران، وكان التضخم قد أدى إلى تآكل قيمة رواتب الجنود النظاميين، واستشرى الفساد.

وقد أوضح سقوط حلب أن هجوم الثوار شكّل تحديًا خطيرًا لقبضة الأسد على السلطة. وحذّر تقرير في 30 تشرين الثاني/نوفمبر من وجود اتصالات وتنسيق بين الجماعات في شمال سوريا والخلايا النائمة في المنطقة الجنوبية ومحيط دمشق، ودعا إلى تشديد المراقبة والإجراءات الأمنية. وصدرت الأوامر للفرع 215 بنشر وحدات الرد السريع المسلحة على أبواب العاصمة.

وبعد الاستيلاء على حلب، شن الثوار هجومًا على مدينة حماة مهددين بذلك المدينة التالية في سلسلة المدن التي كانت في قلب استراتيجية الأسد للتمسك بالسلطة حتى مع تنازله عن السيطرة على أجزاء أخرى من البلاد. ومع تقدم الثوار، اقترح أحد التقارير الاستخباراتية أن يشن الجيش السوري هجومًا مباغتًا على الجبهة الخلفية لهيئة تحرير الشام مستهدفًا قاعدتهم القريبة في إدلب ومستفيدًا من دفاعاتها المتفرقة. وذكر التقرير أن هذه العملية يمكن أن تثير الفوضى وتخفف الضغط على القوات السورية حول حماة، ولكن يبدو أنه لم يتم اتخاذ مثل هذا الإجراء.

حذّرت التقارير من تنكر الثوار في زي قوات النظام من خلال حمل صور الأسد ورفع العلم السوري، وحذرت تقارير أخرى من أن الثوار يفخخون سيارات الإسعاف بالمتفجرات، وحذر أحدها في 4 كانون الأول/ديسمبر من أن كتائب النخبة الحمراء التابعة لهيئة تحرير الشام ستتسلل إلى حماة في تلك الليلة. استولى الثوار على المدينة في اليوم التالي، وكان هذا الانتصار نقطة تحوّل، إذ لم يبق بين الثوار والعاصمة سوى مركز سكاني رئيسي واحد هو حمص. وفي هذه الأثناء، انضمت جماعات متمردة أخرى من جميع أنحاء البلاد إلى القتال؛ حيث اندفعت جماعات المعارضة من الجنوب شمالاً نحو دمشق.

مع ضغط الثوار، ركزت أجهزة الاستخبارات بشكل متزايد على الأمن في العاصمة، وانشغلت حتى بما بدا وكأنه تفاصيل صغيرة. وقد أفاد أحد فروع المخابرات بأن عدة أفراد انتقلوا مؤخراً من الأراضي التي يسيطر عليها الثوار في الشمال الغربي إلى إحدى ضواحي دمشق، محذرًا من أنهم قد يكونون خلايا نائمة. ووفقًا لتقرير آخر، أصدرت هيئة تحرير الشام تعليمات إلى عملائها في ريف دمشق بالاستعداد لتفعيل نشاطهم.

وأضافت الصحيفة أن البعض داخل النظام حاول حشد القوات للدفاع عن العاصمة حيث صدر أمر في منتصف ليلة 5 كانون الأول/ديسمبر باسم الرئيس يأمر وحدة مدرعة بالعودة إلى دمشق من دير الزور في الشرق. ومع اقتراب الثوار، قدم المخبرون طوفانًا من المعلومات الاستخباراتية عن مكان وجودهم المفترض. حدد أحدهم مزرعة دجاج فيها 20 "إرهابيًا" ودبابتين، وقال مصدر آخر إن هيئة تحرير الشام تستخدم كهفاً في ريف إدلب كمقر لها.

وأشارت الصحيفة إلى تزايد الخوف من التدخل الأجنبي مع ضعف قبضة النظام. فقد حذّر فرع فلسطين التابع لأجهزة المخابرات، المعروف بين السوريين بتعذيبه للمعتقلين، من أن الإرهابيين قرب الحدود السورية مع إسرائيل يعتزمون شن هجوم "بدعم من العدو الصهيوني". وأبلغ مصدر في صفوف الثوار المدعومين من الولايات المتحدة والمتمركزين بالقرب من الحدود الأردنية المخابرات السورية بأن الولايات المتحدة أصدرت تعليمات لهم بالتقدم نحو ريف درعا الشرقي ومدينة تدمر التاريخية، وذلك وفقاً لتقرير أرسل في 5 كانون الأول/ديسمبر.

وكانت القوات التركية ترافق شاحنات محملة بالعتاد والأسلحة الثقيلة عبر الحدود إلى قاعدة المتمردين السوريين في إدلب، وفقاً لمصدر يحمل الاسم الرمزي "بي دي 2-01". وبينما كان الثوار يتقدمون من الشمال، كانت جماعات المعارضة المسلحة الأخرى تقترب من الجنوب. وجاء في تقرير أرسل إلى غرفة العمليات أن مجموعات صغيرة تستقل دراجات نارية سيطرت على نقاط تفتيش عسكرية، واستولت على عربة مشاة قتالية ومركبتين مزودتين برشاشات ثقيلة.

ونقلت الصحيفة عن ضابط مخابرات متمركز في درعا أنه كان هناك اضطراب متزايد مع تدفق التقارير حول المكاسب التي حققها الثوار، وأضاف أنه حتى قبل الهجوم كانت سيطرة النظام على الجنوب ضعيفة ولم تكن نقاط التفتيش العسكرية والمواقع الأمامية أكثر من مجرد بيان رمزي لوجود النظام ومصدر دخل للعناصر الذين يمكنهم الحصول على رشاوى لتكملة رواتبهم الضئيلة.



واستمر الجيش في الانهيار حيث قال ضابط الصف الأول أحمد الرواشدة، الذي كانت وحدته تدير محطة تشويش روسية الصنع على خط الجبهة بالقرب من حمص: "أراد الجميع الفرار، حتى الضباط"؛ فبعد ست سنوات من الخدمة الإلزامية، قال إنه لم يكن لديه اهتمام كبير بإطاعة الأوامر بالقتال. وانتظر الجندي البالغ من العمر 37 سنة غروب الشمس ثم تجرّد من زيه العسكري وبندقيته وانضم إلى مجموعة من الجنود الآخرين الذين ذهبوا للاختباء في قرية قريبة حتى انتهاء القتال.

وقبل أيام فقط من سقوط دمشق، كانت هناك أوامر بتحريك القوات والمعدات لمواصلة القتال، وكان من المقرر أن تنقل الفرقة الثالثة للدبابات 400 بندقية آلية و800 مخزن ذخيرة و24 ألف طلقة إلى كتيبة في منطقة طرطوس على الساحل حيث توجد قاعدة بحرية روسية رئيسية ومعقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها آل الأسد. وكان من المقرر أن تغادر التعزيزات إلى قاعدة الفرقة 14 غرب دمشق في منتصف نهار يوم 7 كانون الأول/ديسمبر.

وفي عشية انهيار النظام، أشار تقرير تم حجب اسم مصدره إلى اقتراب الثوار المتوقع من دمشق، وتوقع وصولهم إلى الضواحي خلال يومين والسيطرة على سجن صيدنايا؛ حيث كان المعارضون السياسيون مسجونين ومعذبين. كان التوقيت خاطئًا، لكن التنبؤ الأخير كان صائبًا إذ فقد اقتحمت قوات الثوار السجن وحررت المعتقلين بعد ساعات من هروب الأسد من البلاد.

مقالات مشابهة

  • مجزرة في حماة وتصعيد أمنى في سوريا وسط غموض حول المنفذين
  • الحزب الشيوعي العراقي ينتقد قرار الحكومة السورية بحل الحزب في البلاد
  • الرئيس السوري أحمد الشرع يتوجه للسعودية الأحد في أول زيارة خارجية
  • المرشح الرئاسي في رومانيا يؤكد أن سياسات كييف تؤجج الصراع
  • مقتل عنصر من الأمن السوري في اللاذقية جراء كمين من فلول النظام
  • انهيار النظام السوري: وثائق استخباراتية تكشف ضعف الجيش وتداعيات الهجوم المفاجئ
  • بعد انسحاب فرنسا.. كل ما تريد معرفته عن قاعدة كوسي الجوية في نجامينا
  • اعتقال عاطف نجيب ابن خالة الأسد.. تسبب بانفجار الثورة السورية
  • للمرة الأولى بعد انتصار الثورة وسقوط النظام… الفرقة السيمفونية السورية تعزف لشهداء سوريا ولمجدها
  • العلاقات الروسية السورية.. أبعاد تاريخية واستراتيجية لسورية الموحدة