فوضى الإفتاء: سوق الحلال والحرام؟
تاريخ النشر: 19th, January 2024 GMT
إعداد: ميسلون نصار تابِع
أرضعي زميلك في العمل، عاشر زوجتك الميتة، احذري من لمس الخيار والموز والجزر وكلوا لحم الجن فهو حلال، بعيدا عن فتاوى القتل والتكفير، فتاوى أخرى تصدم البعض وتثير سخرية آخرين، لتطرح سؤالا جديا حول جدواها في هذا العصر، فوضى الإفتاء، من يغذيها؟ من يتبعها؟ ومن يستفيد منها؟
لقراءة المزيد حول نفس المواضيع: فتوى دينية تطرف إسلاميون آخر الحلقات.. ولكن؟
© 2024 فرانس 24 - جميع الحقوق محفوظة. لا تتحمل فرانس 24 مسؤولية ما تتضمنه المواقع الأخرى. عدد الزيارات معتمد من .ACPM/OJDACPM / OJD
الرئيسية البرامج مباشر الأخبار الأخبار القائمة القائمة الصفحة غير متوفرةالمحتوى الذي تريدون تصفحه لم يعد في الخدمة أو غير متوفر حاليا.
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: كأس الأمم الأفريقية 2024 الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا ريبورتاج تطرف إسلاميون كرة القدم كأس الأمم الأفريقية 2024 ساحل العاج للمزيد منتخب المغرب الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا فرانس 24
إقرأ أيضاً:
أزمة إنتاج النخب الثقافية: فوضى المشهد وانعكاساته على الوعي المجتمعي
#سواليف
أزمة إنتاج #النخب_الثقافية: فوضى المشهد وانعكاساته على #الوعي_المجتمعي
الشاعر #أحمد_طناش_شطناوي
رئيس فرع رابطة الكتاب الأردنيين / إربد
لطالما شكّلت النخب الثقافية رافعة أساسية في بناء المجتمعات، إذ تضطلع بدور جوهري في تشكيل الوعي الجمعي، وتعزيز الهوية الوطنية، وتوجيه الرأي العام نحو قضايا فكرية وثقافية تعكس قيم المجتمع وتطلعاته.
ومع ذلك، يشهد المشهد الثقافي الأردني أزمة حقيقية في إنتاج نخب ثقافية قادرة على قيادة هذا الدور، وصياغة مشروع ثقافي وطني قادر على رسم خارطة طريق واضحة المعالم للهوية الوطنية ومآلاتها، خصوصا في ظل الأزمات التي تعصف بالمنطقة.
إن طغيان الفوضى الثقافية على الساحة، أفرز حالة من التشظي الفكري، وأسهم في تراجع مستوى الخطاب الثقافي، وانحسار دور المثقف الحقيقي أمام موجة من الرموز الثقافية المصطنعة التي تفتقر إلى العمق والإنتاج المعرفي الحقيقي.
ولا شك أن هذه الأزمة تعود إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، أبرزها تراجع دور المؤسسات الثقافية الرسمية والمدنية في تبني ورعاية المواهب الفكرية، حيث باتت هذه المؤسسات أقرب إلى كيانات شكلية تفتقد الرؤية والاستراتيجية، فبدلاً من أن تكون مراكز لإثراء الفكر والإبداع، أصبحت منصات لتكريس الوجوه ذاتها دون تجديد أو إتاحة الفرصة لأصوات جديدة.
ويضاف إلى ذلك ضعف الحواضن الأكاديمية، إذ تراجع مستوى البحث الثقافي والفكري في الجامعات الأردنية، ما أدى إلى غياب مشاريع فكرية جادة ترفد الساحة الثقافية بأجيال جديدة من المثقفين القادرين على إنتاج معرفة مؤثرة.
ومما زاد الأمر سوءًا، تفشي ثقافة الاستهلاك السريع التي رسّختها وسائل التواصل الاجتماعي، حيث بات المشهد الثقافي أسيرًا لموجة من “المؤثرين الثقافيين” الذين يتمتعون بشعبية واسعة، ليس بسبب قيمة ما يقدمونه، بل بفضل قدرتهم على إثارة الجدل، ما أدى إلى إقصاء المثقفين الحقيقيين، الذين باتوا يعانون من التهميش لصالح ظواهر إعلامية سطحية تسهم في تكريس الرداءة بدلًا من تعزيز العمق الثقافي، كما ساهم تراجع النقد الثقافي في جعل الساحة مفتوحة أمام أي خطاب يُروّج له بغض النظر عن قيمته المعرفية أو تأثيره الحقيقي.
إن الفوضى الثقافية ليست حالة عابرة، بل ظاهرة ذات انعكاسات خطيرة على المشهد الثقافي والاجتماعي، إذ أدى غياب النخب الثقافية الحقيقية إلى تفكك الهوية الثقافية، وتراجع الحس النقدي لدى المجتمع، ما جعل الأفراد أكثر عرضة للتأثر بالخطابات الشعبوية التي تفتقر إلى الرؤية العميقة.
ولا شك أن انحسار الدور الريادي للمثقف أفسح المجال أمام تصدر شخصيات غير مؤهلة لقيادة الحراك الثقافي، ما أدى إلى تهميش القضايا الثقافية الكبرى، وإفراغ النقاش الثقافي من مضمونه الفكري لصالح قضايا آنية تفتقر إلى البعد الاستراتيجي.
إلى جانب ذلك، فإن تغييب المثقف الحقيقي عن صناعة السياسات الوطنية كان أحد أبرز مخرجات هذه الأزمة، إذ لم يعد المثقف شريكًا في بلورة الرؤى الاستراتيجية، أو تقديم حلول للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل جرى عزله في فضاءات ثقافية مغلقة، بعيدًا عن دوائر التأثير وصناعة القرار.
إن غياب الفكر النقدي والتحليلي الذي تنتجه النخب الثقافية أضعف مستوى التخطيط الوطني، وكرّس مبدأ السياسات الآنية القائمة على ردود الفعل، بدلًا من ترسيخ مبدأ الاستراتيجيات العميقة التي تستند إلى فهم متكامل للمجتمع وتحولاته.
فمن المفترض أن يلعب المثقف دورًا جوهريًا في تقديم رؤى مستدامة لتطوير الدولة وتعزيز تماسكها الاجتماعي، غير أن ضعف التواصل بين المؤسسات الثقافية ومؤسسات الدولة حوّل المثقف إلى مجرد شاهد على الأحداث، بدلًا من أن يكون مساهمًا في تشكيلها.
وفي ظل هذه الأزمة، أصبح من الضروري إعادة النظر في آليات إنتاج النخب الثقافية، من خلال إعادة إحياء دور المؤسسات الثقافية والفكرية لتعود كما كانت حواضن حقيقية للمثقفين، ودعم البحث الأكاديمي لتعزيز المشهد الثقافي برؤى جديدة تتسم بالعمق والابتكار.
كما يتوجب العمل على خلق بيئة نقدية حقيقية تكفل التمييز بين الثقافة الحقيقية والثقافة الزائفة، وتساهم في فرز النخب القادرة على تشكيل الوعي المجتمعي، بدلًا من ترك الساحة مفتوحة أمام موجات من الرداءة التي تكرّس الركود الفكري.
إضافة إلى ذلك، فإن إعادة الاعتبار لدور المثقف في صياغة السياسات الوطنية هو ضرورة ملحّة، إذ لا يمكن لأي دولة أن تحقق نهضة حقيقية دون أن يكون لديها مفكرون قادرون على تقديم رؤى بعيدة المدى، تسهم في توجيه المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتساعد في بناء دولة قائمة على المعرفة والتخطيط السليم، لا على الارتجال وردود الأفعال.
إن المشهد الثقافي ليس ترفًا كما يروج له البعض، أو كما تتعامل معه المؤسسة الرسمية، بل ضرورة وطنية للحفاظ على الهوية الثقافية وتعزيز الوعي الجمعي، إذ لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دون نخب ثقافية تمتلك القدرة على قراءة الواقع، وإعادة تشكيل الفكر، وطرح مشاريع ثقافية تعيد الاعتبار لدور المثقف الحقيقي، وتُسهم في إعادة توجيه بوصلة الوعي نحو قضايا أكثر عمقًا وارتباطًا بالمصلحة الوطنية.
وعليه، فإن إعادة إنتاج النخب الثقافية تتطلب مشروعًا وطنيًا متكاملًا يُعيد الاعتبار للثقافة بوصفها ركيزة أساسية في بناء الدولة والمجتمع، بعيدًا عن الفوضى التي تهدد بانزلاق المشهد الثقافي إلى حالة من الفراغ الفكري الذي لا يخدم سوى القوى التي تستفيد من تغييب الوعي وانحسار دور المثقف الحقيقي.